من أكبر سجون العالم المتحضر، إليكم رسالتنا. نحن بضع عشرات أطفال وطفلات بالكاد فتحنا أعيننا على الحياة. أعمارنا بين الرضيع ذي البضع ساعات والصبي الذي أمهلتموه لكي يعيش لسنوات معدودة. حين أبصرت أعيننا الحياة أول الأمر اعتقدنا أننا مخلوقات ولدت لتتدلل وتمارس شغبها الجميل وتصرخ فيكم كلما بادرها الإحساس بالجوع أو البرد. علمنا منذ البداية أننا نحيا في قفص كبير، لكننا اعتقدنا أنكم تساوون بيننا على الأقل وبين الكتاكيت التي رأيناكم ترعونها في المزارع وتطعمونها وتحمونها من أنياب الذئب، أو قططكم المدللة أو حتى صغار كلابكم التي تتعهدونها بالإطعام والتطبيب والرعاية. من تقدمت منا به الأعمار سنوات ثلاث أو أربع أو حتى عشر، أخبرتموه أن بيته ليس بعيدا عن أيدي اللصوص، وأن أباه ذهب ذات ليلة ليجلب له الحليب فلم يعد، وأن أمه بكت شقيقه الشهيد فجفت عيناها من الدمع، وحزنت فجف ثديها من الحليب، فأكلنا جميعا مما تطعمونه أنتم لكتاكيتكم داخل المزارع، واعتقد الصغار مرة أخرى أنهم على الأقل عندكم في مرتبة الكتاكيت، تطعمونهم علف الدواجن، لكنكم تحمونهم من الذئب الجائع. وعندما جاءنا اللصوص، وجاءنا الذئب زائرا داخل البيوت. ذهبتم جميعا إلى غرف نومكم داخل قصوركم وبيوتكم وحتى أكواخكم، وضممتم أطفالكم إلى أحضانكم وقصصتم عليهم قصة جميلة تنتهي بشيخ حنون اسمه بابا نويل يدخل من فوهة المدخنة ويتزحلق حاملا هدية جميلة. فنام أطفالكم وقد رسموا البسمة على وجوههم الصغيرة مصدقين كذبتكم الكبيرة. بينما استيقظنا نحن ليلة رأس السنة على دوي الصاروخ الذي حطم بيت جيراننا، فأطلت رؤوسنا الصغيرة من نافذة الصاروخ، ومشينا دون أن ندري على جثث أصدقائنا من أطفال جيراننا نعبث ببقايا لعبهم وننتظر منهم أن يقوموا ليركضوا نحونا كي نلعب معا؛ لكنهم لم يقوموا ولم يركضوا.. ولم نلعب. طلع علينا النهار ونفضنا الغبار ورأيناهم يحملون الجيران وأبناء الجيران إلى حيث لا يعودون، فحملنا اللعب وعدنا إلى بيوتنا ننتظر وصول صاروخ قد يأتي في الليل أو في الصباح، يحطم بيتنا ويحرق أجسامنا ويقتلع قلوبنا الصغيرة من بين أضلعنا. لكننا لم نيأس واحتفظنا بأمل أن تنجو لعبتنا ولعبة الجيران، فيحملها الناجون من أطفال الجيران.. فيلعبون. مضت أسابيع ثلاثة، مات في كل يوم من أيامها جيران وأطفال وضاعت الدمى واحترقت اللعب بين الحطام. رأيتم ذلك فتفرجتم، رأيتم الدم فأسفتم، رأيتم الأشلاء فصرختم؛ لكنكم لم تكفوا عنا اللصوص ولم تقتلوا الذئب، ولم تغطوا بيوتنا بسقف لا يخرقه الصاروخ فيكسر عظامنا الصغيرة ويطفئ نور أعيننا البريئة. نحن الذين سيأتي الصاروخ إلى بيتنا غدا، سيحطم بيتنا غدا، سيشوي أجسادنا غدا، ستجلسون أمام شاشاتكم غدا وستتفرجون غدا، سترونهم يحملوننا موتى غدا، ستتألمون غدا وتضربون يدا بيد غدا وتقولون هذا حرام، ظلم، اعتداء وحشي وهمجية، غدا؛ ستنددون غدا.. وتشجبون غدا وتضيفوننا إلى حصيلة الضحايا غدا، وتنتظرون المزيد غدا... فماذا فعلتم اليوم؟ اليوم تظاهرتم، اليوم صرختم، اليوم خرستم، اليوم اجتمعتم، اليوم افترقتم، اليوم تخاصمتم وتصالحتم، اليوم تساءلتم ما العمل؟ فتبرعتم وجمعتم وأرسلتم دواء وطعاما، وأتبعتم ذلك طاقما صحفيا ليوثق لسخائكم ثم أغلقتم المعابر وعدتم لتتفرجوا وتنددوا بحرماننا من مساعداتكم... ثم تناموا مع أطفالكم. غدا سوف تستيقظون لتسألوا عن الرقم الجديد، فلا تتعبوا أنفسكم.. سنكون نحن الرقم الجديد، وأنتم تعرفون كيف سنكون نحن الرقم الجديد. سوف لن نكون هنا لنصرخ في وجوهكم، أو نبكي من جفائكم أو نُتعب ضمائركم. سوف لن تفيدنا قممكم ولا سفوحكم، لن نكون هنا لنأكل من طعامكم، لن يشفينا دواؤكم، لن يبقي أرواحنا في أجسادنا الصغيرة تنديدكم، لن يبقينا في أحضان أمهاتنا تضامنكم. نحن من سيموت غدا، نحن من سيصعد إلى الجنة غدا، فلتذهبوا إلى الجحيم.. اليوم وليس غدا.