يتحدث عبد العالي بنعمور، رئيس مجلس المنافسة، عن العراقيل التي تواجه هذه المؤسسة الدستورية في مجال محاربة الريع ومواجهة اللوبيات المستفيدة منه. كما يكشف بنعمور عن خلفيات التعديلات الجوهرية التي تجري محاولة إدخالها على النص القانوني للمجلس بشكل يهدد استقلاليته والصلاحيات التقريرية المخولة له، مشيرا في حواره مع «المساء» إلى تصور المجلس بشأن إصلاح المقاصة والضجة المثارة حول الدراسة التي أنجزها في الموضوع. - سبق لك أن صرحت بأن محاربة الريع من بين انشغالات مجلس المنافسة. لكن كيف يمكنكم أن تحاربوا الريع والفساد، في الوقت الذي يشتكي فيه رئيس الحكومة من العفاريت والتماسيح؟ أولا في الظروف الحالية، ومادمنا نشتغل بالقانون الحالي فمحاربة الريع غير الشرعي ليست ممكنة، لكن في النص المرتقب بطبيعة الحال يمكن أن نقوم بعمل إيجابي وجريء في هذا المجال. طبعا نحن نعيش في إطار اقتصاد السوق الذي أصبح معولما، وأحببنا أم كرهنا فهو فارض نفسه، وهو اقتصاد مكن منذ أوائل الثمانينيات من بزوغ ثروة لا مثيل لها في تاريخ البشرية، لأن السوق مكن من الحركية والابتكار نظرا للبحث العلمي ورفع حواجز عن المبادلات التجارية، وفي نفس الوقت ارتفعت أحزمة الفقر. المنطق في محاربة الريع واضح وسهل الفهم، ويتمثل في تكاثر العروض وبالتالي خلق المنافسة. وهذا يعني تقديم جودة أحسن وثمن أقل لفائدة المستهلك، على مستوى البعد الاجتماعي، ولفائدة تنافسية البلاد على مستوى الاقتصاد الوطني. لكن في الواقع الملموس هذا المبدأ العام لا يحترم من طرف الجميع وهناك من لا يحترم قواعد السوق، وهنا يبرز الريع باتفاقيات مقاولاتية لرفع السعر وتخفيض الجودة، وهذا شيء خطير مناف للمنافسة. وهناك أيضا التعسفات الناتجة عن المواقع المهيمنة. بمعنى أنه إذا كانت المؤسسة لها دينامية وروح خلاقة فيمكن لها البيع أكثر ويمكن لحصة السوق أن ترتفع لديها وهذا شيء طبيعي، لكن شريطة عدم استعمال هذا الوضع الإيجابي في تصرفات تعسفية لا تنافسية، كأن تعرقل اشتغال وافد جديد على السوق، وتبدأ في البيع بسعر أقل من ثمن التكلفة من أجل الضغط عليه. - لكن كيف سيتدخل المجلس لضمان احترام مبادئ المنافسة الشريفة؟ طبعا إذا لم تكن لمؤسسات الحكامة في هذا الميدان إمكانيات التدخل بالتوعية والتحسيس، ولكن أيضا بالزجر في حال رصد مخالفات للمنافسة، فالريع سيستمر. فإذا تم تحقيق الربح من خلال اتفاقيات مقاولاتية أو تعسفات أو تمركزات مشبوه فيها فذلك ريع غير شرعي. فمجلس المنافسة هو أول من أثار موضوع الريع، الذي يمكن أن يكون في بعض الأحيان شرعيا ومقبولا، أو ما يسمى بالاستثناءات في قوانين المنافسة. ومثال ذلك بعض المقاولات الصغرى والمتوسطة المبتدئة التي يتم غض البصر عنها من أجل التقدم والتطور، أو في إطار دعم بعض المقاولات الرائدة التي تقوم بالبحث العلمي، غير أن كل هذا يجب أن يتم بشروط محددة الأهداف والزمن، وليس استثناءات إلى ما لا نهاية. ولكن الريع غير الشرعي لا ينتج عن عمل المقاولات فقط، بل أيضا من خلال تدخل الدولة نفسها، لأن الأخيرة يمكن أن تمنح إعانات، في إطار استثناءات لبعض المقاولات، ولكن تلك الإعانات إذا لم تكن مشروطة بشروط واضحة وتوقيت محدد فسيصبح ذلك ريعا غير شرعي، أو أن تتدخل في صفقات عمومية وتضع شروطا على المقاس لإقصاء طرف ما فذلك ريع شرعي. وبالنسبة للرخص فبطبيعة الحال الدولة هي التي تمنحها لأن تلك المقالع وغيرها في ملك الدولة، لكن يجب أن تمنحها في إطار تنافسي واضح بالنسبة للجميع. - ماذا ستفعل كمجلس للمنافسة إذا لاحظت بأن الدولة تتسبب في الريع؟ طبعا بالنسبة للمقاولات فمجالس المنافسة لها صلاحية التوعية والزجر، أما بالنسبة للدولة فلا يمكن التعامل معها بالزجر ولكن بالمرافعة أو ما يمكن أن نسميه ب»اللهم إن هذا منكر»، وهذا يجب أن يكون من اختصاص مجلس المنافسة. مع العلم أن عملنا ليس ضد المقاولة ولكن لدينا دور حكم في مقابلة رياضية لديه قواعد اللعب ويعلن المخالفات، فيوجه في المرة الأولى إنذارا شفهيا، ثم يمر إلى الورقة الصفراء وبعد ذلك إلى الورقة الحمراء. وفي النص الحالي ليس لدينا أي شيء، بل نحن مؤسسة استشارية إذا طلبت منا جمعية أو مجلس بلدي أو نقابة استشارة ما فإننا نقدم رأينا. - هل تعتقد بأن اللوبيات المستفيدة من الوضع الحالي سترفع يدها بسهولة؟ عندما كنا نخضع للتكوين من طرف السلطة الألمانية للمنافسة، كان يقال لنا: عندما تريد مؤسسة ما أن تمر من الطابع الاستشاري إلى الطابع التنفيذي والتقريري فإنها ستواجه صعوبات كبيرة من طرف اللوبيات التي لا تقبل التغيير في هذا الميدان لأن مصالحها ستمس. وقالوا لنا بأن اللوبيات لن تقول صراحة إنها ضد مجلس المنافسة، لكن القانون سيواجه في الكواليس. وبالتالي فلغاية الآن لا أحد يقول بأنه ضد الإصلاح، سواء السلطات الحكومية أو عالم الاقتصاد أو السلطات القضائية أو الصحافة وغيرهم، ولكن في الواقع الملموس، وبعد مرور خمس سنوات على تنصيبنا، لم يخرج النص القانوني إلى حيز الوجود. - قبل أن نعود لمناقشة مشروع القانون، تطرقت في سياق حديثك لبعض الإعانات والاستثناءات التي تمنحها الدولة. ما هو تقييمك لمنظومة الدعم بمختلف أشكاله؟ قانون المنافسة بصفة عامة يقوم على العرض والطلب، وكل إعانة تعني منح امتياز لهذا الطرف على حساب الآخر، وبالتالي فهي محظورة بمنطق قوانين المنافسة وقوانين السوق الإيجابية. لكن هناك استثناءات كما سبق وأن أشرت إلى ذلك، وهي تهم بعض المقاولات الصغرى والمتوسطة، ويمكن أن تستهدف بعض المناطق المتأخرة مقارنة مع مناطق أخرى، ولكن كل هذا غير مقبول إلا بأهداف وتوقيت محددين. - بيد أن دراسة للمجلس حول صندوق المنافسة أثارت نقاشا كبير.ا نحن خرجنا بخلاصات وسيناريوهات وقلنا للحكومة لك واسع النظر. السيناريو الذي تتبناه قوانين المنافسة عبر العالم، والذي تبنته عدد من الدول الرائدة مثل البرازيل وأندونيسيا ينطلق من أن قوانين المنافسة لا تؤمن بالإعانات ولكن باستثناءات اقتصادية وأخرى ذات طابع اجتماعي. وبالنسبة للإعانات ذات الطابع الاجتماعي، فيمكن أن نجد مادة يستعملها المستهلك تتحقق فيها شروط المنافسة وتطرح في السوق بثمن منخفض، لكن فئة من المجتمع لا تقوى على أداء ذلك السعر، وبالتالي يجب مساعدتها. ولكن كل ذلك يجب أن يتم بشروط وبتوقيت لأنه لا يمكن منح الدعم لبعض الفئات إلى مدى غير محدد وعندما يرقى من كان في طبقة الفقراء إلى الطبقة الوسطى يظل يستفيد من نفس الدعم. مثلا في البرازيل شرط منح الدعم هو تمدرس الأبناء وإذا توقف التلميذ عن الدراسة تتوقف الإعانة، إضافة إلى شرط التطبيب وإخضاع الأطفال للتلقيح. وسأتحدث عن نفسي، أليس حراما أن أشتري قارورة غاز ب40 درهما؟ لماذا ستؤدي عني الدولة جزءا من سعر المحروقات وأنا أملك سيارتين، أليس ذلك حراما؟ - وكيف قرأت الزوبعة التي أثيرت حول الدراسة؟ طبعا جرى الحديث عن خلفيات سياسية وغير ذلك، لكن بعض الإصلاحات أصبحت ضرورية بغض النظر عن الحزب الموجود في الحكومة، فنحن مجلس للمنافسة ولا يهمنا أي حزب لأن جميعها أحزاب وطنية، وبالنسبة لنا حرام أن يستفيد من الإعانة شخص لا يستحق، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد. تصور معي ما سيقوم به المغرب ب6000 مليار، ونحن في الخلاصات التي جئنا بها قلنا بأن الدولة يمكن أن توفر النصف. وأنا لا أفهم كيف يطرحون أسئلة من قبيل كيف للدولة أن تعرف الفقراء. الدولة في الماضي كانت تنتج ولها مقاولات، ومع الليبرالية أصبحت الدولة تقنن فقط، والتقنين يعني أن تعرف من يستحق ومن لا يستحق، والدولة إذا لم تعرف ذلك فما هي مهمة هذه الحكومة؟ طبعا خلال عملية الإصلاح يمكن أن يتسرب جزء لا يستحق، لكن لا يمكن الذهاب بمنطق كم من أمور قضيناها بتركها، لأن الإصلاح لا بد منه. - ماذا عن نظام الدعم الموجه للأقاليم الجنوبية؟ المبدأ العام هو نعم للاستثناء، كان جهويا أو مقاولاتيا، ولكن شرط أن يكون الاستثناء مهيكلا ومنظما بأهداف وبتوقيت، سواء تعلق الأمر بالصحراء أو بغيرها. ونحن نريد أن نمنح للأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا، وهذا يعني أن ما يسري على مدن الشمال يجب أن يسري على هذه المناطق. وطبعا إذا كان لا بد الآن أن نعين هذه المنطقة أكثر من جهات أخرى فهذا أمر مقبول ولكن بشروط وبرؤية وليس بشكل مفتوح. - لكن يبدو أن النقاش حول المقاصة توقف. صراحة في البداية كانوا يتعاملون بشكل إيجابي مع هذا الموضوع، وبعد ظهور الدراسة الأولى بدأ الحديث عن الحزبية والسياسة وغير ذلك. والآن نلاحظ أن هناك صمتا وفي نفس الوقت تقول لنا مصادرنا في الإدارة بأن الإصلاح قائم وطبعا لهم واسع النظر لأننا نحن لسنا حكومة. وعلى كل فهذا إصلاح أساسي يجب إيجاد طريقة لإنجازه ليستفيد من يستحق ومنعه عمن لا يستحق. - تابعت مؤخرا أشغال المناظرة الوطنية حول الإصلاح الضريبي. ما هي أهم الخلاصات التي خرجت بها كمشارك في هذه المناظرة؟ أنا ساهمت في هذه المناظرة، ولدينا في مجلس المنافسة شعار نقول فيه: «إننا في اقتصاد السوق المعولم..اربح اللي بغيتي ولكن على ذراعك وخلص الضريبة». بالنسبة لي فكل المنطق الاقتصادي يجب أن يذهب في هذا الاتجاه، ويجب أن نجتاز منطقا في البلاد ينظر إلى الرأسمال نظرة سلبية، لأنه إذا بقينا في هذه النظرية فسنبقى دائما فقراء. ولكن هناك بعض أنواع الحيف، فكلما كانت المقاولة شفافة كلما أدت أكثر، وهذا ليس معقولا، بينما فئات كبيرة توجد خارج إطار الضريبة. الآن هناك 200 شركة تؤدي الجزء الأكبر من الضرائب، والأغلبية الساحقة تصرح بالعجز، فهذا يجب إعادة النظر فيه، لكن ليس بمنطق الصراع. ومع الأسف في بلادنا كلما ذهبنا في الإصلاح ترتفع بعض الأصوات، والحال أنه كما يقول الفرنسيون إذا لم تكسر البيض فلن تصنع العجة (الأومليط)، لكن ليس بمعنى التكسير المادي ولكن بمنطق الإصلاح. - ألا تعتقد بأن بعض القطاعات التي تحقق أرباحا وجب وقف الإعفاءات الضريبية عنها، كقطاع العقار؟ ولو أن هذه القطاعات تحقق أرباحا، فيمكن أن تكون هناك إعانات مشروطة بأهداف. والعقار إذا كان سيمكن الطبقة الضعيفة من الحصول على السكن فيجب دعم هذا القطاع على أساس هدف وتوقيت محددين، وهذا هو المبدأ العام، وإذا انتهى هذا الهدف فيجب وقف تلك الإعانة. مع الأسف في المغرب لدينا منطق الإعانة و«عطيني» سائد، سواء لدى المقاولة أو عامة الشعب. وبالتالي يجب الخروج من منطق الاتكال على الآخر إلى الاعتماد على النفس، وعلى الدولة أن تدعم الشباب في خلق المقاولات. وعادة عندما تكون هناك أزمة، فالدول تغتنم الفرصة للقيام بالإصلاحات الضرورية، وفي المغرب الإصلاحات واضحة وليس بالضرورة أن تتم بالمنطق التوافقي، لأنه عندما تكلفني كرجل تعليم بأن أصلح التعليم فإنني أدافع عن مصالحي كأول شيء، لكن يمكن أن أساهم ويؤخذ برأيي لأن المجموعة التي تصلح يجب أن تشتغل بطريقة مستقلة. وإذا أصلحنا التعليم وقوانين الشغل والعدل والمقاصة والتقاعد فهذه هي القضايا الأساس، لكن عوض أن نفكر جميعا في الإصلاح فإننا نقف عند بعض النقاشات الهامشية. وفي نفس الوقت لا يمكن الإصلاح بالمنطق القديم الذي يتأسس على حشد الجميع ومطالبتهم بالإصلاح لأنه يحدث الصراع، ويتم التدخل لتحقيق رأي وسط، الذي يبقى غير واضح. الإصلاح في جميع الدول يتم باستدعاء لجينة مصغرة مكونة من شخصيات تتمتع بالمصداقية ومقدرة وشعبية واضحة، وتأتي الحكومة لمطالبتها باقتراحات، وتتحمل مسؤوليتها باعتبار أن لها أغلبية في البرلمان ويتم تمرير القانون في البرلمان. - بدون التوافق؟ طبعا التوافق جيد، لكن إذا لم يحصل فهل تحت غطاء التوافق نخرج بنصوص إصلاحية متذبذبة وليس فيها وضوح؟ أعتقد أن الإصلاح واضح لمن يريد أن يصلح. - نعود إلى مشروع القانون الخاص بمجلس المنافسة. ما المسار الذي أخذه منذ تقدمكم بمقترح القانون؟ صراحة أنا من جهة متفائل ومن جهة أخرى أطرح مجموعة من التساؤلات. بعجالة القانون 06-99 برز للوجود في سنة 2000، وفي توجهاته العامة لا بأس به ولكنه جد حصري بالنسبة لمجلس المنافسة ولم يمنح له أي سلطة. ونتج عن ذلك مجلس عمر لثلاثة أشهر فذهب الأعضاء إلى حال سبيلهم. بقيت الأمور على حالها إلى غشت 2008 حين عينني صاحب الجلالة رئيسا، وفي يناير 2009 تم تنصيب المجلس الجديد، لكن عندما عدنا إلى النص القانوني وجدنا نفس الأمر. طبعا كان أمامنا خياران إما أن نحدو حدو من سبقونا، أو نعمل بطريقة أخرى ونأخذ أكثر ما يمكن من النص الحالي ونناضل من أجل تغيير النص. وبالتالي عملنا على تقوية المؤسسة، حيث إن المجلس موجود بنسائه ورجاله المقتدرين بكل صراحة وفخر، وحصلنا على تجربة من خلال طلبات الرأي التي تقدم إلينا، والدراسات الميدانية التي أعطتنا الكفاءة، وأيضا التكوين الذي خضعنا له مع السلطة الألمانية للمنافسة والذي جعلنا نتقدم في الميدان ونشارك في مناظرات دولية، وقد ساهمنا شيئا ما في تبسيط فهم قوانين المنافسة. لكن هذا ليس كافيا, لأن عملنا الأساسي مرتبط بتقنين السوق، وهذا غير ممكن لأن أيدينا مقيدة. وعلى كل ففي مارس 2009 قدمنا مقترح إصلاح القانون للوزير الأول السابق ودافعنا عنه، لكن كان هناك نوع من التماطل إلى غاية الخطاب التاريخي لصاحب الجلالة الذي فتح المجال أمام الإصلاح الدستوري، وحظيت آنذاك بالاستقبال الملكي، حيث أعلن جلالة الملك بأنه ستتم دسترة المجلس. - ماذا حدث بعد ذلك؟ طبعا بعد ذلك كان هناك اجتماع مع الوزارة الأولى السابقة وزارة الشؤون الاقتصادية، وعدنا إلى النص القديم وناقشناه وفي الواقع لم يدخلوا عليه تعديلات كبيرة. وقد تم التنصيص في ذلك النص على الاختصاص العام في قضايا المنافسة والسلطة التقريرية والاستقلالية وحق التحري والإحالة الذاتية، وتم تقديم النص إلى الأمانة العامة للحكومة. وبعد مجيء الحكومة الجديدة أرسلت الأمانة العامة للحكومة النص إلى رئيس الحكومة لإبداء رأيه بشأن المضامين الواردة فيه، واجتمعنا من جديد مع مصالح رئيس الحكومة الحالي وأعيد النص بعد ذلك إلى الأمانة العامة للحكومة وعقد اجتماع معها، وقررنا بعد ذلك نشره في بوابتها لإبداء الرأي بشأنه. وفي الواقع ردود الفعل كانت بشكل عام إيجابية، باستثناء بعض الملاحظات الطفيفة، وتم إعداد النص وتوجيهه إلى المجلس الحكومي للمصادقة. طبعا كنت أعتقد بأن النص الموجه للحكومة كان في الصيغة التي اتفقنا عليها، والتي نشرت في البوابة، فإذا بنا نفاجأ بأنه ليس نفس النص، حيث تم تقسيمه إلى جزأين، أحدهما يتعلق بالاتجاهات العامة لحرية الأثمان والمنافسة والآخر يتعلق بالمجلس. ولكن الأساسي مرتبط بتعديلات مبهمة من دون طلب رأينا في الوقت، حيث صادقت الحكومة على النص، مع إبداء بعض الوزراء ملاحظات أنشئت من أجلها لجنة حكومية ستفكر في تلك الاقتراحات، وبعد ذلك يوجه مباشرة للبرلمان. - هل توصلتم إلى مضمون تلك الاقتراحات؟ طبعا علمنا بأن هناك قضيتين أساسيتين تهم الأولى العلاقات بين سلطة المنافسة، أي المجلس، والسلطات التقنينية القطاعية. والمنطق الذي تقدمنا به واضح، وهو أنه لدينا السلطة العامة فيما يخص قضايا المنافسة والسوق. وانطلاقا من هذا قلنا بأن السلطة القطاعية في قوانين المنافسة عالميا لديها اختصاصات في كل ما هو قبلي، كتحول قطاع من وضع احتكار إلى وضع منافسة أو تحديد الأثمنة وشروط خلق المنافسة، ولكن التدخل البعدي لضمان احترام شروط المنافسة يبقى من اختصاص المجلس. طبعا هذا الفصل لم يأت من فراغ، لأن منطق قوانين المنافسة يقول بأنه إذا تركنا للمقنن القطاعي متابعة الممارسات المنافية للمنافسة فسيقع ما يسمى بالحجز. مثلا أنت كمسؤول على الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات أو غيرها رغم أنك رجل مقتدر ونزيه ولكنك تشتغل مع ثلاث مقاولات أو أربع، وتنظم معها المشاكل التقنية، ويتم عقد اجتماعات أسبوعية ويمكن احتساء فنجان قهوة بشكل جماعي. وبالتالي كيف يمكن لهذا المسؤول التدخل في حال وجود تصرفات منافية للمنافسة في السوق؟ والآن هناك بعض المقننين القطاعيين الذين يريدون الاستحواذ على المنافسة قبليا وبعديا، ومعنى هذا أن الريع غير الشرعي له شروط موضوعية للبقاء. وثانيا نحن نتجه نحو خلق هيئات الحكامة القطاعية، فإذا تم تكليف سلطات التقنين القطاعية بالإشراف على ما هو بعدي فما الفائدة من وجود مجلس المنافسة؟ - وماذا عن المقترح الثاني الذي تقدم به الوزراء؟ القضية الثانية ترتبط باستقلالية المجلس، ليس الاستقلال المالي، ولكن استقلالية الأعضاء. وفي الاقتراح الأول قلنا بأن كل عضو يجب أن يقترح كشخص وليس كممثل لوزارة أو مؤسسة، وأن تكون له مقدرة واستقلالية وروح معترف بها وطنيا، لأنه إذا كان ممثلا للوزارة فإنه سيطبق أوامر الوزير. الإشكال الآن هو أننا لا نعرف شيئا عن هذه اللجينة التي أوكلت إليها مناقشة تلك الملاحظات ولا نعرف أعضاءها، والنص لم يذهب بعد إلى البرلمان. وبالنسبة إلينا هناك مشكلان أساسيان مرتبطان بعمق النص والتوقيت. فالمسألة الأولى هي أنه لا رجعة في الاستقلالية والاختصاص العام والسلطة التقريرية والإحالة الذاتية وحق التحري. والمسألة الثانية مرتبطة بالتوقيت، لأنه في إطار نشاطنا فسيحتضن المغرب في أبريل المقبل لقاء عالميا ستشارك فيه أكثر من 100 دولة، وقد تم اختيارنا لتنظيم هذه التظاهرة الكبرى لعدة أسباب منها دعم تجربة إصلاح المجلس على مستوى توسيع صلاحياته. فماذا سأفعل والنص لم يصل بعد إلى البرلمان؟ وهناك قضية أخرى مرتبطة بأعضاء المجلس أنفسهم، حيث تمت تسميتهم في أكتوبر 2008 وتم تنصيبهم في يناير 2009، وفي أكتوبر المقبل سيستكملون مدة عضويتهم، وبالتالي سنكون أمام إشكال كبير.