يعتبر الينسون أو بذور البسباس، ونسميها «النافع» في المغرب، من الحبوب الغذائية الطبية التي تدخل في الاستعمال اليومي. ولم يكن الناس يسألون عن استعمال هذه الحبوب من ذي قبل، لأنها كانت معروفة لدى الجميع، وكان يتم استهلاكها في الأكل، إذ كانت توضع في عجين الخبز إلى جانب بعض الحبوب الأخرى مثل الشمرة أو حبة حلاوة. واستهلاك هذه الحبوب في التغذية هو أحسن طريقة للاستفادة منها على أتم وجه. فالأعراض المتعلقة بالهرمونات لم تكن معروفة من ذي قبل، كما لم تكن الأعراض المتعلقة بالجهاز الهضمي والجهاز التنفسي معروفة بالمستوى الذي أصبحت عليه الآن. ولذلك فإن توجيهنا للناس هو الرجوع إلى استهلاك هذه المكونات الغذائية في الأكل، وإضافتها إلى عجين الخبز تبقى الطريقة الصحيحة، التي تجعل استهلاكها سهلا ويوميا. وبوضع السؤال هل تستهلك دائما وما هي الكمية المستهلكة منها، فالقليل منها ينفع وتستهلك كل يوم بدون تحفظ، إلا بالنسبة للمرأة الحامل، التي يجب عليها فقط ألا تكثر منها. وتتشابه حبوب الينسون مع كل من الجزر والشمر والكمون والكروية، وهي الحبوب التي لها نفس المذاق والرائحة، لكن الينسون يمتاز برائحته القوية، ولذلك اهتمت الصناعة بنكهته لتضيفها إلى بعض المشروبات الكحولية والحلويات. ونبات الينسون نبات متوسطي، لكنه يوجد في رقعة واسعة من اليابسة. ونأسف كثيرا لعدم وجود قاموس عربي موحد لأسماء النباتات، التي تدخل في الاستعمالات اليومية، والتي كانت ولا تزال موجودة في كل البلدان العربية، من مصر إلى البوغاز. فاسم الينسون هو الاسم العربي الذي اشتق منه اليونانيون اسمanison ، ثم اشتق الاسم اللاتيني anisun من الاسم اليوناني. وقد كان استعمال الينسون كمسهل للهضم معروفا إلى درجة أن الأوروبيين كانوا يتناولونه بعد الوجبات الدسمة. ويستهلك الينسون مع كل الوجبات ومع كل الأغذية، بالقدر الذي يعرفه الناس، فهو لا يستهلك بكثرة، ويضاف إلى الحساء والكسكس والقطاني والمرق والشوربة ويستعمل في عجين الخبز، ويضاف إلى أي شراب لأن له رائحة زكية، ويعطي للأكل مذاقا طيبا، حيث يغطي على الروائح الأخرى التي تكون في بعض الخضر مثلا. والينسون ليس نباتا غريبا على الإنسان، وإنما كان معروفا جدا باستعمالاته اليومية، وقاد هذا الاستعمال إلى استغلاله كطريقة لجمع المال، فقد أصدر الملك إدوارد الأول ضريبة خاصة على كل التجار الذين يأتون به إلى مدينة لندن، وقد كان هذا النبات مصنفا ضمن المسكرات، وهذه الضريبة المفروضة على الينسون كانت مخصصة لترميم وإعادة بناء جسر لندن. ونجد في بعض الكتابات القديمة قدرة الينسون على الحفظ من الكوابيس الليلية، حيث كان الإنسان القديم يضعه تحت الوسادة ليحفظه من الجن. ولو أن هذه الكتابات قد تظهر سخيفة، لكنها تبين أهمية هذا النبات وكثرة استهلاكه، وربما كثرة منافعه إلى درجة أنه دخل عالم الغيب. ورائحة الينسون أو البسباس تعجب الحيوانات كذلك، إذ كان يضاف إلى أكل الكلاب والقطط لجعلهم يحبون الطعام. ونلاحظ من خلال هذا الطرح أن الناس كانت لديهم ثقافة غذائية شاسعة، وكانوا يتوسعون في تنويع الأكل، كما كانت الوجبات الطبيعية التي يطبعها التحضير في المنازل هي السائدة في كل العالم. أما ما يتغذى عليه الناس حاليا، فلا يكاد يشمل إلا ربع أو أكثر بقليل ما يوجد في الكون من أغذية، حيث أصبحت تغذية الإنسان خالية من العوامل الضرورية للجسم، ومنها بعض الحبوب مثل الينسون والشمرة والكروية والحب رشاد والحلبة وحبوب الكزبرة والحبة السوداء. وقد كان الينسون يسمى عند زنوج أمريكا بطارد البرد أو مخرج البرد، وهي الخاصية التي عرف بها البسباس على مدى العصور، وهي ترطيب الحلق والجهاز التنفسي وتسريح الحلق. ويعرف كذلك بكونه مضادّا للتقلّصات antispasmodic، ويحتوي على الكولين الذي يعمل على وقاية الكبد، وهذا الأخير الذي يأتي من التغذية، ويكون على شكل فوسفاتديل كولين أو ما نسميه في علم التغذية بالليسيتين Lecithin الموجود في البيض البلدي، حيث يحتوي أصفر البيض البلدي على 70 بالمائة من الليسيتين، وهو مركب ينفع في كل التفاعلات المتعلقة بالكبد، وبالجهاز العصبي، ويعمل على نمو الأطفال وعلى تقوية الذاكرة. يحتوي الينسون على زيوت طيارة بنسبة 1 إلى 4 بالمائة، وهي زيوت تحتوي على مركب الأنيثول بنسبة 70 إلى 90 بالمائة مع الأستراكول، وحمض الأنيزيك والكاريوفيلين واللينالول، وهي مركبات تعتبر ثانوية بالمقارنة مع الأنيثول. كما يحتوي على الكومرينات والفلافونويدات ومركبات الفينيل بروبانويد، وبعض المركبات الأخرى ومنها الدهون والأحماض الدهنية والستايرول بكمية ضئيلة جدا. ولو أن جل الأبحاث تركزت حول الزيوت الطيارة لهذا النبات، فالمكونات غير الطيارة تعتبر بنفس الأهمية أو أكثر، فالألياف الغذائية الموجودة في الينسون من النوع الغذائي الجيد، وكذلك المركبات المضادة للأكسدة والهرمونات والألكويدات، لذلك يعتبر استعمال الحبوب أهم من استعمال الزيوت. وككل الحبوب الغذائية التي تكلمنا عنها، فالينسون يحتوي على ألياف غذائية تقي القولون من التقرحات وتخفض من الكوليستيرول، كما تساعد هذه الألياف على نمو البكتيريا النافعة أو البكتيريا الصديقة في القولون. وهو الحادث الذي يفسر طرد الغازات من الأمعاء، ومنع التخمرات غير المرغوب فيها في القولون. ويعتبر الينسون مدرا للبول وكذلك محفزا للعرق، لذلك يجب استعماله في حالة إزالة سموم الجسم المتراكمة، ويستعمل الينسون إلى جانب نباتات وأغذية تسخن الجسم، ليسهل التعرق فيكون التخلص من السموم سهلا. وتساعد بذور الينسون على النوم كذلك، فهي مسكنة وتساعد على الارتخاء، واستهلاكها في المساء مع الأكل يكون بأهمية كبيرة، لكن المركبات التي تكلمنا عنها تعتبر «مسخنة» للجسم بحيث لا يحس الشخص بالبرودة، وهي كذلك مريحة للجهاز العصبي. وهذه العوامل تفيد الأطفال، لأن مركب الأنيثول من المحفزات التي «تسخن» الجسم عبر النظام الهرموني، فلا يحس الطفل بالبرودة وينام بدون اضطراب. ويساعد على ذلك بعض المركبات الأخرى مثل الكريوفيلين والفلافونويدات.