ينطلق يومه الخميس المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، في دورته الخامسة عشرة، العرس الثقافي الذي ينتظره الكثيرون طيلة العام، في بلد أكثر من نصفه لا يقرأ، ويجد صعوبة في اقتناء الكتاب الثقافي، بينما تفضل الشريحة القارئة الحفاظ على التوازن ما بين كسرة الخبز ونسخة الكتاب، بسبب انسحاب الدولة من دعم الكتاب جملة، وغياب المشروعات الثقافية. وربما كانت الصدفة وحدها وراء تزامن هذا العرس الثقافي، عرضا، مع الأزمة التي يجتازها اتحاد كتاب المغرب، هذا النادي الأدبي والثقافي الذي أنشئ في فترة الستينيات حيث كان طموح المثقفين المجايلين لتطلعات جيل ما بعد الاستقلال السياسي يسعون إلى توحيد بلدان المغرب العربي ثقافيا، وترك مهمة التوحيد السياسي للسياسيين ورجال الدولة. عنوان الأزمة داخل الاتحاد الدعوة التي وجهها رئيسه عبد الحميد عقار إلى عقد مؤتمر استثنائي، بسبب استشراء الخلافات داخله، مما «حال دون الحضور الثقافي المأمول والمرغوب فيه للاتحاد بالمشهد الثقافي»، حسب منطوق بيان عقار، وكأن الاتحاد كان بالفعل حاضرا في المشهد الثقافي، حتى يمنح البعض لنفسه مشروعية التساؤل عن الغياب. ومنذ فترة طويلة آثر الاتحاد، الذي كان يدعى في البداية اتحاد المغرب العربي للكتاب، مغادرة المشهد والانطواء على نفسه. فالكثيرون ممن حظوا بالتزكية للعضوية داخل هذا النادي لا علاقة لهم بالثقافة والأدب، لأن عضوية الاتحاد تحولت في مرحلة معينة إلى ورقة يانصيب أو «تيكيت» تخول لصاحبها حظوة الاعتراف به أدبيا، حتى وإن كان عديم الموهبة أصلا. فالاتحاد عجز عن تنشيط الحياة الثقافية منذ مدة، وتحول إلى شرنقة مغلقة تدور حول نفسها، مما دفع الكثير من الأدباء والمثقفين إلى أن يخبطوا الباب ويغادروا سالمين، سواء بسبب مواقف معينة أو حسابات، كما حصل مع أولئك الذين خرجوا قبل سنوات ليؤسسوا رابطة جديدة للأدباء المغاربة، بينما فضل الآخرون الابتعاد تلقائيا، بعدما تحقق نوع من الهامش الثقافي الذي لم يعد فيه الحصول على تزكية الاتحاد ضروريا، بل أصبح الإبداع الصادر من خارج مظلة الاتحاد أكثر جرأة وجدة، وأصبح كل ما يخرج من الاتحاد ينعت بالجمود. غير أن الاتحاد يبدو وكأنه تحول إلى ساحة لتصفية الحسابات الصغيرة، ويقول مصدر من داخله ل«المساء» إن تحوله إلى جمعية ذات نفع عام أصبح وبالا عليه، بدل أن يعمل على تزييت عجلته، إذ أصبح التهافت على الامتيازات والسفريات والمنافع المادية هو الطاغي. والأكثر من ذلك، يتابع نفس المصدر، أن الاتحاد تحول إلى داعم «لثقافة القطيع»، وبدأ ينصب نفسه محكمة تفتيش ضد الكتاب والمبدعين الذين لا يشاطرون المجموعة المسيرة مواقفها. وهذا ما حدث للكاتب عمر أوكان، الذي سجل بالتفاصيل والمعطيات الأزمة داخل الاتحاد في كتاب مثير حمل عنوان «الفضيحة»، تمت جرجرته بموجبه أمام محكمة مراكش، ليحكم عليه بغرامة مالية تقدر بحوالي 22 مليون سنتيم، لأنه طعن في عضوية شخص حاصل على بطاقة الاتحاد دون أن تكون له أعمال أدبية تخوله العضوية، ضدا على القانون الأساسي للاتحاد، كما أن هذا الأخير أصدر قرارا بتوقيف عضوية أوكان ومنعه من المشاركة في المؤتمر السابع عشر، ليؤكد بذلك أن مبدأ الانصياع يعلو على مبدأ النقد والمناقشة، طالما أن الاتحاد ناد للثقافة والفكر لا مؤسسة لإعادة التأهيل. أوكان قال ل«المساء» إنه ينوي التقدم بطلب للجوء الثقافي في النرويج. ربما أخطأ الاتحاد هذه المرة واعتقد أنه حزب شيوعي وأن أوكان هو سولجينيستين، الذي طرده حزب ستالين من الاتحاد السوفياتي، فلأول مرة نسمع شيئا اسمه اللجوء الثقافي، وهي سابقة ستبقى مسطورة في جبين الاتحاد.