خابيير بالنثويلا، المستشار الإعلامي السابق لرئيس الحكومة الإسبانية لويس رودريغيث ثباتيرو، هو أحد الشهود على تفاصيل العلاقات المغربية الإسبانية منذ الثمانينيات من القرن الماضي. وكان أهم إنجاز مهني له خلال سنتين من وجوده بالمغرب هو إجراء حوار مع الملك الراحل الحسن الثاني، كان مقربا من رئيس الحكومة الإسبانية فيليبي غونزاليث خلال السنوات الأخيرة من حكمه. هو صديق لعدد كبير من الشخصيات السياسية الإسبانية ووزراء في الحكومة الاشتراكية الحالية. يكشف لأول مرة في هذه المقابلة بعض أسرار لقائه مع الحسن الثاني ومحمد السادس عندما كان وليا للعهد، واختراق طائرة الحسن الثاني الأجواء الإسبانية فجأة نهاية الثمانينيات، وكذا المخطط العسكري الإسباني للسيطرة على مدينتين مغربيتين في حالة سيطرة المغرب على سبتة ومليلية. - ماهي أول ذكرى تربطك بالمغرب؟ < أول ذكرى تربطني بالمغرب تعود إلى سنة 1980، وكنت آنذاك صحافيا شابا في صحيفة محلية تدعى «فلنسية اليوم» وسافرت مع صديقتي التي كانت تشتغل مصورة في تلك الفترة إلى شفشاون، وكانت تلك أول مرة أعبر فيها مضيق جبل طارق صوب المغرب، كان عمري وقتها 24 سنة، وذهبنا عبر سبتة بواسطة السيارة إلى شفشاون التي مكثنا فيها بفندق، وفي الليل خرجنا لنتجول في المدينة القديمة لشفشاون، وأول ذكرى أستحضرها أنني كنت في تلك اللحظات أشعر برعب حقيقي، فجأة وجدت نفسي في أزقة ضيقة ومظلمة وبجانبي يسير أشخاص ملثمون ويرتدون جلاليب ورؤوسهم مغطاة، وهذا ما فجر في دواخلي جميع الأحكام المسبقة، وذهب ذهني إلى أن كل هؤلاء الأشخاص الذين يترجلون بجانبي أعداء لي هدفهم سرقتي أو قتلي واحتجاز صديقتي التي كانت فتاة شقراء. وبالتالي، كان أول لقاء لي مع المغرب في شفشاون، وهذه هي الصورة التي بقيت عالقة في ذاكرتي: أزقة ضيقة مظلمة وأشخاص يغطون رؤوسهم، ورأيت في كل أولئك الأشخاص الذين كانوا يمشون بجانبي أعداء حقيقيين، وعندما كانوا يقتربون مني من أجل عرض خدماتهم أو بضائعهم، كان رد فعلي المباشر هو رفض عروضهم، لأنني اعتقدت وقتها أنهم كلهم محتالون ونصابون، وخفت على خطيبتي فعلا من الاختطاف. كان كل ذلك في الحقيقة تعبيرا عن فكرة منغرسة في دواخلنا نحن الاسبان، وهي أن «المورو» هو شخص عنيف ومخادع. - هل يحصل ذلك مع عدد كبير من الاسبان الذين يزورون المغرب؟ < لا أدري، شخصيا كنت وقتها شابا تقدميا وتتملكني رغبة كبيرة في زيارة المغرب، ولا أدري ما حصل لي وقتها حتى هاجمتني تلك المشاعر في البداية، وقضيت مع صديقتي ثلاثة أيام في المدينة وبدأت مع مرور الوقت أشعر بطيبوبة الناس ومحبتهم، ولمست كيف يعبرون عن حبهم للقادمين من إقليم الأندلس، ولم يسرقنا أو يخدعنا أحد طيلة مدة إقامتنا هناك، وبعد ذلك ذهبنا إلى فاس ومكناس، والذكرى الأخيرة التي أحتفظ بها عن ذلك السفر أنه كان غاية في الروعة، لكنني لا أريد أن أترك المجال يفوت دون التأكيد على مشاعري الأولى النابعة من عمق شخصية تقدمية ومثقفة، وهي المشاعر التي ولدت بمجرد مشاهدة سيناريو الحياة في المغرب، وهذا نابع من التربية التي تلقيتها في اسبانيا، فقد تربيت في شبه الجزيرة الايبيرية على أن المغربي، هو بالضرورة عدوي. و في تلك الفترة كنت أحب المغرب وأحببته أكثر في وقت لاحق عندما عملت مراسلا صحافيا لجريدة «إيل باييس»، بل وبهذا البلد ولدت ابنتي البكر «نور» من زوجتي الأولى اللبنانية، وإذا لاحظت فاسمها عربي، ورأت النور بالرباط سنة 1989، أي بعد تسع سنوات من ذلك اللقاء الأول الذي كان يعج بالخوف والقلق والحذر. وبين اللقاء الأول والثاني جرت مياه كثيرة تحت الجسر، فقد عدت إلى مدينة فلنسية للعيش فيها فترة، ثم انتقلت إلى مدريد للعمل صحافيا في جريدة « إيل باييس» قبل أن يرسلوني إلى الشرق الأوسط من أجل تغطية الأحداث هناك وعشت عدة سنوات بلبنان وزرت مصر وسوريا والعراق، وبعد سنوات طرحت فكرة ذهابي للعمل في المغرب، واستطعت في النهاية أن أقنع إدارة «ايل باييس» التي عينتني مراسلا في الرباط، وذهبت للعيش في العاصمة، وما يربطني بالرباط هو ذكرى قوية تتمثل في اختيارنا أنا وزوجتي أن تولد ابنتي «نور» في المغرب لا في اسبانيا، وذلك في الوقت الذي كان ومازال يفضل فيه الاسبان القاطنين في الرباط أن تلد زوجاتهم في مستشفيات مدريد سواء كانوا ديبلوماسيين أو صحافيين. وكان ذاك القرار وقتها أشبه بإشارة امتنان للبلد الذي نعيش فيه. - يتبع -