استضافت مجموعة ماروك سوار، في إطار "منتدى 90 دقيقة للاقناع" عبد العالي بنعمور، رئيس مجلس المنافسة، الذي تطرق إلى جملة الإصلاحات التي شهدتها المملكة في غضون العشرية الأخيرة مبرزا أن المغرب المنخرط في توجهات تكريس دولة الحق والقانون والحريات، حرص على إطلاق مؤسسات الحكامة، ومنها مجلس المنافسة، الذي سيساهم في تأهيل وتحديث الاقتصاد الوطني وتعزيز تنافسيته وتحفيزه وجذبه للاستثمار المنتج، مع ضمان تكافؤ الفرص ومكافحة اقتصاد الريع، ومختلف أشكال الاحتكار والامتيازات غير المشروعة، ضمن منظومة مؤسسية وطنية منسجمة ومتناسقة للحكامة الاقتصادية الجيدة. ألقى صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش خطابا ساميا أكد من خلاله على أهمية استمرارية الأوراش الكبرى الاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها المملكة، ما هي أبرز الخلاصات التي استنتجتموها من هذا الخطاب؟ - ما استنتجته من هذا الخطاب المهم، يصعب بكل صراحة حصره في بضعة أسطر، لكن أقول إن الخطاب السامي لعيد العرش شخص حصيلة همت بعدين أساسيين، الأول يتعلق بالمكاسب المحققة على صعيد الحريات والديمقراطية، في حين، ارتبط البعد الثاني بالمكاسب الاقتصادية. ومن زاوية أخرى، أرى، بخصوص الآفاق التي رسمها الخطاب الملكي، أنه تناول ثلاث نقط رئيسية، إذ تطرق صاحب الجلالة إلى رؤية، مبينا الأهداف منها، والاستراتيجية اللازمة لتحقق ذلك. وهكذا، همت الرؤية المسار الذي سطره صاحب الجلالة من أجل الاستمرار في بناء الدولة المعاصرة، انطلاقا بطبيعة الحال من الدستور الجديد. أما بالنسبة للأهداف، فهي سياسية واقتصادية واجتماعية، إذ تتمحور الأهداف السياسية حول الاستمرار في ترسيخ دول الحق والقانون والحريات، أما الأهداف الاجتماعية، فترتبط بمواصلة تقوية جوانب عدة، أهمها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والنهوض بأوضاع المواطنين بشكل عام. وبخصوص الأهداف الاقتصادية، فهي تروم أساسا الاستمرار في تأهيل التنمية القطاعية ببلادنا، وفي هذا السياق، تطرق الخطاب الملكي إلى مخطط "إقلاع" (إمرجانس) بخصوص الصناعة، والمخطط الأزرق بخصوص السياحة، والمخطط الأخضر المتعلق بالفلاحة، إلى جانب الدعوة إلى الاهتمام بمجال التكنولوجيات الحديثة للاتصال. وترتكز الاستراتيجية الشاملة، التي سطرها الخطاب لبلوغ هذه الغايات، على ضرورة ترسيخ أسس مناخ ملائم، وخيارات أولوية حاسمة، إذ أبرز أهمية العدالة، والجهوية، والإدارة، وإطلاق السلطات الجديدة للحكامة، التي نجد من بينها مجلس المنافسة. في سنة 2009، أعددتم مشروعا للإصلاحات الرامية إلى تكريس الحكامة، ومن بينها حكامة مجلس المنافسة، تم تقدمتم به إلى صاحب الجلالة خلال سنة 2011، لكن، منذ ذلك الحين، يبدو أن هناك تأخرا، فهل الأمر ناجم عن تعثر على مستوى الأمانة العامة للحكومة، وما هو تفسيركم لذلك، علما أنكم، في إحدى خرجاتكم الإعلامية، ناديتم بضرورة وأهمية تطبيق هذا الإصلاح؟ كما تعلمون، جرى تنصيب مجلس المنافسة سنة 2009، من قبل الوزير الأول السابق، واطلعنا على نص القانون الأساسي، ولم يكن جيدا، بعكس النص الحالي 06/99، الذي يعتبر جيدا ومناسبا من ناحية كونه يتوفر على كل ما يلزم بخصوص الأهداف، لكن، عندما يتعلق الأمر بالفاعل، أي من سيقوم بتنفيذ هذا، أي المجلس، فالعكس هو الصحيح، فالمجلس يبقى استشاريا، وللتذكير، فإننا، في أواسط سنة 2009، قدمنا المشروع وعملنا على تحريك هذا الموضوع، لكن التأخر كان سيد الموقف، وأنا لم أعرف لماذا، لكن، بعد ذلك، استقبلني صاحب الجلالة وأعلن عن دسترة المجلس، كما أخبرني جلالته بتفعيل إصلاح الإطار التشريعي للمجلس، حتى يتمكن من لعب أدواره كاملة. مباشرة عقب ذلك، جرى قد لقاءين مع الفريق السابق للوزارة الأولى، وسحبنا النص الذي يعود إلى سنتين ونصف من قبل، واشتغلنا في انسجام تام، إذ توصلنا إلى توافق شبه تام بخصوص مقتضيات النص الجديد، لتقع إحالته على الكتابة العامة للحكومة التي شرعت في النظر إليه. بعد تشكيل الحكومة الجديدة، أحالت الكتابة العامة للحكومة النص على رئيس الحكومة حتى يطلع عليه والموافقة عليه، إلى جانب دعوته إلى إدخال تعديلات جديدة واردة في الدستور الجديد بخصوص المجلس، وحينها، تم تشكيل لجنة في رئاسة الحكومة، تتكون من مستشاري رئيس الحكومة وأعضاء المجلس، الذين كانوا يناقشون النص مع الحكومة السابقة. بالنسبة إلي، الأمور تسير على ما يرام لحد الآن، في انتظار ما ستقرره الحكومة وغرفتا البرلمان. ونحن قمنا باطلاع كل الفرق النيابية على ما نقوم به، والجميع على علم بذلك. ومنذ شهر، قدمت عرضا حول المجلس بالغرفة الثانية، بدعوة من رئيسها. وأضيف هنا أن النص الذي نرغب فيه، يقوم على أسس تأخذ بعين الاعتبار أن المغرب بلد ليبرالي، يتبنى اقتصاد السوق منذ الاستقلال، عكس بلدان أخرى، إذن يجب أن تكون هناك قواعد يجب أن تطبق، لضمان عدم وقوع أي تجاوزات تعيق سير اقتصاد السوق، القائم على المنافسة، التي لا تعني تحديد الأسعار من قبل وزارة ما، ولكن تعني الاستناد إلى قانون العرض والطلب، الذي يكون الأفضل فيه هو الرابح، ونحن في هذه المرحلة، وهناك تفاؤل بهذا الخصوص. ما هي، في نظركم، الطريقة التي يمكنها دفع الحكومة والقطاع الخاص جنبا إلى جنب لاتخاذ قرارات تصب أكثر في اتجاه مصلحة الطبقات المتوسطة والضعيفة؟ - الوضعية ليست سهلة، لأنه من العسير القيام بكل شيء، ورغم ذلك، يبدو أن هناك مجهودات تبذل من أجل الجميع، متمثلة في استمرار الإصلاحات الكبرى الهيكلية. وأنا من الذين يعتقدون أن علينا القيام بتأهيل الحقل الاقتصادي المنتج للثروات، بغية الاستجابة للمتطلبات الاجتماعية للطبقات الشعبية. وأنا من الذين يقولون إن المغرب عليه أن يمر من مرحلة الإصلاح الهيكلي من الناحية الاقتصادية، لتوفير ما يلزم والاستجابة، بالتالي، للمطالب الشعبية، وهذا أمر لا يمكنه أن يتحقق غدا، لذا، فالخطاب أمام الطبقات الشعبية يجب أن يكون شفافا، وأنا أؤمن بأن المغاربة أذكياء، ويمكنهم فهم أي شيء. إن الإشكالية الاقتصادية التي نعانيها حاليا، هي أننا لدينا تنافسية ضعيفة ووسائل إنتاج غير كافية، وإذا أردنا أن نقوي القطاعات المنتجة، وعلى رأسها الصناعية، يجب أن تكون لها منافذ لترويج الإنتاج وبيعه، وإذا كانت السوق الداخلية غير قادرة على استيعاب العرض، فمن الضروري البحث عن استراتيجية تصديرية للخارج لتصريف المنتوج، لنتوصل إلى تحقيق الدخل، لتقوية القدرة الشرائية الوطنية، والمرور، بالتالي، إلى مرحلة التوزيع. لكن أين يقع الخلل الذي يحول دون ذلك؟ نحن نعلم أن التنافسية تقوم على أمرين، هما وسائل الإنتاج، ومحيط الأعمال، وبالنسبة للعامل الأول، أرى أنه من الضروري توفير الموارد البشرية المؤهلة، مع إعادة النظر في قانون الشغل، من ناحية توفير المرونة اللازمة لفائدة المستثمر، لأنه، دون ذلك، سيجعله يبتعد عن أي استثمار ويتوجه إلى المضاربات العقارية، التي تكون عادة أكثر مردودية. ولابد من التذكير هنا بأهمية توفر عامل التمويل، دون إغفال ضرورة إصلاح سبل ولوج المقاولات الصغيرة إلى القروض، مع التركيز، أيضا، على سبل توفير التمويل العمومي، والتمويل الخارجي، وكيف يمكن التعامل مع المؤسسات الخارجية للحصول عليه، ثم العقار. وبالنسبة إلى دعم، سواء للفلاح مثلا أو المقاول، أقول إن عليه أن يكون وفق شروط محددة حسب أجندة زمنية واضحة، ولا بد هنا أن نفرق بين المساعدة الاجتماعية والدعم، فالدعم، إذا أردنا أن نمنحه لفلاح لا يملك إلا مساحة تقل بكثير عن هكتار واحد، علينا أن نطالبه بالدخول في عملية ضم الأراضي، أو الاندراج في إطار تعاونية فلاحية مثلا، والجميع يعلم أن الفلاحين الصغار الذين يواجهون الإكراهات المناخية، تعجزهم المحاصيل الزراعية المتواضعة عن تسديد ما بذمتهم من ديون، وهو أمر يتكرر لسنوات، وتكون الدولة في آخر المطاف مجبرة على التدخل لإعفائهم. وعن عامل المناخ العام للإنتاج، أرى أن الأمر يتعلق قبل كل شيء بضرورة توفر العدالة كضمانة أساسية لكل مبادرة، وأرى أن الهيئة العليا لإصلاح القضاء تقوم بعمل جيد لبلوغ ما نصبو إليه، وبطبيعة الحال، هناك قضاة نزهاء، وأنا أعرف شخصيا عددا منهم، لكن النظام القضائي يحتاج إلى بذل مجهودات، وبطبيعة الحال والحمد لله أقول إن الهيئة المعنية بالإصلاح تقوم بما يلزم القيام به، والأمور تسير نحو التحسن. ما هي صلاحيات مجلس المنافسة؟ - إن مجلس المنافسة يسهر على تقنين الممارسات البعيدة عن دائرة المنافسة المتكافئة، والحيلولة دون الاستعمال التعسفي لمواقع مهيمنة، هذا إلى جانب متابعة التمركزات الاقتصادية، وإدماج المقاولات. ومؤسسة كمجلس المنافسة، يجب أن تتوفر على صلاحيات عامة في مجال تخصصها، بعيدا عن التضارب مع مؤسسات أخرى، ففي كل الدول، فإن ما يخص تنظيما قطاعيا معينا يرجع إلى المقنن القطاعي، وعلى سبيل المثال، عندما أعلن عن تحرير قطاع الاتصالات، فإن المقنن القطاعي "الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات" هي التي أشرفت على الموضوع، أما إذا كان اختلاف حول تسعيرة المكالمات بين الفاعلين في هذا القطاع، فإن الأمر يصبح من اختصاص المقنن الوطني للمنافسة. وأذكر هنا أن مجالس المنافسة عبر العالم لا تعد بمثابة محاكم، بل هي امتداد للسلطة التنفيذية، علما أن الحكومة يمكنها القيام بما يمكن أن يقوم به مجلس المنافسة، إلا أنها تنتدبه لهذا الغرض، لأنها يمكن أن تكون في بعض الحالات هي نفسها طرفا وحكما. وبخصوص العقوبات التي يصدرها المجلس، فهي تأتي موازية لما هو معمول به في الاتحاد الأوروبي من أجل الانسجام، وهذه العقوبات تبلغ سقف 10 في المائة من رقم معاملات الشركات، ويمكن للمؤسسات أو المقاولات التي لم تقبل بهذه الذعيرة المتراوحة بين 1 و10 في المائة من رقم المعاملات، اللجوء إلى المحاكم للطعن فيها. وأشير إلى أنه جرت إحالة أزيد من 30 ملفا، بعضها من الحكومة والبعض الآخر من المقاولات، على أنظار المجلس، لطلب إبداء الرأي بخصوصها. هل هناك تداخل بين قضايا المنافسة وحماية المستهلك؟ - المنافسة أمر مهم، وأنتم تعلمون أنه، في حالة توفر منتوج بسعر ملائم وبجودة عالية، فهذا سيكون في صالح المستهلك بطبيعة الحال. حماية المستهلك هي بمثابة ما كان يقوم به المحتسب من قبل، فهي ورش شاسع، وهناك دول تجمع بين قضايا المنافسة وحماية المستهلك، هي الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبولونيا، وبريطانيا. وفي الدستور الجديد، فإن المجلس، باعتباره لبنة في توطيد دولة الحق في مجال الأعمال والمساهمة في تأهيل وتحديث الاقتصاد الوطني وتعزيز تنافسيته وتحفيزه وجذبه للاستثمار المنتج، مطالب بمسؤولية مراقبة الممارسات غير التنافسية، ومراقبة الممارسات التجارية غير الشريفة، ومراقبة التركزات الاقتصادية، وتوفير المناخ الملائم للمنافسة الشريفة ولحرية المبادرة، وتكافؤ الفرص ومكافحة اقتصاد الريع ومختلف أشكال الاحتكار والامتيازات غير المشروعة، ضمن منظومة مؤسسية وطنية منسجمة ومتناسقة للحكامة الاقتصادية الجيدة. هناك بعض الدول عملت على دمج مجلس المنافسة وهيئة حماية المستهلك في مجلس واحد، مثل ما هو الحال في الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وبولندا، وهناك دول تعتبر أن نشاط الهيئتين متداخل، لكن هناك خاصيات لكل منهما، ولهذا عملت هذه البلدان على فصلهما، مثل ما هو الحال في فرنسا، وألمانيا مع بعض الاستثناءات بالنسبة إلى الألمان. نعود إلى المغرب وإلى الدستور الجديد، الذي نص على أن المجلس مسؤول عن مراقبة السلوكات المخلة بالمنافسة الاقتصادية، وكذلك عن الممارسات التجارية غير الشريفة، التي تتعلق بالتلاعب في العلامات التجارية، مثلا أن يأتي أحدهم ويضع علامة تجارية على منتوج معين قريبة من علامة تجارية معروفة وذائعة الصيت، من أجل الاستفادة من مركزها التجاري، في هذه الحالة في الدول الأخرى، تكون العدالة هي المسؤولة عن البت في هذه القضية، وليست مجالس المنافسة، أما في المغرب ووفق الدستور الجديد، فإن المجلس مخول له النظر في مثل هذا الموضوع، وبالنسبة للمجلس، لا تهمه المقاولة لكن ما يهمه هو السوق، ولا تعنينا هذه الشركة أو تلك، وإنما يهمنا أن يسير السوق وفق ضوابط شريفة ومنطقية وسليمة، بمعنى أن الطلب والعرض يجب أن يجريا بكل حرية، دون أن تعترضهما ممارسات خارج المنافسة الشريفة. وننكب على المسائل التي لها علاقة بالماكرو اقتصاد، وهذه أمور تتعلق بالميكرو اقتصاد، وبالتالي فالنظر في الخلافات بين المقاولات أمر يعود البت فيه إلى العدالة، بينما نحن، وفق الدستور الجديد، أصبحنا مطالبين بالنظر فيه، وهذا موجود في الفصل 166 من الدستور. هل هذا في صالح مجلس المنافسة؟ - إذا كنا نحن من سينظر في مثل هذه الأمور المتعلقة بالخلافات بين المقاولات، فسيتطلب منا الأمر الكثير من العمل، وبالتالي، لا يجب أن تسأل هل في صالحنا أم لا، بل يجب أن تتساءل عما إذا كان إسناد هذه المهام إلى المجلس أمرا جيدا أم العكس. كثيرا ما أقابل أشخاصا، خلال اللقاءات والمحاضرات، التي أجريها، ويفاجئونني بطرح مشاكلهم، من قبيل سرقة علامة تجارية أو التلاعب بمنتوج الشركة، وعندما أقول لهم إن هذه المسائل من اختصاص العدالة، وليس من اختصاصنا يقولون لي إن "الأمر يتعلق بالمنافسة والمجلس لم يقم بدوره"، وربما من هذه الزاوية أدخل محررو الدستور الجديد هذه المهمة ضمن اختصاص المجلس، وإذا كنت تسأل هل نحن راضين أم لا، فالمسألة حسمت، والدستور قال كلمته. من الأفضل أن تسألني كيف سندبر هذه المهمة، فنحن، في النهاية، لسنا محكمة مخولة بإصدار أحكام للتعويض، وحسب الاجتهاد، الذي قمنا به، سننظر في القضايا المعروضة علينا من خلال حالتين، في الحالة الأولى، إذا كنا أمام ممارسات تجارية غير شريفة، تمس السوق، فسنصدر بشأنها العقوبات اللازمة، أما إذا تعلق الأمر بطلب التعويض، فسنوجه القضية إلى العدالة، ولهذا، فبالنسبة إلى الملفات ذات طابع نزاعي بين المقاولات، نوجهه إلى العدالة، لأنه ليس من اختصاصنا البت فيه. هناك مشكل كبير تطرحه الصفقات العمومية ويؤثر على المنافسة ويتهدد السوق باستمرار، كيف تتصرفون حيال هذا الموضوع؟ - يجب أن تسألني عن كيف نمر إلى النظر في ملفات الصفقات العمومية. هناك حالتان، إما أن نتوصل بطلب أو يحال علينا ملف، يتضمن صفقات عمومية مشبوهة، وإما أن نقوم نحن بدراسة، وهنا يجب أن نميز الدراسة، التي نكلف مكتبا أو مؤسسة القيام بها، ونأخذ نتائجها للاستئناس بها، وبين الإحالة الذاتية، التي نقوم من خلالها مباشرة بالتعاطي مع ملف معين، ويستتبعها اتخاذ قرارات. إننا ننظر إلى الممارسات المتعارضة مع المنافسة على أنها تنتج ربحا، وهذا الربح غير شرعي، وهو ما نسميه ريعا، وبالنسبة لنا، فالريع لا ينتج فقط عن ممارسات تقوم بها المقاولات، وإنما أيضا عن ممارسات تقوم بها الحكوم، فعندما تلجأ مؤسسة حكومية معينة إلى تحضير صفقة معينة بناء على مواصفات معينة، لإقصاء هذا الطرف أو ذاك من أجل تمكين طرف محدد من الصفقة، فإنها ترتكب عملا مخلا بالمنافسة ومضرا بالسوق. لا أقول هذا الكلام اعتباطا، وإنما وقفنا خلال عملنا على حالات من هذا القبيل. وكي نكون أمناء، فالمؤسسة التي استفادت كانت هي الأخرى حكومية، لكن وفق شروط المنافسة، لا يمكن محاباة هذا الطرف أو ذلك، بل يجب احترام قواعد السوق. من جهة ثانية، هناك إعانات تقدمها الدولة لفائدة المقاولات الصغرى والمتوسطة، من أجل مساعدتها، وهذا عمل مشروع، لكن يجب أن يجري في إطار شروط محددة، وليس وفق رغبات المسؤولين في الحكومة، ومع الأسف، خلال الحكومات السابقة، كانت الإعانات تذهب لتشجيع بعض المقاولات دون أي شروط. من جهة ثالثة، هناك الرخص التي تمنحها الحكومة إلى أشخاص بعينهم، دون أي شروط في مجال النقل واستغلال المقالع والصيد البحري... وهي ممارسات ينتج عنها ريع، أي اقتصاد يضر بالسوق وينسف قواعده المشروعة. صحيح أن الحكومة لها الحق في إصدار التراخيص، لكن يجب أن تفعل ذلك ضمن احترام شروط المنافسة، مع العلم أن اقتصاد السوق يفرض تحرير كل القطاعات، ولا يسمح بالاحتكار سواء من قبل الحكومة أو غيرها. في ما يتعلق بالصفقات العمومية، طلبنا من مكتب للدراسات إجراء دراسة بقصد الاستئناس، وكانت النتيجة مطمئنة، إذ عرف مجال الصفقات العمومية تحسنا لا بأس به في المغرب، وهناك بعض الثغرات، لكن، عموما، الوضع يسير نحو التحسن. دعا جلالة الملك في خطاب العرش الحكومة إلى البحث عن التمويل البديل، في رأيكم كيف يمكن للحكومة أن تجد هذا التمويل؟ - فعل خيرا جلالة الملك عندما دعا الحكومة إلى البحث عن التمويل البديل، فالمسألة تدخل في نطاق الإصلاح والابتكار. ونحن نعرف أن هناك طرقا كلاسيكية لتمويل المشاريع، تقوم داخليا على الضرائب، واقتراضات الخزينة العامة، والاقتراض من البنوك، وخارجيا، على القروض الأجنبية، والإعانات والاستثمار. وفي ما يتعلق بالتمويل البديل، أرى أن جلالة الملك أراد أن تبحث الحكومة عن آفاق جديدة، مثلا، يمكن اعتبار البنوك الإسلامية طريقة جديدة للتمويل، وإن كان هذا مخالفا لرأيي، فجلالة الملك يسعى إلى دفع الحكومة إلى الابتكار والعمل من أجل إيجاد بدائل عن الطرق الكلاسيكية في مجال التمويل، ففي الوقت الذي ينعدم إيجاد تمويل لمشروع معين، علينا أن نفكر في التمويل عن طريق الشراكات والعلاقات على المستوى الجهوي وطنيا ودوليا. إن المشكل، في رأيي، ليس في إيجاد التمويل، وإنما في إيجاد المشاريع، التي تستحق التمويل، وعندما يتحدث جلالة الملك عن التمويل البديل، فإنه يريد أن يقول عليكم أن تجدوا المشاريع، التي تبرر التمويل. ماذا تضمن اقتراحكم لإصلاح صندوق المقاصة؟ أولا، نحن لم نقدم مقترحا ولا أي شيء من هذا القبيل، طلب منا الوزير الأول السابق عباس الفاسي، في نهاية 2010، أن ندلي برأينا في ما يتعلق ب 15 مادة لم يقع تحريرها بعد، ومن ضمن هذه المواد، هناك مواد يدعمها صندوق المقاصة، وكان من المقرر أن نجيب في ظرف لا يتعدى شهرين، وأنتم تعرفون أن مشكلا بهذا الحجم لم يستطع المغرب أن يحسم فيه خلال عقود، فكيف سنجيب نحن في ظرف شهرين، لهذا أجبنا الوزير الأول السابق، وقلنا له "اتركوا الأمور على ما هي عليه في ما يتعلق بالمواد ال 15، وفي ما يخص المواد الثلاثة الرئيسية (الدقيق والسكر والمحروقات)، سنعد دراسة بشأنها وسنوافيكم بها حال الانتهاء منها. وشكلنا خلية من الأطر، وهنا أهنئ، بالمناسبة، سيدتين بدلتا مجهودا جبارا، خلال 14 شهرا من العمل، والآن هذه الدراسة بين يدي رئيس الحكومة، وتتضمن ثلاثة سيناريوهات، هي إصلاح إجراءات نظام المقاصة في ما يتعلق ببعض المواد، والتحرير الشامل، مع تقديم عون مباشر للفئات المتضررة، وأعتقد أن هذا السيناريو سيكون مفيدا للدولة وللفئات الفقيرة، التي ستتلقى دعما مباشرا على حد سواء. هل وقع التفكير في الإبقاء على دعم المواد الأساسية بالشكل الذي هو عليه، وفي المقابل، إقرار ضريبة لاستعادة الدعم الذي تقدمه الدولة في المواد الثلاث الدقيق والسكر والمحروقات من الشركات والمؤسسات الخاصة، التي تستهلك هذه المواد أكثر من الأسر؟ - كلنا نعرف أن هناك جهات أخرى تستفيد بنسبة أكبر من المواطنين العاديين في استهلاك هذه المواد، لكن فكرة إقرار مزيد من الضرائب مسألة ستكون لها انعكاسات سلبية على الاقتصاد. نحن مع مبدأ التحرير، ومع دعم من يستحق الدعم، وهنا أقصد دعم الفئات المتضررة بشكل مباشر. إننا نسعى إلى حفاظ على مناخ أعمال آمن، نوفر فيه الثقة للمقاولات المنتجة والقدرة الاستهلاكية للمواطن. هل تملكون الصلاحية للنظر في خلاف بشأن المنافسة بين مقاولات وطنية ومقاولات متعددة الجنسية؟ وهل يحق للمغرب أن يضع شروطا للحد من حظوظ الشركات الأجنبية لفائدة الشركات الوطنية؟ - بالطبع، إن تحرير الاقتصاد يسري على كافة المجالات وكافة المتدخلين كانوا من المغرب أو من دول أخرى، وإذا كانت هناك ممارسات غير تنافسية بين متدخل أجنبي فإننا نتدخل، والعكس صحيح. أما في ما يتعلق بالسؤال الثاني، فيجب أن نتذكر أن المغرب عضو في منظمة التجارة العالمية، وهذا معناه أن اقتصاده أصبح منفتحا على كافة الدول الأعضاء في المنظمة، كذلك لا يجب أن ننسى أن المغرب وقع اتفاق الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوروبي، كما وقع اتفاق التبادل الحر مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتركيا، وهناك إعلان أكادير، وهو في طريق التوقيع مع كندا. إذن، فالاعتبار الوطني في هذه الحالة لا يستجيب بشكل ذكي للوضع الاقتصادي، ومن أجل دعم المقاولات الوطنية، يجب أن ندعمها على مستوى مناخ الأعمال وتأهيل الأطر، وإعادة التأهيل، وفرض احترام الجودة، وليس بفرض الحماية الجمركية أو طرد الشركات الأجنبية. ماذا عن تركيبة المجلس بعد دسترته؟ - واجهنا بعض الصعوبات مع الوزارة الأولى سابقا في ما يتعلق بضرورة حضور قضاة في المجلس، ولم أفهم لماذا كانت الوزارة الأولى متشبثة بهذه الفكرة، فعدد الأعضاء هو 12 عضوا، وإلى جانب الرئيس، أو الرئيسة مستقبلا، سيكون 4 أعضاء دائمون نوابا للرئيس. ومن جهتنا، قررنا أن يكون اقتصاديان وقاضيان، وانطلاقا من تجربتنا، نعرف أننا بحاجة إلى البعدين الاقتصادي والقضائي معا، وبالنسبة إلى الوزارة الأولى السابقة، طالبت باقتصادي واحد وقاضيين، علما أن العمل يقوم به الاقتصاديون. لكن عندما تحدثت إلى رئيس الحكومة الحالي ساند طلبنا، وقال لنا أنتم بحاجة إلى 3 اقتصاديين وعنصر قضائي، لكننا أكدنا على ضرورة توازن مكتب الرئيس (اثنان من الاقتصاد واثنان من العدالة، متفرغان للعمل بشكل مستقل وليس منتدبين)، إضافة إلى رجلي أعمال وشخصيتين يمثلان في المجلس المستهلك بصفتهما المستقلة، وليس نيابة تمثيلية عن أي هيئة. كلمة أخيرة - بلادنا تحت قيادة رشيدة، ونحتاج إلى الإبداع وإلى الشجاعة السياسية لإقرار الإصلاحات، التي بدأناها.