إن المجتمعات لا ترقى إلا بقيمها وأصولها، ولا تكتمل سعادتها إلا باحترام تقاليدها وهويتها. والأمة التي تستنبط نمط عيشها من غيرها، تبتعد عن أصالتها وحقيقتها وتفقد القدرة على الوجود بنفسها، ولن تعود إلى أصلها لجهلها بمكوناتها. لهذه الأسباب جميعها، توجب على الإنسان المغربي أن يهتم بثقافته وتاريخه على كل المستويات، ومن بينها، إن لم يكن من أهمها، ثقافته الغذائية؛ لذلك سنحاول، في هذا المقال الأسبوعي، التطرق إلى أهم التحولات الغذائية التي يعيشها الإنسان المغربي وما تحمله بين طياتها من أمراض فتاكة تشكل خطرا حقيقيا على صحته. هناك اختلاف حول اسم نبات الشويلاء في اللغة العربية، فقد وجدنا الاسم التالي: أفسنتين وهي كتابة لتسمية Absinthe باللاتينية، وبما أن هذه الكلمة ليس لها وزن عربي فهي مرفوضة؛ كما وجدنا مصطلحات أخرى منها: الدمسيسة، وشيح ابن سينا، والشيح الرومي، والشويلاء؛ وهناك أيضا تسميات أخرى محلية مثل «الدسيسة»، و»الشيبة» التي تعد مصطلحا متداولا كذلك؛ ووجدنا اسم آخر أيضا هو شيبة العجوز. وربما يكون اسم «الشيبة» أطلق على هذا النبات لأنه يشبه الشيب إلى حد ما. أما مصطلحات الشيح الرومي وشيح ابن سينا والشويلاء فتنطبق على أوزان اللغة العربية. وقد نأخذ بالشويلاء أو الشيبة لنبتعد عن مصطلح الشيح الرومي وشيح ابن سينا لكي لا يشتبه الأمر على الناس لأن الشيح نبات معروف ويختلف عن الشويلاء رغم أنه من نفس الفصيلة. يتبادر إلى الذهن ما يشاع حول هذا النبات من سمومية. وبما أنه ليس هناك دخان بدون نار فهذه الشائعة فيها نفحة من الحقيقة. لكن هناك خلط كبير حول مكونات وطرق استهلاك هذا النبات، فالمكون الخطير الذي يحتوي عليه هذا النبات هو مركب التوجون Thujune، وهو مركب سام بالنسبة إلى الخلايا العصبية لكن فقط إذا كان بكمية كبيرة. ويوجد هذا المركب في زيت الشيبة بكمية مركزة، أما الكمية التي تحتوي عليها الأوراق فلا تشكل أي خطر، واستهلاك الشيبة على شكل أوراق بقدر معقول ليس فيه خطر، بل فيه منافع كثيرة كما سنرى. نبات الشيبة يطبعه المذاق المر، ولعله أشد مرارة في مذاقه من كل النباتات. وهذا المذاق هو رحمة من الله لكي لا يُستهلك بكمية كبيرة، ومن أجل هذا المذاق المر سمي بالإنجليزية Wormwood. ولون الشويلاء لون مميز، هو لون الفضة كما يسمى عند علماء النبات، ولا يوجد في الطبيعة في كثير من النباتات، ولذلك سمي هذا اللون في المغرب باللون «الشيبي» لأنه منفرد، وهو لون جميل يدل على الطبع البارد. وشجرة الشويلاء تنبت في المناطق ذات المناخ الجاف والحار، ومنها دول حوض البحر الأبيض المتوسط وبعض الدول الأوربية والهند ودول أمريكا اللاتينية، ومنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط هي المنطقة التي تجمع أكثر أنواع النباتات والحيوانات، لأن الحرارة المعتدلة والرطوبة مع وجود الماء وخصوبة التربة تجعل من هذه المنطقة أغنى وأجمل منطقة. ونبات الشويلاء يوجد بكثرة في المغرب إلى درجة أن الناس لا يعيرونه أي اهتمام، ولا يستهلك إلا مع الشاي في فصل الشتاء البارد لإعطائه نكهة جيدة. ومن الخصائص القوية لهذا النبات أنه يبقى أخضر على طول السنة، لكنه يكون بتركيز مرتفع في فصل الربيع حيث يكون التبرعم شديدا. ويستهلك نبات الشويلاء في فصل الشتاء وأول فصل الربيع، وهي الفترة التي لا يكون فيها النعناع موجودا. ونلاحظ أن بعض الناس يستهلكون النعناع في فصلي الخريف والشتاء، وهو أمر غير عادي، لكن جهل الناس بالنواميس الطبيعية جعل استهلاك كل النبات على مدار السنة، والنعناع هو النبات الوحيد الذي يتغير طعمه مع دخول فصل الخريف، ولا يكون تركيز التايمول Thymolمرتفعا في النعناع إلا في أواخر فصل الربيع وفصل الصيف؛ فكل نبات له وقت معين وموسم ودورة نباتية لا يخرج عنها، والنعناع نبات فصل الصيف لأنه ينعش ويبرد الجسم، ولذلك جعله الله ينضج ويشتد وتتركز مكوناته الكيماوية في هذا الموسم. أما الشويلاء فيعتدل مذاقها المر جيدا في فصلي الشتاء والربيع، ولو أنها دائمة الأوراق على مدار السنة، ولا تتحسن مكوناتها إلا في فصل الشتاء، لأنها تسخن الجسم، وتقي من الإصابة بالبرد والرعشة والزكام. ولا يعرف استهلاك الشويلاء عبر العالم بالطريقة التي يستهلك بها في المغرب، أي مع الشاي أو الحليب، إلا ما كان من تنكيه بعض المشروبات الكحولية بالشيبة، والتي كانت ممنوعة في كل دول العالم، لكنها حظيت بالترخيص باستهلاكها في دول أمريكا الشمالية، أو بعض المرطبات التي تشرب نادرا، لكن يبقى هذا النبات غير معروف على مستوى الاستعمال اليومي، ولذلك فاستهلاكه مع الشاي هو أحسن طريقة، وهي طريقة ذكية كذلك، لأن استهلاكه مع الشاي يجعل الكمية مضبوطة وضئيلة، حيث لا يمكن أن تشكل أي خطر؛ كما أن خلطه مع الشاي يجعله يستهلك مرتين أو ثلاث مرات في اليوم. ولا يعرف استهلاك الشويلاء على شكل مشروب عادي وبكثرة تماما كالنباتات الأخرى، ومنها اللويزة والشاي والنعناع. يحتوي نبات الشيبة على السيليكا Silica، وعلى مركبين بمذاق مر جدا وهما الأبسنتين Absinthine والأنابسنتين Anabsinthine. ويمتاز نبات الشويلاء بمكون التوجون Thujone وحمض التنيك. وهذه المكونات كلها لها خصائص طبية ممتازة. كما يحتوي على بوليفينولات أخرى، منها الأرتبسين والديغوكسين. ونحن نعلم بأن الأبسنتين هو ألكلويد Alkaloid سام، لكن فقط لما يتناوله الناس بكمية مرتفعة، ويوجد في زيت الشويلاء بتركيز مرتفع حيث يمكن أن يحدث تسمما خطيرا، لكن الأوراق التي تستهلك مع الشاي لا تسبب أي خطر. وهناك شائعات حول هذا النبات مفادها أنه سام، وأن استعماله يجب أن يكون بتحفظ؛ لكنها تبقى شائعات فقط، فليس هناك أي داع إلى الخوف إذا بقي استهلاكه في حدود الكمية التي تستعمل منه مع الشاي على الطريقة المغربية. لكننا لا ننفي أن مكون التوجون سام جدا ومصنف ضمن السموم النباتية التي تحدث اضطرابا في الخلايا العصبية. ولهذا كان مشروب الشويلاء الكحولي محظورا عبر العالم. ويساعد نبات الشويلاء على الحد من ألم المعدة؛ ويعمل كمطهر وأيضا كمخفض للحمى والحرارة المرتفعة في الجسم. ويستعمل نبات الشويلاء كشاي قبل الولادة عوض اللويزة لتسكين آلام الولادة، ويعمل في هذه الحالة كمسكن للآلام، وهي خاصية معروفة لدى هذا النبات وكل النباتات المسخنة للجسم. وهناك أبحاث جارية حول استعمال مستخلص الشويلاء للحد من الالتهابات الحادة على مستوى القولون والمستقيم. وهناك معلومات أخرى حول استعمال زيت الشويلاء كمنشط للقلب لتحسين الدورة الدموية، لكن زيت الشويلاء الخالصة تكون سامة للغاية، ويجب عدم استعمالها بدون معرفة القدر الذي لا يشكل استهلاكه أي خطر، ولذلك يجب التحفظ من كل استعمالات الشويلاء لأغراض طبية بدون علم، ويبقى نبات الشويلاء نبات المعدة بامتياز، حيث يزيل آلام المعدة، ويسكن كل الاضطرابات المعدية الناتجة عن سوء الهضم أو بعض الأعراض الأخرى التي قد تصيب المعدة.