في ظرف عامين ونصف العام فقط، غيَّر رئيس الحكومة شعار حزبه ونواة برنامجه الانتخابي من القضاء على الريع والفساد إلى شعار «اللحم إلى خناز ما يهزوه غير مَّاليه»، والمناسبة هي تنصيب بنكيران نفسه تحت قبة البرلمان محاميا لعلي الفاسي الفهري، المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء؛ وبالرغم من وصول هذا المكتب إلى الإفلاس وإجبار دافعي الضرائب المغاربة على تحمل نتائج سنوات من فساده المالي بالرفع من أسعار فواتير الكهرباء، فإن ذلك لم يمنع المسؤولين عن ذلك من القول في قرارة أنفسهم «الله يخلف»، وأقاموا مع ذلك حفلا باذخا كلف 200 مليون سنتيم، بعدما وزعوا في ما بينهم «بريمات» وصلت إلى 25 مليون سنتيم. والظاهر أن «تشيار» المكتب الوطني للكهرباء بتعويضات مالية بالملايين لفائدة كبار موظفيه في أوج إفلاسه المالي، واختتام ذلك بسهرة باذخة امتدت لثلاثة أيام متتالية، ليسا سوى احتفال بالقرار الذي اتخذته الحكومة من أجل إنقاذ المكتب من ورطته المالية، بعدما وجدوا الحل في جيوب المواطنين وفواتيرهم الكهربائية الشهرية. ولأن كل موظفي المكتب الوطني للكهرباء يستهلكون الكهرباء بالمجان، فإن لسان حالهم اليوم يقول «الحمد لله كاين اللي يخلص»، والحمد لله أيضا على وجود حكومة يقودها حزب كان يتسبب في هبوط «الما في الركابي» لقلاع الفساد والريع، قبل أن تدور «الناعورة» ويقرع كبار مسؤولي المكتب الوطني للكهرباء الكؤوس احتفالا بخروج مكتبهم سالما غانما معافى بعد سنوات طويلة من الفساد المالي. لكن يبدو أن الحكومة الحالية، التي كانت تتوعد أصحاب الريع والفساد بالويل والثبور وعظائم الأمور، قد غيرت سياستها وعوضتها بسياسة «دور مع العودة وشري بنتها». واليوم، يريدون إقناع وإجبار المغاربة على دفع فارق الفساد وسوء التدبير عبر فواتيرهم الكهربائية. وإذا كان بنكيران يستشهد بأن سائقه الخاص لن يدفع من جيبه أية زيادة في الكهرباء لأن استهلاكه لا يتعدى 90 كيلوات في الشهر، فإنه في المقابل لم يقل لنا شيئا عن الداعي إلى صرف 25 مليون سنتيم كتعويض مالي لأحد كبار موظفي المكتب الوطني للكهرباء في عز الأزمة المالية، مع أن الأحق هو أن يدفع موظفو المكتب ومدراؤه من تعويضاتهم المالية الخيالية لسد عجز المكتب وليس المواطن، سواء كان سائقا خاصا لرئيس الحكومة أو مجرد «كورتي» في أصغر محطة طرقية. وإذا كانت حكومة بنكيران قد قررت اللجوء السهل إلى جيوب المواطنين في كل فضيحة وأزمة مالية، مستحلية الأمر، فإن عليها أن تعطي المثال ليس ب»الشكوى وتخراج العينين» بل بالقضاء على البذخ وصرف «البريمات» بعشرات الملايين لمسؤولين تسببوا في فساد وإفلاس المؤسسات العمومية الاستراتيجية؛ وعلى رئيس الحكومة، الذي يبرئ اليوم من يشاء ويوزع الاتهامات على من تلتقطهم عيناه عاملا بالمثل الشعبي «الصيادة على قد الشوف»، أن يعطي مساحة في كلامه لمؤسسة اسمها القضاء خولها الدستور لوحدها مهمة الإدانة والتبرئة. وإذا كان مسؤولو المكتب الوطني للكهرباء، الذين أوصلوا المكتب إلى الإفلاس وطلب الصدقة، «صالحين لبنكيران وما لقا عليهم والو»، حسب قوله، فمسؤوليته تتمثل في أن يجبرهم على التخلي عن «بريماتهم»، ويقول لهم بصفته رئيس حكومة منتخبا مفروضا فيه الدفاع عن مصالح الشعب: «وَقّْرُو عليكم جيوب عباد الله». لكن كما يقولون «الله يجعل كل كدية فيها دلية»، وحكومتنا وجدت في جيوب عباد الله «الداجينا والدوا الحمر» للفساد والريع الذي يغطي البلاد، وقد أحيانا الله حتى سمعنا بنكيران يعترف بأن راتبه ورواتب وزرائه ورواتب البرلمانيين ليست سوى ريع،... مع أن الحقيقة التي لا يستطيعون التصريح بها هي: «ريع ولا خليع... المهم ما سخيناش بيه».