من المقرر أن تصدر وزارة التربية الوطنية تقاريرها حول جلسات الاستماع التي أطلقتها منذ تعيين رشيد بلمختار على رأسها خلفا لمحمد الوفا، في غضون شهر مارس المقبل. كما أن المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي سيصدر تقارير الاستشارات التي فتحها حول مستقبل المدرسة المغربية. وفي جل التقارير، هناك إجماع حول ثلاثة ملفات تربوية تكتسي صبغة الأولوية هي التعليم الأولي، والتعلمات الأساسية، وتأهيل المؤسسات التعليمية. منذ عين رشيد بلمختار وزيرا للتربية والتعليم خلفا لمحمد الوفا، ومنذ أصبح عمر عزيمان رئيسا للمجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي، ظل السؤال الجوهري الذي يحتاج لجواب مقنع هو، كيف يمكن للمدرسة المغربية أن تخرج من واقعها المتردي، بشهادة خبراء التربية، ورجال السياسة، والمنتمين للقطاع أيضا. لذلك تكاد تجمع جل جلسات الاستماع، التي تم إطلاقها من لدن الوزارة، والاستشارات التي فتحها المجلس الأعلى، على أن السبيل لإصلاح ما يمكن أن يصلح، لن يكون غير العودة لاسثتمار الدراسة التي أجريت حول قطاع التربية والتعليم قبيل المخطط الاستعجالي، الذي انطلق في 2009 وكان يفترض أن يقدم نتائجه الأخيرة في 2012. وملخص هذه الدراسة هو أن المخطط جاء من أجل إنجاز ثلاثة ملفات أساسية، وذات أولوية، هي التعليم الأولي، والتعلمات الأساسية من قراءة وكتابة وحساب، ثم تأهيل المؤسسات التعليمية، لكي تكون صالحة لاستقبال التلاميذ والمشتغلين فيها في ظروف أفضل. كانت مشاريع المخطط الثلاثة والعشرين، والتي وصلت كلفتها 9 ملايير درهم، قد وضعت على خلفية أرقام صادمة كانت تقول إن سبعة في المائة من تلاميذ السنة السادسة ابتدائي هم الذين يمتلكون أدوات اللغة العربية، وإن واحدا في المائة منهم فقط، هو الذي يمتلك أدوات اللغة الفرنسية. اليوم يطرح المتتبعون السؤال عن مستوى الأرقام التي تفصلنا عن سنة 2006، وهي السنة التي أنجز فيها هذا التقرير الصادم. لعل أول الملفات التي مازالت اليوم في حاجة لاهتمام وعناية، هو ملف التعليم الأولي، الذي يعني التعليم ما قبل المدرسي. تقول الأرقام إن أكثر من مليون و500 ألف تلميذ ممن هم في سن التعليم الأولي، لا يلتحق منهم بفصول الدرس، غير النصف. وجلهم من الوسط الحضري. لذلك فمن نقط ضعف هذا الملف، والتي ستكون من أولى الأولويات التي وضعتها اليوم وزارة بلمختار ومجلس عزيمان، هو أن هذا التعليم قد يصبح إلزاميا، بدلا من أن يظل اختياريا كما كان عليه الأمر من قبل. كما أن انخراط الجماعات المحلية يجب أن يتحول إلى فرض عين، على الرغم من أن مبررات جل مسؤولي الجماعات هي أن القانون المنظم للعمل الجماعي لا يتحدث صراحة عن انخراطها في هذا التعليم الأولي. وهو مبرر لا ينسجم مع دورها في تحقيق التنمية بكل عناصرها، كما حدث مع التجربة الفرنسية مثلا، والتي فرضت على الجماعات المحلية منذ 1886 برمجة فصول من ميزانيتها لهذا القطاع. ومن المقرر أن تكون جلسات الاستماع قد توقفت كثيرا عند بعض التجارب الناجحة، التي يفترض اسثتمارها وتعميمها، كما هو حال تجربة « مدرسة.كوم» التي تشرف عليها مؤسسة البنك المغربي للتجارة الخارجية، والتي دخلت في شراكة مع وزارة التربية الوطنية، وأحدثت مجموعة من المدارس قاربت، قبيل انطلاق المخطط الاستعجالي، المائة مدرسة. وغيرها من التجارب الأخرى كتجربة زاكورة أيضا. ثاني الملفات الذي تكاد تجمع كل الاستشارات على أنه يكتسي صبغة الأولوية، هو المتعلق بالتعلمات الأساسية من كتابة وقراءة وحساب، خصوصا وأن التشخيص كشف كيف أن المدرسة المغربية مازالت تحتل صفوفا متأخرة فيما يتعلق باللغة العربية والفرنسية والحساب. أولى الملاحظات، والتي لا يخفيها المشتغلون في القطاع، هي أن المدرسة المغربية تدرس اليوم التربية الأسرية، والنسوية، والفنية، والتربية على حقوق الإنسان، والتربية الطرقية. وتقوم بحملات لمحاربة التدخين، وداء السيدا، دون أن تقوم بوظيفتها الأساسية التي هي التربية والتعليم، والتي يمكن أن تخص القراءة والكتابة والحساب. لذلك يصبح الحسم في ملف لغة التدريس، من أولوية الأولويات. ومن ذلك مثلا النظر في حكاية التعريب، الذي جربته المدرسة المغربية في الصفوف الإبتدائية والإعدادية والثانوية، دون أن تقو على إدخاله للتعليم العالي. أما الضحية الأول، فلم يكن غير التليمذ. غير أن كل هذه المشاريع، ذات الصبغة التربوية المحضة من تعليم أولي يجب أن يصبح إلزاميا، وتعلمات أساسية، يجب أن تشكل عمود المدرسة المغربية في صفوفها الأولى، لا يمكن أن تعرف طريقها للنجاح في غياب شروط استقبال محترمة، هي ما قال به المخطط الاستعجالي، وسماه بتأهيل المؤسسات التعليمية. يكاد يجمع جل الذين قدموا شهاداتهم سواء لوزارة بلمختار، أو لمجلس عزيمان، أن غياب الماء والكهرباء مثلا عن المؤسسات التعليمية، يساهم بنسبة عالية في الهدر المدرسي. بل إن غياب دورات مياه بداخل المدارس، يتسبب في هدر نسبة كبيرة جدا من الفتيات خصوصا في العالم القروي. لذلك جاء المخطط في 2009 وفي جعبته 2500حجرة إضافية في السلك الابتدائي، منها 1700 في العالم القروي. ثم 720 إعدادية بمعدل 6800 حجرة جديدة. اليوم يتساءل المتتبعون، كم أنجزت وزارة التربية والتعليم من حجرة درس جديدة؟ لقد ظل يعاب على الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين أنها لم تنجز ما كان مطلوبا منها في هذا الشق، سواء لأنها لم تتوصل بميزانياتها في الوقت المناسب، أو لأنها لم تتمكن من عقد مجالسها الإدارية، التي يفترض أن تصادق على هذه الميزانيات، وعلى مشاريعها المستقبلية. لذلك سجلت الأرقام أن جل الأكاديميات لم تصرف غير 40 إلى 45 في المائة من ميزانيتها السنوية. ويضاف لهذا الشق، أن تكليف الأكاديميات بملف البناءات، كاد يبعدها عن دورها الأساسي الذي هو التربية والتعليم، بالنظر إلى أن جل هذه الأكاديميات تفتقر لموارد بشرية مؤهلة. لذلك تحمل بعض الاقتراحات اليوم صيغة وضع ملف البناءات المدرسية بيد وزارة التجهيز، أو بيد وكالة تتوفر لها الإمكانيات لتقوم بهذا الدور تحت مراقبة وزارة التربية والتعليم. زد على ذلك أن موضوع الصيانة لحماية المؤسسات التعليمية من التلف، شكل هو الآخر هما كان المخطط قد اقترح بشأنه صرف اعتمادات للمؤسسات لتقوم بمهام الصيانة، لكي لا تضيع كل تلك الموارد المالية. أو إشراك الجماعات المحلية في هذا المشروع. اليوم، يتم الحديث عن الدور الذي يجب أن تقوم به إدارة المؤسسات التعليمية التي أصبحت تتوصل في مستهل كل موسم دراسي باعتمادات للصيانة والإصلاح. وهي اعتمادات مازالت تطرح لدى الكثيرين بعض التحفظ حول قيمتها. لذلك لم تنجح جل التجارب في هذا الشق المتعلق بتأهيل المؤسسات التعليمية كشرط أساسي من شروط توسيع العرض التربوي وتحقيق الجودة. يعترف كل المتتبعين أن التربية والتعليم هي قضية وطن. ويعترفون أيضا أن نجاح كل مخطط للإصلاح، يحتاج لانخراط كل المتدخلين. لذلك فهمت وزارة بلمختار، ومعها مجلس عزيمان أن سبيل فتح المشاورات، واسثتمار ما جاءت به جلسات الاستماع، قد يكون هو بداية الطريق نحو مدرسة مغربية أفضل. وإن كان العارفون ببيت القطاع يتحدثون اليوم عن طول هذه المدة التي قد تمتد لموسم دراسي كامل، على الرغم من أن الزمن المدرسي، ليس هو الزمن السياسي.