تميزت الآونة الأخيرة بحالة من الترقب من قبل المواطن، بعيد تداول إمكانية الرفع من سعر الخبز، والذي أعلن أرباب المخبزات عن الإقدام عليه في 13 من نونبر المنصرم، حيث كانت الجامعة الوطنية لأرباب المخابز والحلويات قد أعلنت بذات الخصوص بأنها تنوي الزيادة في سعر الخبز بقدر يتراوح مابين 10 و30 سنتيم حسب أنواع الخبز، وحجتها في ذلك، ارتفاع أسعار الدقيق الممتاز بين 10 و70 سنتيم في الكيلوغرام الواحد، وتلكؤ الحكومة في تفعيل البرنامج التعاقدي مع المهنيين. إعلان، جعل الدولة تبادر بضخ مليار درهم، لتثبيت سعر الخبز في 1.20 درهم، وتجنيب المواطن المغربي معاناة حقيقية. لا نتوخى من خلال هذا الروبورتاج، البحث في دوافع أرباب المخبزات ولا حجتهم في الرفع من أسعار الخبز، بل نخص حديثنا عن المواطن المغربي البسيط الذي لا يبرح أن يتزود من «كراريس الحي» المرابضة في السويقات الشعبية، والتي تزودها بدورها المخابز التقليدية التي تصنع وجبة المغاربة الأولى بامتياز، ونكشف عن واقعها الذي يتميز، بكونها تفتقد لأبسط شروط السلامة التي تنص عليها القوانين. «المساء» زارت بعض تلك المخابز والأفران التقليدية لتقف على مختلف الحقائق، المرتبطة بتفاصيل التجارة الأكثر رواجا في المغرب. حيطان سوداء تتخللها شقوق عميقة، إضاءة رديئة، أسقف يتدلى منها نسيج العنكبوت، طفيليات، بقايا الحشرات وخاصة الصراصير تحاصر الأقدام، غبار، مجرفات طويلة من الخشب ذات رأس دائري ورأس مستطيل لإدخال الخبز هنا وهناك... هواء منعدم. حركة دؤوبة وأجسام منهكة، وأيادي سوداء وكذا الوجوه، أما الأجساد فغالبا ما تكون عارية أو بملابس رثة وأحذية رياضية خفيفة تسهيلا للحركة وتجنبا للانزلاق. هذا ما يصادفك حين مد عنقك إلى داخل الفرن التقليدي المتواجد بالحي والسماح لعينيك، لتسترقا النظر في جولة قصيرة لتتفحص الحيطان وتتأمل وجوه العمال، المتعبة والتي ليس من هم يشغلها غير تحضير أزيد من ألف خبزة يوميا لتلبية طلب «الكراريس» التي تتزود بمنتوجها من الخبز. وإن حالفك الحظ وخطوت إلى الأمام بأمتار فقط، كما فعلنا أثناء إنجاز هذا الروبورتاج، يمكنك سماع أنفاس الخباز التي تتصاعد بقوة من الدرج، وإن اقتربت كما فعلنا تفاجأ بكمية العرق التي تتصبب من جبينه ورقبته إلى درجة أن ملابسه مبللة. يتناول شاب يبدو من ملامحه الشاحبة أنه يبلغ من العمر 17 سنة، بعيد خروجه من المرحاض بيدين مبللتين لم يكلف نفسه تنظيفهما وشعر أشعت ورجلين متسختين: كيسا من الدقيق، يسكبه في إناء كبير، يضيف إليه الخميرة والملح ويبدأ ب«الدلك» بيده، إذ أن آخر ما يفكر فيه صاحب المخبزة التقليدية، اقتناء آلة حديثة لصناعة الخبز. واصل الشاب «خلط العجين» والعرق يتصبب من جبينه ليمتزج بالعجين، ويمكن كذلك أن يمتزج بغبار الأرضية وجميع الزوائد التي توجد في الدقيق، الذي لا تتم غربلته وتنقيته في أغلب الأحيان، بسبب ضيق الوقت وعدم توفر عدد كاف من العاملين، ولا مبالاة أرباب تلك المخابز، وعدم اهتمامهم بالنظافة في تحضير وجبة المغاربة الرئيسية، الخبز. أفران ومخابز تقليدية تنتشر كالفطر في مختلف الأحياء البيضاوية، متخذة الطوابق السفلية والكهوف، محلات لاشتغالها وممارسة حرفتها في إعداد الخبز، بعيدا عن أعين الرقابة، مع العلم أن احترام الشروط الصحية لإعداد منتوج صالح للاستهلاك آخر هم أصحاب المخابز التقليدية. أسرار الحرفة لا يمكننا الإدعاء أننا استطعنا بسهولة الحصول على أسرار حرفة مقرها «لاكابات» و»الكراجات» وعمالها من ذوي الإعاقات أو الوافدين من مناطق بعيدة إلى مدينة البيضاء بغرض تحصيل لقمة العيش. غير أن إلحاحنا وزيارتنا لأكثر من مخبزة تقليدية في البيضاء، والتزامنا بعدم ذكر مزودنا بأسرار الحرفة جعل خبازا في الأربعين من عمره يكشف لنا ما يدور داخل كل قبو اتخذ لصناعة خبز البيضاويين لتجربته الطويلة واشتغاله في أكثر من مخبزة تقليدية، وفي الشأن ذاته أخبرنا الخباز الأربعيني أن أرباب المخابز التقليدية يلجؤون لأجل تسهيل نضج الخبز سريعا كمية كبيرة من الخميرة، وهناك من يعمل على زيادة مادة السكر في العجين، لكي ينضج الخبز بسرعة، لتجهيز الكمية المطلوبة في الوقت المناسب قبل السادسة صباحا»، مما يجعل الكثير من المستهلكين يمتعضون من المذاق «الحامض» للخبز. الغش في الوزن حددت الدولة وزنا موحدا في الخبزة العادية، والذي يقدر ب 200 غرام بثمن درهم و20 سنتيما، بينما الملاحظ ومن خلال زيارتنا لمعظم المخابز التقليدية فليس لديهم الوقت لكي يزنوا خبزهم خبزة، تلو الأخرى. فهم يعتمدون على عين الحرفي الذي بفضل تجربته يؤكد لك أن الخبزة تعادل الوزن الرسمي، غير أن أهل الخبرة فيؤكدون أن «الخبز» يتفاوت في وزنه، إذ تجد واحدة تزن 165 غراما وأخرى 170 وثالثة وهكذا ..... ويتعلل أصحاب المخابز التقليدية حين سؤالهم عن السبب في الغش في الأوزان بأن كلفة الإنتاج (المادة الخام واستهلاك الطاقة وأجرة العمال) تفوق بكثير السعر المتداول، وللتقليل من مصاريفهم يعمدون إلى الخفض من الوزن القياسي للخبزة. لنخلص بدورنا بكون المستهلك المغربي، يستهلك خبزا ناقصا في وزنه وجودته وقيمته الغذائية. هموم الخبازين ونحن ننبش في واقع المخبزات التقليدية التي تسهر على صناعة الخبز، اطلعنا على واقع الشغيلة التي تمتهن هذه الحرفة، والتي تكد من أجل تحصيل لقمة عيش من عرق الجبين. إنهم صناع الخبز الذين لا تقل معاناتهم، بل قد تكون مضاعفة تبعا لطبيعة العمل، حيث يتعرضون للحرارة في الفرن، مما يسفر عن إصابة العديد منهم بأمراض تنفسية وصدرية كالربو والحساسية، هذا فضلا عن أنه اكتشفنا خلال إعدادنا لهذا الروبورتاج بأن العمال في هذه الحرفة هم من المصابين ببعض الإعاقات من قبيل: التأتأة في الكلام واضطرابات في النظر، وخاصة المساعدون الذين يشترط فيهم البنية الجسمانية القوية والصبر والخضوع لشروط العمل القاسية وكذا الأجور المتدنية. والمثير للدهشة كون غالبية العاملين في المخابز التقليدية، هم من الوافدين على مدينة البيضاء من مناطق بعيدة، مما يجعلهم يتخذون من هذه الأفران مكانا للعمل وأيضا للنوم والأكل. ولا يغادرونها إلا في يوم عطلهم الأسبوعية، ويأتي حرص أرباب المخابز على هذه الفئة، لأن العمل يكون في الساعات الأولى من الصباح، ويعتمد توقيتا مستمرا ومضاعفا، حتى في الأعياد الدينية.
لأصحاب المخبزات رأي وعبر بألم وحسرة عبد الله وهو صاحب مخبزة عصرية من جراء ما يعانيه القطاع من دخلاء وأيضا ارتفاع أسعار الدقيق، وكذا التأمينات والضرائب والماء والكهرباء والأجور والغاز والخشب، ومن هذه المواد ما تضاعفت أثمانها بنسبة 100% . ولتوضيح ما سبق يضرب أحد أرباب المخابز مثلا بكون كيلوغرام واحد من الدقيق، لا يمكن أن تنتج منه أكثر من 4 خبزات بثمن درهم واحد و10 سنتيمات (أي أن ثمن بيع أربع خبزات هو 4,40 دراهم)، غير أن التكلفة الحقيقية للخبزات الأربع بعد إضافة مصاريف الخميرة (0,20 درهم) والغاز (0,20 درهم) ومصاريف أخرى (0,30 درهم) تصبح 4,70 دراهم، دون احتساب الضرائب والتأمينات والكراء، وهو ما يجعل الكثير من أصحاب المخابز يلجؤون إلى مشاريع وأنشطة اقتصادية موازية كمقهى أو محل للحلويات. إحصائيات أكدت إحصائيات سابقة تعود لسنة 2009 أن المتوسط السنوي لاستهلاك القمح في المغرب يتعدى 230كيلوغراما للفرد الواحد في السنة، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن وزن الخبزة الواحدة يساوي 200 غرام، فإن المغربي يستهلك كل سنة أزيد من ألف خبزة في وقت لا يتعدى استهلاكه من اللحم مثلا 750 غراما في السنة، في حين لا يتعدى متوسط استهلاك الخبز في تونس 790 خبزة في السنة أما الجزائريون فيستهلكون 100خبزة سنويا. تكلفة إنتاج الخبزة الواحدة تتراوح بين 1,42 و1,65 درهم، وحسب المقتضيات القانونية المعمول بها فنحن كمنتجين يسمح لنا بهامش لخفض الوزن بنسبة 10% لمراعاة التفاوت بين حالة الخبزة عند خروجها من الفرن وعندما تبرد، بحيث يزيد وزنها في الحالة الثانية. أزاز: نطالب الجهات المختصة بمراقبة المتطفلين على المهنة إن مهنة صناعة الخبز في المغرب عرفت تطورا كبيرا مع بداية الاستقلال، إذ كانت إبان الاستعمار مقتصرة على الإيطاليين والفرنسيين والألمانيين، الذين باعوا مخابزهم للمغاربة لتزدهر صناعة الخبز، وتتطور بعدما كان المواطن المغربي يستحيي من أن يدخل إلى بيته ما كان يعرف ب»خبز الزنقة» إذ كانت المرأة المغربية تحرص على عجن الخبز في البيت. ولا يمكننا أن ننكر بأننا تعلمنا أصول الحرفة من المخابز التقليدية ومن أفران الحي، لكن ليس كمثل تلك التي تنتشر اليوم كالفطر في مختلف أحياء البيضاء مثلا ، إذ تطور الأمر لتتخذ أشكال معامل تشتغل في غياب أي مراقبة من الجهات المعنية، وتزود السوق البيضاوية بالخبز الذي هو وجبة المغاربة الأولى، لنجد «الكراريس» وهي منتشرة في الأسواق الشعبية وفي الشوارع تعرض بضاعتها من الخبز بالقرب من الحافلات والطاكسيات، في غياب تام لأدنى شروط السلامة الصحية والغذائية للمواطن المغربي، الذي يقع اليوم ضحية دخلاء على المهنة لا يهمهم أي شيء اللهم الربح السريع على حساب الصحة العامة للمواطنين، إذ يجهلون كل ما يتعلق بهذه الصناعة ويشترون «الفارينة» المدعمة بثمن درهمين، ويخلطونها مع مواد لا نعرف لا تاريخ إنتاجها ولا مكوناتها، ولا تاريخ انتهاء صلاحيتها. وإننا كجامعة نطالب من الجهات المختصة بمراقبة هؤلاء المتطفلين على المهنة، للوقوف على طريقة تصنيع الخبز المغربي وأيضا المواد المكونة له، حماية لصحة المستهلك.
رئيس الجامعة الوطنية لأرباب المخابز والحلويات المغربية الأطباء ينصحون بالعودة إلى الخبز التقليدي وتجنب المصنوع بالمحسنات أوصى عبد الإله بنزاكور (رئيس قسم الجراحة بمستشفى مولاي يوسف) ، بأخذ الحيطة في تناول الخبز الذي يتم إعداده باستعمال المحسنات، بالنظر إلى التحذيرات الصادرة في التقارير الصحية العالمية. مؤكدا بأن القاعدة، تتمثل في تجنب استهلاك أي مادة غذائية تحوم الشكوك في تسببها للأمراض. وأضاف أن محسنات الخبز المصنوع بطرق تكنولوجية حديثة يجهل مصدرها وتركيباتها وآثارها. غير أن بنزاكور، اعتبر أن ربط مرض مثل السرطان بمكون غذائي، صعب المعاينة، إذ لم يسجل مثلا في السنوات الماضية ما يؤكد ذلك، وأضاف أنه لم يعرف طبيبا واحدا ذكر له أن سبب مرض السرطان الذي أصاب مرضاه يعود إلى محسنات الخبز. ومع هذا وجب الحذر من مكونات غذائية تكنولوجية، هدفها تسويقي ويجهل تأثيرها على المدى الطويل، مشيرا في الآن نفسه إلى أن بعض الأمراض قد تصيب المستهلك في مدة زمنية طويلة، في وقت يلجأ الجميع إلى إضافات لتجميل السلع وإعطائها مذاقا مغريا كما هو الحال بالنسبة للخبز منذ بداية التسعينيات عند استبدال الطرق التقليدية في صناعة الخبز بآلات تكنولوجية حديثة، تحتاج إلى مواد كيميائية لإتمام عملية تحضير الخبز. فالمحسنات هدفها تحسين مظهر الخبز وجعله «مقرمشا» وليس الغرض منها إضافة مكونات غذائية صحية، حسب ما أورده بنزاكور. وتساءل حول إمكانية السلطات العمومية مراقبة السوق والسهر على حماية المستهلك، خاصة وأن الخبز أصبح منذ سنوات معروضا بأشكال مختلفة، أسوأها بيع هذه المادة على الأرصفة. ونصح بتجنب استهلاك الخبز المصنوع بالمحسنات قدر المستطاع، من مبدأ «اللي خاف سلم» والعودة إلى استهلاك الخبز التقليدي، فعدد من الدول بما فيها فرنسا التي تعد دولة رائدة في صناعة الخبز، عادت لاستهلاك الخبز التقليدي البعيد عن كل ما هو مصنوع بالطرق الحديثة، بالإضافة إلى العديد من الدول الأوربية التي تباشر الإلغاء التدريجي لها، وتحذر مواطنيها من مخاطر المواد المكونة للمحسنات. وأفاد بنزاكور بأنه تم اكتشاف عدة أنواع من المحسنات المستخدمة في صناعة الخبز والتي تحتوي على مادة «برومات البوتاسيوم» التي تعتبر من المواد الكيماوية الضارة بصحة الإنسان، والمسببة لعدة أمراض سرطانية خطيرة، ونتيجة لذلك أصدرت منظمة الصحة العالمية في العام 1992 نشرة صحية، حذرت فيها من مخاطر استخدام المحسنات التي تحتوي على مادة «برومات البوتاسيوم» ودعت جميع الدول إلى منع وحظر استخدامها نهائيا في صناعة الخبز. وقد كشفت البحوث التي أجرتها المنظمة على هذه المحسنات، بأنها مادة خطيرة وضارة بصحة الإنسان وتسبب حدوث أمراض سرطانية، وذلك على المدى البعيد، وهنا تكمن الخطورة في استخدام هذه المحسنات التي تحتوي على مادة «برومات البوتاسيوم». وتكشف الدراسات العلمية العالمية أن تلك المواد مسرطنة، ما دفع بعض الدول في أوربا إلى البحث عن حلول من أجل تقليص هذه المواد الكيميائية وتقليلها، بإصدار قائمة بتلك المواد المساعدة على الإصابة بالسرطان، فضلا عن وضع قائمة كيميائية للسماح بتناول المواد الغذائية القائمة. وقد أجبرت هذه التقارير الدول الأوربية على اتخاذ قرار منع استعمال المحسنات بالتدريج في صناعة الخبز، على غرار فرنسا التي شرعت منذ 2008 في تقليص عدد المخبزات التي تستعمل المحسنات في صناعة الخبز، في حين سيمنع استعمال المحسنات مطلع السنة المقبلة بشكل كلي، لما تشكله من أضرار على صحة الإنسان، أقلها تحفيز نمو الخلايا السرطانية في جسم الإنسان، بالإضافة إلى مرض ارتفاع الضغط الدموي والأمراض القلبية والسكري، ثم أمراض الجهاز الهضمي والمعدة.