يبدأ الفيلم الهوليودي الشهير «إنديانا جونس» بالمشهد التالي: شين كونري يبحث عن قطعة أثرية ثمينة، يقف البطل أمام محاوره في مختبرات إحدى الجامعات، وقد ضاعت قطعة أثرية وضاع معها والده (الممثل شين كونري) فيقول لمحاوره: أعلم جيدا من أين أبدأ، هناك مكان واحد ووحيد: مراكش. لاشك أن المخرجين العالميين، الذين فتنتهم المدينة الحمراء يحملون في ذهنهم قناعات راسخة حول ما يدور في مراكش من تجارة رائجة للأثار المغربية والإفريقية والعالمية، تنسج خيوطها ضدا على القوانين والأخلاق. تقول القاعدة الفقهية المشهورة إن «الولد للفراش وللعاهر الحجر». ونعتقد أن مثل هذه المقولة يمكن أن تنسحب على النهب الممنهج للتاريخ والتراث المغربيين وما يرافقه من تخريب للهوية الحضارية أبطالها مافيات مستعدة على الدوام لعرض تاريخ شعب بأكمله في المزاد العلني. إنها معركة معلنة على الهوية والثقافة والجمال تتخذ أوجها متعددة لكن محصلتها واحدة: سيأتي يوم يصبح فيه المغاربة بلا أجداد وبلا أباء وبلا شواهد مثل أي شعب مفرغ من محتواه، من كينونته الرمزية تحديدا. أن تقنع بعض الأركيولوجيين-علماء الآثار- بالحديث عن تهريب الآثار والاتجار فيها على المستوى الوطني والعالمي أشبه ما يكون بإقناع مشجع ودادي للارتماء طواعية في حضن الرجاء، ولذلك، تحفظوا عن ذكر أسمائهم، لأن المجال الذي يشتغلون فيه مليء بالدسائس والمؤامرات. في هذا الملف/التحقيق، حاولت «المساء» أن تسير في حقل مليء بالألغام تتحكم فيه مافيات وطنية ودولية لا تعترف إلا بالحيل والمال مستعملة طرقا لا يمكن، حتى من باب التخيل، أن تخطر على بال أحد. في كل يوم يتقد الجشع لدى هؤلاء، ويتحول، في وقت لاحق، إلى بحث مضن عن القطع الأثرية الثمينة بكل الوسائل المتاحة، القانونية وغير القانونية فيما تظل السلطات الوصية عاجزة إلى حدود اليوم عن إيقاف نزيف وصل إلى درجة تهريب هياكل الديناصورات والحيوانات القديمة. لقد تحول المغرب، بشهادة الأركيولوجيين أنفسهم، إلى «جنة أثرية» بعدما كان في السابق «جنة للجيولوجيين» مع تفريخ مافيات بأهداف متعددة منها من يشتغل في البر ومنها من يشتغل في البحر، ومنها من يسرق الأسقف ومنها من يسرق الأبواب ومنها من يسرق المقابر أما أخطرها، فتلك المتخصصة في سرقة القطع الأثرية النادرة في العالم لبيعها للمتاحف العالمية. «المساء» تقلب في هذا الملف في تاريخ سرقة الآثار بالمغرب، لتنتشل حقائق صادمة حول تورط ديبلوماسيين وزوجة رجل أعمال نافذ في عملية سرقة قطع أثرية بمواصفات عالمية، وتكشف كذلك الستار عن أشهر المافيات المنتشرة في كل مكان وعن حيلها وطرق تهريبها للآثار المغربية وعن سرقاتها الشهيرة. كيف تحولت مراكش إلى مركز عالمي لتهريب الآثار؟ مافيات أجنبية أصبحت نشيطة بين إسبانيا والمغرب ما معنى أن يقول بعض المحافظين إنهم لا يتوصلون في بعض الأحيان بما يأتي من المواقع الأثرية، معناه شيء واحد لا يقبل الكثير من التأويل وهو أن الكثير من الأمور «غير المحمودة» تجري بعيدا عن أعين المسؤولين. تهريب الآثار المغربية إلى الخارج والمتاجرة فيها داخل التراب المغربي لم يعد خافيا على أحد، لكن الذي يخفى على الجميع يكمن في أن المهربين ابتكروا طرقا جديدة وحيلا لا تخطر على بال أحد. والأخطر من كل ذلك أن الاتجار في الممتلكات الثقافية المغربية لم يعد مقتصرا فقط على القطع الأثرية المتعارف عليها، بل تجاوزه ليشمل التجارة في أثمن المخطوطات المغربية، وفي هياكل الحيوانات وأسقف المساجد العتيقة. تتشابك التجارة والسمسرة والتهريب، لتفضي في الأخير إلى حقيقة واحدة لا غبار عليها: التاريخ المغربي أصبح معرضا للتلف بسبب جشع المهربين الأجانب والسماسرة المغاربة، فيما يحتفظ القانون بقاعدته الشهيرة «وضعت لأخرق». إنهم لا يتحايلون فقط على القانون وعلى المسؤولين وعلى المواطنين البسطاء، إنما يتحايلون على التاريخ المغربي بأكمله. لقد دمروا وخربوا واستغلوا ضعف الوعي بالقيمة التاريخية للقطع التاريخية المغربية، ووصل الجشع ببعض العائلات الميسورة إلى سرقة لقى أثرية ثمينة ونادرة ولا نظير لها في العالم. المهتمون والأركيولوجيون يقولون إنهم دقوا ناقوس الخطر منذ زمن بعيد، لكن لا أحد يسمع، وما عدا أن بعض المواقع المصنفة أصبحت تحظى بالحراسة الأمنية من طرف الشركات الخاصة، فإن باقي المواقع مازالت تتعرض للنهب والنبش الممنهج من طرف»عصابات» لها في الغالب ارتباطات بمافيات داخلية همها المقدس، جني المال بأي وسيلة. ولأن القانون المغربي في هذا المجال يتسم بالمرونة، ولأن وزارة القانون مازالت تدرس الإفراج عن قوانين جديدة لحماية التاريخ المغربي من الاندثار، ولأن مافيات قوية باتت تقوم بحفريات بتقنيات عالية تنقيبا عن المكنون الأثري المغربي تحت الأرض، فإن الوضعية الحالية لا تبعث على الارتياح تماما أمام تزايد»السرقات» التي تطال مواقع أثرية بل وحتى مباني تحت حماية وزارة الثقافة، كما حدث في العرائش قبل أقل من ثلاث سنوات. لذلك، ليس من الغريب أن نجد أن مدينة مراكش، صارت، مع توالي الأيام، قبلة تغري المافيات الأجنبية بتجارة الآثار، ناسجة علاقات قوية مع أصحاب بازارات مهمتهم الأساس، البحث عن القطع الأثرية النفيسة في غفلة من السكان وفي غفلة من السماسرة. بالواضح: الأجانب، سيما الإسبان والفرنسيين والإيطاليين، تجاوزوا زيارة المآثر التاريخية بالمدينة الحمراء والبحث عن العمق التاريخي والفرجوي في ساحة جامع الفنا، إلى البحث عن اللقى الأثرية الثمينة التي يزخر بها المغرب. هات ما عندك، كل شيء قابل للبيع في مراكش، لكل شيء قيمة تاريخية، وحتى إن كانت أحجارا أو أخشابا تعود إلى القرن الأول، فوحدهم يمتلكون الحيل لتسويقها وكأنها نفائس موغلة في التاريخ. تهريب الآثار والاتجار فيها، يشبه كثيرا الاتجار في المخدرات والأدوية، وهناك من قارنها بالاتجار في الأسلحة بالنظر إلى الأرباح المالية التي تتأتى منها. في هذا السياق، أي في سياق الحديث عن «تجارة» عابرة للحدود يؤكد نور الدين قشى الباحث المتخصص في ميدان الآثار أن المغرب» لم يسلم من ظاهرة تهريب الممتلكات الثقافية والباليونتولوجية خارج حدوده لعدة أسباب، نذكر منها غنى التراث المغربي وتنوعه واتساع الرقعة التي تحتضنه، وعدم وعي السكان بقيمته وصعوبة ضبط العاملين في مجال الحفر عليه بصفة غير شرعية» مردفا في هذا الصدد» إن تاريخ المغرب الباليونتولوجي يعود إلى ملايين السنين، فجامعوا القطع المتحجرة العالميون يجدون في أرض المغرب مجالا خصبا وسهلا لبلوغ غايتهم بأقل الأثمان ودونما عقاب...، فالسائح يأتي مكرما معززا إلى أرفود أو ميدلت أو غيرها...، فيقتني ما يشاء بأزهد الأثمان ويخرجها دون حسيب أو رقيب... كما أن أكبر معارض المتحجرات بالعالم تغص بقطع مهربة من المغرب». لا يمكن أن تمر تصريحات قشى دون التوقف عند نقطة تستنفر كل حواسنا، وتستحث الجميع على التفكير فيها والمتعلقة بالمعارض العالمية التي أصبحت «غاصة» بقطع مهربة من المغرب. بحسب المتخصصين، فتهريب مثل هذه القطع تراجع في السنتين الأخيرتين لكن في العقود الماضية حدث استنزاف غير مسبوق لهذه الآثار، إلى درجة أن الأركيولوجيين لا يصدقون كيف اشتغلت المافيا الدولية فيما سبق، لأن ما جرى حقا»جريمة» مكتملة الأركان في حق التاريخ المغربي. قصبات الجنوب ومنابر المساجد وأسقف المدن العتيقة والمقابر القديمة والمواقع الأثرية بشتى أصنافها والمخطوطات والأسوار والأرض والبر، شكلت وجهة «فاتنة» للباحثين عن الآثار المغربية، منطلقين من قاعدة تؤطر «نهبهم»، «ما ضاع حق وراءه طالب ومن جد وجد». وبالفعل لم تضع حقوقهم، على الأقل في العقود الماضية قبل أن يتبلور نوع من الوعي لدى الجميع، إذ سرقت مئات اللقى الأثرية وعشرات الأبواب وخربت عشرات المواقع وضاعت مئات الأبواب ونهبت الصخور التاريخية المنقوشة. في تقدير شقى، فإنه» بافتقادنا مثلا لتمثال باخوس من موقع وليلي افتقدنا حلقة من عقد تاريخي لاتقييم مالي له، ولا يمكن تعويضه بحال من الأحوال. كما أن افتقادنا لعظام ديناصور ما قد يفقدنا نموذجا فريدا لن نعثر عليه أبدا... فالخسارة ليست مادية بل هي علمية وحضارية». كيف تحولت مراكش إلى مركز عالمي لتهريب الآثار؟ يبدأ الفيلم الهوليودي الشهير»إنديانا جونس» بالمشهد التالي: سين كونري يبحث عن قطعة أثرية ثمينة، يقف البطل أمام محاوره في مختبرات إحدى الجامعات.. وقد ضاعت قطعة أثرية وضاع معها والده (الممثل سين كونري) فيقول لمحاوره: أعلم جيدا أين أبدأ، هناك مكان وحيد، مراكش. اللقطة المقتبسة من الفيلم الأمريكي تبدو موحية وتحمل في طياتها أكثر من دلالة، سيما أنها تشير إلى فكرة رئيسة تنطلق من اعتبار مدينة مراكش مركزا عالميا لبيع وتهريب الآثار والحصول على القطع الثمينة. كيف تحولت مراكش من مدينة سياحية عالمية إلى مركز عالمي لبيع الآثار و«السمسرة» فيها، وكيف استطاعت أن تزيح عواصم عالمية من هذا المركز؟ ولماذا يثق فيها مهربو الآثار، وكيف أمسى أصحاب بعض البازارات من أكبر تجار القطع الأثرية الثمينة؟. إنها أسئلة تستمد شرعيتها من تقارير بعض المنظمات الدولية التي تشير بأصابع الاتهام إلى المدينة الحمراء، باعتبارها أحد المراكز العالمية التي ينشط فيها مهربو الآثار بمختلف أصنافهم. بالاستناد إلى المعلومات التي حصلت عليها»المساء»، فإن بعض المافيات المغربية والإفريقية، هي التي تحرك سوق القطع الأثرية الثمينة من خلال جلب الآثار القديمة وذات القيمة العالية من بلدان إفريقية كثيرة، من بينها مالي النيجر والتشاد، بوكينافاصو السينغال وموريطانيا. لكن تبقى دولة مالي قبلة جذب تسيل لعاب تجار الآثار بحكم العمق التاريخي لما يعرف بمدينة «تمبوكتو». وتفيد المعلومات ذاتها أنه في غضون أقل من سنتين، تزايد الإقبال على الخزائن الإفريقية، مما أدى إلى ارتفاع ثمنها في السوق وفوق ذلك تضطلع بعض البازارات الكبرى بدور الوسيط بين مافيات دولية وبين سماسرة مغاربة يجنون من وراء هذه التجارة أموالا طائلة. يؤكد الأركيولوجيون أن إشعاع مراكش العالمي في بيع القطع الأثرية الثمينة يعود بالأساس إلى نمو النشاط السياحي بالمدينة، وهذا ما يمكن أن يفسر أن بعض السياح الأجانب يقصدون المدينة من أجل شراء القطع الأثرية الثمينة وإعادة الاتجار فيها في وقت لاحق. ويحتل السياح الإسبان المرتبة الأولى من حيث شراء القطع النادرة، إذ تكونت لديهم دراية كبيرة، حسب الأركيولوجيين، بتقلبات السوق وبحيل بعض التجار، وبنوع القطع الأثرية الثمينة التي تأتي غالبا من البلدان الإفريقية جنوب الصحراء. لا يخفي بعض الأركيولوجيين الذين استجوبتهم الجريدة أن بعض السماسرة المغاربة، غالبا ما يحاولون الاستعانة بخبراتهم لمعرفة أهمية القطع الأثرية وتاريخها كذلك، وبالتالي تحديد أثمنتها في السوق، لكن كل محاولاتهم تصطدم بالرفض القاطع لتقديم خدمات يمكن أن تدر عليهم أموالا ضخمة. مع ذلك، يردف الأركيولوجيون، يجد «السماسرة» ضالتهم في بعض أرباب البازارات الذين اكتسبوا خبرة طويلة في تحديد نوعية القطع وأهميتها بالرغم من أن تقديراتهم في أحايين كثيرة تؤدي إلى ضياع قطع لا تقدر بثمن. تهريب الآثار بين إسبانيا والمغرب..النزيف يستمر الحديث عن تهريب الآثار لم يعد مقتصرا على «تصديرها» من المغرب إلى باقي الدول الأجنبية خصوصا الأوربية منها، إنما بدأت تتخذ منحى معاكسا عبر»تهريب» الآثار من الجارة الشمالية إسبانيا. لقد لاحظ المتخصصون أن مافيات كبيرة تضم إسبان ومغاربة تنشط بين بعض مدن منطقة الأندلس في مقدمتها غرناطة وبين المغرب. الإسبان بدورهم يحفرون بطرق غير قانونية تنقيبا عن القطع الثمينة، أما الوجهة المفضلة فهي الجار الجنوبي المغرب. وعن طرق التهريب، تؤكد مصادر الجريدة أن المافيات تدمج القطع الأثرية في غالب الأحيان في الشاحنات المخصصة لحمل الأواني أو «الخردة» القديمة، إذ يربطون علاقات واسعة مع بعض المغاربة المعروفين ببيع الخردة داخل المغرب مقابل عمولات كبيرة. أثناء عملية التهريب تظهر القطع الأثرية، التي تكون ذات قيمة تاريخية كبيرة وكأنها قطع عادية جدا، مع العلم أن الأعمدة الخشبية تمثل محور عملية تهريب الآثار من إسبانيا إلى المغرب. صحيح أن»السلطات الإسبانية والمغربية تفطنت إلى هذه التجارة وأصبحت تفرض إجراءات أمنية مشددة احتراما للمواثيق الدولية المرتبطة بالقطاع، لكن هذه المافيا مازالت تشتغل إلى يومنا هذا، وتوظف وسائل متطورة بغاية الإفلات من أعين السلطات» يقول أحد الأركيولوجيين. نقطة التماس بين المغرب وإسبانيا في ميدان الاتجار بالآثار لم تعد خافية على أحد، فبعض القطع الإسبانية باتت تروج بكثرة في المدن المغربية منها طنجة ومراكش والعرائش، بل وأصبح بعض السماسرة المغاربة يتهافتون على شراء الآثار الإسبانية نظرا لقيمتها في»السوق السوداء» لتهريب الآثار. في هذا الصدد، تسرد مصادر خاصة ل»المساء» كيف أن دبلوماسيا أجنبيا معروفا، وخلال مروره بإسبانيا وجد أشغال بناء... فأخذ منها أعمدة من الرخام الروماني وزين بها قصره في إحدى مدن المغرب. كما تفيد المصادر ذاتها أن الأمر نفسه يتكرر عندما تلجأ شخصيات مغربية بعناوين معروفة إلى جلب قطع أثرية ثمينة من إسبانيا لتزين بها منازلها بالمغرب. سرقةهياكل الديناصورات والحيوانات..مافيا دولية لا تعترف إلا بالملايير تقول القاعدة إن المغرب هو جنة الجيولوجيين، ومع مرور الأيام صار جنة للمهربين وللباحثين عن الآثار النفيسة والمستحاثات النادرة في كل أصقاع المغرب. حيل المهربين وطرق التملص من القانون كثيرة، لكن أغرب ما يقومون به وفق ما كشفته معلومات موثوقة توصلت إليها «المساء»، يتمثل في تهريب المستحاثات الجيولوجية النادرة، سيما بعض بقايا الديناصورات التي عاشت بالمغرب. يتساءل أحد الأركيولوجيين في تصريحات للجريدة «لا أفهم حقا هل في كل أنحاء المغرب وعبر كل تاريخه يوجد ديناصور واحد واثنين، أعتقد أن هناك حفريات تمت خارج القانون، ونتج عنها وجود هياكل للديناصورات في مناطق متفرقة من المغرب، لكن للأسف تم تهريبها إلى الخارج في فترات سابقة وبيعت بأثمنة خيالية تتجاوز مئات الملايين». صحيح أن المغرب بدأ يبذل جهودا كبيرة في الآونة الأخيرة، لكن في السنوات السابقة حدثت أمور كثيرة لا أحد يمكن أن يخمن حجم خطورتها». في تفاصيل هذه التجارة، تبرز الشهادات المتعددة أن بعض الهواة الذين يسخرهم سماسرة داخل المغرب ينجزون حفريات تشبه كثيرا تلك التي يقوم بها أركيولوجيون محترفون لهم باع طويل في الميدان. بعدها، تشرف مافيا دولية لديها امتدادات متشابكة في الدول التي تقبل على شراء المستحاثات الثمينة، ولذلك نرى أن الكثير من الشخصيات المهمة والوازنة والأمراء في العالم تزين قصورها بها بعد شرائها بأثمنة تصل في الأحيان إلى ملايير السنتيمات. هناك ملاحظة أثارها كل الذين تحدثت إليهم»المساء» تتصل بالحفريات التي تهم استخراج الفوسفاط من المدن الفوسفاطية، إذ يحدث أن تصادف الحفارات مستحاثات أو هياكل تؤرخ لطبقات جيولوجية قديمة، ويتم التعامل معها باستهتار، في حين أنها تشكل قيمة آثرية وتاريخية كبيرة. لا يعرف إلى حدود الآن، كيف كان بعض المهربين ينسقون مع»المافيا» الدولية لتهريب هياكل الديناصورات من المغرب، خاصة إلى بعض البلدان الأوربية ثم تذهب، فيما بعد إلى وجهة أخرى، لكن الأكيد أن عمليات عديدة جرت بمنأى عن أعين السلطات في السنوات أو العقود الماضية، وهناك اليوم بعض الذين يبحثون جاهدين عن مستحاثات قديمة لبيعها لسماسرة ذوي ارتباطات دولية. التجارة في المخطوطات..هل يصبح المغرب بلا تاريخ؟ إنها أخطر أنواع الاتجار في الآثار التاريخية التي أصبح المغرب مسرحا لها في السنوات الخمس الأخيرة بتعبير مصادرنا، ليس لأنها تغدق على أصحابها أموالا طائلة بل لأنها استنزفت المكتبات المغربية العريقة التي تحوي كتبا نادرة تجر وراءها تاريخا طويلا. بالنسبة للمهتمين، فإن الطلب على المخطوطات كثر بكيفية تبعث على الاستغراب في غضون سنتين فقط بعد إقبال أصحاب المتاحف الخاصة وبعض الأجانب على اقتنائها وبأثمنة خيالية. يقدم الباحثون أمثلة كثيرة على استنزاف مكتبات مغربية ضاربة في القدم من أبرزها خزانة «تمكروت»، إذ سرقت منها مخطوطات كثيرة على مراحل تاريخية متفرقة. سوق بيع المخطوطات وتهريبها إلى الخارج، أصبح يقلق الجميع، ويهدد العشرات من الخزائن بالسرقة في أية لحظة، أمام غياب الوعي بقيمتها وبالإغراءات المالية التي تقدم لبعض القيمين على الخزائن. المعطيات تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الأثرياء الفرنسيين والإيطاليين أشعلوا سوق بيع المخطوطات في المغرب، بسبب تزايد الطلب عليها، الشيء الذي نتج عنه في السنوات الأخيرة محاولة بعض السماسرة المغاربة استقدام مخطوطات إفريقية عتيقة من بعض البلدان المتواجدة جنوب الصحراء. أصحاب البازارات..التاريخ المغربي في المزاد العلني إنهم أكبر أعداء التاريخ في المغرب..ولا أحد يتدخل. أمسوا، في الوقت الحالي، سماسرة بيع اللقى الأثرية الثمينة، ويتوسطون بين الوسطاء والمافيات الدولية، فكثير من القطع الإثنوغرافية تباع في واضحة النهار عند أصحاب البازارات للسياح وجامعي التحف» بتعبير الباحث نور الدين شقى. تؤكد المعطيات أن أصحاب البازارات يتخصصون في تجارة أسقف المنازل العتيقة والأخشاب الثمينة، ولديهم شبكات واسعة تقتفي أثر كل عمليات الهدم أو الترميم التي تطال المنازل أو المساجد لتستغل ضعف الوعي بالقيمة التاريخية للأشياء الثمينة وتقتنيها ب»الكيلو» وبأثمنة زهيدة، ثم تبيعها بمئات الأضعاف لأصحاب المتاحف الخاصة أو بعض السياح الأجانب. يحذر المتخصصون من أن تتحول البازارات في الأيام المقبلة إلى «سوق حرة» يباع فيها التاريخ المغربي في المزاد العلني سيما وأن «المافيات الأجنبية» انتبهت إلى أهمية البازارات لتحقيق مآربها. ولذلك، ينبغي التدخل في أقرب وقت، خاصة في مدن كمراكش وفاس والرباط لإيقاف النزيف. بعد مافيات البر..مافيات البحر تبحث عن المراكب القديمة بعد أن فرغت المافيات من النبش على الأرض تنقيبا عن القطع الأثرية النفسية وبيعها في السوق السوداء، استفرغوا كل ما في وسعهم للبحث عن القطع الأثرية الثمينة في قيعان البحر. وإذا كانت «مافيا البر» كما يصفها أحد الباحثين غالبا ما يشتغل فيها المغاربة، سيما داخل المواقع الأثرية أي قبل عملية البيع أو التهريب، فإن «مافيا البر» أصبحت اختصاصا أجنبيا محضا». وتنشط هذه المافيا المتخفية بلبوس الغطس البحري في مدن طنجة وأصيلا والحسيمة، وسبق لها أن نفذت سرقات كثيرة. ومازالت هناك محاولات قائمة من طرف بعض الإسبان الذين ينشطون بالمنتزه الوطني بالحسيمة. تؤكد المعطيات أن الباحثين عن القطع الأثرية البحرية يستهدفون بالأساس المراكب الغارقة من المرحلة الفينيقية إلى العصر الحديث، التي تشكل قطعا أثرية لا تقدر بثمن. قصبات الجنوب.. مافيات وسماسرة ينهبون قطعا أثرية ثمينة بعد الأسقف، مافيا أخرى تتوفر على تصور واضح لسرقة الموروث الأثري المغربي مختصة فقط في استبدال الأبواب التاريخية والأثرية بالأبواب الحديدية العادية، ثم يتكلف سماسرة ببيعها إلى أصحاب البازارات بأثمنة بخسة. هنا تدخل المافيا الحقيقية على الخط وتقتني تلك الأبواب وتبيعها إما لبعض الأثرياء أو تصدرها على الخارج. وتفيد المعلومات التي حصلت عليها «المساء» أن هذه المافيا تصوب أعينها نحو القصبات المتواجدة بالجنوب المغربي خاصة في الجنوب الشرقي. ولا غرابة إذن أن نجد أن الكثير من الأبواب الأثرية التي يعود تاريخها إلى المراحل التاريخية القديمة اختفت وفقدت في السنوات الماضية. ولأن هذه المافيا صعبة على الضبط، فإنها تكاد تشتغل بحرية أكبر كما يؤكد الأركيولوجيون، والحصيلة في نهاية المطاف فقدان المغرب لآثاره بمقابل حصول أصحاب البازارات والمافيات على مئات ملايين السنتيمات بعمليات بيع بسيطة. سماسرة استبدال أسقف المساجد بامتداد عالمي المافيات في مجال سرقة وتهريب الآثار متشعبة وكثيرة، ولعل من أبرزها تلك التي تتخصص في استبدال أسقف المساجد المزخرفة التي تعود إلى الفترة المرينية والسعدية والعلوية. طريقة اشتغالهم سهلة، لكنها صعبة على الضبط، إذ يبيعون الأسقف التي غالبا ما تكون خشبية إلى «البازارات» أو أصحاب المتاحف الخاصة بأثمنة لا تخطر على بال أحد. من أمثلة السرقة المغلفة ب»الاستبدال»، اختفاء ثريا جامع بن يوسف بمراكش، وهي من القطع الأثرية ذات القيمة الفنية والجمالية. وهنا لابد أن نتوقف عند نوع آخر من السرقات التي تنفذها مافيا منظمة لها امتداداتها داخل كامل التراب الوطني، متخصصة في تتبع عمليات ترميم المساجد القديمة وشراء كل القطع والأخشاب المترتبة عن أعمال الترميم. المتاحف الخاصة..السرقة الناعمة لا أحد يمكن أن يتخيل كيف تشتغل مافيات نهب الآثار المغربية، ولا كيف توظف جيشا كبيرا من»المخبرين» لجمع المعلومات حول المواقع الأثرية المهمة، لذلك نلفي أن أحد أصحاب المتاحف الخاصة بالرباط، لا يتوانى عن إيهام سكان المدن القديمة بالمغرب بأنهم يساعدهم على تقوية أسس منازلهم، ويشغل معهم عشرات البنائين الذين تعطى لهم تعليمات واضحة ترتبط ب»سرقة» أسقف المنازل العتيقة، مستغلين سذاجة السكان وضعف وعيهم بالقيمة التاريخية والأثرية لتلك الأسقف. ليس هذا فقط، بل إن أصحاب المتاحف الخاصة يعيدون بيعها في الخارج للأجانب، وهناك حسب شهادات الباحثين، بازارات معروفة في كل المدن التي تتواجد بها مدن قديمة، تتخصص في بيع الأخشاب ذات الثمن الغالي. الكنازة..العدورقم واحد للمواقع الأثرية المغربية حكاية ما يعرف ب»الكنازة» امتزجت فيها الأسطورة والحكايات التاريخية العجائبية، لكن الأركيولوجيين يقولون إن جزءا من تلك الحكايات صحيح، والضحية في نهاية المطاف هي المواقع الأثرية التي يحفرون فيه بالاعتماد على ما يسمونه ب»التقييدات». نحن لا نتحدث هنا عن «الكنازة» المحتالين الذين يوظفون السحر والشعوذة والأحاييل للسطو على المواطنين البسطاء والسذج، بل على الذين يتوفرون على «التقييدات». لقد تعرضت الكثير من المواقع الأثرية بالمغرب للتخريب ولطمس هويتها بسبب حفريات عشوائية يقوم بها «الكنازة» بسبب عدم معرفتهم بالقيمة الحقيقية لتلك الآثار التي يحدثون فيها ثقوبا»بشعة»، وهو الشيء الذي جرى في مواقع كثيرة بالمغرب، منها أغمات وسجلماسة وبليونش قرب سبتة المحتلة، تازوذا بالريف، وأخيرا قرب الطريق السيار فاس- تازة أو ما يعرف بموقع مولاي إدريس. تشير بعض المعطيات أن بعض هذه التقييدات تكون صحيحة، تركها القدامى، خاصة وأنه كان من المعروف في المصادر التاريخية أن بعض التجار في القوافل التجارية، التي كانت تمر عبر المغرب في اتجاه الشمال أو الجنوب، كانوا يضعون أموالهم في الأضرحة، سيما في الفترات التي ينعدم فيها الأمان. هذه المعطيات التاريخية تغري «الكنازة» ثم ما يفتأوون يخربون الأضرحة وكل ما فيها من قطع نفيسة تنتمي إلى الخزائن الأثرية بطريقة حفر «بشعة» وغير منظمة. مافيا ترميم الآثار..حين ينافس «البناؤون» الأركيولوجيين في عملية الترميم الأثرية التي تخضع لها بعض المواقع الأثرية، تحدث أشياء غريبة بعيدا عن أعين المسؤولين، فبعض الذين يعهد لهم بترميم المواقع الأثرية «يأخذون» بعض القطع الأثرية النفيسة من المواقع ويبيعونها بأثمنة خيالية حسب تصريحات بعض الأركيولوجيين الذين التقتهم «المساء». من جملة هذه «السرقات الناعمة» ما حدث في عملية ترميم مسجد القرويين، حيث استبدلت درابيز قديمة بدرابيز تنتمي إلى القرن الواحد والعشرين. من المهم أن نذكر في هذا الباب أن مثال القرويين ليس إلا شجرة صغيرة في غابة كبيرة يحتمي فيها «بناؤون محتالون» بغطاء أركيولوجي، دون أن نسقط في التعميم، لأنه «ثمة أركيولوجيون أكفاء ومحترفون ويخشون على تاريخ هذه الأمة» على حد تعبير أحد الباحثين في ميدان الآثار. المقابر القديمة.. الأحياء يسرقون الموتى حتى المقابر القديمة لا تسلم من التخريب والإتلاف، بحثا عن القطع الأثرية الثمينة أو ما يسميه الأركيولوجيون «Les timinus»، التي تؤرخ لحقبة ما قبل التاريخ أو بالمفهوم العلمي حقبة» Protohistoire». تقوم عملية حفر المقابر من طرف مافيات منظمة تستهدف الجنوب المغربي والأطلس المتوسط، وقد نفذوا سرقات كثيرة خاصة قبل أن يعهد لشركة أمن خاصة بحراسة بعض المواقع الأثرية، وهي السرقات التي أفضت إلى فقدان قطع أثرية كثيرة، بالإضافة إلى إتلاف المعالم الأركيولوجية للمواقع الأثرية. أما عملية البيع فيتكلف بها سماسرة، إذ يبيعونها إلى بعض المتخصصين في حقبة ما قبل التاريخ. أشهر سرقات القطع الأثرية.. المغرب بدون باخوس ويوبا سرقة باخوس..تعذيب قرى بكاملها والسكان يتهمون زوجة مسؤول معروف في 1982 تعرض موقع وليلي لسرقة أنفَس تحفة كان المغرب يتوفر عليها إلى ذلك الحين.. وعاشت قرية «فرطاسة»، المتاخمة لمدينة وليلي، ولمدة شهرين ونصف تقريبا، أحداثا اجتماعية مرعبة، وأصبح ذلك العام محفورا في ذاكرة الناس باسم «عام باخوس»، نسبة إلى تمثال باخوس (إله الخمر عند الرومان) الذي سُرق من الموقع الأثري في ظروف غامضة.. كان الملك الحسن الثاني، في أوائل شهر ماي من تلك السنة، يستعدّ لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية حينما تلقى خبر سرقة باخوس.. كان يعلم قيمة تلك التحفة النفيسة، فهناك تماثيلُ لإله الخمر لكنها مُجرّدُ نسخ غير أصلية، لتبقى نسخة وليلي هي الفريدة على الإطلاق.. كان الملك يعلم هذه الحقائق فأعطى تعليمات صارمة ب»النبش عن هذا الإله تحت الأرض أو الإتيان به من عنان السماء»، قبل عودته من أمريكا..أصابع الاتهام تشير بالبنان إلى زوجة مسؤول مغربي معروف، لكن لا أدلة قطعية تثبت هذا الطرح. مع ذلك، تبقى سرقة باخوس من أشهر السرقات الأثرية على الإطلاق». زوجة رجل أعمال معروف تسرق منبرا نادرا في مسطاسة الكل يسرق الآثار في المغرب، والكل يستفيد من القطع الأثرية النفيسة: الأثرياء والمافيات وأصحاب البازارات والأجانب. الأركيولوجيون يقولون إن زوجة رجل أعمال معروف جدا بالمغرب كان لها نصيبها من السرقات التي طالت الخزائن الأثرية المغربية، إذ سرقت منبر مسجد مسطاسة، يرجع تاريخه إلى العصر المريني، الذي نقشت عليه زخرفة ليس لها مثيل في المنطقة المتوسطية. وإلى جانب ذلك، لا يتوفر المغرب إلا على منبر وحيد من هذا الصنف منقوش بزخرفة محلية بديعة، ومع ذلك لم يسلم من السرقة في السنين الماضية، بل إن المتخصصين يشددون على أهمية مثل هذه القطع الأثرية، لأنها تستوحي أشكالها الهندسية والجمالية من البيئة المحلية أي من البيئة المغربية المحضة. سرقة قناديل رومانية من معرض رسمي سرقة الآثار من المغرب أصبحت في بعض الفترات التاريخية قاعدة بعد أن كانت استثناء، ومن نتائج هذه القاعدة أن المغرب بات يفقد قطعا أثرية ثمينة لا تقدر بثمن كما يقول الأركيولوجيون، ومن بين هذه القطع التي تعرضت للسرقة نذكر بعض القناديل الرومانية النادرة المصنوعة من السيراميك والبرونز. ويؤكد الأركيولوجيون أن هذه القناديل تمثل قيمة فنية وأثرية كبيرة بدليل أنها تؤرخ للمرحلة الرومانية بالمغرب علاوة أن هذه القناديل ليست موجودة بكثرة، إذ كان يتميز المغرب بتوفره عليها لكن باختفائها يكون المغرب قد فقد قطعا أثرية مهمة كان من الممكن أن تغني الخزائن المغربية. ويتساءل الأركيولوجيون عن الظروف التي اختفت فيها هذه التحف، لأنها اختفت من إحدى المعارض الرسمية بمدينة مكناس. قطع أثرية من الرصاص تسرق من داخل مندوبية الثقافة بالعرائش قبل ثلاث سنوات أو أقل من الآن، سادت دهشة كبيرة وسط الأركيولوجيين المغاربة، وهم يقرؤون خبر سرقة اللقى الأثرية بمدينة العرائش، وهي عبارة قطع أثرية مصنوعة من الرصاص، والغريب في القصة أنها سرقت من مقر مندوبية الثقافة بالمدينة. ورغم أن السلطات فتحت تحقيقا في قضية السرقة، إلا أنه لم يفض إلى شيء، في الوقت الذي كان ينتظر فيه الجميع أن تستعاد هذه القطع الأثرية النادرة سرقة قطعة ذهبية للملك يوبا الثاني تلغي مرحلة تاريخية بكاملها لم يكن أحد يتوقع أن يفقد المغرب إحدى أهم قطعه الأثرية عبر التاريخ، ويتعلق الأمر بالقطعة النقدية الذهبية النادرة للملك يوبا الثاني. يقول باحث في مجال المسكوكات إنه تفاجأ كثيرا لما حاول معاينة القطعة في المتحف الأثري بالرباط دون أن يجد أثرا لها، معلقا على سرقة القطعة النقدية»إنها سرقة تاريخ حي للبلاد وسرقة قطعة تؤرخ لمرحلة بكاملها ولاشك أن الذين سرقوها سيجنون من ورائها الملايين. لا يعرف إلى حد الآن من يقف وراء هذه السرقة، لكن الأركيولوجيين يصفونها بإحدى أشهر السرقات بالمغرب، بالنظر إلى وجود قطعة ذهبية واحدة في العالم بأسره بتلك القيمة الفنية والجمالية والأثرية كذلك، وهي القطعة التي ترمز إلى التاريخ القديم للمغرب والحضارة الأمازيغية الموغلة في القدم. نور الدين قشى*: أكبر معارض العالم تغص بمتحجرات مهربة من المغرب قال إن السياح يشترون ما يشاؤون من الآثار بأزهد الأثمنة - باتت تطفو على السطح مافيات قوية تهرب الآثار من المغرب، نريد أن نعرف هل كانت لهذه»التجارة الرائجة» جذور أم أنها عابرة؟ أولا يجب تحديد مصطلح «الآثار»هل يشمل ما أنتجه الإنسان عبر التاريخ أو ما أنتجته الطبيعة أم هما معا؟ لأننا حين نتساءل عما يهرب من المغرب نجد نوعين من المنقولات: الممتلكات الثقافية ذات القيمة التاريخية والفنية والحضارية، والتي بطبيعة الحال من إنتاج الإنسان وتدخل فيها اللقى الأثرية، التي كانت مدفونة تحت الأرض ومنقولات المباني التاريخية والتحف القديمة التي لها علاقة بالعادات والتقالي، والنقوش الصخرية والمسكوكات من نقود وحلي وغيرها... وهناك المواد التي هي من إنتاج الطبيعة، والتي تدخل ضمن المواد الباليونتولوجية أو الجيولوجية التي تؤرخ لظهور الحياة على وجه البسيطة...، والتي يعتبر المغرب خزانا لها ومنها الحيوانات المتحجرة والحاثيات ( الديناصورات مثلا والحيوانات والكائنات التي عاشت في المغرب منذ ملايين السنين). قانونا تعتبر كل المنقولات التي في المحافظة عليها فائدة بالنسبة لتاريخ المغرب أو حضارته محمية ويمنع تصديرها إلى الخارج دون ترخيص. لم يسلم المغرب من ظاهرة تهريب الممتلكات الثقافية والباليونتولوجية خارج حدوده لعدة أسباب، نذكر منها غنى التراث المغربي وتنوعه واتساع الرقعة التي تحتضنه، وعدم وعي السكان بقيمته وصعوبة ضبط العاملين في مجال الحفر عليه بصفة غير شرعية. إن تاريخ المغرب الباليونتولوجي يعود إلى ملايين السنين، فجامعو القطع المتحجرة العالميين يجدون في أرض المغرب مجالا خصبا وسهلا لبلوغ غايتهم بأقل الأثمان ودونما عقاب...، فالسائح يأتي مكرما معززا إلى أرفود أو ميدلت أو غيرها...، فيقتني ما يشاء بأزهد الأثمنة، ويخرج ذلك دون حسيب أو رقيب... كما أن أكبر معارض المتحجرات بالعالم تغص بقطع مهربة من المغرب. أما المواد التي هي من صنع الإنسان، فتخضع لرحمة الباحثين عن الكنوز، وهي ظاهرة مستفحلة في بلادنا، ولمجموعة من جامعي التحف أجانب ومغاربة، الذين يتحايلون للحصول على قطع من النقوش الصخرية وقطع أثرية من المواقع غير الخاضعة للحراسة أو من المباني التاريخية المهملة(قصبات، مزارات، مدارس عتيقة، مخازن جماعية...) هذه القطع للأسف تغادر التراب الوطني لتستقر في مجموعات الخواص أو المتاحف التي لا تحترم مبدأ منع اقتناء الممتلكات الثقافية المستوردة بطريقة غير شرعية، المنصوص عليه في معاهدة اليونسكو المؤرخة في 14نونبر 1970. - ما هو الوعاء القانوني الذي بإمكانه أن يحد من تطور التهريب؟ إن المغرب كان سباقا لاستصدار قوانين تحرم التصدير غير الشرعي لممتلكاته الثقافية، فيكفي أن نذكر بأننا ومنذ 26نونبر 1912نتوفر على تشريع في هذا المجال، عدل سنة 1914و1945، كما عرفنا في عهد الاستقلال ظهور قانون22,80 المتضمن الأمر بتنفيذه الظهير المؤرخ في 25 ديسمبر 1980، المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية المناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات، والذي يؤكد في فصوله من 42 إلى44 على أن الممتلكات السابقة الذكر تعتبر محمية ويمنع تصديرها إلا بترخيص. هذا القانون عدل أخيرا وخاصة في مواده المتعلقة بموضوعنا، بالقانون رقم -05-19 المتضمن بتنفيذه الظهير رقم 102-06-1 المؤرخ في 8يونيو 2006. لكن إذا كانت الترسانة القانونية موجودة فهل من السهل تطبيقها على أرض الواقع. من الصعب جدا من الناحية العملية مراقبة كل التراب الوطني ومعرفة كل المهربين...، لكن بتضافر الجهود وتنفيذ مبدأ الجهوية سيمكن كل جهة من مراقبة ممتلكاتها الثقافية، إذ لا يمكن الاعتماد على وزارة الثقافة للقيام بذلك، ثم إن هذه الأخيرة مدعوة لاستكمال مجموعاتها المتحفية، وذلك عن طريق الاقتناء، فكثيرا من القطع الإثنوغرافية تباع في واضحة النهار عند أصحاب البازارات للسياح وجامعي التحف، ولا تجد لها طريقا إلى المتاحف المغربية، رغم أن هذه الوزارة تتوفر على صندوق خاص بذلك يمول من مداخيل الدخول إلى المتاحف والمباني التاريخية. - رابعا، بشكل عام، ما هي الخسائر التي يتكبدها المغرب من جراء تهريب الآثار؟ تهريب الآثار عملية محرمة عالميا، لكونها تخرج التحف المهربة من محيطها الذي أنشئت فيه، وبالتالي تفقدها قيمتها التاريخية والحضارية والطبيعية. إن بافتقادنا مثلا لتمثال باخوس من موقع وليلي افتقدنا حلقة من عقد تاريخي لا تقييم مالي له، ولا يمكن تعويضه بحال من الأحوال، كما أن افتقادنا لعظام ديناصور ما قد يفقدنا نموذجا فريدا لن نعثر عليه أبدا... فالخسارة ليست مادية بل هي علمية وحضارية. - هل تتصورون أن المغرب قادر على التنسيق مع الدول الأخرى لإيقاف هذا النزيف؟ قانونا وجمركيا ممكن، لأن كل الدول تتعاون أولا في المجال الجمركي...، ُثم إن أغلبها مرتبط بمنظمة اليونسكو، وتتعامل بمقتضيات المعاهدة المتعلقة بالتدابير الواجب اتخاذها لمنع تصدير واستيراد ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطريقة غير شرعية، وكذا بالمعاهدة المصادق عليها في روما في يونيو من 1985، المتعلقة بتوحيد التشريع حول الإعادة الدولية للممتلكات الثقافية المسروقة أو المصدرة بطرق غير شرعية. كما أن التجربة أثبتت أن بلادنا استفادت من استرجاع العديد من قطعها المهربة بطريقة غير شرعية، والتي طالبت الوزارة المعنية باسترجاعها بعد علمها بمكان وجودها، خاصة تلك التي تعرض للمزاد العلني بأكبر صالونات بيع التحف، كما هو الحال بالنسبة لقطعتين خشبيتين من القرنين 14و19 كان سيتم بيعها بمؤسسة سوتبيز بلندن في بداية القرن الحالي وغيرها. * باحث في علوم الآثار