لما كان الشارع المغربي فوق صفيح ساخن اسمه 20 فبراير، خرج عبد الإله بنكيران بكل قواه الكلامية، مشبها نفسه بالسيف البتار الذي سيقطع دابر الفساد والريع؛ ولما أصبح حزب العدالة والتنمية فوق سرير السلطة وبجانبه كل أغطية الراحة والدفء، خرج رئيس الحكومة مرة أخرى وعوض السيف بالأسد، لكنه لم يشبه نفسه بالأسد الذي يزأر على الريع والفساد، بل على من يريد تدمير اللغة العربية. وربما لم ينتبه بنكيران إلى ما قصدت إليه البرلمانية في حزبه، نزهة الوفي، حين قالت «يجب أن نكف عن حمل سطل مثقوب»، في إشارة منها إلى أن ما ظلت تحمله قيادات العدالة والتنمية إلى الشعب المغربي حتى الآن لم يكن سوى «سطولا مثقوبين»، في وقت كان فيه أمل المغاربة في هذه الحكومة هو تصديق شعاراتها التي كانت تطلق في «الوقت المزوهرة»، غير أن المثل الشعبي «قرقب السطل يبان العطشان» لم يعد ينفع اليوم بعدما ظهر أن «السطل» مثقوب، وأن «التقرقيب» الذي نجحت فيه حكومة بنكيران حتى الآن هو «تقرقيب الناب». لكن الغريب حقا هو شغف وانشغال وزراء الحكومة الحالية ليس بتطبيق الوعود التي بفضلها وصلوا إلى السلطة، وإنما بأخذ الصور التذكارية ووضعها في «الفايسبوك»، حتى إن المرء ليحار حقا في أمر هؤلاء ويقول في قرارة نفسه «واش هادو موحشين التصاور ولا ماتصوروش في صغرهم»؛ فبعد الرباح الذي ظهر مع البيصارة والشواية، والخلفي والأزمي اللذين ظهرا يصليان في مقر الوزارة، والعثماني الذي ظهر يشتري «رايبي» من المحلبة،... ظهر قبل يومين الوزير الشوباني عند «الحجام»، كأنه يقول «اللهم الحسانة بالفاس ولا جميل الناس»، لكن «الحسانة» التي كان ينتظرها المغاربة من هؤلاء الوزراء هي أن «يحسنوا بلا ماء» للفساد والريع، لا أن ينتهوا عند حلاق درب الفقراء يلتقطون الصور ويتلقون عنها التهاني في «الفايسبوك». وحتى بعد الزوبعة التي أثارها موضوع التعليم لم يجد الوزير الداودي من أمر ينشغل به سوى ما قال بشأنه حرفيا: «الطالب الذي لا يتكلم الإنجليزية أمي»، لكن سعادة الوزير لم يقل لنا بأي نعت سيصف وزراء في حكومته لا يتكلمون العربية ولا يكتبونها ولا يفرقون فيها بين الفاعل والمفعول به، والحال أن الوزير الداودي قبل ما يخرج «للعيب» كان عليه أن يستر «عيبو»، فالحكومة التي يوجد فيها تتوفر على وزراء مغاربة غير ناطقين باللغة العربية، وهذا ما يسميه المغاربة «خلى همو في السطل ومشى يطل». أما الوزير الرباح، فبعد مرور «عجاجة» اسمها مقالع الرمال ولائحة المستفيدين منها، خرج قبل يومين يقول بدوره إنه يتوعد أصحاب المقالع بكاميرات للمراقبة، كما لو أن البلاد «ما فيها لا جادارمية ولا قياد ولا بوليس»، والحال أن البلاد «محضية بلا كاميرا»، وسرقة الرمال لن توقفها الكاميرات بل المعاينات الميدانية لرجال السلطة والتطبيق السليم للقانون وتقديم المخالفين إلى القضاء، أما ما دون ذلك فلن يكون سوى «كاميرا خفية». لكن الجميل في كل ذلك هو كيف أصبحت المعارضة بدورها منشغلة ب»حشيان الهضرة» للحكومة عبر أبيات الشعر، وليس على من أراد أن يفهم ما كان يقصده حكيم بنشماس ببيت المتنبي الموجه إلى رئيس الحكومة سوى أن يعود إلى مقاعد الدراسة و»يعاود يقرا وشوف تشوف واش يفهم»،... وبين وزراء منشغلين ب»الخاويات» ومعارضة غارقة في بحور الشعر، ضاعت الحقيقة.. الحقيقة التي تجعل حياتنا السياسية تحتاج، فعلا، إلى أن تدخل إلى صالون حلاقة من نوع خاص، لأن الزغب الكثيف الذي نبت فيها صار يحجب الرؤية حقا.