تمثل حركة 20 فبراير، التي انطلقت في الشهر نفسه من عام 2011، نقطة ارتكاز أساسية في قراءة الأوضاع السياسية لمغرب ما بعد الاستقلال، ذلك أنها شقت طريقا جديدة في المناداة بالإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلاد، بل ربطت جميع مستويات الإصلاح بالمستوى السياسي، ممثلا في وضع دستور جديد وإنشاء ملكية برلمانية. لقد انطلقت الحركة في غمرة الحراك العام الذي شهدته بعض البلدان العربية، تحت مسمى الربيع العربي، بعد الانتفاضة الشعبية التي شهدتها تونس في نهاية عام 2010 وأدت إلى فرار الرئيس التونسي. ولذلك شكلت الحركة في بداياتها الأولى محاولة لنقل عدوى الربيع إلى المغرب، باعتبارها أداة للمطالبة بالإصلاح وتجاوز الجمود الذي كان ينخر جسم الأحزاب السياسية والتنظيمات الأخرى. من الناحية الديمغرافية والاجتماعية، تشكلت الحركة من الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية التي ظلت لفترات طويلة بعيدة عن الأحزاب السياسية والهيئات النقابية أو الجمعوية الأخرى. ذلك أنها انطلقت بوصفها حركة شبابية تشمل الفئة العمرية ما بين 16 و35 سنة تقريبا، وهي الفئة التي تنفر من العمل السياسي داخل الأطر الحزبية الموجودة. وجاء ميلاد الحركة في ظرفية كانت تشير فيها التقارير إلى انتشار ظاهرة العزوف السياسي، خاصة في أوساط الشباب من الجنسين، وهي ظاهرة كانت تسير بالتوازي مع ظاهرة مرافقة لها أو ناتجة عنها، هي ظاهرة شيخوخة الأحزاب السياسية، سواء كانت هذه الشيخوخة تعني هيمنة جيل الأربعينات والخمسينات على تسيير مقاليد الأمور داخل هذه الهيئات، أو كانت تشير إلى ترهل خطابها السياسي وعدم مواءمته للظروف الجديدة التي تتسم بانقلاب الهرم الديمغرافي في المغرب وغلبة فئة الشباب على فئة كبار السن. أما الميزة الثانية للحركة فقد تمثلت في أنها جمعت الفئات الاجتماعية الأكثر انفتاحا على وسائط الاتصال الجديدة والابتعاد عن الوسائط التقليدية، مثل الصحف. وتتسم هذه الوسائط بسرعتها في نقل المعلومة والصورة، وفي الشمولية والاكتساح، وفي شكل معين من الحميمية. بيد أنه بالإمكان القول بأن حركة 20 فبراير مثلت منطقا جديدا في المطالبة بالإصلاح يتجاوز منطق»الحركة الوطنية»، المنطق الذي استمر سائدا منذ بداية الاستقلال إلى نهاية العشرية الأولى من الألفية الثالثة. فقد حولت الحركة مركز الجذب في عملية المطالبة بالإصلاح من الأحزاب السياسية التي تستمد مشروعيتها بشكل أو بآخر من ذلك المنطق الكلاسيكي الذي لم يعد يغري الفئات الشبابية الجديدة، وحولت مركز الجذب إلى الشارع. فقد كانت حركة جديدة تتضمن في أحشائها نوعا من التمرد على الخطابات الحزبية الموجودة، ونوعا من الانتقاد الضمني أو الصريح لآيات اشتغال هذه الأحزاب باعتبارها تحولت إلى نواد مغلقة، تعتمد المناورة السياسية، التي أصبحت في الكثير من الأحيان مبررا لتفويت فرص الإصلاح، بل وتبرير الأمر الواقع. ولذلك فتحت هذه الحركة آفاقا جديدة في الإصلاح لم تكن مألوفة من قبل، وبدا أنها تتجاوز مشروعية الأحزاب السياسية. لذلك يمكن القول بأن حركة 20 فبراير لم تأت بوصفها تحديا للدولة، بل أيضا للأحزاب السياسية، وهو ما دفع هذه الأخيرة إلى محاولة توزيع ثقلها ما بين الحركة والدولة، في عملية يمكن القول بدون لف أنها كشفت الانتهازية السياسية لبعض الأحزاب التي جربت الارتماء في حضن الحركة في اللحظة الأخيرة. فقد لجأ الكثيرون من بعض هذه الأحزاب إلى التسلل داخل هذه الحركة والظهور أمام الكاميرات في المسيرات التي كانت تنظمها، وهي عملية سعى من ورائها هؤلاء إلى تحصيل مكسبين: تجديد مشروعية التمثيل السياسي أمام الفئات الشبابية، والبحث عن مشروعية التفاوض السياسي أمام الدولة. ولذلك نلاحظ أن جل هذه الأحزاب السياسية لم تعلن تبنيها لمطالب الحركة أو لوسائل عملها، بل سعت إلى الالتفاف على هذه المطالب من أجل تحويل اتجاه الأضواء نحوها، والتذكير مثلا بأن تلك المطالب كانت مطالبها هي منذ سنوات، كما هو الأمر بالنسبة لمطلب الملكية البرلمانية الذي جدد حزب الاتحاد الاشتراكي التذكير به. كما أن بعض الأحزاب السياسية الأخرى حاولت توظيف الحركة لدعم مطالبها أو تصفية حسابات مع أحزاب سياسية أخرى، كما هو الأمر بالنسبة لحزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، وهو ما أدى إلى فقدان الحركة للمبادرة على مستوى الشارع، وتحريف مطالبها الرئيسية الأولى التي كانت تتمثل في محاربة الفساد وإنجاز الإصلاحات الجوهرية والتوزيع العادل للثروة بين الأجيال وبين الجهات، ذلك أن الحركة لم تقتصر فقط على جهتي الرباط والدار البيضاء، بل عمت جهات كثيرة في المملكة أفصحت عن عمق المشكلات الحقيقية الموجودة فيها. وقد مثلت حركة 20 فبراير مركز الرهان بالنسبة لكل من المعارضة البرلمانية والمعارضة غير البرلمانية، الأمر الذي قد يكون ساهم في إجهاضها في وقت مبكر. فقد رأت فيها المعارضة البرلمانية وسيلة لإعادة تجديد نفوذها أمام الدولة وإحياء دورها السياسي والخروج من الجمود، وإيجاد موقع مسبق لها في الترتيبات السياسية. فيما رأت فيها المعارضة غير البرلمانية مثل جماعة العدل والإحسان واليسار الراديكالي فرصة لفرض نفسها في الشارع والخروج من العزلة. بيد أن هذا الرهان المزدوج ساهم في إعطاء صورة سلبية عن الحركة سرعان ما تم استثمارها سياسيا لإجهاضها، حيث ظهرت باعتبارها أداة في يد المعارضة غير البرلمانية، ومن ثم كانت محاولات تصفيتها بمثابة تصفية لهذه المعارضة، وقطع الطريق أمامها. لماذا تحولت حركة 20 فبراير إلى مجرد ذكرى بعد شهور من ميلادها الغالي: الحركة في حالة موت سريري وأهم إنجازاتها كسر حاجز الخوف مصطفى الحجري رغم أنها استطاعت أن تخلق رجة سياسية واجتماعية جعلت المغرب مهددا، في مرحلة معينة، بعواصف ما سمي ب«الربيع العربي»، إلا أنها سرعان ما تحولت بعد أشهر قليلة من ميلادها إلى مجرد ذكرى قد لا يقف التاريخ السياسي بالمغرب عندها طويلا، وهو أمر يرجعه عدد من المحللين، الذين أخضعوا ميلاد الحركة وتطورها واختفاءها لمجهر البحث، لأسباب متداخلة. ورغم أن الحركة تحولت الآن في نظر عدد من أسمائها إلى حلم مجهض، بعد أن فقدت الزخم الشعبي الذي كان يغذي الاحتجاجات، وكذا الزخم الإقليمي والدولي الذي استمدت منه شرعيتها وقوتها، ما جعل تعامل السلطات معها حذرا ومتوجسا، فإن الحركة نجحت على الأقل في ترك بصمات تتمثل في تحقيق مكاسب معنوية، حسب ما أكده الدكتور الغالي محمد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، الذي أكد أن الحركة توجد الآن في حال موت سريري، بعد أن طرحت نفسها في مرحلة معينة كبديل للتعبير عن مطالب الشعب بشعارات كانت موضوعية. ونبه الغالي إلى أن المصير الذي لقيته الحركة، وفشل محاولات إنعاشها وبعث الروح فيها من جديد لا يعني أن الأمور قد تغيرت كثيرا بالمغرب، حيث لازالت الأرضية التي انطلقت منها الحركة موجودة من إقصاء وتهميش وبطالة وفساد، هذا «رغم المجودات التي بذلت والتي يجب أن لا ننكرها»، غير أن الوضع حسب الغالي يقتضي الإقرار بأن «المشاكل الأصلية الكبيرة لازالت قائمة، بحكم أن الفساد يتلون ويتخذ سلوكات وصور جديدة». ولأن أي فكرة تحمل بذور فنائها، فإن الحركة وحسب عدد من المتتبعين حملت بذور فناء كثيرة، منها عدم الانسجام، وعدم النضج السياسي لعدد من الأسماء التي حاولت فرض نفسها كقيادات للحركة لمواجهة الدولة وفرض التغيير عليها، حيث تحكمت الانفعالات والعواطف في تحركات الحركة، إضافة إلى تهافت عدد من الأسماء الحقوقية على فرض أبنائها ضمن قيادات الحركة بشكل يتناقض تماما مع الشعارات التي كانت ترفعها، إضافة إلى بعض الخطوات الانفرادية التي أضرت بالحركة، لتأتي الضربات القاضية بعد تورط بعض أسمائها في مغامرات سياسية وأخلاقية أثارت ضجة كبيرة، ما خلق ثغرات كثيرة استغلتها الدولة لترويض الحركة. في المقابل، فإن الموضوعية تقتضي التأكيد أيضا على وجود أسباب جوهرية جعلت الحركة تختنق من الداخل، بعد الموقف الشاذ الذي اتخذته الأحزاب والنخب، رغم أن الحركة كانت ترفع شعارات معظمها يهدف إلى تحقيق مطالب الجماهير الشعبية التي نزلت إلى الشارع تلبية لدعواتها، وجوبهت أحيانا بتدخلات أمنية عنيفة ما ترك الحركة معزولة ودون سند، وهو ما جعل جماعة العدل والإحسان تدخل على الخط وتوظفها لاستغلالها كورقة في صراعها مع الدولة. وفي هذا الصدد يؤكد الغالي أن الأحزاب المغربية لم تكن صريحة وتعاملت مع الحركة بانتظارية، حيث كانت تنتظر من سينتصر لتصبح معه، وتبنت منطق «مع الرابحة»، وهو ما ينطبق أيضا على النخبة التي لم تنخرط، وبقيت تتفرج، وتركت مسافة بينها وبين ما يحدث من حراك شعبي، وهو موقف أرجعه الغالي لرغبة النخبة في الحفاظ على مصالحها، وهو ما يفسر أيضا عدم ظهور أي أدبيات أو امتداد لأفكار الحركة في أي خطاب أو برنامج سياسي قد يمكن من استثمار ما فرضته حينها من خلخلة في موازين القوى. ورغم ذلك، يقول الدكتور الغالي محمد بأن الحركة تركت بصمات في سيكولوجية المواطن المغربي بعد أن أزالت عتبة الخوف، وأكد بأن المواطن المغربي أصبح أكثر جرأة في الدفاع عن حقوقه، وأصبح يتبنى فكرا جديدا قوامه أن مؤسسات الدولة خلقت لخدمته وليس العكس، وقال الغالي إن التأثير الذي خلفته الحركة يبدو أيضا في عدد من المدن المهمشة والمناطق النائية، التي ظهرت فيها حركات احتجاجية رغم أنها تقوم على نظام الأعيان، الذي يعد نظاما مهدئا ومساعدا في احتواء الأشكال الاحتجاجية. وبخصوص الدستور الجديد، الذي جاء بعد الاحتجاجات التي عمت معظم المدن المغربية، قال الغالي إنه «ترجمة لميزان القوى في مرحلة معينة، وحين نقرأه ندرك جيدا أن من يتحكم في تأويل النصوص هو ميزان القوى»، وأضاف بأن ذلك لا يمنع من التأكيد بأن الحراك الذي قادته الحركة فرض على الدولة أن تقوم بمراجعات، رغم أنها «مراجعات ضمنية وليست صريحة»، مؤكدا أن الدولة «تدرك وجود أشياء يتعين العمل على علاجها، لذلك تسعى إلى إعادة الهيكلة بطريقة تضمن لها موقعها». ولم يستبعد الغالي أن تظهر مستقبلا مكونات مماثلة لحركة 20 فبراير، وأشار إلى أنه في مرحلة معينة كانت الاختلاسات ونهب المال العام يتمان بشكل واضح ومكشوف، وبعد المد الذي جاءت به الحركة «أصبحنا نعاين صورا جديدة للفساد وتبديد الأموال العمومية بشكل يلمسه كل المواطنين»، مضيفا أنه «ما دامت هذه الأسباب قائمة فيمكن أن يظهر مكون قد لا يكون بالضرورة 20 فبراير». هل يمكن لحركة 20 فبراير أن تبعث من جديد؟ خديجة عليموسى دخلت حركة 20 فبراير في سنتها الرابعة، هذه الحركة التي ظهرت بالمغرب في سياق إقليمي وداخلي مرتبط بما جرى في المنطقة العربية من تحولات سياسية واجتماعية، وهو ما جعلها تحقق عددا من المطالب يظل أبرزها دستور 2011، لكن مع مرور الزمن بدأ دورها يتراجع وما يؤشر على ذلك حضورها الضعيف في بعض المحطات من حيث عدد المتظاهرين، كما أنها أضحت تخرج للمناداة بمطالب اجتماعية ألفت هيئات أخرى القيام بذلك منذ سنين، وهو ما يجعل المتتبع يطرح السؤال التالي: هل يمكن للحركة أن تنبعث من جديد وتحقق إنجازات سياسية وترفع من سقف مطالبها؟ أم أن هذه الهيئة حققت أهدافها ولم يعد هناك جدوى لوجودها؟ يمكن لحركة 20 فبراير أن تعود إلى الواجهة من جديد إذا ما توفرت لها الشروط المناسبة، وإذا ما وقعت أحداث تجعلها تخرج من حالة «الكمون»، وكمثال على ذلك في حالة ما إذا استشرى الفساد الذي يقره مجموعة من الفاعلين أو إذا لم يتم تنزيل الدستور بشكل سليم وبناء، يقول إدريس لكريني، أستاذ الحياة السياسية والعلاقات الدولية في كلية الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش، الذي يعتبر أن الحركة ما زالت قادرة على القيام بأدوار أخرى وذلك مرتبط بما يحمله المستقبل من أحداث وبتوفر الشروط التي أنضجت تجربتها. وإذا كان أستاذ الحياة السياسية والعلاقات الدولية، كما صرح بذلك ل«المساء»، يؤمن بقدرة حركة 20 فبراير على مواصلة حراكها، فإن حمزة محفوظ، من ناشطي الحركة، يرى أن هذا الإطار كان له عمر افتراضي وأدى ما أدى في سياق معين، وأن حركة 20 فبراير جاءت في وقت معين وقامت بدورها، وليست هيئة مقدسة. كما أنها ليست حزبا سياسيا حتى يمكن لها الاستمرار، بل أصبحت قابلة للتجاوز، وبالمقابل يمكن أن يتم تأسيس إطار آخر وتخرج حركة أخرى تحمل اسما آخر كحركة 4 أبريل (على سبيل المثال) أو أي تاريخ له ارتباط بأحداث مستجدة، ويمكن حينها الدفاع عن القيم والأهداف التي دعت إليها الحركة في السابق، شريطة الاستفادة من تجربة وأخطاء حركة 20 فبراير، يقول الناشط الفبرايري. ومن الأخطاء التي ارتكبتها الحركة، حسب محفوظ، هو «سوء تحديد الهدف هل هو ملكية برلمانية أو إسقاط النظام؟» وهو ما نتج عنه حالة من الارتباك وشوش على الهدف الموحد، إضافة إلى وجود شركاء سياسيين لهم رهانات مختلفة، ففي الوقت الذي كان فيه الحوار بين أفراد مستقلين، كانت هناك محاولات من لدن البعض لتنزيل المتفق عليه مع قادتهم السياسيين، يقول حمزة محفوظ، في تصريح ل»المساء». ورغم أن هناك ناشطين لحركة 20 فبراير يؤكدون أنهم ما زالوا في مرحلة مراجعة الأخطاء، فإن هذا التنظيم يواكب المستجدات والتطورات التي يعرفها المغرب، ويخرج إلى الشارع ليقود مجموعة من التظاهرات، إذا تطلب الأمر ذلك، كما حصل في واقعة العفو الملكي على الإسباني دانييل كالفان، مغتصب الأطفال المغاربة، وكذا خلال مناقشة قانون المالية الذي جاء لا يعكس التحديات التي يعرفها المغرب. وربط لكريني تراجع دور حركة 20 فبراير، بسبب قيام الدولة بعدد من المبادرات أهمها إصدار دستور جديد، وكذا وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة الذي تم الرهان عليه لكونه يتقاسم معها عددا من المطالب ومنها مكافحة الفساد وتخليق الحياة العامة، يقول لكريني، الذي يؤكد أن الحركة حققت الكثير وكان لها الأثر في التغيير، حيث ساهمت في إعادة النقاش العمومي النخبوي إلى الشارع، وأنه بفضلها تحققت مطالب كان يمكن انتظار ثلاثة عقود لحدوثها ومنها دستور سنة 2011، رغم أنها ظلمت كثيرا من لدن الفاعلين وفتحت المجال لبعض الأحزاب والفاعلين الاجتماعيين، حسب قول لكريني، الذين جعلوا المطالب الاجتماعية ذات أولية على حساب المطالب السياسية التي أنشئت من أجلها حركة 20 فبراير. الرضواني: المغرب اليوم في حاجة إلى حركة 20 فبراير أكثر من أي وقت قال إن أسباب خروج حركة 20 فبراير إلى الشارع لا تزال قائمة في هذا الحوار، يشرح محمد الرضواني، أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة بالكلية متعددة التخصصات بالناظور، الوضع الذي أصبحت عليه الساحة السياسية المغربية بعد ثلاث سنوات من خروج شباب حركة 20 فبراير إلى الشوارع طلبا للإصلاح، والصراع القائم بين تصورين من طرف الطبقة السياسية، والفاعلين السياسيين على وجه العموم. الرضواني يؤكد في حواره مع «المساء»، أن التحدي تحول بعد سنوات من انطلاق حركة 20 فبراير الاحتجاجية، من الصراع على مبادئ تهم الأسس الجوهرية للنظام السياسي المغربي في سنة 2011، إلى نقاش وتنافس حول التدبير الحكومي الذي يبقى تدبيرا ضعيفا، سواء على مستوى الخطاب الحكومي الذي يرتكن إلى تبرير الفشل، وإلى تقديم فرجة شعبوية، أو على مستوى تأسيس آليات جديدة تقطع مع الممارسات السابقة. حاوره: محمد الرسمي - ماهي نظرتك للواقع السياسي المغربي بعد مرور ثلاث سنوات من ظهور حركة 20 فبراير الشبابية؟ يمكن القول بأن الواقع السياسي المغربي، بعد مرور ثلاث سنوات من ظهور حركة 20 فبراير، يعرف في العمق صراعا بين تصورين للعمل السياسي. تصور أول يعمل جاهدا من أجل استمرار الآليات التي حكمت الوضع السياسي قبل دستور 2011، آليات تستحضر التوافق، وتوزيع المنافع السياسية والاقتصادية بين النخب الرسمية وشبه الرسمية بشكل مغلق، ويدافع عنه أهم المستفيدين من الأوضاع السابقة، والذين يسخرون في هذا الإطار مختلف الوسائل العلنية والخفية، بما فيها تثبيت الأطر البشرية في مواقع مفصلية، لتنفيذ السياسات العامة والقرارات. التصور الثاني يدافع عن الآليات السياسية الضرورية، التي يمكن من خلالها تحقيق وترجمة بعض شعارات الحراك المغربي في 2011، كالملكية البرلمانية، والدستور الديمقراطي شكلا ومضمونا، ومحاربة الفساد والتسلط، وغيرها من الشعارات التي رفعتها حركة 20 فبراير، أو على الأقل الدفاع عن عمل سياسي يدفع بالدستور الحالي إلى أفق ديمقراطي. ومادامت هوامش التغيير التي يتيحها النظام السياسي تبقى محددة، فإن الصراع يكون أشد بين الفاعلين السياسيين حول مجالات ضيقة لا تمس في العمق جوهر النظام، فعلى سبيل المثال الصراع بين أحزاب الأغلبية والمعارضة ومختلف تمظهراته، يمكن اعتباره مؤشرا على ذلك، فالصراع لا يتعلق بالفاعل الرسمي الرئيسي، وفاعلين آخرين معارضين له، ولا يهم عمق النظام السياسي المغربي، بل يتعلق الأمر بصراع بين فاعلين حول قضايا التدبير الحكومي الآني، حول الأسعار وإصلاح المؤسسات العمومية، ولوائح المأذونيات، وتنظيم الانتخابات. ويمكن أن نسجل في هذا الإطار كيف تحول النقاش والصراع من مبادئ تهم الأسس الجوهرية للنظام السياسي المغربي في سنة 2011، إلى نقاش وتنافس حول التدبير الحكومي الذي يبقى تدبيرا ضعيفا، سواء على مستوى الخطاب الحكومي الذي يرتكن إلى تبرير الفشل، وإلى تقديم فرجة شعبوية، أو على مستوى تأسيس آليات جديدة تقطع مع الممارسات السابقة. - كيف ساهمت التحولات الإقليمية في تراجع إشعاع وقوة الحركة على المستوى الداخلي؟ لا يمكن تفسير تراجع إشعاع حركة 20 فبراير بالأسباب الإقليمية فقط، بل لابد من التركيز على أهمية العوامل الداخلية في هذا الإطار. فإذا كان الربيع العربي شكل عنصرا إضافيا على المستوى الداخلي، حيث انتقلت أهم وسيلة للمطالبة بالتغيير المتمثلة في الاحتجاجات بشكل يشبه انتقال «العدوى»، فإن تراجع الحركة يعود بالدرجة الأولى إلى العوامل الداخلية، لأن الثورة في مصر استمرت بشكل فعال، وتوجت بوضع دستور جديد في يناير 2014، وساهمت في إسقاط رئيسين منتخبين، وفي تونس استمرت المطالب الثورية ومثل دستور فبراير 2014 أهم منجزاتها، كما أنه لوحظ منذ بداية ظهور حركة 20 فبراير اختلاف احتجاجاتها وتميزها عن نظيرتها في الدول العربية، إذ كانت في الغالب أسبوعية وأقل حدة، فمنذ البداية كانت «قصيرة النفس» إن صح التعبير. إن تراجع الحركة يعود بالدرجة الأولى إلى تراجع شعبية بعض رموزها وخفوت صورتهم الإعلامية، إما بسبب حصار السلطة، أو بسبب تقهقرهم الذاتي، وتراجع حمولة بعض شعاراتها كالملكية البرلمانية، وإسقاط الفساد بسبب تبني الفاعلين الرسميين لنفس الشعارات في الدستور وفي الخطاب الحكومي، ونجاح النظام السياسي في تجاوز مرحلة الحراك المغربي بفضل مبادرات مهمة، ساهمت في احتواء جزء من مطالب الحركة ونسبة من فاعليها، فمبادرات تعديل الدستور، ومنهجية الانفتاح في وضع مشروعه الأولي، والانفتاح على الشباب وإشراكهم في المؤسسات، والتوظيف الإعلامي لبعض المبادرات الأولية لمحاربة الفساد، شكلت إضافات مهمة للمشروعية السياسية للملك، كمبادر وقائد للإصلاحات السياسية. إن هذا التراجع صاحبته بالمقابل عودة تدريجية لدور الفاعلين التقليديين في الفضاء العمومي، كما هو الشأن بالنسبة لبعض القوى المعارضة، كالاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال والنقابات. - هل الأسباب التي أدت إلى خروج الحركة إلى الشارع انتفت اليوم، أم أنها لا تزال قائمة؟ - لا بد أن نشير إلى أن ظهور حركة احتجاجية بالشكل الذي ظهرت به حركة 20 فبراير، لا يرتبط بأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية فقط، بل تتحكم فيه جملة من العوامل والظروف المتداخلة، متعلقة بالقطاع العمومي، وبطبيعة الفاعلين السياسيين ومشاريعهم ومبادراتهم السياسية، وبطبيعة النسق السياسي، وقيم الثقافة السياسية المنتشرة. فتفاعل هذه العوامل هو الذي يؤدي في لحظة معينة إلى ظهور عمل سياسي ثوري، وهذا ما ينطبق على جميع الثورات أو ما يشبهها من لحظات كبرى للانتقال الديمقراطي. لذلك يمكن القول بأن السياق السياسي الحالي يختلف عن سياق سنة 2011، لكن الأسباب التي شكلت أساس مطالب 20 فبراير لاتزال قائمة؛ إذ إن جوهر النظام السياسي لم يتغير وتعزز باكتساب مناصرين جدد؛ مناصرين مدافعين عن التقليدانية في النظام السياسي والاجتماعي، والوضع السياسي والاجتماعي للمواطن المغربي لم يعرف تحسنا، بل أكثر من ذلك يسجل تراجعا، وجميع التقارير غير الحكومية تسجل ذلك. فبعض اللحظات التي يفترض أن تشكل فرصة مهمة لانبعاث حركة 20 فبراير وعودتها، كقرارات الزيادة في الأسعار، وتضريب بعض القطاعات الجديدة، وملفات الفساد التي تثار فيها أسماء بعض الوزراء، والأزمة الاجتماعية والاحتجاجات المحلية في بعض المناطق، ومتابعة لوائح اقتصاد الريع... لم تسجل فيها الحركة حضورا قويا، فهذه القرارات إضافة إلى طبيعة الحكومة المشكلة وطريقة التدبير المتبعة، تستوجب عودة 20 فبراير إذا ركزنا على زاوية الأسباب. - هل يمكن القول بأن الحركة قامت بواجبها وانتهت مدة صلاحياتها، أم أن الحاجة إليها لا تزال قائمة اليوم؟ الحاجة إلى حركة 20 فبراير اليوم أكثر من السابق، فإذا كانت الحركة ساهمت بشكل كبير في تعزيز تراجع الخوف من السلطة الذي سيكون له تأثير مهم مستقبلا، وفي انتشار قيم الثقافة السياسية المشاركة، المهتمة بالشأن العام والمراقبة لسياسات وقرارات محترفي السياسة، وفي انتشار مبادئ المواطنة وبعث النقاش حول أسس النظام السياسي المغربي، وهي مساهمة مهمة، فإنها بالمقابل لم تستطع فرض أهم مطالبها وشعاراتها، التي ظلت رموزا على اللافتات دون أن تجد طريقها إلى الواقع، لأن شعاراتها المتمثلة في إسقاط الفساد ومحاكمة المتورطين وإبعادهم عن تحمل المسؤولية العمومية، ورفض «الدستور الممنوح»، والمطالبة بسيادة الشعب في وضع دستور ديمقراطي وبالملكية البرلمانية، ظلت بعيدة عن التبني من طرف السلطة السياسية. فالدستور المغربي لسنة 2011 تم إعداده ووضعه بطريقة بعيدة عما كانت تطالب به الحركة، والحكومة المشكلة لا صلة لها بالحكومة في نظام الملكية البرلمانية: حكومة حزبية منبثقة عن الأغلبية البرلمانية ببرنامج واضح، واقعي وقابل للتطبيق، المستعدة للاستقالة في حالة الفشل، فحكومة بنكيران هي حكومة شبه حزبية على مستوى مشروعيتها، بحيث لا تستمد مشروعيتها من الانتخابات فقط، بل تستمد مشروعيتها كذلك من الملك؛ مشروعية ملكية وانتخابية، وهي «حكومة تلتقط كل شيء» على مستوى مكوناتها وبرنامجها. - هل يمكن أن يشهد المغرب مستقبلا موجة احتجاجية مشابهة لحركة 20 فبراير، خاصة في ظل الغضب الذي أبداه البعض من أداء حكومة عبد الإله بنكيران؟ لا تشكل حركة 20 فبراير قوة مهمة في إطار التغذية العكسية المتعلقة بالقرارات المتخذة بعد انتخابات 25 نونبر 2011، وتراجع دورها تدريجيا بشكل كبير، وهو ما يؤشر على موتها تنظيميا، ونهايتها بالشكل الذي ظهرت به، لكن روحها التغييرية ورمزيتها كنموذج إلى جانب نماذج أخرى في الماضي مازالت قائمة، ويمكن استثمارها في المستقبل القريب من طرف فاعلين جدد وبمطالب جديدة. وتؤشر حصيلة الحكومة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، على أن الاحتجاجات ستكون اجتماعية بالدرجة الأولى، وأقل تساهلا مع الحكومة وقراراتها، وسيتمحور الصراع حول التدبير الحكومي أكثر من تركيزه على جوهر النظام السياسي، وعليه فظهور موجة احتجاجية شبيهة ب20 فبراير أمر مستبعد، لأن ظهور مثل هذه الحركات كما سبقت الإشارة إلى ذلك، مرتبط بتفاعل عوامل عدة وسياق دولي ووطني.