من الأمثال الشعبية التي كان أجدادنا المغاربة يعتبرونها حقيقة مؤكدة لا يرقى إليها الشك قولُهم «كلشي هتوف، ما خطا الزرع والصوف». ثم تطورت الوقت، أو تكورت وتعورت، فجاء «البونج» و«الموكيت» وحصائر «ميكا» لترمي الصوف بجلال قدرها في غياهب الإهمال؛ فلم يعد المنسج من ضرورات البيت المغربي، كما كان أيام زمان، يوم كان لا غنى عنه لنسج السلهام والجلباب والزربية و»الفراش والحنديرة»، وأيضا لملء لحافات الصالون و«مضربة بيت النوم»... أثواب «الشينوا» وزرابي الأتراك و... معروضة في أسواقنا بأبخس الأسعار، و«البونج» تروج له جمعية الراحة والنوم، لذلك فقدت الصوف هيبتها ولم تعد لها المكانة التي أولاها لها المثل الشعبي المذكور، فهبط سعرها إلى الحضيض، ومع ذلك لم تعد تجد مشتريا، على الرغم من كونها ثروة وطنية متوفرة كان من الأولى استثمارها. أما الزرع، الوارد ذكره في ذلك المثل، فالظاهر أن حاله ما زال أحسن، ولعله سيظل كذلك إلى أن يخترع «الشينوا» خبزا اصطناعيا أكثر أمانا من سخاناتهم، ولو أن الزرع اختفى من أغلب البيوت المغربية، ليس في المدن الكبرى فقط، ولكن حتى القرى والبلدات الصغيرة لم يعد رجالها من «المكيلين»، ولم تعد نساؤها يضيعن الوقت في إرهاق أعينهن بتنقية حباته من «الكحيلة»، بينما المسلسل التركي يعقبه مسلسل كوري. كثير من نساء الطبقتين المتوسطة والبسيطة، رغم أنهن لسن عاملات ولا موظفات، تخلصن من غربال السلك ومن «شطاطو»، كما تخلصن من قصرية «ميكا»، لأن شقيقتها المصنوعة من خشب العرعار أصبح مكانها واجهة البزار مع التحف والآثار.. فقد اجتاحتنا موجة جارفة نحو خبز السوق، مما جعل الأفران التقليدية تتجه نحو الانقراض، والمخبزات تنبت مثل الفطر، وأصحابها يشكلون قوة ضغط يحسب لها ألف حساب. انشغال المرأة المغربية بمشاغل العصر جعلها تلجأ إلى الجاهز من الخبز و«الساندويتش»، عصر «الفيسبوك» و«البورطابل» لا يسمح لبناتنا بالتنافس في صنع أنواع الحلويات و«الشباكية والبغرير والرغايف والبطبوط والملاوي»... نعم حتى الملاوي، الدرع الذي يرفعه مسؤول حكومي رفيع لمواجهة أي خطر على المجتمع يمكن أن يشكله إضراب أرباب المخابز بتجفيف السوق من الخبز الجاهز؛ فالسيد الوزير، مثل زملائه في الحكومة، آخر من يعلم بأن البيوت التي ما زالت نساؤها يعجن طحين «الفورس» أصبحت تشكل أقلية، لذلك أصبح أصحاب المخابز قوة قادرة على تهديد الأمن الغذائي تهديدا لا ينفع معه درع «الملاوي». وما كان على الوزير استحضاره، ومعه زملاؤه في الحكومة، أن «الخبز ما معاه مزاح»، وأن لا شيء يمكن أن يحل محله، لا «بيسكويت» ولا «باسطا». «باسطا» التي نعرفها هي تلك المحشوة بالفانيلا، لكنها باللغة الإسبانية مرادف لكلمة كفى.. كفى مساسا بقوت شعب يعيش كثير من أبنائه ب»الخبز واتاي»؛ فنحن نشعر كأنه شريط محلي «بايخ»، مثل باقي «سيتكومات الفقصة»، تنتهي حلقته الأخيرة برفع سعر الخبزة أو بخفض وزنها، بمنطق أن الخبزة الموجودة، حتى لو كانت غالية، خير من الخبزة المفقودة. هاك على خبز الرباط!