يوجد النعناع على أنواع كباقي النباتات، ويجب ألا نخلط بين هذه الأنواع لأن لها فوائد مختلفة. ونتكلم في هذه الورقة عن النعناع الأسود، ويسمى كذلك النعناع الفلفلي peppermint، وهذا الاسم الأخير مترجم، ويجب ألا يؤخذ به، ويسمى كذلك النعناع البستاني، وهو قريب من العربية ويدل على خصائصه، ونسميه النعناع العبدي في المغرب. والنعناع الأسود نوع لا يستعمل بكثرة مع الشاي كما هو الشأن بالنسبة للنعناع المائي (Water mint) والنعناع السنبلى (Spearmint)، وبعض الكتابات تقول إن النعناع الأسود هجين من هذين النوعين، وهناك تشابه كبير بين هذه الأنواع الثلاثة. ويتميز النعناع الأسود بمذاقه المر القوي، ويتبع هذا المذاق ببرودة فائقة تبقى في الفم لمدة. وهناك أنواع أخرى تسمى كذلك بالنعناع الصوفي Melissa oficinalis، لكنها ليست بنعناع، ولو أن هذا النوع يشبه النعناع في شكله. والنعناع الصوفي يدخل ضمن النباتات الطبية وليس النباتات الغذائية، واستعماله محدود بالمقارنة مع النعناع الفلفلي أو العبدي. لا يحتاج النعناع الفلفلي إلى مبيدات الحشرات، لأنها لا تقدر على الاقتراب من الأوراق نظرا إلى تركيز مركباته القوية مثل المينتول ومركبات طيارة أخرى، ولا يحتاج سمادا، لكنه يحتاج إلى ماء، وقد يصل طوله إلى متر، ويعطي مردودية عالية من حيث الإنتاج وينبت في شروط مناخية معتدلة أو شبه حارة، ويجد في المغرب الطقس المثالي والتربة المثالية لنموه. وهذه المنتوجات هي التي كان يجب علينا أن نشجعها، لأنها لا تكلفنا كثيرا ولا تنبت في بلدان أخرى، والطلب عليها يكون دائما مرتفعا. ولا نحن نفضل الإنتاج الموجه إلى التصدير أكثر ما نفضل الإنتاج الموجه للاستهلاك الداخلي، فنحن أولى بمنتوجاتنا. رغم أن النعناع الفلفلي أو الأسود قد يوجد على مدار السنة، فإن فصيلته تجعله يكون أقوى تركيزا من حيث مكوناته القوية في الفصل الحار. ويكون ذو فاعلية كبيرة عندما يستهلك في فصله، وهو فصل الصيف بامتياز، وتزداد جودته وتشتد رائحته كلما كان الجو حارا. ومن مميزات هذا النوع من النعناع أن التجفيف لا يفسده، ويبقى صالحا للاستعمال، على عكس النعناع العادي، الذي يفقد مكوناته تحت التجفيف، نظرا إلى التركيز المرتفع من مكون التايمول الذي يتأكسد مع التجفيف. ويدخل النعناع ضمن الأعشاب العطرية التي تحتوي على زيوت طيارة مضادة لكثير من الأعراض، خصوصا على مستوى القولون. واستهلاك النعناع لا يكون إلا مع الشاي أو وحده على شكل شراب، ولا يكون بأهمية كبيرة كما هو الشأن بالنسبة للقهوة والمشروبات الأخرى. ويعرف النعناع الأسود بقوته المسكنة لبعض الأعراض التي توجد بكثرة في العصر الحاضر، والتي ربما تستعصي على الطب التقليدي، ومنها الإمساك الحاد Irritable bowel syndrome، بما في ذلك عسر الهضم، ومغص المعدة، وتقلصات عضلات القولون Colon spasms. وتعزى قوة النعناع الأسود في تسكينه لهذه الأعراض إلى خاصيته في جعل العضلات البيضاء التي تحيط بالقولون ترتخي. ولا يمكن أن تظهر حالة المغص Spasm مع ارتخاء هذه العضلة. وربما يكون مركب المينتول Menthol هو المسؤول عن هذه الخاصية. ويحتمل أن تكون لدى النعناع قوة كابحة للسرطان، نظرا إلى احتوائه على مركبات مضادة للأكسدة، ومنها تربينات مثل Perillyl alcohol، الذي يوجد بنسبة مرتفعة في النعناع. إذ تبلغ نسبة الزيوت الطيارة فيه حوالي 4 في المائة، ويمثل المينتول حوالي 80 في المائة من هذه الزيوت على شكل خالص، و20 في المائة على شكل مختلط مع زيوت أخرى. وبينت بعض الأبحاث أن هذا المركب يمنع نمو التورمات على مستوى البنكرياس والثدي والكبد. ويقي كذلك من سرطان القولون والجلد والرئتين. والنعناع الفلفلي له قوة كابحة لنمو كثير من البكتيريا في المعدة والأمعاء، منها باكتيريا القرحة Helicobacter pylori وباكتيريا Salmonella enteritidis وباكترياEscherichia coli وباكتيريا Staphylococcus aureus المقاومة للمضادات الحيوية. ويكبح زيت النعناع الكثير من الفطريات والخمائر، وتبقى طبعا هذه المعلومات للمعرفة فقط ولا تعتبر وصفات للعلاج، فيجب على الناس ألا يظنوا أنهم إذا استعملوا النعناع الفلفلي ضد هذه الجراثيم سيتخلصون منها. فالدراسات تجرى دائما على مركبات مستخلصة من النبات وتكون مركزة وتطبق على الخلايا الجرثومية في أوساط غذائية، بحيث تكون الخلية متصلة بالمركب، لكن داخل جسم الإنسان قد يكون وصول المركبات إلى الخلايا الجرثومية منعدما وربما مستحيلا، كما قد تتعرض المركبات القوية في النبات إلى تحلل في المعدة وربما في الأمعاء، فلا تصل إلى الهدف. ويحتوي النعناع على حمض الروزمرينيك Rosmarinic acid، الذي يساعد في حالات الربو الحادة، ويلعب هذا الحمض دور مضاد للأكسدة ليثبت الجذور الحرة. وهناك خاصية عجيبة يمتاز بها حمض الروزمرينيك، وهي منعه تكون بعض المركبات المسببة للآلام مثل اللوكوتريين. وينشط الخلايا التي تنتج مركبات البروسطسايكلين التي تبقي القنوات الهوائية مفتوحة للتنفس العميق الجيد. ويساعد استنشاق زيت النعناع على الحد من أعراض الأنف المرتبطة بحساسية البرودة cold allergy. وحمض الروزمرينيك يوجد في كثير من النباتات العطرية ولا يقتصر على النعناع الفلفلي، ولا يوجد بكمية كبيرة في النعناع العادي. ونفضل أن يتناول الناس كوبا كبيرا من مشروب النعناع الفلفلي قبل النوم، لأنه يساعد على النوم، أو بعد الأكل، وربما في أوقات بين الوجبات، لتسكين آلام الأمعاء، خصوصا بالنسبة للمصابين بتقرحات القولون مثل مرض كروهن والقولون العصبي، وطبعا يدخل هذا الشراب ضمن التغذية وليس ضمن العلاج. ويحتوي النعناع على بعض المكونات الغذائية، منها المنغنيز وفايتمن C وفايتمن A، وهي الفايتمينات التي تمنع ظهور سرطان القولون، نظرا إلى خاصيتهما المضادة للأكسدة. ويحتوي كذلك على مركبات أخرى منها المغنيزيوم والحديد والكلسيوم وحمض الفولك والألياف الخشبية، وكذلك حمض الأميكا3 وفايتمين B2 والبوتسيوم والنحاس. لكن هذه النباتات لا تستهلك، كما أشرنا إلى ذلك في عدة مناسبات، كمواد غذائية، وإنما من أجل مركبات أخرى أهم من الأملاح والفايتمينات، وهي مضادات الأكسدة التي أصبحت منعدمة في النظام الغذائي الحديث.