برشاقة تسلل العنف إلى حياتنا، حمل سيفا وجلس في رأس الدرب يتربص بالعباد، دخل إلى البيوت وصار فردا من العائلة حتى بتنا لا نستطيع العيش من دونه. لا يمر يوم دون أن تسمع عن جرائم وأرواح تسقط. عشرات الآلاف يهددون بعضهم البعض بعبارات مألوفة، تبدأ ب»تخسار الوجه» وتنتهي بالقتل وأن «أخرج على طاسيلتك» و»أدخل عليك إلى السجن»... لأسباب جدية أحيانا، وتافهة في معظم الأحيان. من منا لم ير رجلين محترمين ينزلان من سيارتين فاخرتين ويشرعان في التعارك مثل كلبين مسعورين، أمام جوقة من الفضوليين؟ وعندما تفتش عن السبب تجد خلافا بسيطا على الأسبقية في الطريق! «لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم» أحبّ الشعارات إلى المغاربة، يرفعه الجنود في ساحة الوغى والأزواج في ساحة البيت والأطفال في ساحة المدرسة والطلاب في ساحة الجامعة والسياسيون في ساحة الانتخابات والمراكشيون في ساحة جامع الفنا... أطفال يتراكلون في حجرات الدرس، آباء لا يتكلّمون مع أبنائهم بغير الصفع والرفس، فحول يرون اللكمة أنسب طريقة للتعبير عن الرجولة عندما تهزمهم امرأة، وشباب يتعرون في الشارع حاملين سيوفا وقناني كحول، يشتمون ويتوعدون لأسباب لا يعرفها إلا فرويد! أحيانا، تصل التهديدات إلى مواطنين من درجة «غير عادية»، كما حدث لوزير الصحة، الحسين الوردي، الذي تلقى تهديدات بالقتل مازالت التحقيقات جارية بشأن الجهة التي تقف وراءها، ولا يستبعد أن تكون إحدى «المافيات» التي تعودت على الاستفادة من التسيب الذي يعيشه قطاع الصحة، وأعلن عليها الوزير الحرب بشجاعة سياسية تستحق الاحترام... لحسن الحظ أن التهديد يكون مجرد مزحة سمجة في بعض المرات، لكن القول يتحول إلى فعل في كثير من الأحيان، كما تكشف الجثث الممددة على صدر الصفحات الأولى للجرائد، والدماء التي تسيل يوميا بين السطور، وتصنع سعادة القراء ومالكي الجرائد، لأنها ترفع المبيعات، و»مصائب قوم عند قوم فوائد» ! جذور العنف موجودة في التربية. ماذا تريد من أجيال كبرت مع رامبو وجاكي شان وكريندايزر ومجينينة؟ ماذا تريد من أجيال أجبرت على حفظ أشعار مضرجة بالدماء؟ في كل بيت سيف ورمح وحزمة نبال وعنترة بن شداد. المعلم «يسلخك» في المدرسة بسبب أو من دونه، يضربك على يديك وعلى رجليك وفوق أصابعك، ويجرب فيك الفلقة وعصا السفرجل والكاليبتوس، إذا لم يكن من أولئك الذين اخترعوا وسائل طريفة للتنكيل بالتلاميذ، مثل لحس الطباشير وخلع الملابس وشرب البول، أو أولئك الذين يفوّضون جزءا من سلطتهم إلى أطفال صغار كي يتدربوا على ممارسة التعذيب ضدّ زملائهم. من كثرة «السليخ»، تكوّنت لدى أجيال من المغاربة مناعة ضد العنف، وباتوا يعتقدون أن الحياة دونه «لا تستحق أن تعاش». ومازال هناك في البوادي آباء يعلقون أولادهم فوق شجرة ويشعلون تحتهم النار أو يبللون حبلا غليظا ويرسمون لوحات سوريالية على أجسادهم. العنف استسلام للغريزة، درجة بدائية من التواصل البشري، تقربنا من الحيوانات وقانون الغاب الشهير. ماذا تنتظر من أناس لا تختلف شروط حياتهم عن ظروف عيش البهائم؟ أذكر أنني ركبت يوما حافلة في اتجاه الجنوب، وكان إلى جانبي شيخ بعكاز وجلباب بني. سألني عن وجهتي، وفوجئت به في نفس الوقت يهمزني بالعكاز كما يفعل مع حماره. لم أتمالك نفسي وانفجرت ضاحكا. ضحك هو أيضا بعفوية دون أن يعرف السبب. وطوال الطريق، ظلّ الشيخ البشوش يلكزني بالعكّاز على كتفي كلما أرد أن يقول لي شيئا، بعفوية لا تصدّق. ثمّة مظاهر عنف مضحكة لحسن الحظ، وثمة متسولون يمسكون بك من كتفيك أثناء الاستجداء، ومعارك تحدث يوميا بين الباعة وزبنائهم، لا تستهينوا بها واحذروا بائعي الخضر والفواكه، كي لا يقع لكم ما حدث للزبون الذي تشاجر في السوق مع واحد منهم وضربه بكتلة الخمسة كيلوغرامات على رأسه. وعندما استيقظ «دائخا» في المستشفى، رأى حوله الأطباء والممرضين ببذلاتهم البيضاء، اعتقد أنه مازال في السوق، فأخذ يصيح ويتوعّد: «وا شهدوا عليه أمّالين صيكوك...»!