كثير من المغاربة يتساءلون: لماذا كلما ابتعدنا عن المركز اقترب بعض رجال الشرطة من قاطعي الطرق؟ مازالت الهواية المفضلة لبعض رجال الأمن هي التنكيل بالمواطنين البسطاء وابتزاز سائقي التاكسيات والحافلات بلا رحمة أو شفقة، ومازال بعض البوليس «القافزين» هم من يصنع كوابيس أصحاب الشاحنات التي تنقل البضائع، ومن يستطيع تحويل «الباراج» إلى «كمين» يصطاد به أكبر عدد من «الضحايا»، ظلما وعدوانا، دون أن يصل الخبر إلى رؤسائهم. أما على الطرق الرابطة بين المدن، فوحدها السيارات التي تحمل ترقيما يحيل على الرباط تسلم من بطش بعض من ينصبون «الباراجات»، لأنهم يخافون أن تقودهم مغامرة البحث عن «الزرقا» و«القرفية» إلى مصير أسود، مادام كبار المسؤولين يعيشون في العاصمة و»مسلمين الرباط ما معاهومش اللعب». وحتى في الرباط، يكفي أن تتجرأ على الخروج بسيارة من نوع «أونو» أو «رونو 4» كي تجد من أولئك من يتربص بك في أول «رومبوان». والشرطي الذي لا يملك «السوفل»، من رجال الشرطة المعنيين، كي يصفر على «الكاتكات» و«الميرسيديس» و«الهامر»، يحب دائما أن يجرب شجاعته مع أصحاب السيارات المتهالكة! من الواضح أن مضاعفة أجور البوليس لم تنفع في وضع حد للابتزاز الذي يتعرض له المواطنون على طرقات المملكة، رغم مرور سنوات على دخولها حيز التنفيذ، على العكس من ذلك جعلت بعضهم يرفعون التسعيرة تماشيا مع «وضعهم الاعتباري» الجديد و»ما حدّْها كتقاقي وهي تزيد فالبيض». القرارات التأديبية التي تصدرها إدارة بوشعيب الرميل في حق من يلطخون شرف البذلة الرسمية، لم تنفع إلى حد الآن في وضع حد للتجاوزات. كل يوم تطالعنا الجرائد بفضائح جديدة، بالصوت والصورة، دون أن تتوقف المهزلة. قبل أيام فقط، أحيل ضابطان من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في الدار البيضاء على التحقيق بتهمة «الابتزاز». المحترمان أغرتهما المبالغ المسجلة في ملف يتعلق بشبكة دولية لتهريب المخدرات، وقررا أن يحصلا على نصيب من الغنيمة عبر خطة محبوكة: اتصلا بأحد الأشخاص الواردة أسماؤهم في التحقيق وأوهماه بأنهما سيلقيان عليه القبض إذا لم يدفع غرامة قدرها خمسون مليونا، وما كان من الرجل إلا أن استجاب لطلب «المخزن». من سوء حظ الشرطيين أن القاضي لم يوجه أي تهمة إلى الرجل، كل ما في الأمر أنه استُدعيَ كشاهد في القضية، مما شجعه على تقديم شكوى ضد المحتاليْن، وهكذا افتضح أمرهما وأحيلا على التحقيق. لحسن حظ هذا المواطن أنه صور عملية الابتزاز، ولو لم يفعل لكان مصيره السجن بتهمة «تشويه سمعة موظفين شريفين». ولعل ما يمكن أن ننصح به المواطنين هو أن يستعملوا هواتفهم المحمولة دائما عندما يوقفهم شرطي مرور بهدف الابتزاز، ذلك ما صنعته شخصيا يوم الخميس الماضي، حين أوقفني شرطيان في «الرومبوان» المحاذي للقامرة في الرباط، بدعوى أنني «حرقت السطوب» رغم أن الإشارة كانت خضراء وليس حتى برتقالية. فهمت بسرعة أن المشكلة ليست مع إشارة المرور، بل مع سائقي ذي الملامح البسيطة ومع سيارة «لوغان» المتهالكة التي توحي بأن من يركبها هو بالتأكيد «دجاجة بكامونها». جلست في السيارة أراقب كيف «يتفاوض» الشرطيان مع السائق بكل صلافة. عاد إلى السيارة وأخبرني بأنهما خيراه بين دفع مائتي درهم أو سحب الرخصة وتسجيل مخالفة قدرها سبعمائة درهم. أخرجت هاتفي، شغلت جهاز التسجيل ونزلت عند الشرطيين. في البداية، قالا لي إنني لست معنيا بالموضوع، وعندما عرفا أنني صحافي أنكرا أنهما طلبا رشوة من السائق، وأن كل ما في الأمر أنهما حررا مخالفة عدم احترام الإشارة الضوئية، «بكل نزاهة»، قبل أن يضيف أحدهما: «كون قال لينا راك صحافي قبل ما نعمرو المحضر، كون ما قيدناش ليه»، كأن الصحافي مواطن فوق العادة. لم يكن عندي وقت أضيعه، لأنني كنت مرتبطا بموعد، أمام دهشتهما، اختصرت النقاش ودفعت الغرامة، ثم سجلت اسميهما (ع. ب) و (ه. ل) وقررت أن أفضحهما في ما بعد، لكنني في النهاية تراجعت عن الفكرة... المشكلة أعمق بكثير، لا بد من حل جذري لإعادة الهيبة والوقار إلى البذلة الرسمية، لأن ما يجري على مداخل المدن وفي «الرومبوانات» وأمام الإشارات الضوئية يضرب مصداقية جهاز الأمن برمته.