في منتصف يناير الماضي لفت انتباه عاملين بإحدى الضيعات الواقعة في الطريق الرابطة بين مدينتي الدارالبيضاءوبرشيد، خلال قيامهما بعملها، وجود جثة متفحمة داخل أعشاب كثيفة بنفس الضيعة، فسارعا إلى إشعار مصالح الشرطة القضائية بمفوضية مدينة برشيد، التي انتقلت على الفور إلى الضيعة المذكورة للتحقق من الأمر واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة. عند وصولها إلى المكان، عاينت فرقة التحقيق جثة شخص ذكر متفحمة داخل أعشاب خضراء وحول عنقها طوق من بقايا أسلاك خاصة بعجلة مطاطية محترقة، وغير بعيد عن الجثة كانت هناك لفافات من القنب الهندي. وبعد مسح مكان الجريمة من طرف الشرطة التقنية، ورفع بصمات الضحية تم تحديد هوية الهالك الذي تبين بعد تنقيطه أنه شاب يتحدر من منطقة دار بوعزة. باشر المحققون أبحاثهم وتحرياتهم لفك لغز الجريمة، واستهلوا تحقيقاتهم بالاستماع إلى زوجة الهالك ووالدته وشقيقه، فأكدوا أن الضحية كان يعيش باستمرار خارج أسوار البيت، في شبه غياب دائم عن أسرته الصغيرة التي غالبا ما لا يفي بالتزاماته تجاهها، وفسر الثلاثة هذا الغياب بسبب ترويجه للقنب الهندي بالدواوير المحيطة بحد السوالموبرشيد على متن دراجته النارية. بناء على هذه المعلومات ركز المحققون بحثهم على الهاتف الخاص بالضحية ومستعملي دراجته النارية، وبعد البحث والتحري تم توقيف أحد الأشخاص الذي كان يستغل الدراجة النارية الخاصة بالهالك، والذي سبق أن أوقفته عناصر الشرطة بمدينة برشيد خلال إحدى الحملات التمشيطية لعدم توفره على الوثائق وذلك أياما قبل العثور على الجثة، فتم إخلاء سبيله قصد إحضار الوثائق إلا أنه توارى عن الأنظار. حقيقة صادمة تم إخضاع الشاب المشتبه فيه لمجريات البحث التمهيدي، الذي أفاد خلاله المحققين بأنه كان يعيش في أسرة متكونة من أحد عشر فردا، وكان يساعد والده في العمل في الميدان الفلاحي إلى أن اشتد عوده، وخلال تلك الفترة اكتشف أنه متبنى من طرف الأسرة التي لم تخبره بالحقيقة وتكشف له عن والديه الأصليين. البحث عن الحقيقة ظل يراود الفتى الذي بدأت المشاكل تكبر بينه وبين والده بالتبني، وأصبح يعمل في الضيعات الفلاحية ومنها الضيعة مسرح الأحداث بعدما أصيب الوالد (والده بالتبني) بالعمى. تحرش وانتقام خلال عمله بالضيعة الفلاحية المذكورة تعرف على الضحية الذي كان يتاجر في القنب الهندي، وربط معه علاقة صداقة، وبدأ يلتقيه في بيت مهجور غير بعيد عن الضيعة مكان عمله، وهناك كانا يحتسيان مسكر ماء الحياة في جلسات خمرية، اكتشف المعني بالأمر في إحداها أن الضحية استغل ثمالته ومارس عليه الجنس، حقيقة لم يفصح عنها المشتبه فيه ولم يناقش حيثياتها مع الضحية، ورغم ذلك توالت الجلسات واللقاءات بين الطرفين إلى حدود يوم وقوع الحادث، حينما ربط المشتبه فيه الاتصال بالضحية الذي جلب معه كمية من الخمر واختار الصديقان مكانا مجاورا للضيعة وجلسا يعاقران الخمر، وبعد حين انتقلا إلى مكان خلاء وهما ثملان، حينئذ بدأ الضحية بالتحرش جنسيا بالمشتبه فيه وحاول إغراءه بالمال بعدما واجهه الأول بالرفض، استشاط المشتبه فيه غضبا جراء هذا التصرف وثارت ثائرته، وفجأة باغت الضحية وضربه بحجر في رأسه ثم عاوده بأخرى فسقط الضحية دون حراك، وبعدما علم أن الضحية فارق الحياة استولى من جيوبه على مبلغ مالي وهاتف نقال، ثم قرر التخلص من الجثة وقام بجرها إلى مكان به عشب كثيف ووضع فوقها تبنا وعجلة مطاطية وأضرم فيها النار، ثم غادر المكان بعد أن استولى أيضا على الدراجة النارية الخاصة بالضحية. ربع قرن خلف أسوار السجن أحالت عناصر الشرطة القضائية بمفوضية أمن برشيد المتهم على أنظار الوكيل العام للملك لدى استئنافية مدينة سطات للنظر في القضية، وبعد إجراء تحقيق في القضية من طرف قاضي التحقيق تقرر متابعة المتهم من أجل تهم القتل العمد الذي أعقبته جناية السرقة الموصوفة والتمثيل بجثة عن طريق أعمال وحشية والسكر العلني، وتمت إحالته على غرفة الجنايات الابتدائية التي قضت بعد مناقشة القضية ظروفها وملابساتها بالحكم على المتهم بخمس وعشرين سنة سجنا نافذا.