خابيير بالنثويلا، المستشار الإعلامي السابق لرئيس الحكومة الإسبانية لويس رودريغيث ثباتيرو هو أحد الشهود على تفاصيل العلاقات المغربية الإسبانية منذ الثمانينيات من القرن الماضي، وكان أهم إنجاز مهني له خلال سنتين من وجوده بالمغرب هو إجراء حوار مع الملك الراحل الحسن الثاني. كان مقربا من رئيس الحكومة الإسبانية فيليبي غونزاليث خلال السنوات الأخيرة من حكمه. هو صديق لعدد كبير من الشخصيات السياسية الإسبانية ووزراء في الحكومة الاشتراكية الحالية. يكشف لأول مرة في هذه المقابلة بعض أسرار لقائه مع الحسن الثاني ومحمد السادس عندما كان وليا للعهد، واختراق طائرة الحسن الثاني الأجواء الإسبانية فجأة نهاية الثمانينيات، وكذا المخطط العسكري الإسباني للسيطرة على مدينتين مغربيتين في حال سيطرة المغرب على سبتة ومليلية. - متى كان لقاؤك الثاني مع الملك الراحل الحسن الثاني؟ < التقيت الملك الراحل الحسن الثاني، للمرة الثانية، قبيل سفره التاريخي إلى مدريد في زيارة رسمية عام 1989، ولم تكن قد مرت على الحوار الذي أجريته معه إلا مدة قصيرة، إذ بعث إدريس البصري بدعوات إلى جميع المراسلين الإسبان بالرباط، ولم نكن وقتها كثرا، كان هناك صحافيون يمثلون وكالة الأنباء الإسبانية ومراسل لصحيفة «أ ب ث» وأنا ممثلا لصحيفة «إيل باييس»، وقيل لنا إن الملك سيستقبلنا في الصخيرات، واجتمعنا في مقر وزارة الإعلام وامتطينا بعدها سيارات حملتنا إلى قصر الصخيرات الذي دارت فيه عملية الانقلاب عام 1971، وكان وجودي في المكان نفسه أمرا مثيرا بالنسبة إلي. وجاء الملك الحسن الثاني في الموعد وبدأنا المقابلة الصحافية. - ما هي المواضيع التي تم التطرق إليها؟ < تطرقنا إلى مواضيع متعلقة بالصيد البحري والصحراء وسبتة ومليلية، وهو موضوع كان حاضرا بقوة في تلك الفترة، ولاسيما أن الملك الحسن الثاني اقترح إنشاء خلية للتفكير في مستقبل المدينتين. والغريب أنه في تلك الفترة لم يكن هناك موضوع اسمه الهجرة بين البلدين. وكنا في مكان مفتوح نشاهد عبره المسبح والفضاء الخارجي، وكان الملك الحسن الثاني يرتدي لباسا صيفيا خفيفا، لكنه كان دائما محافظا على أناقته ولم يفرط في ربطة العنق، وتحدثنا معه حوالي ساعة أو ساعة ونصف. وفي آخر المشهد، لاحظت وجود شابين صغيرين، يستمتعان بحمام شمس، ولا يرتديان غير لباس السباحة. - هل كان الأمر يتعلق بالأميرين سيدي محمد ومولاي رشيد؟ < بصراحة، كانا بعيدين ولم نستطع التمييز جيدا، لكن بعد الانتهاء من إجراء اللقاء الصحافي، دعانا الملك الحسن الثاني إلى تناول بعض المرطباتّ. وفي تلك اللحظة، أمسك الحسن الثاني بيدي وقال لي بالفرنسية: «سيد بالنثويلا، هناك قرب المسبح يوجد ولداي سيدي محمد ومولاي رشيد». - ناداهما سيدي محمد ومولاي رشيد محافظا على الألقاب؟ < نعم، حافظ على الألقاب وهو ينطق اسميهما، ثم أردف: «إنهما يتحدثان جيدا اللغة الإسبانية، كما أن لهما مربية إسبانية، وأريدك أن تختبر ذلك»، ثم حرك يده في إشارة إليهما للمجيء، وبما أنهما كانا ينظران إلينا عن بعد، فقد اقتربا منا بسرعة. - كيف لمست تعامل الأميرين آنذاك مع والدهما الملك الراحل؟ < كان تعاملا غاية في الاحترام، تماما مثل التعامل الذي يكون للمرء مع أستاذه، وقال الملك الحسن الثاني للآميرين بالفرنسية :«أقدم إليكما السيد خابيير بالنثويلا الذي أجرى معي قبل مدة حوارا، وتعرفت عليه حينها، وأخبرته بأنكما تتكلمان جيدا اللغة الإسبانية، لذلك سأترككما تتكلمان معه». - وحول ماذا دار الحديث بينكم؟ < في الحقيقة، كان الموقف محرجا بحكم أنني لم أجد الكلمات المناسبة لبدء الحوار في الوهلة الأولى، ثم قلت لهما: «صباح الخير، تشرفت بمعرفتكما، وقال لي جلالة الملك إنه كانت لكما مربية إسبانية»، ولمست أن سيدي محمد كان أكثر هدوءا، لذلك كسر الصمت الأمير مولاي رشيد الذي بدا لي أقل خجلا، ورد علي قائلا: «نعم بالفعل، لقد درسنا اللغة الإسبانية عن طريق المربيات الإسبانيات، لكن ليس لهذا السبب فقط نتكلمها، بل أيضا لأننا سافرنا عدة مرات إلى إسبانيا للسياحة». ولمست أن الأمير سيدي محمد كان لا يزال منغمسا في صمته، وتوجهت إليه بالسؤال: «هل ذهبت أنت أيضا عدة مرات إلى إسبانيا» فرد علي سيدي محمد بقوله: «نعم لقد ذهبت إلى إسبانيا عدة مرات وتعجبني موسيقى الفلامنكو والموسيقى الأندلسية»، وأجبته قائلا: «جيد، أنا أيضا أنحدر من الأندلس». - وماذا كان انطباعك عنهما خلال الدردشة؟ < لاحظت أنني كنت أتكلم أكثر منهما، كانا يتحدثان قليلا، خصوصا سيدي محمد.. كان يتكلم جملا قصيرة ويسكت، وخرجت بانطباع أن ولي العهد قليل الكلام أكثر من أخيه الأصغر، وأنه خجول في حضور والده الحسن الثاني أكثر من الأمير مولاي رشيد. وانتهت المقابلة بعد دقيقتين أو ثلاث عندما قال الملك الحسن الثاني بالفرنسية: «جيد، جيد جدا، أرى أنهما يتكلمان جيدا بالإسبانية، وهذا يسعدني»، ثم أردف: «طيب، سيد بالنثويلا، تفضلوا بتناول المرطبات»، ثم اختفى عن الأنظار. - يتبع -