هل الضرب وسيلة تربوية؟ ما منا من أحد، خاصة جيل الستينيات فما قبل، إلا وخبِر في طفولته بشكل أو بآخر العقاب الجسدي وألمه رغبة في سيطرة الوالد ومعه " لفقيه، إمام مسجد الحي، في سلوكاتنا الاجتماعية، وكان الأب يقول للإمام همسا أو جهرا " أنت تقتل وأنا ندفن " ... أما عبارة " العصا لمن يعصى " ففي الذاكرة محفورة تقرع الآذان ونتنذَّر بها رُغم طول الأمد. ومازال للأسف الشديد بعض الآباء ينهجون السلوك عينَه ظنا منهم، بحسن نية وقصد، أن الضرب هو الطريقة المثلى والوسيلة الفعالة للسيطرة على الطفل وكبح جماحه، وعندها لا يملك المسكين إلا الطاعة، والنتيجة حتما اتِّباع أساليب الكذب والمراوغة والتهرب تجنُّبا للعقاب المرتقب. وكم ينتشي الأب حين يرى الأثر " الإيجابي " لعنفه، ليفاجأ في نهاية الأمر أن الوضع لا يعدو مجرد تغيير مؤقت، فهو قد امتنع عن السلوك السلبي حين كان أمام أنظار السلطة الأبوية، وما إن زالت حتى عاد لممارسة السلوك نفسه الذي من أجله ضُرب، هذا فضلا عما يحدثه العنف من فقدانه جوانب إيجابية في شخصيته مثل: الجرأة والثقة في النفس والتواصل مع أقرانه. إن الطفل، شأنَ البشر كلهم، قد يقع في الخطأ في اختياراته وسلوكه ومواقفه، وهنا، عوض ضربه جسديا أوإيلامه نفسيا، وجب توجيهه وإرشاده وتعليمه وتقويمه، من خلال تزويده بقواعد وضوابط وتعليمات ينبغي مراعاتها . وإليك، أيها الأب، أيتها الأم، بعض خطوات العقاب التربوي: -تحديد الهدف من العقاب بما هو تعديل للسلوك بما يتوافق والمعايير الأخلاقية والاجتماعية والثقافية السائدة في المجتمع. -عدم استعمال العقاب البدني تفريغا الغضب دون نتائج ملموسة على سلوك الطفل. - من الأسلم عدم اللجوء للعقاب قبل التأكد من فهمه للفرق بين السلوك الخاطئ والسلوك السليم. - التحلي بالصبر، وتوضيح السلوك السليم، وشرح الخطأ من أجل تلافيه مستقبلاً. -استخدم أسلوب التهديد إذا استمر الطفل في عناده على الخطأ مع مراعاة أسلوب تنفيذه، بحيث لا يكون التهديد ضاراً به. - تفادي تكرار استخدام الوالدين للأسلوب نفسه في كل مناسبة، ومع كل تصرفات الطفل الصغيرة منها والكبيرة. -إذا أخفى السلوك عن والديه، ثم علما به بعد ذلك فالأفضل تجاهل الأمر، مع استخدام وسائل غير مباشرة في التوجيه. -تجنُّب الصفع على الوجه أو الحجز في غرفة مظلمة وكل ما من شأنه تعريضه للأذى الجسدي الحقيقي والنفسي أيضا. - عدم ضربه في المدرسة لما لذلك من نتائج مدمرة منها: -عدم الرغبة في زيارتك لمدرسته مستقبلاً، بذر الكراهية في نفسه لمعلميه وطاقم مدرسته، لأنهم في نظره قد وشوا به عند أبيه، شعوره بالنقص أمام زملائه التلاميذ . -لا تضرب أبنك إطلاقاً عند قيامك بشرح بعض الدروس، أو مساعدتك له في حل الواجبات المنزلية، حتى وإن بدر منه عدم الفهم أو التقصير، لأن ذلك سيجعله ينفر من مساعدتك له، وقد يطلبها منك أبداً. - إذا لم تجد من الضرب بدا فلا تضربه وأنت في حالة غضب، فقد تقوم بأعمال لا تحمد عقباها. -أن لا يكون العقاب بمثابة حكم قضائي؛ لأن هذا الأسلوب بعيد كل البعد عن مفهوم الأسرة التي تتميز بالتواد والرحمة والتعاطف، وأقرب لمفهوم القضاء وكأنه في سجن وليس في أسرة. - عدم استعمال عبارات ذات معنى سلبي، لأن ذلك من الممكن أن يترسب بداخله، ويعتقد أنه بالفعل شعور حقيقي مستقبلا. علما أن العقاب لا يتمثل في الضرب أو إلحاق الألم البدني بالطفل، وإنما قد تكون كلمة أو نظرة أو فعل كافياً لتوجيه اللوم إلى الطفل وإشعاره بأنه أقدم على فعل شيء خاطئ. والأفضل من هذا وذاك أن تكون لابنك مصدر أمن لا مصدر تهديد، متفاديا اجتناب استخدام الضرب ما استطعت إلى ذلك سبيلا. وفي الختام أضع بين يديك بعض الأساليب التي أراها بديلة للعقاب: - إشباع احتياجات طفلك خصوصاً العاطفية منها . - تعزيز السلوك المرغوب. - لا تقنع أطفالك بخطأ معين وأنت تمارسه. - إشاعة السكينة والحوار والتفاهم وحل المشكلات دون عقاب أو عنف داخل المنزل، واضعا نصب عينيك التوجيه النبوي الجامع " ما دخل الرفق في شيء إلا زانه، وما دخل العنف في شيء إلا شانه " حسن رقيق (استشاري العلاقات الأسرية)