في هذا الحوار، يستعرض إبراهيم أولتيت، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ابن زهر بأكادير، خبايا الدعوة الملكية الأخيرة إلى الإسراع بالخروج بمجلس المستشارين من وضعيته الحالية، إلى الوضعية التي نص عليها دستور 2011، والطريقة التي يجب على الحكومة أن تتعامل بها مع هذه الدعوة، خاصة في ظل ارتباطها بضرورة الإسراع بتنظيم الانتخابات الجماعية، وتنزيل الجهوية المتقدمة. أولتيت أكد في حواره مع «المساء»، أنه يتوجب على الحكومة الإسراع بتنظيم الانتخابات، وعدم الاستمرار في التحجج بعدم توفر الشروط المناسبة، مشيرا إلى أن الدستور قد حسم في مسألة وجود الغرفة الثانية، وبأن سياسة الحكومة التقشفية لا يمكنها أن تتدخل في هذه الكينونة، على اعتبار أن وجودها يدخل ضمن مستلزمات الديمقراطية في البلد، داعيا إلى العمل على تحسين المردودية التشريعية للمجلس قبل الحديث عن تكلفته المادية المرتفعة. - ما تعليقك على الدعوة الواردة في الرسالة التي وجهها الملك محمد السادس بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخمسينية للبرلمان، بضرورة ملاءمة وضعية مجلس المستشارين مع الدستور الجديد؟ لا بد أن نشير إلى أن الرسالة الملكية بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخمسينية لمجلس النواب، تضمنت بعض الإشارات تتعلق بوضعية مجلس المستشارين، وارتباطه الوثيق بالجهوية المتقدمة، خاصة تأكيدها على الإسراع بإخراج القوانين التنظيمية الخاصة بالحكامة الترابية، كمرحلة إعدادية لاستباق النموذج المغربي للجهوية المتقدمة، مما يمكن من انتخاب مجلس المستشارين في صيغته الدستورية الجديدة. وإلى جانب ذلك أكدت على ضروة العمل للخروج من دائرة الانتقال الدستوري، مع ما يعنيه ذلك من نقد للمرحلة الحالية الموسومة بالعمل بدستورين. لكن الرسالة وإن أكدت صراحة على ضرورة الإسراع بهذه الإجراءات، إلا أنها لم تتضمن تحديدا صارما لتاريخ معين، مما يفتح الباب أمام الحكومة للتصرف وفقا لأجندتها السياسية. - ما الذي يتوجب على الحكومة القيام به في الوقت الحالي من أجل تنفيذ هذه الدعوة، وإخراج مجلس المستشارين من وضعيته اللادستورية؟ نحن نعلم أن الخطاب الملكي يوجه العمل الحكومي، وعليه فإنه يتوجب على الحكومة العمل على الإسراع بتنظيم انتخابات الجماعات الترابية، لارتباط تكوين مجلس المستشارين بها، دون الاستمرار في التذرع بعدم توفر الشروط القانونية والسياسية الكفيلة بإخراجها، لأن الأخذ بالاعتبار الظرفية الحالية ومحدودية القدرة على المبادرة عند الحكومة، سيحول دون الوصول إلى هده الغاية، علما أن الزمن السياسي لا يقاس بالمال. - كيف تؤثر الكلفة المالية الباهظة للمجلس على الميزانية العامة للدولة؟ وهل يمكن أن تساهم سياسة التقشف في التسريع بحل الغرفة الثانية؟ لأول وهلة يبدو الشق الأول من السؤال مثيرا، لكن التعمق فيه يدفعنا إلى ضرورة العمل على دفع هذه الدعوى ونقدها من خلال بعض الحجج: فوجود المؤسسات الضرورية للحياة الديمقراطية لا يقاس بالكلفة المالية، التي يحكمها في الغالب هاجس تدبير اليومي، في حين أن الأمور السياسية تقاس على المدى البعيد. كما أن المالية العمومية في المغرب تعاني من مجموعة من العثرات التي توجب على الفاعلين (البرلمان والحكومة)، العمل على إخراج القانون التنظيمي للمالية إلى حيز الوجود، وتضمينه المقتضيات الكفيلة بتجاوز هذه العثرات، ومن بينها المصاريف المخصصة لعدد كبير من المؤسسات والصناديق. وهذا يقود بالضرورة إلى المحدد السياسي وليس التقني، لأن القضية الجوهرية هي وجود هذه المؤسسات بالعدد الحالي، ومبرراته السياسية قبل التدبيرية. - السؤال الآخر الذي يجب أن نطرحه هو هل المغرب يعاني من شح في الموارد التي لا تمكن من تغطية النفقات، ومن بينها نفقات المؤسسات الدستورية؟ أم أن هناك شحا في الإرادة السياسية وعلاقتها بالقدرة على المبادرة؟ نصل إلى الشق الثاني من السؤال، والخاص بعلاقة استمرارية الغرفة الثانية بالتقشف، وهنا كذلك يتعين أن نميز بين موضوعين: أولهما يتعلق بسياسة التقشف وهي ظرفية، وثانيهما وجود الغرفة الثانية من عدمه، وهي مسألة استراتيجية، حسمها الدستور باعتماده لنظام الغرفتين، في وقت كان هناك من يطالب بغرفة واحدة تمثل الجميع. أما الجانب الثاني الذي يثيره السؤال يتعلق بأن التقشف مسألة نسبية: والسؤال الذي قد يثيره هو أن الحكومة، والفاعل السياسي بصفة عامة، يجد نفسه أمام عنصري الاختيار والتضحية، وما اعتمدته الحكومة الحالية من تدابير تبين أنها اختارت وضحت في الوقت نفسه بفئات اجتماعية معينة، والمثال على ذلك حالة التشغيل المباشر للمعطلين، ونظام المقايسة وتعديل أسعار الضريبة على القيمة المضافة، مما يبين السقف الذي يحكم الحكومة الحالية في مبادراتها، والمثال الأخير يبين عدم قدرة الحكومة على المواجهة بزيادة الضريبة على الدخل أو الضريبة على الشركات، والتي تتميز بطابعها المباشر تجعل الخاضع لها يحس بها مباشرة، مما يدفعه إلى الانتفاضة ضد الحكومة، أما الضريبة على القيمة المضافة فهي ضريبة غير مباشرة، يؤديها الجميع ولكن لا يحس بها الملزم مباشرة. واختيار الحكومة لهذا النوع من السياسات يسائل قدرتها على المواجهة، ويجعلنا نتساءل هل تستطيع أن تواجه من ظل يستفيد من مكاسب هذه المؤسسة؟ أليس تأخير الانتخابات الجماعية نزولا عند مطالب هؤلاء بالاستمرار في موقعهم الحالي؟ - هل تتناسب الكلفة المادية للمجلس مع مردوديته التشريعية، خاصة في ظل الانتقادات الموجهة إليه بسبب ضعف هذه المردودية؟ بخصوص هذا السؤال أعيد التذكير بالحجة التي بدأت بها الإجابة السابقة، والتي تقضي بأن وجود مجلس المستشارين – نظريا- لا يتعين أن يقاس بما هو ظرفي – المالية -، وإنما بما هو استراتيجي، وهذا يعني أن المؤشرات التي يتعين اعتمادها في القياس تتعلق بالجواب عن سؤال: ماذا نريد من مجلس المستشارين؟ وطبيعة الجواب قد تحدد حجم الكلفة. الملاحظة الثانية التي يثيرها في نظري السؤال، توحي بربط المردودية بالغرفة الثانية مباشرة، كما لو أن القصور كامن فيها. هذا النوع من التحليل ينظر فقط إلى وجه واحد من القضية، ويتجاهل البحث في الشروط الموضوعية، والتي ترتبط بطبيعة النظام السياسي المغربي، حيث الهيمنة للمشروعية التاريخية على حساب المشروعية العقلانية أو الانتخابية، وهذه الهيمنة تحد من مكانة هذه المؤسسات من جهة، وأحيانا قد تحصر وظيفتها في المردودية السياسة، والتي ينتج عنها إدماج النخب، مما قد يفسر تعدد المجالس والمؤسسات في المغرب، لأنها تضمن توزيع الموارد على هذه النخب. ومما يوضح هذه الوظيفة، الربط الوثيق بين انتخاب المستشارين واستعمال المال، ويمكن أن نفترض عمليا أن هذه الوظائف أصبح يؤدى عنها بتعويضات رمزية، ولا تخول صاحبها أي سلطة مقارنة بغيره من المواطنين لنرى النتيجة. الملاحظة الثالثة تتعلق بخصوصية العمل التشريعي في المغرب، والذي لا تحتكره المؤسسة التشريعية ( بغرفتيها)، حيث إلى جانب الملك توجد هناك الحكومة. والمثال على ذلك المقارنة بين مشاريع القوانين، ومقترحات القوانين التي يخصص لها يوم واحد من طرف مكتب كل من مجلسي البرلمان على الأقل في الشهر لدراستها، و من بينها تلك المقدمة من قبل المعارضة ( الفصل 82). - البعض يتحدث عن ضرورة انتظار الانتخابات الجماعية المقبلة سنة 2015، من أجل تسوية وضعية الغرفة الثانية. ما تعليقك على هذا الطرح؟ نميز هنا بين المستويات التالية: - على المستوى الدستوري، يحدد الفصل 63 من دستور 2011 مكونات مجلس المستشارين في ثلاثة أخماس الأعضاء يمثلون الجماعات الترابية ( يتوزعون بين جهات المملكة بالتناسب مع عدد سكانها...) وخمسان ( الغرف المهنية وممثلو المأجورين) ويربط الفصل ذلك بصدور قانون تنظيمي. - على المستوى العملي، سبق لوزير الداخلية أن أعلن عن هذا التاريخ، وإذا أخذنا بالاعتبار علاقة القرار السياسي بالمعلومة، نستطيع أن نقول بأن تاريخ الانتخابات يبقى بيد الحكومة. وعليه، فإن تسوية وضعية مجلس المستشارين ترتبط بالانتخابات الجماعية. - على المستوى السياسي، فإن القرار يعود إلى موازين القوى، وإلى حساب الربح والخسارة بين الفاعلين، وبالتالي فتنظيم الانتخابات في 2015 أو قبل ذلك في حالة تفسير مرن للخطاب الملكي لكلمة «الإسراع»، يبقى حلا بيد الفاعلين السياسيين المستفيدين من الوضع الحالي، أو من يسعى إلى الاستفادة مستقبلا. إذا تجاوزنا هذه المقاربة، فإن تسوية وضعية الغرفة الثانية تتجاوز في نظرنا تنظيم الانتخابات، وتعود إلى توفر الشروط الموضوعية الكفيلة بالسماح لهذه المؤسسات بلعب دورها في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، كما جاء في ديباجة الدستور، وهما في نظري: دستور ديمقراطي نابع من الشعب مباشرة، إذ بالنسبة للسياسي الذي تحركه المنفعة، قد ينظر إلى هذا المطلب على أنه مثالي وتم تجاوزه، لكن بالنسبة للباحث في سعيه من أجل الحقيقة، فإن المطلب يعتبر ضرورة حيوية لبناء دولة ديمقراطية، خاصة إذا كان لا يشتغل فقط بمنطق ما هو كائن، وإنما في بعض الموضوعات كذلك بما ينبغي أن يكون. الشرط الثاني هو الانتقال إلى ملكية برلمانية «يسود فيها الملك ولا يحكم»، مما من شأنه تقوية دور المؤسسة البرلمانية. وهذا يعني أن طبيعة النظام السياسي محدد أساسي لفهم مردودية البرلمان، سواء في نظام الغرفة الواحدة أو نظام الغرفتين. - كيف يمكن لتنزيل مشروع الجهوية الموسعة أن ينعكس على التشكيلة المقبلة للمجلس، وأن تطور عمله التشريعي والرقابي للحكومة؟ الإجابة عن هذا السؤال تبقى معلقة على إخراج القانون التنظيمي المنصوص عليه في الفصل 146 من دستور 2011، ومن بين ما يحدده شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية الأخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية، على أساس الانتصار لقيم الحرية. وإلى جانب الحل القانوني هناك حاجة إلى حلول سياسية، تضمن المشاركة الفعالة للمواطنين، خاصة وجود أحزاب سياسية قوية، ترسخ قيم الديمقراطية داخلها، عبر اعتماد اللامركزية، وتقطع مع التقليد التنظيمي القائم على «المركزية الديمقراطية». وإصلاح النظام الانتخابي في المغرب، خاصة على مستوى إدارة الانتخابات من قبل إدارة مستقلة، فبدون إصلاح المنظومة الانتخابية، لا يمكن في نظرنا أن ندعي نجاح الجهوية أو العكس، والأمر نفسه بالنسبة للمؤسسة التشريعية بغرفتيها الأولى والثانية.