أتيح لوزيرة الثقافة المغربية ثريا جبران أول أمس أن تنصت إلى مداخلتين في ندوة مهمة ضمن برنامج المعرض الدولي للكتاب في الدارالبيضاء، مداخلة جاك لانغ، وزير الثقافة الفرنسي السابق، الذي قال في بداية مداخلته إنه جالس الوزيرة وتحدث إليها حول قضايا في التدبير الثقافي في جلسة دامت أكثر من ثلاث ساعات. ومداخلة محمد بنعيسى، وزير الثقافة الأسبق ووزير الخارجية السابق، والذي أسمته لوفيغارو ذات مرة ب«جاك لانغ المغربي»، بسبب عمله على سياسة المهرجانات الثقافية. اعتبر وزير الثقافة الفرنسي السابق جاك لانغ في الندوة التي جمعته ومحمد بنعيسى، والتي تمحورت حول إشكاليات التدبير الثقافي وعلاقة ذلك بالسياسي، ضمن فعاليات المعرض الدولي للكتاب في الدارالبيضاء، أن الأنظمة الديكتاتورية والشمولية تسعى في محاولة يائسة إلى توجيه الثقافة والفكر والحد من حرية الإبداع، وقال، في الندوة التي أدراها المفكر المغربي محمد سبيلا، إن السبيل لمجابهة أحادية الفكر هو النزول إلى الجمهور الواسع، والانتماء إلى ثقافة الكتلة العريضة. وأشار في حديثه إلى أهمية التواصل مع الأجيال الجديدة، في المدارس والجامعات وتجديد البرامج التعليمية، والنظر في الوظيفة التي تلعبها « الميديا» في عالم اليوم. وشكلت آراء جاك لانغ، الذي كان وزيرا للثقافة في عهد الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران، أرضية خصبة للنقاش، بسبب وضوح رؤيته في مجال التدبير الثقافي، والتي اعتمدها كبديل للأسلوب الذي اعتمده سلفه السابق أندري مالرو الذي اعتمد على مقاربة مختلفة، تدمج الثقافي ضمن السيرورة التربوية مركزا على الوظيفة التي يمكن أن تلعبها الثقافة في فضاء المدرسة والجامعة، غير أن لانغ جاء برؤية مطورة مفادها أن العمل الثقافي لابد أن يكون عملا قاعديا، مرتبطا بالفضاءات المفتوحة على الجمهور الواسع، وهو ما أثار الكثير من النقاشات في وسط النخبة الثقافية الفرنسية حول جدوى انفتاح المجال الثقافي على الجمهور الواسع. وأكد جاك لانغ أن على الدولة أن تمنح الفرصة للفاعلين الثقافيين لتكريس ممارسة ثقافية بعيدة عن التوجيه، وساق تجربته في الوزارة باعتبارها من التجارب المهمة في تدبير الشأن الثقافي والتي تنطوي على خصوصية فرنسية في التعامل مع المسألة الثقافية، دون أن يعني ذلك أن تبقى الدولة بعيدة عن توجيه الحقل الثقافي أو الإسهام فيه. واعتبر لانغ أن العمل الثقافي والسياسة الثقافية هما حقلان متوازيا لا ينبغي الخلط بينهما، وأن السياسة الثقافية في العمق تنطوي على نوع من التوجيه والتدبير الممنهج للقيم الثقافية، لكن مجال تدخل الدولة يبقى على وجه العموم مختلفا من بلد إلى آخر، وبحسب الوضع الذي يعيشه كل مجتمع على حدة. من جهة أخرى ركز محمد بنعيسى، الذي شغل منصب وزير الثقافة ومنصب وزير الخارجية، ويدير مهرجان أصيلة الثقافي، على الخصوصية التي يكتسيها العمل الثقافي في المغرب، وقال إنه يشاطر الأفكار التي ذهب إليها لانغ من حيث إشراف محدود للدولة على الحقل الثقافي، معتبرا التنمية الثقافية كلا لا يمكن تجزيئه، وبالتالي فكلما اتسع مجال التنمية كلما أفسحت الدولة المجال لشركائها، من أجل حضور أكبر في المشهد الاجتماعي والسياسي و الثقافي، مركزا على تجربته في وزارة الثقافة خلال الفترة التي أدار فيها شؤون الثقافة في المغرب، حيث نعته البعض آنذاك ب»جاك لانغ المغربي» في إشارة إلى اقتفائه لآثار جاك لانغ واستلهامه للتجربة الفرنسية في مجال تدبير المجال الثقافي بكل مكوناته، عن طريق المهرجانات واللقاءات المفتوحة مع الجمهور الواسع والتوجه إلى الشرائح العريضة، في خيار ينتشل الثقافة من هامشها النخبوي ويدمجها ضمن السيرورة الاجتماعية العامة. واعتبر بنعيسى أن مجال تدخل الدولة عبر «المشاريع الثقافية» يجب أن يكون مؤقتا، وأن لا يشكل القاعدة في العمل الثقافي الرسمي، منبها إلى أهمية أن تمنح الدولة الفرصة، في شخص وزارتها الوصية على الحقل الثقافي، لفاعلين وشركاء مختلفين، يعملون باستقلال، بعيدا عن الإملاءات التي يمكن أن تعيق التنمية الثقافية وتفرغها من محتواها، وتجعلها مجرد واجهة لا غير وديكور في المشهد العام. ولم يتسن لوزير الثقافة المصري فاروق حسني الحضور إلى المعرض، حيث كان من المقرر أن يقدم خلاصات عمله في وزارة الثقافة المصرية وطبيعة تدبيره للشأن الثقافي المصري خلال عشرين سنة من وجوده على رأس وزارة الثقافة المصرية.