عاشت طنجة أول أمس الخميس، أضخم احتجاجاتها، بعد نزول الآلاف من تلاميذ المؤسسات الثانوية، وخاصة مستوى الباكالوريا، إلى الشارع، في شكل مسيرات احتجاجية حاصرت مبنى نيابة طنجة–أصيلة، هذه الأخيرة التي اضطرت إلى تعميم بلاغ يوضح فكرة البرنامج. وتوقفت الدراسة بشكل شبه تام في معظم الثانويات بطنجة، ونزل التلاميذ إلى الشوارع منذ الصباح إلى ما بعد السادسة مساء، وانطلقت المسيرات من مختلف المؤسسات متجهة صوب نيابة التعليم. وكان مشهد الاحتجاج أمام نيابة التعليم أبرز أحداث اليوم الاحتجاجي الثالث للتلاميذ ضد برنامج "مسار" في طنجة. ورفع التلاميذ المحتجون شعارات تطالب وزير التعليم بإلغاء برنامج "مسار" المعلوماتي، مرددين أنه يستهدف تحصيلهم الدراسي، وأنه يقوض مبدأ تكافؤ الفرص، كما أوردوا أن احتجاجاتهم ستستمر إلى غاية تحقيق مطالبهم. احتجاجات التلاميذ بطنجة لم تتوقف عند انتقاد برنامج مسار، بل انطلقت منه للاحتجاج على وضع المؤسسات المدرسية والنظام التعليمي عموما، إذ ردد التلاميذ شعارات تفيد بوجود نقص في الأطر المكونة في كافة المجالات وعلى رأسها مجال المعلوميات، إلى جانب افتقار المدارس للحواسيب المناسبة، والتجهيزات الإلكترونية الأخرى "بل حتى المقاعد أحيانا"، يردد بعض المحتجين. وشهدت احتجاجات الأمس إنزالا أمنيا مكثفا من طرف عناصر الشرطة وعناصر القوات المساعدة، وقال عدد من التلاميذ إنهم تعرضوا للتعنيف من طرف بعض الأمنيين، الذين تعللوا ب"رفعهم لشعارات حركة 20 فبراير". وأصدرت نيابة التعليم بطنجة، بلاغا يشرح طريقة عمل برنامج مسار، إذ أوردت أنه سيمكن الآباء والأمهات من ولوج البوابة الإلكترونية للمؤسسات التعليمية، لمعرفة مواعيد فروض المراقبة المستمرة واستعمالات الزمن الخاصة بأبنائهم، بالإضافة إلى الحصول على النتائج الدراسية للتلاميذ وتتبع تحصيلهم. وأوردت النيابة أن منظومة "مسار" تستعمل منذ يونيو 2013، إذ اعتمدت لتدبير عمليات التسجيل وإعادة التسجيل والانتقال، كما واكبت في المرحلة الثانية، تدبير جميع العمليات المتعلقة بتقييم التلاميذ. وشددت النيابة على أن المنظومة المعلوماتية "مسار"، لن يكون لها تأثير على النتائج المحصل عليها، "عكس ما يجري تداوله في صفوف التلاميذ"، وأضافت النيابة أن تلك "الشائعات" الغرض منها "التشويش" على الامتحانات، بالإضافة إلى "الحسابات الفردية الضيقة والمزايدات التي تستهدف التلاعب بمصير التلاميذ"، على حد تعبير البلاغ. انتقلت عدوى احتجاجات التلاميذ ضد منظومة "مسار" المعلوماتية إلى ثانويات الأقاليم الجنوبية، إذ شهدت مدن العيون والسمارة وكلميم مظاهرات ووقفات احتجاجية داخل مجموعة من المؤسسات التعليمية، فيما اضطر رئيس الحكومة إلى مناقشة مجموعة من التلاميذ المحتجين أول أمس في الرباط أمام مقر النيابة، المقابل لمنزله بحي الليمون. ورفعت وزارة التربية الوطنية من درجة يقظتها بتنسيق مع باقي القطاعات الحكومية المعنية، وعلى رأسها وزارة الداخلية. كما عمت حالة من الاستنفار الأمني محيط الثانويات التي شهدت احتجاجات التلاميذ، تحسبا لأي طارئ، فيما تواصلت في مختلف المدن المغربية حالة الغضب داخل المؤسسات التعليمية، حيث نظم تلاميذ عدد من المناطق بإقليم الحسيمة احتجاجات على غرار زملائهم في باقي المؤسسات. وأوضحت مصادر مطلعة أن مديري عدد من المؤسسات التعليمية التابعة لإقليم الحسيمة لجئوا إلى تطبيق مسطرة الغياب في حق التلاميذ المشاركين في الوقفات الاحتجاجية، ووجهوا استدعاءات إلى أولياء أمورهم، في خطوة تهدف إلى إخماد الاحتجاجات. وتعليقا على تواصل احتجاجات التلاميذ، كشف مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، في اتصال هاتفي مع "المساء" أن هناك حالة من اليقظة على مستوى مصالح وزارة التربية الوطنية بتنسيق مع القطاعات الوزارية المعنية، مثل وزارة الداخلية، من أجل السهر على السير العادي للمؤسسات التعليمية، وضمان عدم المساس بمصالح التلاميذ، وتأمين تحصيلهم الدراسي". وأوضح أن "ما يثار من أسباب حول الاحتجاجات المرتبطة بهذه المنظومة هي مجرد شائعات لا أساس لها". وأشار إلى أن "منظومة مسار لمصلحة التلميذ وكافة مكونات المنظومة التعليمية ولمصلحة المحيط، وهي منظومة انطلقت في يونيو من السنة الماضية، في مرحلة أولى، كمنظومة معلوماتية همت عملية تسجيل التلاميذ، ثم في مرحلة ثانية كمنظومة لمسك النقط في نونبر الماضي. وأوضح أن هذه المنظومة تتيح معرفة الآباء والأمهات للزمن المدرسي، ومواعيد الفروض المدرسية ونتائج التحصيل الدراسي، من أجل أن تساهم الأسر في النهوض بالمستوى الدراسي لأبنائها وبناتها، و"بالتالي فهي منظومة تعليمية حديثة، من شأنها أن تساهم في الرفع من مجهودات التعليم"، يضيف مصطفى الخلفي. "الشعب يريد إسقاط مسار"، شعار ردده الآلاف من تلاميذ مختلف ثانويات القنيطرة، الذين واصلوا انتفاضتهم، التي اندلعت شرارتها الأولى، منذ مطلع هذا الأسبوع، احتجاجا على انطلاق العمل بالمشروع المعلوماتي "مسار". ولم تثن الأمطار الغزيرة، التي تهاطلت على المدينة، تلاميذ وتلميذات ثانوية أبي حيان التوحيدي على الخروج مجددا، صباح يوم أمس، للتعبير عن رفضهم المطلق لبرنامج "مسار" الخاص بمسك النقط، وهو ما أدى إلى التوقف المؤقت للدراسة. وأعلنت السلطات حالة استنفار في صفوف أجهزة مكافحة الشغب، وفرضت على مسؤوليها اليقظة والحذر تحسبا لأية انزلاقات غير محسوبة العواقب قد ترافق احتجاجات التلاميذ، إذ شوهدت العديد من الوحدات الأمنية وهي تجوب مختلف المؤسسات التعليمية بالقنيطرة، فيما ظلت دوريات أخرى مرابطة بالقرب من بؤر الاحتجاج. وأجبرت حدة الاحتقان محمد الشبلي، النائب الإقليمي لوزارة التعليم، على مغادرة مكتبه، والإسراع إلى ثانوية أبي حيان التوحيدي لشرح حقيقة برنامج "مسار"، وإقناع المحتجين بالرجوع إلى فصول الدراسة، وتوقيف مظاهراتهم. وقالت المصادر، إن المسؤول التربوي وجد صعوبات كبيرة في إيصال تفسيراته حول البرنامج المذكور، بعدما ظل التلاميذ الغاضبون متشبثين بمواقفهم وتخوفاتهم من إمكانية حرمانهم من نقط المشاركة داخل الفصول الدراسية، وعدم الاستفادة من امتيازات نقط المراقبة المستمرة والسلوك. وكانت لجنة نيابية مختلطة، قد حلت، أول أمس، بثانوية ابن بطوطة، في محاولة منها لإخماد نار الاحتجاجات، التي اندلعت في صفوف التلاميذ، الذين حاولوا نقل مظاهراتهم إلى الشارع العام، أسوة بزملائهم بثانوية محمد الخامس، إلا أن السلطات الأمنية نجحت في إحباط هذه المحاولة. وحمل مصدر مسؤول، الوزارة الوصية، مسؤولية الاحتقان الذي تعرفه المؤسسات التعليمية، بسبب محدودية تواصلها مع الأطراف المعنية، وعدم توسيع دائرة النقاش حول هذا البرنامج، المثير للجدل، قبل تنزيله على أرض الواقع.