زوال الأربعاء 10 يوليوز، أول أيام رمضان. الشمس في كبد السماء و»الإخوان» في قلب «الميدان»، محاطين بكبرى البنايات العسكرية التي تمتد على جانبي الشارع المؤدي إلى مسجد رابعة العدوية، بدءا من المنصة التي اغتيل فيها الرئيس أنور السادات سنة 1981 على يد جندي إسلامي، مرورا بمقر المخابرات العسكرية، التي كان يرأسها عبد الفتاح السيسي قبل أن يعينه الرئيس مرسي قائدا عاما للقوات المسلحة المصرية، فيعزل، هو، الرئيس بعد ذلك، وصولا إلى دار الحرس الجمهوري التي كانت شاهدة فجر الاثنين الماضي على سقوط أزيد من مائة من أنصار الرئيس المخلوع. كان الداعية الإسلامي الشهير، صفوت حجازي، هو أول من التقته «المساء» داخل ميدان رابعة العدوية، محشورا في سروال جينز وقميص متهدل، زاهدا في أناقته المعتادة. في ميدان رابعة العدوية استعاد الدكتور صفوت دوره كأمين عام لمجلس أمناء الثورة الذي تشكل عقب ثورة 25 يناير 2011 في ميدان التحرير. توجه إلى شاب فارع الطول، وهو يشير بأصبعه إلى كومة أزبال: « إيه يا حاج إبراهيم.. أنا معرفش حد مسؤول عن النظافة إلا انت». امتثل الحاج إبراهيم: «أيوا ياريّس.. حاضر يا فندم». داخل المركز الإعلامي(خيمة جنب المنصة) فسّر الدكتور صفوت ل«المساء» دور بعض دول الخليج في دعم «الانقلاب على الشرعية» بكون هذه الدول «تخشى أن تكون الثورة المصرية ملهمة لشباب بلدانها»، وأن «ملفات فساد كبيرة كانت بينها وبين النظام المصري الأسبق، ففتح تلك الملفات يقود إلى توريط أشخاص نافذين في أنظمة الخليج». كما أن التقارب المصري الإيراني، يضيف الدكتور صفوت، «أخاف الأنظمة الخليجية». من له مصلحة داخل مصر لعزل الدكتور محمد مرسي من سدة الحكم؟ «كل من يعادي الثورة المصرية، وكل من خسر بسببها، وكل من يطمع في سلطة، وكل من يعادي المشروع الإسلامي، وكل صاحب أجندة خارجية.. هؤلاء كلهم ضالعون في الانقلاب». يجيب صفوت حجازي، قبل أن يضيف: «هل تعرف أن أكثر من 60 في المائة ممن كانوا يسيرون في الشوارع من المسيحيين الذين أخرجتهم الكنيسة المصرية الأورثوذوكسية التي أوقفت قداسات يوم الأحد 30 يونيو». لماذا؟ نسأل الداعية الإسلامي فيجيب: «لأن الكنيسة بالتأكيد لا تريد نظاما إسلاميا في مصر». عملية الإعداد لأول فطور في رمضان جارية على قدم وساق. أوقفنا المهندس ياسر الصديق حسين، أحد المشرفين على الإعداد اللوجيستيكي للمخيم. قال الشاب الثلاثيني: «إننا نستعد لاستقبال أول يوم رمضان في ميدان رابعة العدوية بمعنويات عالية جدا، وبإمكانكم أن تروا الميدان يفرش بالحصائر والأغطية، فنحن في رباط وجهاد في سبيل الله، ولن يكون الرباط أفضل إلا وأنت صائم تحيط بك الملائكة». توغلنا أكثر، أنا ومرافقي الخدوم، أسامة أبو عجّوز، داخل الميدان. في إحدى الخيام وجدنا أمامنا خالد بدوي، الأمين العام للمجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين (منصب وزير). كان بدوي ممددا وسط المعتصمين وهو يتحدث عن الجهات الخارجية المتورطة في «انقلاب» 30 يونيو: «مصر تلقت من الأمس إلى اليوم 12 مليار دولار تبرعات محضة من بعض الدول العربية دعما للانقلاب ورجالاته، والصحف الإسرائيلية نشرت صورا للسيسي وقدمته كبطل وكرجل المرحلة». ولم يوقف بدوي دور الجيش المصري عند «تقتيل» المعتصمين المساندين للرئيس مرسي فقط، بل قال إن «أعدادا غفيرة من جنود الأمن المركزي وجنود الجيش كانوا يرتدون ملابس مدنية ويقفون صفوفا في هذه المظاهرات، سواء يوم 30 يونيو أو في مظاهرات الأحد الماضي». قدمنا بدوي إلى أحد أبرز شباب ثورة 25 يناير التي أطاحت بحسني مبارك، وهو المهندس المدني حسام الدين عبد الكريم، الذي فقد عينه اليسرى في ميدان التحرير. سألنا المهندس الثلاثيني عن شعوره وهو يرى عددا من أصدقائه، الذين وقفوا أياما إلى جانبه ضد حسني مبارك، يخرجون قبل أيام للمطالبة بعزل الرئيس مرسي، فابتسم وقال إن أغلب من ثار ضد حسني مبارك هم ممن قضوا سنين طويلة يواجهون حكمه وعانوا التعذيب داخل سجونه. «هؤلاء كانوا هم النتاج الحقيقي للثورة، وإلى جانبهم كان هناك بعض الشباب الذين انبهروا بالثورة التونسية كما انبهرنا بها جميعا، دون أن يكون لهم سابق عهد بالنضال طويل النفس وما يترتب عنه من معاناة، بل إن ما أخرج أولئك الشباب هو ما استشعروه من الظلم الذي استشعره كل المصريين». لذلك، يطلق المهندس حسام الدين على هؤلاء الشباب «ثوار الشهر الأخير»، مضيفا: «هؤلاء كان من السهل أن يتنازلوا عن مبادئهم دون التفريق بين الحكم العسكري الذي ثارت ضده أجيال منذ أيام عبد الناصر، وبين نظام شرعي». حسام الدين عبد الكريم، الذي خبر الرئيس المعزول قبل سبع سنوات من الآن، علق على المعطيات التي تسربت عن الحوار الذي دار بين الرئيس مرسي والقادة العسكريين في معتقله، قائلا: «هذه الأخبار جاءت مطابقة تماما لشخصية الدكتور مرسي العنيدة في الحق، فقد كنت حاضرا إلى جانبه خلال مظاهرة القضاة في 2006 ولاحظت كيف كان يضرب من طرف حوالي 12 من ضباط وعساكر الأمن المركزي وأمن الدولة، فيما هو يبتسم». ويضيف حسام الدين: «لازلت مستغربا حتى الآن كيف كان هذا الرجل يقابل الاعتداء عليه بابتسامة. هذا هو الدكتور مرسي لا يخاف، ومن سوء السيسي وأصحابه أنهم وقعوا في شخصية الرئيس مرسي الصلبة». إلى متى يمكن لمخيم/ معتصم رابعة العدوية أن يستمر؟ سؤال طرحته أكثر من وسيلة إعلام وحاول الإجابة عنه العديد من المحللين. المهندس المدني حسام الدين عبد الكريم له جواب آخر: «أغلب الإخوة في هذا المخيم كتبوا وصيتهم وسددوا الديون التي في ذمتهم استعدادا لكل احتمال.. وكلما زرت المخيم ليلا وجدت الإخوة جاهزين للقاء معركة شديدة». في الجهة المقابلة لمقر الاستخبارات العسكرية صادفت «المساء» مجموعة من الشباب بلحى مسبلة كلحى السلفيين، داخل «قيسارية»، أكبرهم في الثلاثين من عمره، دكتور صيدلي. أوضحوا أن لا علاقة لهم بتنظيم الإخوان المسلمين ولا بحزب الحرية والعدالة، مؤكدين أن وجودهم في الميدان هو من أجل «الشرعية» و»الشريعة». سألتهم «المساء» عما إذا لم يكونوا يتسببون في إزعاج أصحاب المحلات التجارية، فأجاب أحدهم، وهو شاب عشريني: «أصحاب المحلات فرحون بنا فهم يبيعون في يوم ما كانوا يبيعونه في شهر». وأضاف ثان: «هناك صاحب محل مسيحي فوجئ كثيرا كيف أن بعض الإخوة كانوا، في ظل الزحام والاكتظاظ على المحل، يأكلون أو يشربون شيئا، ثم يصطفون مع المصطفين لتأدية ثمنه». أذن المؤذن لصلاة المغرب، فعم الصمت إلا من صوت الإمام. كان المنظمون قد وضعوا أمام الصفوف، التي انتشرت على مدى كيلومترات، علب التمر والعصير وقنينات الماء. وبعد انتهاء الصلاة تمت تغطية المخيم بسرعة مدهشة بعلب مغلقة من الأرز واللحم. كان المعتصمون «يعزمون» بعضهم بعضا في إيثار منقطع النظير، ونكران ذاتي مثالي. وللحظة اشتعلت الأبواق: على صوت مهلل يقول: «أيها الإخوان لقد تم توزيع ثلاثة ملايين ومائتي وجبة فطور».
تحالف لدعم «الشرعية» بعد الفطور التحق مبعوث «المساء» بقاعة الاجتماعات التابعة لمسجد رابعة العدوية، حيث اجتمع في ركن محصور بألواح، القيادي الإخواني محمد البلتاجي بقياديين من الجماعة الإسلامية، وذراعها السياسي، حزب البناء والتنمية، يتقدمهم صفوت عبد الغني، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب البناء والتنمية، وكذا برئيس حزب الفضيلة السلفي، محمود فتحي. وعندما همّ صحافي «المساء» بالتقاط صورة للمجتمعين، احتج بعضهم بقوة على ذلك، قبل أن يبرر الحارس الشخصي للقيادي الإخواني محمد البلتاجي، المبحوث عنه بتهم القتل والتحريض عليه وإهانة رئيس الجمهورية المؤقت، بأن التقاط صورة للقيادات الإسلامية قد تكون له آثار سلبية على أمن «الإخوان المجتمعين». بعد ذلك بقليل ستعرف «المساء» أن الاجتماع كان يخص «التحالف الوطني لدعم الشرعية»، الذي يضم، إلى جانب الإخوان المسلمين وذراعه السياسي حزب الحرية والعدالة، حزبي البناء والتنمية، والفضيلة السلفيين، وعدد من النقابات والأحزاب والشخصيات الرافضة ل«الانقلاب على الشرعية». تكرر الاجتماع أول أمس الخميس، قبل الإفطار هذه المرة، فصدر عنه بيان/ نداء يدعو «جموع المصريين للزحف يوم الجمعة للقاهرة للمشاركة في مليونية استرداد الثورة والكرامة». كما أضاف البيان بأن «معركة استعادة الثورة السلمية لن تتوقف أبدا رغم ما حدث أمام الحرس الجمهوري، وأن حملة الاتهامات والاعتقالات لن تثني المعتصمين أبدا عن تقديم أرواحهم رخيصة من أجل استرداد الكرامة». وتحت شعار «حتى لا ننسى مجزرة الحرس الجمهوري»، قام المعتصمون، أول أمس الخميس، بعرض ملابس وأحذية «شهداء المجزرة» ووضعوا لافتة كبيرة بأسماء المعتقلين على ذمة الأحداث التي تلت عزل الرئيس محمد مرسي.