مصلحة التشخيص بمستشفى ابن الحسن للأمراض العقلية والنفسية والذي يوجد بمحاذاة سجن عين قادوس، أفواج كبيرة من المرضى بعضهم جاء لمتابعة العلاج وآخرون جاؤوا للاستشارة، والبعض الآخر يقيم بالفضاء ذاته وينتظر دوره لتلقي «حقنته» من العلاج النفسي لدى المختصين. وبين الفينة والأخرى تسمع صرخات هنا وهناك، وفي أحيان أخرى يعجز المكلف ب«تنظيم الصف» عن «تأمين» الزيارة بسبب احتجاجات متتالية من قبل المرضى على تأخر استقبالهم من قبل الطبيب أو الطبيبة المعالجة بدت ساحات فاس وشوارعها الرئيسية، في الآونة الأخيرة، شبه خالية من «الحركة الدؤوبة» ل«حماقها». وبالرغم من أن ربط هذا «الاختفاء» يتم عادة بالتزامن مع زيارات متتالية يقوم بها الملك محمد السادس للمنطقة لتدشين مشاريع تنموية وسكنية بها، فإن مصادر أمنية تشير إلى أن «الحملات» ل«تطهير» الفضاء العمومي من «العناصر التي يمكنها أن تشكل خطرا على الأمن العام»، تتم بشكل مستمر. في مصلحة التشخيص بمستشفى ابن الحسن للأمراض العقلية والنفسية والذي يوجد بمحاذاة سجن عين قادوس، أفواج كبيرة من المرضى بعضهم جاء لمتابعة العلاج وآخرون جاؤوا للإستشارة، والبعض الآخر يقيم بالفضاء ذاته وينتظر دوره لتلقي «حقنته» من العلاج النفسي لدى المختصين. وبين الفينة والأخرى تسمع صرخات هنا وهناك، وفي أحيان أخرى يعجز المكلف ب«تنظيم الصف» عن «تأمين» الزيارة بسبب احتجاجات متتالية من قبل المرضى على تأخر استقبالهم من قبل الطبيب أو الطبيبة المعالجة. وفي صباح يوم الخميس الماضي وصل صف مصلحة التشخيص إلى حوالي 47 شخصا. وتحكي الدكتورة حورية إدمهاودي، مسؤولة قسم التشخيص بهذا المستشفى أنها استقبلت لوحدها يوم الاثنين الماضي 45 حالة، وفي يوم الثلاثاء استقبلت 46 حالة، بينما استقبلت يوم الأربعاء حوالي 35 حالة. وتقول الدكتورة إدمهاودي إن الإصابة بالسكيزوفرينيا تعد من أغلب الإصابات المرضية التي تفد على هذا المستشفى، لكن حالات أخرى مرتبطة بالقلق والاكتئاب والفوبيا في تصاعد. وبدا أن أغلب الزوار هم من الشباب وأغلبهم تظهر عليه علامات الانحدار من فئات اجتماعية فقيرة. وتربط الدكتورة إد مهاودي بين ارتفاع نسبة الزوار في الآونة الأخيرة مقارنة مع الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي بظروف المعيشة وظروف السكن القاسية وطغيان الإحساس بعدم الأمان على إحساس الشباب، هذا مع الإشارة إلى تخلي العائلة والمحيط في بعض الأحيان عن الدور الموكول لهما. فأحدهم اضطر لمتابعة العلاج بعدما دخن 16 لفافة حشيش في مرة واحدة وشرب معها قنينة خمر من نوع «الماحيا»، لسبب بسيط يتعلق بفشله في التقرب إلى فتاة يعشقها. وتشرح الدكتورة إدمهاودي أن أغلب المرضى الذين يستقبلهم المستشفى هم من الشباب الذين «اختاروا» التعاطي بشراهة للمخدرات بعدما أحسوا بأن الأبواب قد سدت في وجوههم بسبب الأوضاع الاجتماعية المقلقة وتفشي البطالة. مستشفى ابن الحسن للأمراض النفسية والعقلية، أسس في سنة 1982، وألحق بالمستشفى الجامعي في سنة 2005، بعدما ظل تابعا بشكل مباشر لوزارة الصحة، ويعد المستشفى الوحيد المخصص للأمراض العقلية والنفسية بجهات فاس. يقصده المرض من جهة مكناس تافيلالت ومن جهة تازة تاونات، علاوة على جهة فاس بولمان. وبالرغم من ازدياد عدد المرضى الوافدين عليه، فإنه يعاني من عجز في الموارد البشرية، وذلك إلى جانب ضعف طاقته الاستيعابية. فعدد الأطباء به لا يتجاوز الستة وممرضوه لا يتجاوزون 13 ممرضا، ولا يمكنه أن يستقبل سوى حوالي 70 حالة من الحالات التي توصف ب«الصعبة»، في جناحين أحدهما مخصص للإناث والآخر مخصص للذكور. وتتحدث الدكتورة إدمهاودي عن أن المؤسسات الأخرى العاملة في المجال الاجتماعي وأخرى تعتبر مسؤولة عن قطاعات السياحة والصناعة التقليدية والأوقاف والشؤون الإسلامية، مطالبة بأن تساهم بالنهوض بأوضاع مثل هذه المستشفيات، وذلك حتى يتأتى لها القيام بواجبها في «محاصرة» بعض الأمراض التي يمكن أن تشكل خطرا على الأمن العام وعلى صورة المغرب لدى السياح. في بعض «فترات الذروة» يمكن للمستشفى أن يستقبل، في يوم واحد، ما يقرب من 15 حالة مرضية ب»السكيزوفرينيا». وتسلم أغلب هذه الحالات لمسؤولي المستشفى من قبل رجال الأمن أو الدرك، وفي حالات قليلة من قبل العائلات. لكن يحدث كذلك أن يسلم القضاء للمستشفى حالات أخرى قرر إحالتها على هذه المؤسسة لتلقي العلاج نظرا لأن الجنح المرتكبة من قبلهم ليسوا مسؤولين عنها. ويبلغ عدد هؤلاء حاليا بالمستشفى ما يقرب من 13 حالة، وإلى جانبها 6 حالات حكم عليها بالسجن، لكنها حولت إلى المستشفى لتلقي العلاج تحت حراسة رجال الأمن. ومن جهته، يقر محمد أحفاي، مقتصد متصرف بالمؤسسة بالقدرة الاستيعابية الضعيفة للمستشفى وبالنقص الحاصل في موارده البشرية، لكنه يوضح بأن إدارة المستشفى الجامعي، الوصي على المؤسسة التي يعمل بها، تولي «عناية خاصة» لهذه المؤسسة وتنصت للمشاكل التي تطرح عليها وتتفهم ما يسميه بضغط الوافدين على المؤسسة. وإلى جانب هذه المشاكل، يرى أحفاي بأن طبيعة المرضى الذين يستقبلهم ابن الحسن تجعل المسؤولين في «معركة» مستمرة مع النظافة. «والمرضى يؤتى بهم، في أغلب الحالات من الشارع، وهم في حالة يرثى لها من الأوساخ وبلحي كثة وحشرات تملأ الجسد، وعلينا أن نقوم بالواجب وأن نعتني بهم في انتظار مغادرتهم». لكن هذه المغادرة بدورها تطرح مشاكل للمشرفين على هذه المؤسسة، لأن أغلب المرضى من «حماق الشارع» بهويات مجهولة وبإمكانيات عقلية ضعيفة أو منعدمة. والإقامة في المستشفى لا يمكنها بسبب ضعف الطاقة الاستيعابية أن تدوم في معدلها المتوسط سوى ما يقرب من 15 يوما. وهذا ما يوحي لهؤلاء العاملين، في القطاع، بأنهم في معركة «العبث» من أجل معالجة هؤلاء. فمرضاهم من «أناس الشارع» ومدة استقبالهم في المستشفى لا تدوم سوى نصف شهر، عليهم بعدها أن يعودوا حيث أتوا. وهكذا تدور المجهودات في دوامة فراغ. «وحتى المراكز الخيرية الموجودة بالمدينة تعاني من حالة الاكتظاظ وطاقتها الاستيعابية بدورها ضعيفة». وحدها الحالات الشرعية المحالة على المؤسسة بقرار قضائي هي التي تكون محظوظة في بعض الحالات في إطالة مدة إقامتها بهذا الفضاء. فمغادرتها يتطلب مراسلة وكيل الملك وانتظار موافقته. وفي حالة رفضه القرار يحال الملف على اللجنة الصحية بالمدينة ويمكن لهذه اللجنة ألا تجتمع لفترة تصل إلى 6 أشهر لتناقش مثل هذه الملفات. وإذا لم توافق بدورها، فإن البت في ملف الحالة الشرعية يتم تأجيله. «حماق» فاس، وبعد انصرام مدة قصيرة، سيعودون إلى الشارع العام ومعهم ستعود المشاكل التي يطرحونها في ظل تخلي الأسرة والمحيط عن دوره، وفي ظل غياب الإمكانيات لدى مستشفيات الطب النفسي والعقلي. وسيفرض عليهم، تبعا لذلك، أن يعيشوا في ظروف لا علاقة لها بالإنسان ليلا ونهارا جميع أحوال الطقس وأن تنال منهم الأمراض والأوساخ وأن يمارسوا اعتداءات لا يشعرون بخطورتها وأن يسلموا الروح دون أن يهتم بهم أحد في زاوية من الزوايا، وفي بعض الأحيان لا يشعر المحيط بموتهم إلى أن تبدأ جثتهم في إطلاق رائحة العفن.