سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
خناتة بنونة : أنا نخلة مغربية طالعة من تراب هذه الأرض لا أستظل بظل أوروبا ولا أمريكا قالت إنها تصدقت بجائزة القدس وتناصر «حماس» وستظل داعمة لكل القضايا الإسلامية والإنسانية
- ماذا يعني لك حصولك على «جائزة القدس»؟ لو لم تكن الجائزة من القدس لاعترضت على قبولها، لأني أعتبر مساري الذي يمتد على مدى أكثر من أربعين سنة أكبر من كل جائزة، لكني أعتبر أن «جائزة القدس» توجت هذا المسار الإبداعي النضالي والإنساني. وهو، في عمقه، عمري الزمني والإبداعي. من هنا أحيي وأشكر كل من ساهم من قريب أو بعيد، على طول الساحة الثقافية العربية، في اختيار هذا الاسم، الذي هو جزء منها وإليها، وسيظل مخلصا لها ولقضايا هذا الوطن، ولقضايا الفكر العربي والإنساني. - ألا ترين أنهم تأخروا في منحك هذه الجائزة؟ على أي حال، أقول ما قلته عدة مرات، فحينما وضع وسام صاحب الجلالة، الملك الشاب الذي أحبه حب الأم لابنها الاستثنائي، قلت: هل تذكرني الآن مع أنني ابتدأت لا أعرف طفولة ولا مراهقة ولا شبابا ولا كهولة فكأنني خلقت من أجل هذا المسار. قلت ذلك فتدخل الدكتور أحمد التوفيق، وزير الشؤون الإسلامية، وقال لي: كل شيء لا يهمك، وأنت ظللت وفية مخلصة في مسارك الثقافي والإبداعي، والكل يشهد لك بذلك، وهاهو الوسام قد حضر الآن، فأرجوك ألا تنفعلي كثيرا. وقد قلت نفس الشيء أيضا عند طبع الأعمال الكاملة. احتججت وقلت: لم يكن هناك من يسبقني في طبع الأعمال الكاملة إلا الأستاذ الجليل سيدي عبد الكريم غلاب. أما غيره فلا يمكن. على أي حال، هذه الجائزة ليست ككل الجوائز. لهذا أضعها على رأسي امتنانا واعترافا، وأقدمها هدية لصاحب الجلالة محمد السادس وللشعب المغربي ولكل الأقلام العربية والإسلامية والإنسانية المخلصة والنظيفة ذات المواقف. - وكم هو القدر المالي لهذه الجائزة؟ القدر المالي قيل لي عنه في الهاتف. إنه مهم جدا لكني نسيته. وهنا أشير إلى أنه لم يسبق لي أن أخذت أي درهم عن أي عمل من أعمالي كلها ابتداء من مجلة «شروق» إلى الكتاب الأخير «الذاكرة المسترجعة». وهكذا أرى وكأن هذا القدر المالي يعوضني عما فات في مسار الأدب الذي كنت فيه مترهبة بشكل كبير. ومع ذلك فقد أهديت هذا القدر المالي المهم إلى «بيت مال القدس». - هذا يعني أنك لم تأخذي شيئا منها؟ لا شيء. لقد قدمته هدية لوجه الله والوالدين إلى القدس. فمال القدس يرجع إلى القدس. وأذكر هنا أني أساهم في النضال منذ أن أهديت روايتي «النار والاختيار»، التي بيعت في المزاد في العالم، وقد كان قد أرسل لي المرحوم ياسر عرفات، الشاعر المناضل خالد أبو خالد، وأحمد دحبور، حيث أوصلهما إلي المرحوم الشاعر الفحل أحمد المجاطي رحمة الله عليه، وعلق لي خالد أبو خالد وسام منظمة التحرير الفلسطينية، وقال لي إن ياسر عرفات يحييك ويشكرك ويقول عنك للمنظمة إن كلمة خناتة بنونة أمر بالنسبة للمنظمة، وأن الكتاب وصل في المزاد في العالم إلى أستراليا، وكانت قد بيعت النسخة آنذاك بمليون فرنك، ويشهد الله أني لم آخذ منه ولو درهما واحدا. وأنا لا زلت إلى الآن مناضلة بالمال وبالقلم لنصرة القضايا العربية الإسلامية والإنسانية بكل ما أملك. ولا داعي لسرد ذلك، فقد أوصيت ألا يذكر ذلك إلا بعد موتي. - أعرف أنك تتصدقين على جهات مختلفة. هل من الممكن ذكر بعضها؟ إني أقوم بهذا العمل من البوسنة إلى الشيشان إلى أفغانستان إلى اللاجئين الصوماليين. - ألا تزالين تقومين بذلك إلى الآن؟ لازلت أقوم بذلك إلى الآن. أقوم ببيع كل ما أملك من مجوهرات ومال وإرث وغير ذلك لنصرة القضايا الإنسانية في مشارق الأرض ومغاربها. - هل هذا ينبع من إيمانك بالقضايا وبدور الكاتب في الحياة قولا وفعلا؟ أنا أومن بأن الفكر يجب أن يسير هو والعمل في تكامل. أنا لا أتبنى القضايا المصيرية لغة وكتابة فقط، بل بالفعل أيضا، ولعل هذا نابع بالأساس من أسرة ساهمت في تكوين الحركة الوطنية في المغرب. ولعله ناشئ عن أنني فتحت عيني وأنا طفلة، فقيل لي إن كل الأسرة كانت معتقلة حتى الأطفال، وأن خالي سي العربي الإدريسي، الذي كان، كما يسمى من طرف سيدي علال الفاسي، بمثابة الجنرال للجناح العسكري للحركة الوطنية، كان محكوما بالإعدام وأخذت كل ممتلكاته. في أحداث 1944 بفاس عند تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال «سرق» هو وأخوه والمجموعة التي معه 52 شهيدا ودفنوهم سرا قريبا من بيته.فعات المستعمر في بيته وأخذت وثائق أملاك أجداده. وبقي يتجول في مدينة فاس مدة شهر. لكنه حينما علم بأن المستعمر سيأخذ النساء ذهب إلى الحمام واغتسل وتكفن وذهب إلى الحاكم العسكري بفاس، وقال له بالحرف كما كان يحكي لي رحمة الله عليه، بعدما أطلق سراحه: أنا لست امرأة حتى أختبئ، لقد كنت أقوم بواجبي، فأنتم تحاربون الألمان للدفاع عن فرنسا، وأنا أحاربكم للدفاع عن المغرب. وأنا جاهز للموت في سبيل الوطن، فحكم عليه بالإعدام وأخذ ممتلكاته. ولم تكن له بنات فكان يقول لأمي إني أشاركك في هذه البنت. زد على ذلك أن أجداد أمي كانوا «يزططون» القوافل . والدتي كانت شريفة إدريسية، وكانت القبائل تهدي لهم الأراضي فكونوا إقطاعا. والأراضي التي قام عليها جيش التحرير كلها أرض أجداد أمي، وقد تنازلت عن حقها الذي لو بقي عندها لاشترت به نصف الدارالبيضاء. - إذن هذا التاريخ النضالي هو الذي جعلك تسيرين في نفس المسار، إلى جانب كونك كاتبة منحازة إلى القضايا العربية والإسلامية والإنسانية؟. الآن وأنت تشاهدين الوضع الفلسطيني المنقسم، حيث نجد من جهة «حماس» ومن جهة ثانية «فتح»، هل لا تزالين مؤمنة بما تقومين به؟ أنا الآن أتعامل مع «حماس» وليس مع «فتح». وقد أعلنت ذلك في 2011، في الرباط، في المؤتمر الذي خصص للأسير الفلسطيني، والذي كنت قد كرمت فيه من طرف الفلسطينيين، وكان المشرفون عليه من «فتح» على المنصة، وأنا آخذ الكلمة أعلنت انتمائي إلى «حماس» ورفضي سياسة «فتح» فصفقت كل القاعة. قلت لهم إني لا أومن بأي شيء من هذه المفاوضات وكنت أرسلت هذا الكلام إلى ياسر عرفات حينما ذهب إلى مدريد والنرويج. وحمّلت هذا الكلام أبا مروان، لكنه اعتذر وقال لي: «أرسلي رسالتك مع الوفد الفلسطيني». فقلت له : «تسلم عليك خناتة بنونة وتقول لك: لقد رجعت من الغنيمة بالإياب وأخذت من عمرها أكثر من 25سنة وأخذت فقط ما يكفي لقدم طائر» .أنا ضد هذه المفاوضات الكاذبة. كنت في لبنان في 2010 مع نصر الله وشاهدت ناسا مخلصين وحاملين للسلاح. وأذكر أني قلت لصحافي أمريكي: «أنتم تصدرون لنا مصطلحات فضفاضة لا معنى لها مثل الإرهاب، فهل يعني أن من يدافع عن نفسه وعن وطنه وعن هويته وحضارته ودينه وأخلاقه يسمى إرهابيا، فإن كان كذلك فأنا إرهابية وسأظل كذلك ما حييت». في الأخير قال لي: «مستحيل أن تموت أمة فيها امرأة مثلك». - من قال لك ذلك؟ الصحافي الأمريكي - هل التقيت نصر الله؟ التقيته من وراء الشاشة. - في أحد اللقاءات قلت إنك من المناصرين لابن لادن والظواهري والزرقاوي. وأنت تشاهدين الوضع الذي أصبح عليه العالم الإسلامي، ألا تزالين مصرة على مناصرة هذا التوجه؟ ذكرتني بلقاء لي بقناة «الجزيرة»، وأشير إلى أنه بعد ذلك أنجز عني فيلم في إسبانيا تكريما لي، وقلت لهم أيضا هذا الكلام في عقر دارهم. وبعد التدخلات التي تناولت مساري، ألقي علي أول سؤال عن الإرهاب، فقلت لهم: لقد أعلنت في «الجزيرة» وليس في هذه القاعة فحسب أنه إذا كان جورج واشنطن إرهابيا فأنا إرهابية، وإذا كان شارل دوغول إرهابيا فأنا إرهابية، وإذا كان الشاعر لوركا الذي قتله فرانكو إرهابيا فأنا كذلك. إن كان من يدافع عن وطنه وأمته وعن تاريخه إرهابيا فأنا كذلك»، فصفقت القاعة. - إذن أنت لا تزالين مؤمنة بتوجه أسامة بن لادن وتابعيه؟ أنا مؤمنة بالدفاع عن النفس والوطن ومن لا يفعل ذلك لا يستحق أن يكون إنسانا ووطنيا. كما أن الثقافة والمعرفة إذا لم تخدما هذا المسار فلا يمكن إلا أن يصدق القول: «كل يغني على ليلاه» . - بمعنى أنك مؤمنة بالمثقف المتفاعل والفاعل في واقعه؟ أنا مؤمنة بالمثقف الفاعل في مجتمعه، المتبني لقضايا مجتمعه ولقضايا مصير وطنه والمدافع عنها. أذكر أنه وقع خلاف بيني وبين الدكتور محمد برادة، ذكره الله بخير، حين كان رئيسا لاتحاد كتاب المغرب، وأنا بالمناسبة أقدره كثيرا، كنا في مؤتمر بالقاهرة حول «الروائيين المغاربة والمصريين»، وكان الدكتور محمد برادة على عكس مواقفه السابقة الداعية للالتزام، حيث قال إنه الآن يجب أن ينفتح الكتاب على كل القضايا، وأعطى اهتماما كبيرا بأحد الكتاب المغاربة كتب عن الجيران اليهود،فطلبت الكلمة وقلت : «هذا الرأي مختلف من سي برادة عن مواقفه السابقة يدفعني إلى وضع السؤال التالي:هل مجتمعاتنا العربية من المحيط إلى الخليج هي مجتمعات إشباع ومجتمعات ديمقراطيات ومجتمعات ثقافة وحريات؟ وهل نحن مجتمعات سويدية ليصبح الكاتب آنذاك حرا في أن يتغنى بليلاه كما يشاء، أم أننا لا زلنا شعوبا وأفرادا نعاني من خصاصات متعددة على صعيد الفكر والمجتمع والسياسة والاقتصاد؟ على الكاتب أن يعكس وعي مجتمعه». - في هذا الإطار يجرنا الحديث عن دور المثقف، في الحراك العربي، فكثيرا ما أشير إليه بالأصابع لخفوت دوره؟ ماذا تقولين بخصوص ذلك؟ منذ 1970 كتبت في هذا الموضوع ودعوت إلى برلمانات حقيقية، وإلى انتخابات حقيقية، وإلى ديموقراطيات حقيقية، بل أكثر من هذا أعلنت ذلك في منابر متعددة، سواء كانت حزبية أو ثقافية، داخل المغرب وخارجه، وقد كتب عن رواية «الغد والغضب»، وقيل عنها، بمناسبة حصولي على «جائزة القدس»، إنها سبقت الربيع العربي وهيأت له، ولكننا للأسف لا نقرأ كما يجب. على أي حال، فنحن نتساءل: هل هذا ربيع عربي؟ صحيح أن الأحداث حملت لنا الكثير، وجنب الملك الحكيم المغرب التطاحنات التي نراها في الساحة العربية الآن. لكني أشك فيمن حرك هذا «الربيع». - لكن هذا الربيع الذي تنتقدينه هو الذي أحدث التغيرات؟ فلو لم يكن ما وقع ما وقع. لكن للأسف يرى الملاحظون أنه استغل من طرف جهات أخرى لم تساهم في الربيع وأقصد الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية. على أي حال هم ركبوها كموجة، ولكن هذا لا يعني أنه لم تكن عندهم تحركات ولقاءات وتوعية للشباب بالطول والعرض. لكن للأسف، وكما أقول دائما عن الأحزاب الوطنية، إنها تبدل قميصها حسب الظروف والأحوال، مع العلم أني أقول دائما إني لست استقلالية، بل علالية، وقلت هذا في عهد بوستة الذي أعتبره الرجل السياسي الوحيد الآن بالمغرب، وقد طلب مني أن التحق بوزارة الخارجية، فقلت له شخصيا: «والله هذا لن يكون». وهو يعرف أسرتي هو وسي محمد الدويري، لأننا التقينا مرارا في بيت خالي. وقد قلت لهما: «والله لن يحدث هذا. أنت تريد أن يخرج هذا الرأي وينغلق هذا الفم، لكنه سيظل هذا خارجا فيكم وفي غيركم». -لماذا اعتبرت سي محمد بوستة الرجل السياسي الوحيد في المغرب؟ ما المقاييس التي اعتمدتها؟ إنها مواقفه في عهد البصري، رجولته ودهاؤه. إنه سياسي محنك بمعنى الكلمة. كنا نتمنى أن يكون عندنا من هو أحسن منه، لكن الساحة لم تفرز لنا سياسيا كفئا مثله إلى الآن. - ولكن حزب الاستقلال كان في الحكم، وكذا سي بوستة أيضا. سي بوستة رفض أن يكون في الحكومة ويكون معه البصري، وقبلها سي عبد الرحمان اليوسفي، فيما رفضها هو. دابا عندنا استجواب سياسي؟ - لأنك قيادية في حزب الاستقلال؟ أنا ماشي في حزب الاستقلال. أنا علالية - ولكن الناس يقولون إنك استقلالية؟ يقولو على راسهم وانا نقول على راسي. - لماذا تقدرين علال الفاسي إلى هذه الدرجة؟ لأنه سماني بنت المغرب وقرة عيني، ولم أكن قد كتبت بعد، فحينما أراد والدي أن يزوجني بصفتي البنت الوحيدة التي سماها على والدته، وكان أمله أن يزوجني وأنا ابنة 12 أو 13 سنة، يعني أن يهديني إلى شريف ولد النبي. لعنت وسببت الجميع، وحينما قال خالي: «اهديها إلى واحد من أبنائي، فهم أيضا شرفاء»، سببتهم ولعنتهم أيضا، فقال خالي : «لم تغلبني فرنسا وغلبتني هذه القردة». وهكذا أخذوني إلى سيدي علال في إفران ليحكم، وأنا لم أكن قد كتبت بعد لأنه لم يكن ذلك إلا ابتداء من سن 14 حينما كتبت قصيدة في فلسفة القوة، متأثرة بنيتشه، فحكم سيدي علال الفاسي ولا راد لحكمه بقوله: «هذه بنتي وبنت المغرب»، وإن كانت لكم بنت أخرى اهدوها. ولما تريد هي أن تتزوج فلتأت عندي»، فأرغد خالي وأزبد وبكى أبي. لقد حماني سيدي علال، وأنا مدينة له. - أنت رائدة في الكتابة في المغرب. وباعك طويل، فلو رجعت إلى الوراء هل كنت ستختارين غيرها؟ لو رجعت إلى مرحلة الصبا وخيرت لاخترت هذا المسار بكل عنفوانه وثرائه وبكل نظافته وصدقه. قلت في بداية مشواري للكتاب المشارقة في مصر، التي زرتها أكثر من عشر مرات، عني وعن جيلي الذي أسس بشكل ما للأدب الحديث بالمغرب «إن هذا الجيل ما إن حبا حتى شب». وقلت لهم: «نحن نعترف بأننا تتلمذنا على الأقلام العربية والإنسانية، لكننا كتبنا وجددنا». وأذكر في هذا الإطار أن رواية «الغد والغضب» أثارت ضجة في المشرق العربي بشكل كبير. في أول استجواب ولست أدري إن كان بعد مجلة «شروق» أو بعد «ليسقط الصمت» قلت: «لا المدح يغريني ولا الذم يوقفني». فهذا التحدي هو الذي يدفعني إلى أن أبقى مخلصة لسكتي التي انا مخلصة لها. فللمساهمة في تغيير الواقع المغربي والعربي تبقى الكلمة قادرة على أن تغير، فهي قوة ناعمة تفعل فعلها طال الزمن أم قصر. - لماذا حوربت في «شروق»؟ إنها قصة طويلة، أتمنى أن أكتب عنها، خاصة أن سيدي علال الفاسي أخذ علي التزاما وعهدا بأن اكتب للمغاربة عما عانيته بسبب إصدار مجلة «شروق» أول مجموعة قصصية لامرأة «ليسقط الصمت» وأرجو أن أفي بذلك . وأشير إلى أني بعد حصولي على جائزة القدس التي لم أكن أسعى إليها صرحت بأني أتحدى كل ملوك العالم وكل رؤساء الجمهوريات وكل البترو دولار إن كنت أخذت منهم شيئا، وقلت ذلك لصحافية فرنسية من «لوموند». أنا لست فلانة، ولا داعية لذكر اسمها، أنا نخلة مغربية طالعة من تراب هذه الأرض، سامقة لا استظل لا بظل أوروبا ولا أمريكا، مع أني أعترف بأني تلميذة للفكر والإبداع الإنساني أينما كان. - هل هذه الشخصية المتحدية جاءت من فرط حبك لعلال الفاسي؟ في أحدى المؤتمرات قال لي ابن علال هاني الفاسي: «حب والدي لك هو الذي جعلك هكذا» ، فأجبته : «هل كان سيدي علال بفاس حتى احتضنني؟ هل سيدي علال علمني واحتضني؟ وهل سيدي علال علمني كيف أمسك القلم؟ الفضل الوحيد الذي كان له علي هو أنه حماني من أبي وخالي حتى لا يزوجاني وأنا طفلة». أضف إلى ذلك أنه استنبط الطاقة الخفية التي كانت في داخلي، بل هو بالعكس طلب مني في بيت الحاج مكوار أن أتراجع عن إصدار مجلة «شروق». السؤال الغريب، الذي لم أجد له جوابا هو كيف نبتت في أسرة ليست فيها المعرفة. فأسرتي أسرة تجارة وتقوى وفعل للخير، فآخر فرد فينا يمكن أن يتصدق بمصروف يومه ويجلس على باب الله. كان أبي يسمى أب اليتامى والأرامل والمرضى والعجزة. شخصان لهما بصماتهما علي: أبي وابن عم أبي الذي كنت أناديه عمي. - هل أنت نموذج للمرأة المغربية؟ لا نموذج ولا هم يحزنون، فقضيتي ليست قضية التحدي وإثبات الذات. أنا امرأة عادية، صادقة في اختياراتي، متبنية لقضايا وطني وهذه الأمة. وقد قلت لصحافي أمريكي حينما قال لي إنه من المستحيل أن تموت أمة فيها امرأة مثلك، «أنا أقل امرأة في هذا الوطن العربي، ولو كنت أملك القوة لقاتلتكم، وقل لقرائك إن التاريخ صفحات، وأني أنتمي لأمة هي أول من اعترفت بكم كدولة، وأنتم مخلصون لهويتكم، فأنتم مجموعة من اللصوص الذين نفتهم أوروبا إلى أمريكا. وكلنا مخلص لجذوره». كما قلت له: «عليكم أن تتحرروا من الصورة المشوهة التي قدمتها لكم الصهيونية عنا. اقرؤوا تاريخنا وافتحوا حوارا حقيقيا معنا. وليست هذه الحروب الصليبية التي لا تنتهي، فكلما أردنا أن نقف على أقدامنا تشعلون الحروب خوفا منا، ونحن نعادي من يعادينا ويريد أن يبني حياته على موتنا. إنه حق الدفاع عن النفس، نحن في صفحة التاريخ السوداء. وليعلم هذا الآخر أنه بكل ما يملك من أسلحة فتاكة لن يقتل في داخلنا حب البقاء». - كنت من المناصرين لابن لادن وتابعيه، الذين لهم تصور محدد عن المرأة والإسلام، وهم ضد التطور والحداثة، وأنت تعتبرينهم مجاهدين ومدافعين عن الإسلام. هل جئت لتحاورني عن ابن لادن والظواهري أم عن الجائزة وعن مساري الثقافي؟ - أنت كاتبة متفاعلة مع جميع القضايا كما قلت سابقا، وهؤلاء قدموا صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين. أرى أن الجانب السياسي عندك متغلب على الجانب الثقافي. - يهمني أن أعرف وجهة نظرك؟ أنا أقدرهم لأنهم قالوا لا لأمريكا - وبالنسبة لتصورهم؟ الإسلام متطور، راق، متحضر، وقلتها لصحافية «لوموند» التي زارتني، والتي كانت تلمز بأن المجتمعات العربية والإسلامية متخلفة نتيجة تخلف المرأة، فقلت لها: «أنا مسلمة، مؤمنة وأؤدي الشعائر وأقوم بالواجبات الدينية، وما دمت من هذا الإسلام المتخلفة فلماذا شددت الرحال من فرنسا إلى المغرب من أجل الحوار». كما قلت لها: «منذ زمن شبهوني بفرنسوا ساغان كاتبتكم الشهيرة فرفضت». وأضفت «أنا معجبة بكتاب فرنسوا ساغان «مرحبا أيها الحزن»، الذي قرأته مترجما، وأشبهها في الجمل الشعرية القصيرة التي لها دلالات متعددة فقط .لكن فرنسوا لها تاريخ طويل عريض من الأدب الفرنسي الحديث الذي استفادت منه. أما أنا فليس ورائي شيء. أنا خرجت من مدينة عتيقة ودروب ضيقة، لكن فيها منارة العلم القرويين التي أضاءت عليكم في أوروبا» .وأضفت أن الإسلام المتهم لم يمنعني من السفر طولا وعرضا في العالم وأنا أفكارا حمتني أن أكون عربيدة ومنشغلة فقط بالكلاب. - وماذا عن التعليم الذي كنت تنتمين إلى أسرته ويتهم حزب الاستقلال بمساهمته في فشله؟ منذ حوالي 30 سنة أعلنت أن إصلاح التعليم هو الخطوة الأولى لبناء مغرب حديث ينتمي إلى المستقبل، وإذا لم تؤخذ هذه الخطوة مأخذ الجد وليس بالديموغاجية الفارغة فلنتظر مستقبلا أسود، ولو رجعت إلى «الغد والغضب» لوجدت تجربتي موثقة، ومنها تخرج محمد بنيس ومحمد الأشهب، والدكتور بوطالب، الذي كان عميدا لكلية العلوم بأكدال بالرباط، وأسماء متعددة في الساحة الثقافية والنضالية. هذه التجربة ذكرتها في التكريم الذي قامت به وزارة التعليم، فاستعرضت بعض خطوطها العريضة، فقالوا لي: تمنينا لو كتبت هذه التجربة ووزعناها على جميع الأساتذة في المغرب، فقلت لهم: اخلقوا أولا الأساتذة الذين يطبقون هذه التجربة.