تحول الجدل الدائر حول سعر الخبز إلى مادة دسمة في الشهور الأخيرة، فبين تهديد أرباب المخابز بالزيادة في سعر هذه المادة التي تعتبر مكونا أساسيا في قفة المغاربة، ورفض الحكومة هذه الخطوة باعتبارها تخالف القانون المعمول به بالنسبة للمواد المدعمة وتمس القدرة الشرائية للمواطنين، يطرح المحللون علامات استفهام عديدة حول الجدوى من استمرار الدولة في التعامل مع بعض المواد الغذائية بمنطق الهاجس الأمني، في الوقت الذي لا تلتفت فيه إلى الزيادات الصاروخية المسجلة في أسعار مواد أخرى لا تقل أهمية. «حساسية المادة التي نمون بها السوق وسيطرة الهاجس الأمني يجعلان الحكومة متخوفة من الزيادة في أسعار الخبز، هذا في الوقت الذي يفرض فيه المنطق التعامل مع هذه المادة مثل باقي المواد الغذائية الأخرى، طالما أنها لا تخضع للدعم المباشر كما هو الحال بلنسبة للدقيق المدعم». خلال سنوات الثمانينيات وبداية التسعينيات لم يكن بإمكان أحد أن يتقبل هذا الكلام الصادر عن الحسين أزاز، رئيس الجامعة الوطنية لأرباب المخابز والحلويات، فذكرى «شهداء كوميرا»، كما سماها وزير الداخلية السابق ادريس البصري، كانت حاضرة بقوة، ولم يكن أحد يجرؤ على الحديث عن تحرير سعر الخبز، طالما أن هذا الأخير كان سببا في خروج الآلاف من المغاربة واندلاع مواجهات مع الأمن أدت إلى سقوط عشرات القتلى واعتقال الآلاف. اليوم، اختلفت الأمور، فالظرفية غير الظرفية، والاقتصاد الحر الذي اختاره المغرب كمنهج فرض على المغاربة التعامل مع الزيادات في الأسعار بإيجابية أكبر، لكن رغم ذلك ظلت الحكومة تتعامل بمنطق الهاجس الأمني مع تحرير أسعار الخبز، رغم أن مواد غذائية أخرى، لا تقل أهمية، سجلت زيادات كبيرة في الأسعار دون أن يحرك ذلك في الحكومة ساكنا. زيادات مع وقف التنفيذ قبل حوالي شهر ونصف من الآن، قرر أرباب المخابز الزيادة في أسعار الخبز، بما يتراوح بين 10 و30 سنتيما، حسب المناطق والجهات، غير أنهم ربطوا تفعيل هذه الزيادة بنتائج لقاء مع رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، الذي دخل على الخط في الملف، بعد مكالمة هاتفية عاجلة مع الحسين أزاز، رئيس نقابة أرباب المخابز والحلويات، وعده فيها بحل مشاكل القطاع مباشرة بعد تعيين الحكومة الجديدة. وقد جاء قرار الزيادة في أسعار الخبز بعد إجماع للمهنيين على اتخاذ هذه الخطوة خلال اجتماعهم بالدار البيضاء، واستند إلى الدراسة التي تم إعدادها بتعاون بين الحكومة ونقابة أرباب المخابز، والتي أسفرت عن كلفة إنتاج حقيقية للخبز، تتراوح بين 1.42و 1.67 درهم للوحدة التي تعرض للعموم ب1.20 درهم. واعتبر أزاز، حينذاك، أن قرار الزيادة ينتظر فقط التفعيل، وذلك وفق ما سيسفر عنه اللقاء المرتقب مع رئيس الحكومة الذي أصبح الماسك بزمام أمور هذا الملف الحساس، موضحا أن بنكيران وعد باستقبال المهنيين مباشرة بعد تعيين الحكومة الجديدة، كما وعد بتفعيل مضامين البرنامج التعاقدي. مباشرة بعد ذلك، خرجت الحكومة عن صمتها حيال التهديدات المتواصلة لأرباب المخابز بالزيادة في أسعار الخبز، ونفت وجود أي إمكانية للزيادة في أسعار الخبز بشكل انفرادي من طرف المهنيين. وأكد مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، أنه لا يمكن الزيادة في أسعار الخبز إلا بإذن من الحكومة وفقا للقانون. وبغية تفادي أي مساس بالقدرة الشرائية للمواطنين وأيضا مدارسة مطالب المهنيين، أوضح وزير الاتصال أن رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، برمج لقاء مع الجامعة الوطنية لأرباب المخابز والحلويات بالمغرب، من أجل بحث هذا الأمر. الزيادة في أسعار الدقيق تؤجج الوضع موقف الحكومة الرافض للزيادة في سعر الخبز دفع أرباب المخابز إلى تعليق الزيادة في الأسعار إلى أجل غير مسمى، لكن سرعان مع توتر الوضع من جديد، خاصة بعدما لجأت المطاحن إلى زيادات مفاجئة في أسعار الدقيق الممتاز، الذي يستغله أرباب المخابز في صناعة الخبز العادي، تراوحت بين 10 و70 سنتيما في الكيلوغرام، وهو ما دفع الجامعة الوطنية لأرباب المخابز إلى التلويح بتفعيل الزيادة في أسعار الخبز، التي تم الاتفاق عليها خلال الاجتماع الأخير للجامعة بالدار البيضاء. واعتبر الحسين أزاز، رئيس الجامعة الوطنية لأرباب المخابز والحلويات، أن هذه الزيادة غير المبررة قصمت ظهر أرباب المخابز، الذين يعانون أصلا من ارتفاع كبير في تكاليف الإنتاج، مؤكدا أن الجامعة طلبت عقد اجتماع عاجل مع رئيس الحكومة من أجل تدارس الوضعية واتخاذ التدابير المناسبة. وأبرز أزاز، أن القطاع يعاني من 4 عوائق أساسية، وهي أولا عدم تطبيق الكلفة الصناعية للطاقة لمعامل الخبز والتعامل معها كباقي المستهلكين، وثانيا تطبيق نسبة 20 في المائة كضريبة على القيمة المضافة، ثم الرسوم الجمركية العالية المطبقة على استيراد الآليات الصناعية المستخدمة لصناعة الخبز، وأخيرا الضرر الكبير الذي تحدثه المنافسة غير الشريفة من طرف القطاع غير المهيكل، الذي لا يحترم أيضا شروط السلامة الصحية من الإنتاج إلى التوزيع. واعتبر المتحدث أن عملية تأهيل القطاع تستدعي معالجة جميع هذه العوائق فضلا عن تحسين وضعية أرباب المخابز والعاملين بها ودعم الدولة في ما يخص الكهرباء وباقي المواد التي تدخل في إنتاج الخبز باستثناء الدقيق الذي يتم دعمه للعموم، إضافة إلى التحفيزات البنكية والضريبية، إلى جانب فتح باب التكوين أمام العمال ومرشحين جدد يتوفرون على دبلوم إجباري إذا أرادوا إنتاج هذه المادة. ورجح الحسين أزاز أن يقوم أرباب المخابز بالزيادة في سعر الخبز، تفعيلا لما تم الاتفاق عليه خلال الاجتماع الأخير لأرباب المخابز، معتبرا أن قرار الزيادة أصبح يفرض نفسه بإلحاح، خاصة أن نسبة مهمة من أرباب المخابز لم تعد قادرة على مسايرة تكاليف الإنتاج التي قفزت إلى مستويات قياسية. الوفا يدخل على الخط ويقرر تحيين البرنامج التعاقدي خلال اجتماعين متتاليين مع أرباب المخابز، استطاع محمد الوفا، وزير الشؤون العامة والحكامة، امتصاص غضبهم، بل وأكد في لقائه الأخير برئيس الجامعة الوطنية لأرباب المخابز والحلويات يوم الاثنين المنصرم أنه سيتم في «أقرب الآجال» عقد اجتماع بين رئيس الحكومة ومهنيي المخابز والحلويات، وذلك بعد الانتهاء من التقييم العام للبرنامج التعاقدي. وأشار الوزير إلى أن القطاعات الوزارية المعنية بهذا البرنامج التعاقدي بدأت في بعث أجوبتها المتعلقة بتقييم بنوده كتابة إلى الوزارة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة، مضيفا أنه سيتم، مباشرة بعد الانتهاء من التقييم العام للبرنامج، عقد لقاء بين رئيس الحكومة والمهنيين. ومن المعلوم أن الدولة قد التزمت بمقتضى البرنامج التعاقدي السابق، بتنسيق مع الجامعة الوطنية للمخابز والحلويات بالمغرب، بوضع برنامج لتأهيل الحرفيين عبر خلق شعب خاصة بالمخابز ، والقيام بدورات للتكوين المستمر تتناسب ومتطلبات قطاع المخابز والحلويات، وذلك بين مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل والوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات. كما تساهم الدولة في إحداث مدارس للخبازة والحلويات، وتلتزم الدولة أيضا بدعم ومواكبة قطاع المخابز من أجل الاستفادة من برامج العصرنة التي أتى بها كل من برنامج «رواج رؤية 2020» و«برنامج امتياز» طبقا للشروط المحددة. وبالإضافة إلى ذلك تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة لفائدة مهنيي صناعة الخبز والحلويات من أجل تخفيض تكاليف الإنتاج عبر الاستفادة من سعر الكهرباء القوة المحركة، شريطة التوفر على آلات كهربائية للخبازة وعزل العداد الخاص بالمخبزة ودعم ثمن الدقيق الممتاز من القمح اللين في حدود 350 درهما للقنطار على مستوى المطاحن وبدون احتساب تكاليف التلفيف والنقل، وتشجيع المهنيين على خلق شبكات للتمويل والإنتاج والتوزيع أو الانضمام إليها. وجاء البرنامج التعاقدي بمقتضيات تتوخى تنظيم القطاع، عبر إخضاع فتح المخابز لدفتر تحملات يُحدد الشروط الأساسية الخاصة بالتوقع والتجهيزات والمحل والعاملين، والذي يتم إعداده من قبل لجنة وزارية والجامعة الوطنية للمخابز والحلويات بالمغرب، وإدماج القطاع غير المهيكل في القطاع المهيكل، وتفعيل مقتضيات القانون 06 99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة من أجل إرساء الشفافية مع نسخ مرسوم رقم 2.74.614 بتاريخ 15 يناير 1975. كما تتعهد الدولة بالمساهمة في تنظيم حملات تحسيسية لفائدة الفاعلين المحليين من أجل انخراط المخابز في برنامج العصرنة، وذلك بشراكة مع الجامعة الوطنية للمخابز والحلويات بالمغرب وغرف التجارة والصناعة والخدمات وغرف الصناعة التقليدية والفيدرالية الوطنية لأرباب المطاحن. ومقابل ذلك تلتزم الجامعة الوطنية للمخابز والحلويات بالمغرب بدفع وحث منتسبيها على الانخراط في نظام التغطية الصحية الخاص بالمهن المستقلة، وكذا الحفاظ على ثمن الخبز في مستوياته الحالية، بالإضافة إلى تقديم عروض شاملة ومتكاملة لعصرنة وإعادة تأهيل المخابز لإدراجها ضمن برنامج عمل «رواج رؤية 2020» و«برنامج مساندة» و«برنامج امتياز»، ودعم المهنيين عن طريق وضع استراتيجية عملية ومخطط تجاري على غرار الأهداف المسطرة ضمن البرنامج التعاقدي، ووضع مخطط تواصل عن قرب من أجل ضمان نجاح الأهداف المسطرة وتطوير عقود شراكة مع الممونين والموزعين. الحكومة تتخذ تدابير جديدة لمحاربة التلاعب في الدقيق المدعم أعلن الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، محمد الوفا، خلال الأسبوع الجاري، أن الحكومة اتخذت عدة إجراءات قانونية وتنظيمية لضمان نجاعة نظام توزيع الدقيق المدعم والحد من تلاعبات بعض التجار. وأوضح الوفا في معرض رده على سؤال شفوي حول «الدقيق المدعم» تقدم به فريق التحالف الاشتراكي بمجلس المستشارين، أن هذه الإجراءات تتمثل على الخصوص، في الرفع من الحد الأقصى للغرامات من 100 ألف إلى 300 ألف درهم في حالة الغش في الوزن والجودة والزيادة غير المشروعة في الأسعار، كما أنيطت مهمة تغريم المخالفين بالولاة والعمال ضمانا لتسريع تطبيق المخالفات. وأضاف الوزير أنه تم أيضا إعداد قرار وزاري مشترك يتم بموجبه نشر لوائح التجار الموزعين وعناوينهم بكل مركز والكمية الممنوحة لهم وتعليقها بمقرات الجماعات المعنية والمكاتب الجهوية للحبوب والقطاني، إضافة إلى فرض إشهار أثمنة البيع للمستهلك على أكياس الدقيق المدعم، مشيرا إلى أن تطبيق هذا الإجراء أدى إلى خفض السعر المتداول في الأسواق بشكل فوري. وحسب الوفا فقد تم وضع برنامج إصلاح في إطار الإصلاح الشامل لمنظومة المقاصة، يهدف إلى إعادة النظر في عملية توزيع واختيار التجار، وتحديد كميات الحصص المخصصة لكل عمالة وإقليم، والترسانة القانونية التي تنظم هذه السلسلة. الغش في وزن الخبز حاضر بقوة أمام تأخر الحكومة في إصلاح قطاع المخابز، تنامت ظاهرة الغش في وزن الخبز، وهو الأمر الذي دفع مجموعة من الجمعيات إلى المطالبة بتشديد الرقابة على المخابز والأفران التقليدية. وأفاد ممثلو الجمعيات بأن وزن الخبز انخفض إلى أدنى مستوياته في بعض المناطق، حيث أضحى وزن الخبزة الواحدة يقل عن 140 غراما، في حين أن الوزن الحقيقي يجب ألا يقل عن 200 غرام، وهو ما يضرب في العمق، حق المستهلك، ومبدأ الحفاظ على معايير جودة هذه المادة الحيوية، وذلك استنادا إلى ما تقره الجمعية الوطنية لأرباب المخابز، بضرورة احترام الوزن الحقيقي المعمول به قانونيا. واعتبرت المصادر ذاتها، أن الفوضى التي تعم القطاع فتحت شهية بعض أرباب المخابز لتخفيض وزن مادة الخبز، ومراكمة الأرباح دون مراعاة مصلحة المستهلك في غياب أي مراقبة من لدن المصالح المختصة، وأشار هؤلاء إلى أن بعض الأفرنة التقليدية المتواجدة ببعض أحياء المدينة تشتغل في ظروف تفتقد إلى شروط النظافة، بل إن منها ما لا يتوفر حتى على اشتراك في شبكة الماء الصالح للشرب، وهو ما يجعل بعض الأفرنة تنتج مادة الخبز بمواصفات رديئة. هذا ودعت المصادر نفسها، المصالح المعنية إلى التدخل للقيام بمراقبة دورية تهدف إلى فرض احترام معاير صناعة مادة الخبز حفاظا على مصلحة المستهلك.