مباشرة بعد استحقاقات خريف 1993، سيغادر عبد الرحمان اليوسفي إلى مدينة «كان» الفرنسية غاضبا من تدخل إدارة إدريس البصري في نتائج هذه الاستحقاقات، على الرغم من كل الضمانات التي قدمتها الإدارة الترابية وقتها، والتي وقعت «ميثاق شرف» بمعية الأحزاب السياسية لتكون المحطة نزيهة. كان لا بد أن يخلو الجو لليازغي، الذي أصبح عمليا هو الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. كانت الأخبار تتداول حكاية التناوب الذي تمناه الحسن الثاني بمشاركة اتحادية واستقلالية. لذلك تحرك الاستقلاليون في اتجاه إقناع إخوتهم بجدوى هذه التجربة التي يريدها ملك البلاد. كان الاتجاه العام وقتها مع تولي امحمد بوستة منصب الوزير الأول في حكومة يكون طرفها الأساسي هو الاتحاد الإشتراكي. كان اليازغي متحمسا. وقال للزعيم الاستقلالي محمد الديوري إن الاتحاد مستعد ليوقع شيكا على بياض من أجل عيون هذه الحكومة. ومع توالي الأيام، ستصل المفاوضات بين الاتحاد والاستقلال مراحل جد متقدمة. لذلك تقرر أن يعقد اجتماع خاص جدا بمنزل امحمد بوستة، يخصص لوضع اللمسات الأخيرة لهذا التناوب، الذي نادى به الحسن الثاني بحضور كبار الحزبين الرئيسيين في العملية. وانطلق الحديث حول عدد الحقائب الوزارية، وأسماء الوزراء التي يقترحها الحزبان. وعن الأحزاب التي يمكن أن تكمل هذه الحكومة من خارج أحزاب الكتلة، التي كان حزب التقدم والاشتراكية لم يلتحق بها بعد. غير أن محمد نوبير الأموي، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي وقتها والذي التحق بالمجتمعين في بيت بوستة، مشروع الوزير الأول في هذه الحكومة، سيقلب كل شيء. وجه الأموي لمحمد الوفا، الاستقلالي الذي كان من أشد المتحمسين لهذه الحكومة السؤال عن أية حكومة تتحدثون. فكان جواب الوفا «أن هذا الجالس أمامك، وكان يعني امحمد بوستة، هو الوزير الأول المرتقب». رد الأموي بعنف. «إذا كان اسمك هو محمد الوفا، وهو مشتق من الوفاء، فليس من الوفاء أن نتداول في حكومة تناوب بدون حضور عبد الرحمان اليوسفي، الكاتب الأول الحقيقي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية». تبادل المجتمعون نظرات الاستغراب مما حدث. ولم يتأخر اليازغي في مد يده إلى حقيبته الصغيرة ليخرج منها بيان اللجنة المركزية للحزب الذي يقول بقبول فكرة التناوب التي نادى بها الحسن الثاني، ويقرأ منها الفقرة التي تؤكد على ذلك. وكعادته، لم يتأخر رد الأموي ليقول لرفيقه في الحزب إن بيان اللجنة المركزية مع مبدأ المشاركة، ولا يحدد تفاصيلها. انفض الاجتماع عاصفا بعد أن غادر الأموي، دون أن يتناول جبة الغداء بالكسكس المراكشي الذي كان سيصنع تناوب سنة 1993. أما القصر الملكي، فسيصدر بعد ذلك بلاغا يقول فيه إن مفاوضات التناوب توقفت بعد أن رفضت أحزب الكتلة أن يحافظ ادريس البصري على حقيبة وزارة الداخلية في الحكومة الجديدة. وهو البلاغ الذي جانب الصواب، خصوصا وأن امحمد بوستة، الوزير الأول للتناوب الذي لم يكتمل، سيقول بعد ذلك في برنامج «وجه وحدث» الذي كانت تقدمه القناة الثانية، إنه لم يكن لقادة الكتلة أي اعتراض على إدريس البصري. إنها واحدة من الأزمات السياسية التي عرفها مغرب الحسن الثاني. وهي أزمة ستمتد إلى سنة 1998 وحكاية السكتة القلبية التي نبه إليها الملك الراحل، والتي ستحمل عبد الرحمان اليوسفي ليقود أول حكومة تناوب.