مجلس النواب يصادق بالأغلبية على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2025    فيضانات إسبانيا.. طبقا للتعليمات الملكية المغرب يعبئ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني    ذكرى عودة محمد الخامس من المنفى: مناسبة لاستحضار أمجاد ملحمة بطولية في مسيرة الكفاح الوطني لنيل الاستقلال    مفاجأة جديدة في تعيينات ترامب.. روبرت كينيدي المشكك باللقاحات وزيرا للصحة الأمريكية    وليد الركراكي: المباراة أمام الغابون ستكون "مفتوحة وهجومية"    تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب            الأردن تخصص استقبالا رائعا لطواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية    10 قتلى على الأقل بحريق في دار للمسنين في إسبانيا    التحاق 707 أساتذة متدربين بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بدرعة-تافيلالت    كيوسك الجمعة | المغرب يسجل 8800 إصابة بسرطان الرئة سنويا        زيارة المسؤول الإيراني للمغرب.. هل هي خطوة نحو فتح باب التفاوض لإعادة العلاقات بين البلدين؟    محكمة استئناف أمريكية تعلق الإجراءات ضد ترامب في قضية حجب وثائق سرية    حرب إسرائيل على حزب الله كبدت لبنان 5 مليارات دولار من الخسائر الاقتصادية    10 قتلى جراء حريق بدار مسنين في إسبانيا        وفاة الأميرة اليابانية يوريكو عن عمر 101 عاما    النيابة العامة وتطبيق القانون    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    دراسة حديثة تكشف ارتفاعا كبيرا في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023        "الأمم المتحدة" و"هيومن رايتس ووتش": إسرائيل ارتكبت جرائم حرب ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي    غسل الأموال وتمويل الإرهاب… وزارة الداخلية تضع الكازينوهات تحت المجهر    اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي    جدعون ليفي يكتب: مع تسلم ترامب ووزرائه الحكم ستحصل إسرائيل على إذن بالقتل والتطهير والترحيل    صحيفة إيطالية: المغرب فرض نفسه كفاعل رئيسي في إفريقيا بفضل "موثوقيته" و"تأثيره"    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    بوريطة: المغرب شريك استراتيجي لأوروبا .. والموقف ثابت من قضية فلسطين    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    مقاييس التساقطات المطرية خلال 24 ساعة.. وتوقع هبات رياح قوية مع تطاير للغبار    بحضور التازي وشلبي ومورو.. إطلاق مشاريع تنموية واعدة بإقليم وزان    المنتخب المغربي يفوز على نظيره المصري في التصفيات المؤهلة لكأس أمام أفريقيا للشباب    إقصائيات كأس أمم إفريقيا 2025 (الجولة 5).. الغابون تحسم التأهل قبل مواجهة المغرب    عنصر غذائي هام لتحسين مقاومة الأنسولين .. تعرف عليه!    وزيرة الاقتصاد والمالية تقول إن الحكومة واجهت عدة أزمات بعمل استباقي خفف من وطأة غلاء الأسعار    أزمة انقطاع الأدوية تثير تساؤلات حول السياسات الصحية بالمغرب    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    ألغاز وظواهر في معرض هاروان ريد ببروكسيل    الحكومة تعلن استيراد 20 ألف طن من اللحوم الحمراء المجمدة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    أسعار النفط تنخفض بضغط من توقعات ارتفاع الإنتاج وضعف الطلب    هذه أسعار أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النظام الملكي و التحولات الربيع العربي
نشر في صحراء بريس يوم 11 - 11 - 2013


حاصل على دبلوم ماستر الدبلوماسية المغربية

مقدمة:
شكلت الانتفاضات الشعبية التي عرفها العديد من الاقطار العربية، و التي أدت الى تنحي بعض الرؤساء نموذجا سياسيا انتقلت عدواه لتشمل المغرب، حيث ظهرت حركة 20 فبراير التي أقنعت شرائح عريضة من الشعب المغربي بالخروج في تظاهرات في العديد من المدن المملكة رفعة شعارات عكست مطالب سياسية و اقتصادية و اجتماعية.
ولم تمر الا اشهر على هذه التظاهرات و المسيرات التي نظمتها الحركة ، حتى استشعر النظام القائم بالمغرب بالتحدي الذي تشكله حركة 20 فبراير مما جعله يأخذها على محمل الجد فبادر الى امتصاص عنفوانها و التحكم في مسارها ، و ان كانت لم تهدف الى اسقاط النظام من خلال شعاراتها.
لكن الحضور الوازن داخل الحراك السياسي المغربي ، جعل منها المحور الاساسي لاستقطاب اهم رموزها سواء من الدولة أو الاحزاب السياسة ،وذلك راجع الى قوة الشعارات التي ترفعها ، و هو ما اتضح في مشار الاصلاحات الدستورية لسنة 2011 ، وكذا الخطابات السياسية للأحزاب السياسية المغربية.
و انطلاقا مما سبق ، هل يمكن اعتبار الحراك المغربي هو نتيجة للانتفاضات العربية؟ أم أن المحدد هو الشروط الذاتية للمجتمع المغربي ، وما الحراك العربي سوى محرك ساهم في تحريك البركة المغربية الراكدة؟
المبحث الاول:
الحراك الاجتماعي و السياسي بالمغرب
ان الواقع الاجتماعي و السياسي الذي عاشه الشعب المغربي كان العامل المحدد في تأجيج المواطنين الى الخروج الى الشارع ، و التي تجلت في التظاهرات و المسيرات التي نظمتها حركة 20 فبراير في العديد من المدن المغربية رفعت شعارات تحمل مطالب اجتماعية و اقتصادية و سياسية.
أولا: الواقع الاجتماعي و السياسي في المغرب
يمكن اعتبار الانتفاضات التي شهدتها بعض الدول العربية ، دور مساهم في ظهور الحراك الاجتماعي و السياسي بالمغرب ، هذا الواقع المزري الدي يتخبط فيه المواطنين ، هو المحدد الذي دعاهم الى النزول الى الشارع في العديد من المدن مطالبين بالعدالة الاجتماعية و القضاء على الفساد.
فالمواطنون يعانون من الفساد في العديد من الميادين سواء كان ماليا او اداريا و التي تجلى في الرشوة و سرقة المال العام و استغلال النفوذ.........، الى جانب أن نسبة عالية من المغاربة تعاني من الفقر والحرمان مما عمق الفوارق الاجتماعية ، التي تزداد اتساعا بين الاغنياء و الفقراء ، اضف الى تدني مستوى المعيشة و تدهور القدرة الشرائية ، الى جانب ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، بالاضافة الى فشل السياسات الحكومية السابقة في العديد من الميادين.
و بالرجوع الى تقرير التنمية البشرية لسنة 2011 يصنف المغرب في الرتبة 130 من بين 181 دولة عالميا ، و المرتبة 15 من بين 20 دولة عربية، حيت لم يتفوق سوى على السودان و اليمن و موريتانيا و جيبوتي. كمت صنف المغرب ضمن الدول العشر التي سجلت أدنى نسبة من أوجه الحرمان و الفقر ، حيث بلغت نسبة الحرمان %45 و نسبة السكان المعرضون للفقر%12.3 ، و السكان الذين يعشون في الفقر %3.3.
أما بخصوص الفساد الاداري، فان الرشوة تأتي على رأس مظاهر الفساد في المغرب، حيث احتل المغرب المرتبة 85 عالميا في مؤشر ادراك الرشوة لسنة 2010.
أما قطاع الصحة في المغرب فيعرف تأخرا كبيرا ، راجع الى أن الحكومات المتعاقبة تعاملت مع هذا القطاع بشكل لا يمت بصلة بأي تسيير عقلاني ، فأكتر من%85 من المواطنين هم غير مؤمنين طبيا، اما نسبة الوفيات لازالت مرتفعة لانعدام العناية بصحة الأم و الطفل، كما لازالت %70 من الأمراض بالمغرب ذات علاقة بالجراثيم والمكروبات.
أما نظام التعليم في المغرب ، فقد انتقد تقرير للبنك الدولي لسنة2007 بشدة المغرب لإخفاقه في تطبيق اصلاحات شاملة في مجال التعليم و الذي اشار الى غياب تقييم منهجي للطلبة و ارتفاع في نسبة الهدر المدرسي و ضعف الميزانيات وعجز المؤسسات التعليمية عن تحضير الطلبة لسوق العمل، الذي يوضح أن الاصلاحات التي نهجتها الحكومة في مجال التعليم ما كان الا تبذير المال العام.
أما فيما يخص المجال الحقوقي فقد شهدت تراجعا كبيرا مع اقرار قانون الارهاب عقب احداث 16 ماي 2003 ، و الذي جاء بمقتضيات تمس حرية التعبير و العودة لأساليب القمع و القهر الذي عرفها المغرب في الماضي، الى جانب تراجع عن هامش حرية الصحافة حيث تم تسجيل العديد من عمليات اعتقال و محاكمات للصحفيين.
اما على المستوى السياسي فقد عرف المشهد السياسي ظهور فاعل سياسي جديد بقيادة رجل من رجالات الداخلية السيد علي الهمة و الذي لم يأت بشي جديد لا من حيث النخبة ولا من حيث البرنامج السياسي و كذا طريقة اشتغاله ،كما يمكن الاشارة الى أن انتخابات 7 سبتمبر التشريعية تخللها العديد من التجاوزات الى جانب عزوف الشعب المغربي عن المشاركة في العملية الانتخابية.
يمكن القول أن الواقع الاجتماعي ،الاقتصادي و السياسي الذي يعيشه المغاربة منذ الاستقلال هو ما دفعهم الى الخروج الى الشارع في العديد من المدن المغربية مطالبين بإصلاحات سياسية و القضاء على الفساد و رموزه.


ثانيا: حركة 20 فبراير كمظهر للحراك في المغرب
ساهمت ثورة الاتصالات في انتقال اخبار الحراك العربي و شعاراته المطالبة بالتغيير و الاصلاح، في ظهور الحراك في المغرب بقيادة حركة 20 فبراير التي تتكون من شباب اطلقوا دعوة الى الاحتجاج و التظاهر ضد الاوضاع الاجتماعية و الاقتصادية ، انطلاقا من ارضية مطلبية تضم 20 مطلبا ، كان سقفها السياسي هو الانتقال الى ملكية برلمانية.
فحركة 20 فبراير هي حركة شعبية ، تستمدها من خلال انها ليست تنظيم سياسي ، فهي ليست حزبا او نقابة أو جمعية، كما انها لم تحتاج الى سند قانوني لتبدأ نشاطها ، بل هي حركة شعبية ظهرت في المشهد السياسي ا لتعكس مطالب الشعب المغربي، و تمثل صوته الذي ينزل الى الشارع للتعبير عن مطالبه و أرائه بدون وساطة رغم مشاركة عدة تنظيمات في المسيرات التي تنظمها في العديد من المدن.
ان نزول حركة 20 فبراير الى الشارع جاء الاجابة عن اسئلة محورية و التي تتعلق اول هذه الاسئلة بعلاقة المؤسسة الملكية بالمجتمع المغربي ، حيث طالبت بمطلب الملكية البرلمانية حيث ان الشرعية الدينية لهذه المؤسسة لم يعد كافيا من اجل تقليص الهوة بين المؤسسة الملكية و المجتمع المغربي.
أما الثاني فهو المشهد السياسي الذي يعرف ضعف الفاعلين السياسيين الذين لم يقدروا على بلورة سياسة تحديثية للمجتمع و الدولة ، و كذا الحد من الفوارق الاجتماعية التي يعرفها المجتمع المغربي.
وأخيرا ان اعلان ظهور حركة 20 فبراير عن النهاية الحتمية لكل المشاهد التي اشتغلت عليها الدولة لتذبير الاصلاح و البحث عن مخرج مناسب في فترة الاحتقان و التوتر.
لكن تبقى ان حركة 20 فبراير لا تحمل برنامج سياسي و اقتصادي و اجتماعي، أو مشروعا حداثي قادر على اخراج المغرب و المجتمع من حالة التردد ، الا انهمن الضروري استمرار الحركة من اجل الضغط على السياسيين مع الضرورة صياغة مشروع سياسي اقتصادي و اجتماعي ينهض بالمجتمع المغربي.






المبحث الثاني:
استجابة النظام المغربي لتحولات الربيع العربي
أولا: هل الاستثناء المغربي حقيقة أم وهم؟
يعتبر الحديث عن الاستثناء المغربي لا يعدوا ان يكون الا خطابا دعائيا ، فلا يمكن لاي دولة تعاني من العديد من الاختلالات ان تستثنى من أي انقلاب اجتماعي، لكن ان امكن الحديث عن هذا الاستثناء من خلال تاريخ الاصلاحات في المغرب و توقيتها، و كيفية التي تعاملت بها السلطات لامتصاص الغضب ، الى جانب الخصائص التي يمتاز بها النظام الملكي.
فالملكية في المغرب تعتبر من اعرق الملكيات و اكثر رسوخا في التاريخ، الى جانب انها تختلف عن باقي الملكيات و تتفاوت في التطور السياسي ، حيث ان الملكية في المغرب تعرف حياة دستورية و تمثيل نيابي و تعددية حزبية، كما ان الملكية و في ظل هذه التعددية الحزبية و الصراع السياسي ، تعلم النظام الملكي فيه متى يعطي و يأخذ، كما ان الملكية في المغرب تمكنت من توسيع قاعدتها الاجتماعية.
وفي هذه الفترة قامت المؤسسة الملكية بمجموعة من المبادرات من اجل امتصاص الغضب الشعب المغربي و القيام بالعديد من الاصلاحات في شتى الميادين و فتح مجموعة من الاوراش الكبرى ، القضاء ، التنمية البشرية.......
لكن رغم كل هذا ، و بالرجوع الر الارقام الصادرة عن تقرير برنامج الامم المتحدة للتنمية ، ف الحديث عن الاستثناء المغربي يبقى مجرد كلام مجرد كلام مبالغ فيه ،فالمغرب يحتل المرتبة 130 ضمن البلدان المتوسطة، كما يخصص%1,4من الناتج الداخلي على قطاع الصحة ، و %5.6 على قطاع التعليم.
وعلى ضوء العديد من التقارير، فالمغرب ليس استثناءا ، و الحديث عن هذا المعنى يهدف الهروب الى الامام ،و ان كان لابد من الحديث عنه فانه سيكون في قدرة النظام على تحقيق نوع من التوافق حول التعديلات الدستورية.
كما ان النظام المغربي تفاعل مع الاحتجاجات، بمنطق رجل الاطفاء ، و ذلك بتوزيع المنح و الهبات من اجل ربح الوقت.
ثانيا: الاجراءات السياسية للنظام المغربي
لكن الإجراءات التي قدمها النظام المغربي لتهدئة الشارع المغربي و الحد من الاحتجاجات لم تكن كافية ، ليخرج الملك فب 09 مارس معلنا عن مجموعة من الاجراءات و تعين لجنة مكونة من فقهاء و سياسيين و المجتمع المدني من اجل القيام بإصلاح الدستوري الذي كان مطلب العديد من الاحزاب السياسية .
و قد اعتبر مختلف الفعاليات الجمعوية و السياسية هو ان النظام اقدم على ما اعتبروه تنازلا "استراتيجيا"، بعد ان اقدم على اطلاق مسطرة المراجعة الدستورية، وحركة الشارع هي من فرض هذا التنازل، رغم كل ما قيل عن شكل عملية المراجعة التي تمت بمبادرة ملكية لإنشاء اللجنة وتعيينها وفي ذلك نزع للصفة التأسيسية عنها.
وفي نص الخطاب الملكي في 17/6/2011،اكد الملك ان الدستور الجديد قد توفق في تكريس مقومات وآليات الطابع البرلماني للنظام السياسي المغربي، اي الاستجابة لمطلب الملكية البرلمانية الذي رفعته حركة 20 فبراير، كما تم حل مشكلة الفصل 19 عبر استبداله بفصلين جديدين الاول وهو 41،يتناول الصلاحيات الدينية الحصرية للملك، والثاني 42،يتناول موقعه كرئيس للدولة.
وبالفعل فقد احتوى الدستور الجديد على عناصر اساسية تجعله يلبي مطالب الشارع بشكل نسبي على الاقل، فقد تم تكريس الملكية المواطنة والملك المواطن دستوريا.
إلا ان المعارضين لا يرون في ذلك سوى مماحكات لغوية، فالملك في ظل الدستور الجديد هو رئيس المجلس الوزاري الذي يتداول جميع الخيارات الاستراتيجية للدولة، كما انه مازال يراكم رئاسات عدة مؤسسات حيوية فهو رئيس المجلس الاعلى للسلطة القضائية، والمجلس العلمي الاعلى، والمجلس الاعلى للأمن وهو الذي يعين 6 من اصل 12عضوا بالمحكمة الدستورية ورئيسها، ويعين نصف اعضاء المجلس الاعلى للإعلام السمعي البصري ، وهي صلاحيات جديدة للملك وهنا يثور التساؤل حول كيف يمكن للملك ان يكون حكما اسمى بين هذه المؤسسات وفي نفس الوقت هو رئيس لها، فالحكم منطقيا يجب ان يكون خارج المؤسسات التي يتولى التحكيم بينها.
كما يوجد هناك نوع من الغموض بخصوص الفصل 41،الذي ينص على ان الملك امير المؤمنين، ورئيس المجلس العلمي الاعلى...، واعتباره الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى، وهنا يتساءل الكثيرون عن مدى الزامية هذه الفتاوى ومدى خضوعها للمحكمة الدستورية علما انها ستصدر بواسطة ظهائر، وهل ستبقى محصورة في الجانب الديني ام انها ستتعداه الى مجال المعاملات والشؤون السياسية؟ وهل هي ملزمة للمؤسسات ام للمغاربة المسلمين؟ أسئلة لم يجب عليها النص الدستوري.
الدستور الجديد اقر مسؤولية الحكومة امام للبرلمان، الا ان الملك يستطيع اعفاء احدهم في اي وقت.
كما جاء نص الدستور الجديد ،حافلا بالفصول التي تعالج حقوق الانسان وهو ما لم يكن في باقي الدساتير السابقة، إلا ان المعارضين يؤكدون ان ما تم التنصيص عليه بخصوص حقوق الانسان داخل الدستور هو محض خداع بصري، فلقد اعطى الحقوق ولم ينصص على الاليات التي تجعلها قابلة للحياة، حيث يعلن عن سمو المواثيق الدولية المصادق عليها من طرف المغرب على التشريعات الوطنية، ولكن وفي نفس الوقت نص على ضرورة توفر الشروط التالية:
*تطابق هذه المواثيق مع الدستور.
*تطابقها مع قوانين المملكة.
*تطابقها مع الهوية الراسخة للمملكة.
هكذا يصبح كل ما يرد في المواثيق الدولية تحت رحمة المشرع المغربي، كما ان مجموعة من الحقوق الواردة في الفصول(19-24-28-29-108) تبقى مساحة المشرع المغربي في تقييدها واسعة لان الدستور لم يحدد سقفا واضحا لذلك، كالحديث عن الثوابت في العلاقة مع حقوق المرأة.
ودائما في الاطار الحقوقي ،نصت الديباجة على التزام المغرب بحماية منظومة حقوق الانسان وفق الحدود المتعارف عليها دوليا، بشكل لا يقبل التجزئ او الانتقاص، ولكن يعود وفي نفس الديباجة لينص على ضرورة ملاءمة هذه الحقوق للهوية الوطنية الراسخة، ليعيد تحديد مدى هذه الحقوق ورسم مجال اضيق لها.
وكما تجاهل الدستور الجديد ثلاثة مطالب استراتيجية بالنسبة للمجتمع المدني، وهي المتعلقة بسمو المواثيق الدولية حيث تم الالتفاف على هذا المقتضى وافراغه من مضمونه، وكذا مطلب الدولة المدنية وحرية المعتقد، واخيرا اخضاع الاجهزة الامنية للاشراف الحكومي والمراقبة البرلمانية عبر دسترة الحكامة الامنية بشكل يضمن محاسبة هذه الاجهزة

رغم كل هذه الانتقادات، فقد حظي هذا الدستور الجديد بتأييد اغلبية المصوتين في الاستفتاء الذي اقيم في 1يوليوز 2011،حيث حظي هذا النص بتأييد واسع من طرف مختلف الاحزاب السياسية المغربية الكبيرة، ناهيك عن قسم كبير من المنظمات النقابية والشبابية والحقوقية والنسائية التابعة لهذه الاحزاب، وحتى خارج هذا الطيف السياسي الواسع، فقد ايدت قاعدة واسعة تشكل قاعدة تقليدية تاريخية للملكية، سواء في الارياف او في المدن، من رأسماليين كبار وملاكين عقارين مرورا بالطبقة الوسطى.
وفي هذا الصدد فالتعبيرات السياسية عن هؤلاء لا ترى ان الدستور وثيقة ممنوحة لانه تم اعتماد مقترحات الاحزاب وهندستها لمختلف فصوله، كما انه من المبالغة القول ان اللجنة التأسيسية المنتخبة ،هي من يستطيع افراز دستور اكثر شرعية، لانه ليس هناك من يضمن للمطالبين بالملكية البرلمانية، ان تفرز الانتخابات هيئة تأسيسية تقول بهذا الرأي؟.
فالدستور الحالي هو دستور توافقي جاء ليوفق بين مطالب فئة ترى في الملكية التنفيذية ضامنا لوحدة البلاد و استقرارها، والناظرين الى التغيير كسيرورة تاريخية طويلة، المدافعين عن الخصوصية، وبين من يدافعون عن الملكية البرلمانية، وعلى هذا الاساس جاءت الصيغ المتقابلة ،بل اكثر من ذلك يضيف الدكتور عبد الاله بلقزيز ان الدستور في مسألة التعدد اللغوي حاول ارضاء الجميع، حيث وضع مطالب الكل في سلة واحدة، لدرجة اننا اصبحنا امام موزاييك لا شئ يبرره سوى ترضية كل الاطراف.
بصفة عامة، تعتبر مقارنة الدستور الجديد بما مضى من الدساتير يطلعنا على حجم ما طرأ من تغيير عميق على مستوى البناء الدستوري في المغرب.
وإذا كانت رياح الانتفاضات العربية قد هبت على الشارع المغربي ودفعت شبابه للخروج في 20 فبراير، فإنها كانت حارقة و لاذعة بالنسبة للأحزاب الديمقراطية والليبرالية بل واليسارية، وتكرر سيناريو تونس في المغرب .

خاتمة:
عموما يمكن القول ان المغرب نجح الى الآن في امتصاص الصدمة، والحديث يدور عن تأثير الاصلاحات السياسية المغربية على الانظمة العربية، وهذا ما يحدث في العديد من الدول، المرشحة الاولى للقيام بإصلاحات سياسية ودستورية، على عكس باقي الملكيات او الانظمة الاخرى التي يمكن ان تتعرض لضغوطات اجنبية بهدف القيام بإصلاحات.
لقد كان تعامل النظام المغربي ذكيا ومرنا ،بخصوص تبني مطالب الشارع وعدم نهج اسلوب القمع، وهنا ربما احد اوجه الاستثناء المغربية، فقد نجح اسلوب الاحتواء الى حدود اللحظة في تهدئة الشارع بشكل تدريجي، رغم ما تم ارتكاب العديد من اخطاء .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.