سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بالنثويلا: البصري تدخل شخصيا لإخراج أثاثي من ميناء الدار البيضاء قال إن أول صدمة واجهها في الرباط ليست مرتبطة بالنظام السياسي ولكن بالبيروقراطية التي مازال يعاني منها المغرب
خابيير بالنثويلا، المستشار الإعلامي السابق لرئيس الحكومة الاسبانية لويس رودريغيث ثباتيرو، هو أحد الشهود على تفاصيل العلاقات المغربية الاسبانية منذ الثمانينيات من القرن الماضي، وكان أهم إنجاز مهني له خلال سنتين من وجوده بالمغرب هو إجراء حوار مع الملك الراحل الحسن الثاني، كان مقربا من رئيس الحكومة الاسبانية فيليبي غونزاليث خلال السنوات الأخيرة من حكمه. هو صديق لعدد كبير من الشخصيات السياسية الإسبانية ووزراء في الحكومة الاشتراكية الحالية. يكشف لأول مرة في هذه المقابلة بعض أسرار لقائه مع الحسن الثاني ومحمد السادس عندما كان وليا للعهد، واختراق طائرة الحسن الثاني الأجواء الإسبانية فجأة نهاية الثمانينيات، وكذا المخطط العسكري الإسباني للسيطرة على مدينتين مغربيتين في حالة سيطرة المغرب على سبتة ومليلية. - كان لقاؤك الثاني مع المغرب عندما عينت مراسلا لصحيفة «إيل باييس» عام 1988، كيف وجدت الحياة السياسية وقتها بوصفك قادما من الضفة الأخرى؟ < كانت أول صدمة واجهتها غير مرتبطة بالنظام السياسي، لكن بالبيروقراطية التي مازال يعاني منها المغرب لحدود الساعة، فرغم أنني كنت أشتغل لحساب صحيفة كبرى وأتلقى تعويضات مادية جيدة وحاصل على موافقة السفارة الاسبانية بالرباط ووزارة الداخلية المغربية والقصر الملكي المغربي، فقد وجدت نفسي في مواجه كابوس حقيقي مرتبط بأوراق الإقامة، كنت مطالبا أن أحضر عددا كبيرا من الأوراق من أجل إدخال سيارتي إلى البلاد، والشيء نفسه حصل مع الأثاث الذي جاء إلى ميناء الدارالبيضاء وبقي مرميا هناك، وجميع الكتب وشرائط الفيديو التي أحضرتها كان يجب أن تمر على المراقبة حتى يتم التأكد من عدم وجود كتب ممنوعة في المغرب، وبعد قضاء سنتين تكرر الأمر نفسه واضطررت للاتصال بإدريس البصري شخصيا، في مكتبه من أجل إخراج أثاثي من ميناء الدرالبيضاء، واستقبلني الرجل في مكتبه، وقلت له فلتحتفظ مصالح الجمارك في الدارلبيضاء بأثاثي كله، لم أعد أريده، وسأعود إلى اسبانيا، لكنني سأحول الأمر إلى فضيحة، وكان ذلك أشبه بمسلسل كفكاوي، وبعدما شرحت له الموضوع حمل سماعة الهاتف وصرخ بشكل قوي، فهو لم يكن يتكلم عادة، كان يصرخ. وحل المشكل فورا. إذن أول تجربة ذكرى أحملها عن المغرب الشعبي كانت هي الخوف والحذر وأول ذكرى مع المغرب الرسمي تتمثل في البيروقراطية. - كيف كانت اتصالاتك الأولى بالمسؤولين المغاربة بمجرد تعيينك مراسلا ل«إيل باييس» في الرباط؟ < (بعصبية)، لم أتصل بهم في البداية من أجل أمور متعلقة بحقوق الإنسان أو التعذيب، بل لمشاكل متعلقة بالبيروقراطية، فبعد كل هذه السنوات ما زلت أشعر بالمرارة نفسها، لكن بعد استقراري في الرباط كان أول شيء يثير انتباهي هو أن وزارة الإعلام مرتبطة بوزارة الداخلية التي يرأسها ادريس البصري، وتساءلت كيف للصحافيين أن يكونوا تابعين إداريا للأجهزة الأمنية؟، وأتحدث عن سنة 1988، أي في تلك الفترة كانت سنوات الرصاص قد انتهت، لكن نتائجها ظلت قائمة مثل وجود عدد من السجناء السياسيين ومطالب عائلات المعتقلين، وعندما جئت إلى الرباط لم أكن أعرف أشياء كثيرة عن البلاد، لذلك نسجت شبكة علاقات وصداقات تمكنت عبرها من جمع المعطيات. - شبكة علاقات وصداقات مع مسؤولين رسميين آنذاك؟ < لا، علاقات مع صحافيين مغاربة، لأنه في الرباط كانت هناك ثلاثة عوالم، عالم الديبلوماسيين والأوروبيين: الفرنسيين والاسبان والايطاليين وغيرهم، وهؤلاء كانوا يعيشون حياة مترفة، يذهبون للعب التنس والكولف وتتم دعوتهم للحفلات التي يقدم فيها المشوي وأطباق الكسكس ولا يعانون من أي نوع من المشاكل، وكان هناك العالم الرسمي الذي يترأسه ادريس البصري، وعالم المعتقلين السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان، وعلى رأس كل هذه العوالم الثلاثة يوجد القصر الملكي الذي يمثله الملك الحسن الثاني . وكانت هناك طبقة من السياسيين والإعلاميين المغاربة المستقلين الذين يجتمعون في بعض المقاهي والمطاعم بوسط العاصمة مثل مقهى باليما ومطعم «لاماما»، وكان هؤلاء لا يستطيعون أن ينشروا بعض الأخبار في صحفهم ويلتقون بي باعتباري مراسلا أجنبيا ويحكون لي مجموعة من الأخبار والتفاصيل، وكان من مهمتي بطبيعة الحال أن أقابل تلك المعلومات عبر إجراء اتصالات مع نشطاء حقوق الإنسان والسلطات المغربية التي كانت تسألني دائما عن الغرض من التدخل في مثل هذه الأمور، وكنت أخبرها أنني مراسل في الرباط ومهمتي تكمن في معرفة ما يجري ونقله إلى القراء، وهم على ما يبدو كانوا يرغبون في أن أقوم فقط بتغطية الأنشطة الرسمية وحفلات الزفاف بالقصر الملكي. وخلال تلك الفترة اشتغلت كثيرا حول موضوع حقوق الإنسان مثل قضية ابراهام السرفاتي، وكما قلت آنفا، كان الأسوأ قد مر، لكن بقيت بعض الجراح المفتوحة مثل عائلة أوفقير ومصير المهدي بن بركة، والعديد من المعتقلين السياسيين، وهو ما كان يهمني كثيرا كمراسل لصحيفة كبرى، لكن كنت أشعر ببعض الارتياح بحكم أنه بدأت تتكون في تلك الفترة بذور طبقة من الإعلاميين المستقلين، وكانت ولادة هذه النخبة في ظروف تتسم بتشديد المراقبة على كل شيء، لكنها نخبة بدأت تجد لها مكانا وتتحرك وتربط الاتصالات بالصحافيين الأجانب. و بجانب هذه النخبة المستقلة التي كانت تزودني بالمعلومات أحيانا كانت تأتي إلى صندوقي البريدي رسائل مجهولة وغير موقعة تحكي لي بعض التفاصيل، وكنت أعيش نوعا من التناقض، لأن المغرب كان بلدا جميلا، وسقطت في حبه، لكن في الوقت نفسه كنت أشعر بالألم عندما أشاهد معاناة هؤلاء الناس، ووقفت على كيف أن المغاربة يرضون بالشيء القليل ويسعدون به، لكن حتى هذا الشيء القليل لم يكن يعطى لهم، وكانت هناك مستويات دنيا للتعبير، فالمغاربة الذين لم يعيشوا في تلك الفترة لا يستطيعون أن يدركوا حجم التغيير الذي يعيشه المغرب، فصبيب الخوف كان عاليا في تلك الفترة، والناس تنتقد الأوضاع بحذر كبير، لكن الآن الكل ينتقد بدون موانع، بل الصحافيون ينتقدون كل شيء حتى أداء الملك. - يتبع -