يُعد شهر رمضان الأبرك فرصة للتقارب وصلة الأرحام بين العائلات والأصدقاء، كما يُعد أيضاً فرصة لأصحاب المتاجر الصغيرة منها والكبيرة والباعة المتجولين، لتحسين والرفع من مداخيلهم حيث تختلف طرق وكيفية عرضهم لبضائعهم من لحوم و أسماك وتمور وتوابل ومعجنات. إذ أنه عكس الخضر و الفواكه و التوابل و التمور التي تعرف رواجا كبيرا خلال شهر رمضان المبارك، تأخذ الفطائر والخبز بمختلف أنواعه والحلويات الرمضانية حيزا أكبر ضمن مقتنيات المستهلك المغربي عند حلول هذا الشهر، الذي تختلف فيه حركة البيع و الشراء عن أي من شهور السنة الاخرى. نشاط متزايد للمخابز العصرية مع حلول شهر رمضان الأبرك ، تشهد مختلف المحلات والمتاجر الصغيرة منها والكبيرة ، إقبالاً متزايداً من طرف المغاربة ، مما يُحتم على أصحابها الاستعداد المبكر لاستضافة هذا الشهر المميز عند المسلمين . وبعيداً عن الأسواق والمحلات المتخصصة في بيع اللحوم والخضر و الأسماك ، نجد أن المخابز هي الأُ خرى لم تسلم من حرارة هذا الشهر الفضيل ، حيث تعرف معظم مخابز البيضاء ازدحاماً كبيراً خلال هذا الشهر الكريم وبالخصوص مع اقتراب أذان المغرب . الكل يتهافت على إيجاد مكان له وسط كومة من الناس تجدها أمام أي مخبزة مررت بها ، نساء ، رجال وشباب ، و أطفال ، كلٌ ينتظر فرصة للفوز بمكان يمكن من خلاله طلب وشراء ما يرغب فيه من خبز (كومير) و حلويات بأصنافها المتنوعة . يقول «محمد» صاحب مخبزة لبيع الحلويات والخبز ، والكائنة بحي بورنازيل « إن الاكتظاظ الذي تشهده المخابز خلال هذا الشهر المعظم ، يعود بالاساس إلى قلة النساء اللواتي يُحضرن الخبز المنزلي لانشغالهن الكبير بإعداد العديد من «الشهيوات» الضرورية من حريرة ومسمن وبغرير ، والتي تأخذ معظم وقتهم في تحضيرها ، لهذا تلجأ معظم الأسر المغربية إلى المخابز لِسد حاجياتها من الخبز ، وهذا من مصلحتنا لأنه يُدر علينا ربحاً إضافياً كما نسهر دائماً على تقديم الأفضل لزبنائنا الكرام» . هذا ما أكدته فتيحة التي تجاوزت عقدها الرابع ، والأم لثلاثة أبناء ، حيث تعمل طوال اليوم على إعداد الوجبات الضرورية من حريرة و مسمن محشي ورغايف لتُزين بها مائدة الفطور، الأمر الذي يحول دونها والقيام بتحضير الخبز الأمر الذي يجبرها على اقتنائه من المخبزة ، رغم أنها تفضل خبز البيت على خبز المخبزة . مخابز موازية على طول الطريق لكن، وإلى جانب هذه المحلات التجارية المتخصصة، نجد نشاطا تجاريا موازيا في الأحياء والأسواق الشعبية . فشهر رمضان مناسبة لمجموعة من النسوة والفتيات والرجال لكسب بعض المال من خلال صنع الفطائر وأنواع من الخبز وعرضها للبيع. فلكل زبناؤه. فكما أن للمخابز العصرية زبناؤها الأوفياء هناك زبناء آخرون أوفياء لتلك النسوة اللواتي يبحثن عن دخل إضافي خلال هذا الشهر الكريم. لكل بائعة خبز حكاية خاصة بها، لكل عارضة للبغرير والبطبوط والمسمن ظروفها الخاصة التي حتمت عليها استغلال الشهر الفضيل لتنمية مدخولها، لكن وبحسب جميع المتتبعين فإن هذا النشاط يشكل تنفيسا للمستهلك الذي لايجرؤ على تجاوز عتبة باب المخابز إلا إذا أراد شراء الخبز العادي المدعم سعر دقيقه، أما الحلويات بكل أشكالها والأنواع الأخرى للخبز والفطائر فلن يجرؤ على الاقتراب منها لكون أسعارها تتجاوز قدرته الشرائية بكثير.. تفاوت في الأسعار والجودة تشهد أسعار كل من الشباكية، المسمن، البغرير، البطبوط، البريوات، والحلويات بأنواعها المختلفة، تفاوتا طفيفا في أسعارها حسب جودتها ومدى إقبال المستهلك عليها، فهي ترتبط بالشهر الكريم ارتباطا وثيقا بل هناك أنواع من الحلويات لايستهلك إلا خلال شهر رمضان فقط. وبإطلالة على أسعار هذه المواد، نجد أن ثمن المسمن في حدود 2 دراهم للمسمنة الواحدة و 4 دراهم للمسمنة المحشوة، أما البغرير فيحافظ على ثمنه المعتاد ب6 دراهم للعلبة (زينة) التي تحتوي على 12 بغريرة بمعدل نصف درهم للبغريرة الواحدة، والبطبوط ما بين 2 الى 4 دراهم للبطبوطة الواحدة ، في حين أن للشباكية والبريوات تسعيرة أخرى حيث يتراوح سعر الكيلوغرام الواحد من البريوات بأشكالها ما بين 22 درهما الى 30 بالنسبة للعادية منها، أما تلك المحشوة باللوز فأسعارها تتجاوز المئة درهما حسب المخابز بنقط البيع حي شعبي أم راق. أما الشباكية، فقد وصل ثمنها ما بين 20 درهما الى 130 درهما للكيلوغرام الواحد لتتصدر قائمة أثمان الحلويات خلال هذا الشهر الكريم. جولة بين الأسواق عند تِجوالنا بأحد أسواق البيضاء وبالضبط بسوق شطيبة المحاذي لحي مبروكة بتراب عمالة سيدي عثمان، والذي يشهد إقبالا متزايدا خلال شهر رمضان، استقينا معطيات وارتسامات الباعة والمتبضعين . يقول«لحبيب»،وهو رجل في عقده الخامس وهو صاحب محل تجاري لبيع الشباكية والبريوات أن شهر رمضان يمنحهم فرصة لا تعوض لزيادة دخله، بسبب الإقبال الكبير الذي يشهده محله، لذا يحرص دائما على تقديم الأفضل لزبنائه، عن تحضيراته يقوم الحبيب مع أربعة من معاونيه بينهم إبنه البكر بالنهوض باكراً في حدود الثامنة لتحضير العجينة، تليها عملية تعتبرها معقدة لكنها تُكتسب بسهولة مع مرور الايام ألا وهي طريقة لف العجينة لصناعة الشباكية ليتم قليُها في الزيت من تم غمرُها في وعاء من العسل ليتم رصُها ورشُها ب«الزلجلان» لتعطي مظهراً مميزاً من شأنه إجتذاب المارة . فيما تؤكد «خديجة» المشتغلة في أحد المحلات الخاصة في تحضير الحلويات، أن ارتفاع ثمن الزيت والزبدة وبعض المواد الأولية التي تدخل في صنع الشباكية والمسمن من شأنه الرفع من أثمنتها في لآيام القليلة القادمة. عند توجهنا إلى «سوق جميعة» بدرب سلطان الذي يشهد هو الآخر اكتظاظا غير طبيعي، بسبب الباعة المنتشرين في كل الفضاءات، كلٌ ينافس الآخر من أجل عرض بضاعته وجني لقمة العيش. أطفالٌ و شيوخ نساء أرامل ومطلقات وغيرمطلقات يُعانين الفقر و التهميش، يعرضن في عدة نقط بيع ما أبدعته أياديهن من معجنات و فطائر بأسعار مناسبة تتماشى والقدرة الشرائية للمستهلك المغربي، لأجل دعم و تقوية ميزانياتهم المادية المُثقلة بالديون وغلاء متطلبات العيش ،مسهمات بذلك في رواج اقتصادي يقل نظيره سائر أيام السنة . لكل بائعة خبز حكاية تُحدثنا «لالة فاطمة» ذات الوجه المستدير والعينين الغائرتين صاحبة ال 42 سنة متزوجة وأم لأربعة أبناء،أنها اعتادت المجيئ إلى «سوق جميعة» ظهيرة كل يوم رمضان بكمية معينة من البغرير و التي أصبحت من أمهر معداته. وعلى عكس قريناتها تنهض «للا فاطمة» مبكرا حوالي السابعة ونصف صباحاً لإعداد العجينة التي تستعملها في تهيئة البغرير لتذهب في حدود الواحدة ونصف تقريباً نحو السوق لتقوم بعرض بضاعتها كما أنها تقوم بصنع جزء منه في السوق قصد جلب الناس إليها، والذي يتراوح ثمنه ما بين 6 و 7 دراهم للزينة الواحدة. غير بعيدٍ عنها، نجد «إيمان» وهي طالبة سنة أولى تخصص أدب أصيل ، تعرض في محل تجاري صغير أنواع من البطبوط عادي ومحشي وأوراق البسطيلة التي يبلغ ثمنها 22 درهما للكيلوغرام حسب المناطق والطلب، لم تتجاوز ايمان 23 سنة ومع ذلك فهي تتصرف كخبيرة في فن تحضير «شهيوات رمضان»، وصرحت لنا أن شهر رمضان المعظم يسمح لها بكسب قدر من المال تستعمله لشراء كل ما يلزمها من أجل دراستها، التي يعجز والداها عن توفيرها لها.