محمد زيان نقيب المحامين السابق والأمين العام للحزب الليبرالي المغربي والسياسي المثير للجدل يحكي في اعترافاته ل«المساء» عن طفولته وكيف كان مسيحيا يحمل اسم فيكتور مارتين ليصبح فيما بعد شيوعيا ملحدا، قبل أن يهتدي إلى الإسلام. في هذه الحلقات يتحدث زيان لأول مرة عن أسرار وخبايا «ضياع» موريتانيا من المغرب، وعن معتقل تازمامارت وعلاقة الحسن الثاني به وحكاية استقالته من الوزارة واتهامه بتهريب المخدرات وكيف كانت الدولة «تصنع» الأحزاب والزعماء. - كنت تبدو متحاملا على نوبير الأموي في مرافعاتك أثناء محاكمته؟ نعم، لقد رافعت بشدة ضد الأموي لأنه بدلا من الإدلاء بما يبرر به اتهاماته للحكومة بالفساد أو التراجع عن تصريحاته للجريدة الإسبانية، حاول إلصاق تهم الفساد بالحسن الثاني، فيما المنطق يقول إن من لا حجة له عليه أن يلتزم الصمت ويعتذر عما سبق أن أدلى به من اتهامات لا أساس لها، أما من يتهم الناس بالفساد وهو لا يتوفر على أية حجة تدعم موقفه وليست لديه ملفات يدلي بها في الموضوع وبالمقابل يتشبث باتهاماته بالباطل، فهذا «خصو يمشي يتربى»، لذلك لم أكن أحمل أي عطف تجاهه ورافعت ضده بعنف. - هل سبق أن وقعت بينك وبين الأموي مشادات كلامية أو ملاسنات أثناء جلسات المحاكمة؟ لا، لم يحدث، فقد كان أصدقاؤه يوصونه بالحذر والتزام الهدوء، وكان زعماء أحزاب الكتلة «مخلوعين» ويتوقعون أن أفجر ملفات ضدهم في أي وقت. - بماذا كنت تحس وأنت تواجه لوحدك مئات المحامين الذين يؤازرون الأموي؟ كنت فخورا بنفسي، وكنت عندما أستيقظ صباحا وأشرع في الاستعداد لإحدى الجلسات أحسني مبتهجا ومزهوا، حتى إنني خفت يوما من أن أنفجر من فرط «انتفاخي» وزهوي وإعجابي بذاتي، فقد كنت موقنا بأنني على صواب؛ وقد قلت مرارا إنني مستعد للتنازل عن الترافع ضد الأموي إذا هو أدلى بوثيقة واحدة تثبت اتهاماته للوزراء باللصوصية، وهذا قمة التحدي.. كيف لا أعتز بذاتي. - خلال أطوار المحاكمة، هل حدث أن وقعت مشادات بينك وبين دفاع الأموي؟ حدثت بعض المزايدات بيني وبين عدد من المحامين، أذكر منهم الأستاذ طبيح الذي قال لي في إحدى الجلسات: نحن لسنا مثلك يا أستاذ زيان، لأننا نتكئ على جدار صلب، فأجبته: «سيرو تلعبو.. أنا من يتكئ على الصح»، فأنا أدافع عن الحكومة المغربية وأتحداكم أن تدلوا ببداية حجة تثبت تورط أحد أعضائها في الفساد كما يدعي موكلكم، وهذا دليل على أنكم أنتم من يتكئ على خشبة منخورة، وأحذركم من الإفراط في الاتكاء عليها لأنكم ستسقطون وإياها، ثم أضفت قائلا: وأحسنكم متشبث بخيط عنكبوت. - ما الذي وقع بعدما قلت لدفاع الأموي مثل هذا القول؟ لم أكن أتوقع أن يلجؤوا إلى ربط ذلك التشبيه المجازي الذي صدر عني في إطار رد الفعل، أي «الخشبة المنخورة»، بصحة عبد الرحمان اليوسفي الذي كان يعاني من مرض في الرئة. وللحقيقة والتاريخ، فإنه لم يكن لدي أي ملف فساد ضد اليوسفي ضمن تلك الملفات التي كانت في حوزتي ضد زعماء أحزاب الكتلة. - وهل كان لديك ملف ضد اليازغي، مثلا؟ (يضحك) لن أجيبك. - هل كان لديك ملف ضد امحمد بوستة؟ المهم أنه لم يكن لدي ملف عن اليوسفي. وعندما كنت أقول إنني أتوفر على ملفات فساد تخص عددا من أبرز وجوه أحزاب الكتلة، فإن عبد الرحمان اليوسفي لم يكن ضمنهم. - ما الذي حدث بعدما قام الاتحاديون بهذا التأويل؟ ذهبوا كعادتهم إلى ادريس البصري واشتكوني إليه. وبالفعل، حكى لي البصري ما قالوه له من أنني كنت ألمح إلى اليوسفي عندما تحدثت عن «الخشبة المنخورة»، فبقينا نضحك أنا والبصري، وسألته عما إذا كان علي أن أعتذر عن شيء لم أقصده. - هل تذكر حادثا آخر وقع لك مع دفاع الأموي؟ أذكر مرة أنني تبادلت السب مع محامين من الطرف الآخر، فطالبوني بالاعتذار، فأجبتهم بأن من بدأ السب هو من عليه أن يعتذر، وكانوا هم من بدؤوا بذلك. - ما نوعية السب الذي تبادلتموه؟ لا أذكر ما قالوه لي، لكنني أتذكر أنني قلت لهم إنني أتوفر على دلائل من شأنها أن تفجر كتلتكم. - تتحدث كثيرا عن ملفات فساد كانت بين يديك، تدين زعماء الكتلة، مع أنك كنت محاميا في قضية يتابع فيها الأموي ولا شيء آخر؟ كل أعضاء الكتلة كانوا معنيين بالمحاكمة، لأن الكتلة كانت تريد المشاركة في الانتخابات بغرض الحصول على الأغلبية، كما أن هناك داخل الاتحاد الاشتراكي بالخصوص من كانوا ضد الدخول إلى الانتخابات. وكانت الكتلة تريد أن تستغل محاكمة الأموي في الحملة الانتخابية، من جهة، والتخلص من الرفاق المزعجين الذين ينادون بمقاطعة الانتخابات، من جهة أخرى. وقد بدأت محاكمة الأموي كأي محاكمة عادية، لكن تم استغلالها من طرف الجميع للتوافق على حكومة التناوب؛ فزعماء الكتلة تحوّلوا خلال أطوار المحاكمة من الذهاب إلى ادريس البصري إلى التوجه إلى احمد رضا اكديرة بعدما فهموا أن الملك لا مصلحة له في الدفاع عن الحكومة وأنه مستعد لأنْ يتخلى عنها في أي وقت، وقد قيل لي إن اكديرة قال لزعماء الكتلة: لا تؤاخذوا زيان فهو محام وأن لا أحد كان يظن أن محاميا إنجليزيا شهيرا سوف يدافع عن ليبيا في قضية لوكيربي، واكديرة كان يقدر هذا لأنه محام، وهو يعرف أن الحسن الثاني بنفسه لم يسبق أن آخذنا عندما كنا ندافع عن أوفقير وكويرة أو الفقيه البصري أو شيخ العرب، فلم يسبق للملك أن قال: لماذا ترافعون ضدي. - هل تعني أن أولى نقاشات حكومة التناوب بدأت في 1992 بالموزاة مع محاكمة الأموي وأن أول من أشرف على بداياتها هو مستشار الملك الراحل احمد رضا اكديرة؟ نعم، النقاش الجدي بدأ مع اكديرة لأن امحمد بوستة الذي كان مرشحا حينها لقيادة التناوب لم يكن يريد الاشتغال مع البصري بعدما فطن إلى أن الأخير يتلاعب لأجل مصالحه الشخصية. ويجب أيضا ألا ننسى الدور الذي قام به عبد الرحمان اليوسفي عندما أقنع بوستة بالتفاوض مع احمد رضا اكديرة بعدما كان الاستقلاليون يعتبرون هذا الأخير خائنا. والحق أن اكديرة لم يخن الاستقلاليين، لأنه ببساطة لم يسبق أن كان استقلاليا، بل إن من خانوا الاستقلاليين هم من ساروا خلف المهدي بنبركة عندما انشق عن حزب الاستقلال. عموما، لقد كان لقاء زعماء الكتلة باكديرة خطوة كبيرة في تاريخ المغرب الحديث، من حيث كونها تمثل اعترافا بالخصم وتقاربا بين طرفين فرقت بينهما السبل غداة استقلال المغرب. - لنعد إلى أطوار المحاكمة. هل كان الأموي يتحدث معك أثناء الجلسات؟ دائما، وكان يقول لي: سوف أفاجئك وأمدك بما لدي من ملفات تثبت تورط الحكومة في ملفات فساد، لكنه بقي يقول ذلك دون أن يفعله إلى أن ذهب إلى السجن. - من اتصل بك من الاتحاديين أثناء المحاكمة ؟ كلهم. - ما الذي كانوا يقولونه لك؟ كانوا يطلبون مني ألا أصعّد من لهجتي. - هل اتصل بك اليازغي؟ طبعا. - ما الذي طلبه منك بالتحديد؟ كلهم كانوا يقولون إن المحاكمة تأخرت، لأنهم كانوا يريدون أن يتم النطق بالحكم في وقت وجيز واقتياد الأموي إلى السجن بسرعة. - من هؤلاء؟ كل القيادة الاتحادية. - بما أنك تصر على ربط تجربة التناوب بمحاكمة الأموي، فلماذا لم يتم العفو عن الأموي لتصفية الأجواء مع الاتحاديين؟ ولماذا تظن أن التناوب يجب أن يكون بمعية الأموي وليس ضده.