دخلوا أبواب الجريمة من بابها الواسع، أغلبهم من ذوي السوابق العدلية، لم يتجاوزوا بعد عقدهم الثالث، لا يأبهون للحملات التمشيطية الروتينية التي تشنها مصالح الأمن بالدارالبيضاء بين الفينة والأخرى، متهمون بالسرقة بالخطف في واضحة النهار، وآخرون بالتهديد بواسطة السلاح الأبيض، أحكموا قبضتهم على أكبر حاضرة بالمغرب، ومارسوا أنشطة إجرامية تمتد من الدعارة إلى ترويج المخدرات، مرورا بالاغتصاب والسرقة بالعنف واعتراض السبيل والقتل العمد، وسجلت ظاهرة الإجرام في كبرى الحواضر المغربية، تزايدا مقلقا خلال النصف الأول من العام الماضي، ورغم السرية التي تحيط التقرير النهائي لإحصائيات معدل الجريمة الخاص بسنة 2013، والتي لم تفصح عنه بعد الأقسام المختصة في رصد نسب الجريمة على الصعيد الوطني، بالمديرية العامة للأمن الوطني، حصلت «المساء» على أرقام تدق ناقوس الخطر بالدارالبيضاء التي أصبح شبح الإجرام يحلق في سمائها لا يمكن أن يمر يوم بالعاصمة الاقتصادية دون أن يجري تسجيل أزيد من 20 حالة سرقة بالخطف أو بالتهديد بواسطة السلاح الأبيض أو النشل، كما لا يمكن أن يمر يوم دون أن تسمع عن اعتقال مروجي المخدرات بكل أنواعها، فنهار البيضاء يشبه ليلها، ولم تعد السرقات والجرائم تنتظر أن يرخي الليل بستاره، بل أغلب الشكايات التي تتوصل بها المصالح الأمنية والدوائر هي سرقات وجنح تقع في واضحة النهار. رغم أن مصالح الأمن في الدارالبيضاء تحرص على التأكيد أن الوضع الأمني»متحكم فيه» و»تحت السيطرة» فإن الانفلات الأمني يظل قائما في العديد من الأحياء. في حي مولاي رشيد مثلا، هناك أزقة لا تستطيع سيارة الشرطة أن تمر منها، خصوصا في الليل، حيث يتحول الفضاء إلى ملكية لذوي السوابق، للسكارى والمعربدين. أما تجار المخدرات، فتؤكد مصادرنا أنهم يبيعون السموم في محل تجاري يوجد في حي»بورنازيل»، حيث اختار التجار أن يبيعوا سمومهم بشكل منظم داخل محل تجاري تتوسطه طاولة خشبية، يتاجرون في المخدرات بتعرفة محددة، وتحت حماية بعض رجال السلطة الذين يعرفهم أبناء الحي بالاسم. في كاريان بن امسك الذي قيل إن سكانه سيرحلون عما قريب، ينشط لصوص الدراجات النارية وكبار تجار المخدرات، وهناك هياكل دراجات نارية مسروقة يعاد بيعها بالتفاوض في مقاهي تتواجد بسوق الجملة للخضر والفواكه. واللافت أن حي مولاي رشيد، أحد أحزمة البؤس المحيطة بالمدينة صار حصنا للخارجين عن القانون وعتاة المجرمين. الأخبار الواردة من الحي المحمدي، تقول إن محيط القيسارية التي اشتهر بها الحي صار يعج باللصوص، المتخصصين في السرقات بالنشل وابتزاز التجار واحتساء الخمر في قارعة الطريق. قبل أيام أصبح تاجر مخدرات يلقب ب»ولد المكناسية» أشهر من نار على علم، بعد أن طارده رجال الأمن أكثر من مرة ولم يتمكنوا من اعتقاله. في درب السلطان، ورغم كل مجهودات الشرطة والحملات التمشيطية الروتينية، مازال درب الكبير قلعة حصينة لتجار المخدرات، في درب البلدية تباع لحوم الذبيحة السرية والمسروقات، وينشط باعة الخمور أو ما يعرف ب»الكرابة» بشكل لافت في درب الفقراء وقرب مقر مفوضية الشرطة في شارع بني مكيلد. في أحياء الدارالبيضاء يتداول الناس أخبار الجريمة بشكل يومي، هي أخبار تبدأ من السرقة واعتراض طريق المارة واقتحام المنازل، يمكن أن تصل إلى العنف والقتل والاغتصاب، أما إشهار السيوف في الشوارع فصار موضة جديدة، بل إن حتى فيديوهات العربدة واعتراض السبيل بواسطة السيوف أصبح شيئا مألوفا بمواقع التواصل الاجتماعي ك»فايسبوك». خلال الأسبوع الجاري قام مخمورون مدججون بالسيوف والكلاب بشن هجوم كاسح على تلاميذ في عين الشق بالدارالبيضاء، وعاثوا فسادا في المنطقة، قبل أن يغادروها سالمين غانمين، بعد فتح مبين استعرضوا فيه عضلاتهم أمام تلميذات الثانوية التأهيلية. في الحي الحسني بالدارالبيضاء عمد أربعة أشخاص، مسلحين بسكاكين، إلى السطو على العشرات من الأشخاص بحي ليساسفة، ورغم تقدم الضحايا بشكايات مباشرة للدوائر الأمنية وعناصر الشرطة القضائية، مازال المتهمون يواصلون «غزواتهم» بكل من سيدي معروف وحي ليساسفة والحي الحسني. وحسب مصادر غير رسمية ل»المساء» فإن حادثا طريفا وقع في حي سيدي مومن بداية الأسبوع الجاري، عندما هاجم لصوص حافلة للنقل الحضري وسلبوا المواطنين أموالهم وهواتفهم، وعندما هم اللصوص بمغادرة الحافلة تركوا وصية للركاب لإخبار رجال الشرطة أن منفذي عملية السطو هم من «أصحاب الفراشة»، في إشارة منهم إلى العطالة الاضطرارية التي صاروا يعيشونها، بعد أن عمدت السلطات بمحيط قيسارية «الحفارين» في درب السلطان إلى طرد باعة اعتبرت أنهم يحتلون الرصيف العمومي ويعرقلون السير. ولاد البوعزاوي لم تردعه سنوات السجن وقسوة أيامه الموحشة، أو برودة لياليه الطويلة ووحدته، فقد عشق الحياة خلف القضبان، وكلما أفرج عنه عاد مرة أخرى إلى زنزانته التي عشق الحياة بين جدرانها المظلمة، إنه واحد من أبناء «البوعزاوي» الأسرة المعروفة بالحي الشعبي لالة مريم. نشأ في أسرة فقيرة، تعلم فنون السرقة وقواعدها على أيدي أفراد أسرته المعروفين بحي لالة مريم بلقب «ولاد البوعزاوي» الذين احترفوا السرقة بكل أنواعها، لإعالة والدهم الذي كان معروفا ببيع المعجون في الحي الشعبي الذي يعتبر نقطة سوداء في الدارالبيضاء.. أدمن عبد الله معاقرة الخمر، التي سيطرت على رأسه، وأثرت عليه، فأصبح واحدا من المبحوث عنهم بأكثر من مذكرة بحث بخصوص السرقة تحت التهديد بواسطة السلاح الأبيض والسرقة بالخطف، حتى أن عددا من الضحايا الذين تسرق هواتفهم المحمولة عن طريق الخطف يطرقون باب أسرة «البوعزاوي» عله يشفق ويرد البضاعة لأصحابها بعد أن عجز الأمن عن اعتقاله. الحي الحسني لا يختلف كثيرا عن لالة مريم، فالتقهقر الأمني بحسب فاعلين، يعود إلى عدم وجود مراكز القرب الأمنية، وبعد مقر الدائرة الأمنية عن التجمعات السكانية، حيث تتمركز الكثافة السكانية بشكل كبير على مستوى أحياء ليساسفة 1،2،3، والعالية، بالإضافة إلى قصبة الأمين، بالمقابل فإن الدائرة الأمنية تقع وسط «الفيلات» بحي الليمون، وهنا يتساءل بعض المراقبين المدنيين بالمنطقة، لمن وجدت هذه الدائرة؟ وهل بضعة عناصر كافية لتوفير الأمن لما يناهز 160 ألف نسمة...، فقلة الأفراد والعناصر الأمنية بالدائرة تبقى السبب المباشر لهذا الفلتان الأمني، وبعملية حسابية بسيطة نجد أن هناك رجل أمن لكل 13.333 مواطن تقريبا. ينضاف إلى شح العناصر الأمنية أيضا، عوز لوجيستيكي، يتمثل في قلة وضعف الأسطول والوسائل المادية لاشتغال رجال الأمن (سيارة أمن بالدائرة كأبعد تقدير). هذا إن كانت حالتها الميكانيكية صالحة أصلا. المساحة الجغرافية الشاسعة للمنطقة، وضعف الإنارة العمومية في معظمها، يساهمان بدورهما في انتعاش منابت الإجرام والانحراف، كما أن غياب دوريات أمنية بالمنطقة، ساهم بجلاء في سطوة المنحرفين ومراقبتهم للمجال، فبعض الأحياء أصبحت لم تلجها سيارة الأمن منذ مدة طويلة. الشعب يريد الإعدام للقاتل قبل أيام قليلة تعالت أصوات عشرات المواطنين مطالبة، عصر الجمعة الماضي، بإنزال عقوبة الإعدام في حق شاب اقترف جريمة قتل بشعة مع سبق الإصرار والترصد، راح ضحيتها صاحب محل لبيع المواد الغذائية بشارع مولاي إسماعيل يوم 2 نونبر الماضي. ورفع المتظاهرون شعارات «الشعب يريد إعدام القاتل»، أثناء إعادة تمثيل جريمة القتل، كما حاول بعضهم القصاص من الجاني، بيد أن رجال الأمن منعوهم من ذلك، ليقوم المتظاهرون بمهاجمة سيارة للشرطة نقلت الجاني إلى مقر الشرطة القضائية لأمن الحي المحمدي عين السبع. وقالت إحدى جارات القتيل، إن سكان الحي ظلوا يعيشون في خوف منذ ارتكاب الجريمة ويغلقون أبواب منازلهم باكرا، مضيفة أن رجال الأمن بعد اعتقالهم للجاني أعادوا شيئا من الثقة لسكان منطقة الصخور السوداء، مطالبة بالقيام بحملات تطهيرية بالأزقة القريبة من ميناء المدينة، حيث يجتمع المنحرفون واللصوص. وعن تفاصيل الجريمة، أوضح رئيس الشرطة القضائية لأمن الحي المحمدي عين السبع، أن مصالح الأمن تلقت يوم 2 نونبر الماضي إشعارا من قاعة المواصلات بضرورة الانتقال إلى المحل التجاري لمعاينة جثة صاحبه (50 سنة)، وجدت مضرجة في الدماء وتحمل 9 طعنات بسكين. وأوضح، أنه وبعد القيام بإجراءات المعاينة والبحث بناء على أوصاف الشهود، بدأت التحريات بمجموع تراب مدينة الدارالبيضاء عن شخص يتراوح عمره مابين 20 و24 سنة، أبيض البشرة ويحمل أثار جرح بسيط على مستوى الشفة السفلي. وبعد إيقاف عدد كبير من المشتبه بهم اهتدى رجال الأمن إلى أحد الأشخاص، تبين من خلال البحث التقني، أنه آخر من استعمل الهاتف النقال للضحية، وبعد اعتقاله أفاد أن الهاتف النقال للضحية الذي ضبط بحوزته قد اقتناه من جوطية البرنوصي، وعند استفسار الجاني ( من مواليد 1992 وعديم السوابق القضائية)، أبدى استعداده للتعاون مع المحققين، وكان يعطيهم معلومات خاطئة حول الشخص الذي باعه الهاتف النقال، لكن وبعد محاصرته بالأسئلة ومعاينة أشرطة تسجيل لكاميرات مراقبة في الشارع، اعترف بارتكابه جريمة القتل بدافع السرقة، خصوصا وأنه مدين لصاحب محل إنترنيت بمبلغ 3000 درهم. وحسب اعترافات الجاني الذي يقطن بحي سيدي مومن، فقد تناول قرصين مخدرين صباح ارتكابه الجريمة، وتوجه إلى شارع مولاي إسماعيل، ليلفت انتباهه وجود محل البقالة، ولأن اليوم كان يوم سبت تقل فيه حركة مرور الراجلين في المنطقة، فقد دلف إلى المحل واقتنى مشروبا من الضحية، قبل أن يوجه له 9 طعنات كانت كافية لإزهاق روحه، ويسطو على مبلغ مالي قدره 2800 درهم من داخل المحل ويلوذ بالفرار. فوضى بالأحياء الراقية كثفت السلطات الأمنية من تحركاتها في الأيام الأخيرة بعدد من الأحياء الراقية ككاليفورنيا، للكشف عن مصدر إشاعات أطلقها مجهولون تحذر المواطنين من مغبة الخروج بعد الثامنة مساء لقضاء أي غرض كان، حيث سيتعرضون حسب الإشاعة لبطش عصابة ملثمة مدججة بالسيوف والأسلحة البيضاء تغتصب النساء وتختطف الفتيات وتسلب المواطنين أموالهم. وقد لقيت الإشاعات التي أطلقها مجهولون تجاوبا ملحوظا من لدن سكان عدد من الأحياء الراقية التي باتت أزقتها تبدو مهجورة (في بعض الأحياء) مع حلول الساعة الثامنة مساء خلافا لطبيعة المكان. وقال مصدر «المساء» إن معدل السرقات بالخطف والتهديد بواسطة السلاح الأبيض يتصدر معدل الجرائم بالدارالبيضاء، دون أن نذكر العدد الكبير من المواطنين الذين لا يسجلون شكاياتهم لدى مصالح الأمن أو بالدوائر الأمنية. وقبل أيام عاش شارع بوركون بالدارالبيضاء، حادثا غير مسبوق حيث تهجم شخصان كانا في حالة هستيرية بواسطة مدية وسيف على محلات تجارية وسيارات، وحاولا قتل امرأة كانت رفقة ابنتها وإحدى قريباتها، بعد أن ألحقا خسائر مادية كبيرة بسيارة، وكسر جميع زجاجها أمام مرأى العشرات من السكان الذين لم يحركوا ساكنا. وتبين أن المشتبه به المعروف بسوابقه العدلية والذي كان رفقة متهم آخر، كانا في حالة تخدير جراء تناولهما أقراصا مهلوسة، وكانا على متن دراجة نارية يعترضان سبيل المارة، قبل أن يتوجها إلى شارع بوركون لإلحاق خسائر مادية بعدد من المحلات التجارية والواجهات الزجاجية، إضافة إلى سيارة الضحية التي حاولا اختطاف ابنتها القاصر، التي أنقذها بصعوبة سكان بأحياء متاخمة لشارع بوركون. وانتقلت عناصر أمن المداومة التابعة لأمن أنفا إلى مكان الحادث مرفوقة بعناصر من الصقور، إذ بوشرت حملات تمشيطية واسعة النطاق لاعتقال المشتبه بهما اللذين تبين أنهما كانا يقطنان ب»كاريان الهجاجمة» وانتقلا إلى حي البرنوصي، وجرى إيقاف خال المتهم قصد الاستماع إليه للوصول إلى المشتبه بهما اللذين كانا أثناء الحادث في حالة هستيرية وبدون ملابس. وتكلفت عناصر الضابطة القضائية بمجريات التحقيق في الحادث، إذ من المنتظر أن يجري الاستماع من جديد إلى الضحايا وعدد من الشهود الذين روعهم منظر الاعتداء على ضحايا أمام مرأى الجميع، في حين لم يعتقل المتهمان إلى حدود الساعة. وقبل الحادث بقليل اضطرت عناصر أمن أنفا إلى إشهار مسدساتها قرب سينما «ميكاراما» في وجه عنصر وصف بالخطير، يتزعم عصابة إجرامية متخصصة في السرقة والسطو بواسطة سيارات فارهة ودراجات نارية. ونسقت عناصر القسم التاسع بالشرطة القضائية بولاية أمن أنفا مع عناصر الاستعلامات العامة لإيقاف المتهم، الذي توبع بتكوين عصابة إجرامية، والمعروف في الكثير من النقط السوداء بالدارالبيضاء بلقب «ولد الكلب» والذي قاوم رجال الأمن أثناء اعتقاله. المدينة القديمة تشهد ارتفاعا في معدل الشكايات المسجلة لدى الدوائر الأمنية بخصوص السرقة بالخطف والتهديد بواسطة السلاح الأبيض، إضافة إلى وجود تجار في المخدرات بعدد من الأحياء كبوطويل وبوسبير. درب غلف لم تتمكن العناصر الأمنية التي تجاوز عددها العشرين نفرا من اعتقال المدعو «ولد صليحة» أخيرا إلا بصعوبة كبيرة، أي بعد أن أصابه التعب واستسلم للأمر الواقع، فحوالي ثلاثة أيام والعناصر الأمنية تزور زنقة عبد الرحمن الزموري والتي تعتبر من النقط السوداء، حيث تشمل تجارة المخدرة إضافة إلى أزقة مجاورة تنشط بها الذبيحة السرية. الحي الحسني والولفة منطقة ليساسفة، التي تعد حي استقبال واستقرار عدد كبير ممن دفعتهم الهجرة، إما القروية أو من مدن أخرى إلى الاستقرار عند مدخل العاصمة الاقتصادية، تعد من أكبر النقط السوداء، إذ تتلقى عناصر الشرطة القضائية شكايات تدفعهم إلى التدخل عشرات المرات. درب السلطان ودرب الكبير رغم كل المجهودات الأمنية مازالت الزنقة 8 بحي درب الكبير تعج بالمشتبه بهم وتجار المخدرات، إضافة إلى مقاهي خاصة يلجها مدخنو مخدر الشيرا. حي مولاي رشيد وحي لالة مريم الحيان يعتبران من أحزمة الفقر التي تحيط بالدارالبيضاء، فرغم الحملات التمشيطية المناسباتية مازال الحيان مرتعا للمشتبه بهم وذوي السوابق العدلية، إذ لا يمكن أن يمر يوم واحد دون أن تسجل أقل من عشر شكايات بخصوص السرقة بالخطف أو التهديد بواسطة السلاح الأبيض.