من القضايا التي لاتزال تستأثر باهتمام الرأي العام بخنيفرة، قضية أسرة رضيع وُلد مشوها بخنيفرة اضطرت إلى رفع دعوى قضائية في حق طاقم طبي بقسم الولادة بالمستشفى الإقليمي على خلفية تصوير عملية توليد هذا الرضيع بكاميرا فيديو، وبطن أمه كان مكشوفا وقت إخضاعها للعملية القيصرية، ولم يكن منتظرا أن ينتقل الشريط إلى الشارع العام في ظروف «مخزية»، وتتناقله الهواتف النقالة ومواقع الكترونية على شبكة الإنترنيت، وكان طبيعيا أن تتم مناقشة أسرة الرضيع من طرف المتتبعين في إمكانية مقاضاة الجهة الوصية على القطاع ، وتكون الشرطة القضائية قد انتهت من مسطرة التحقيق المفصل في القضية بناء على الشكاية العائلية. ووفق مصادر متطابقة، فإن أبوي الرضيع عانيا كثيرا من حالة نفسية مزرية نتيجة «جريمة» الشريط الذي لم تحترم فيه قواعد الإنسانية، زائد تناسل الإشاعات التي تروج ما يزعم أن أسرة الرضيع تطالب بمبلغ مالي باهظ مقابل التنازل عن القضية! وبخصوص «جريمة» تسريب الشريط خرج الطبيب المعني بالأمر عن صمته لينفي، في تصريح ل"الاتحاد الاشتراكي"، أية مسؤولية له في الموضوع، وقال إنه "يجهل ظروف تسرب هذا الشريط إلى الشارع، علما بأنه يتوفر على أزيد من ستين شريطا ولم يقع يوما أن تسربت منها ولو لقطة واحدة، فقط يحتفظ بأشرطة الحالات المستعصية والنادرة والفريدة من نوعها، لعرضها أمام الأساتذة والباحثين في الميدان الطبي، وفي الندوات والمؤتمرات الدولية، بغاية توسيع النقاش وتبادل المعلومات والخبرات"، ومن هذا المنطلق أضاف الطبيب المذكور قائلا: " أشرفت فعلا على عملية توليد الرضيع المثير للجدل، وأمرت لحظتها ممرضا من الطاقم بتصوير هذه العملية، مع التركيز على عدم إظهار وجه الأم أو تاريخ وزمن العملية، وكنت أشرح الحالة أمام بعض الطلبة المتدربين المنتسبين لكليتي طب بمدينتين مغربيتين، في حضور قابلات وأفراد الطاقم المساعد، والدليل، يقول الطبيب، أن الأم كانت على وعي تام"، وحسب قوله دائما "إنه بمجرد انتهائه من العملية أخذ هاتفه النقال ونقل به الشريط من هاتف الممرض ولم ينس أن يطلب من هذا الأخير عدم الاحتفاظ بالشريط"، مضيفا "لو كانت نيتي أن أسرب الشريط لما أظهرت وجهي وتحدثت بشكل طبيعي"، وزاد قائلا إنه لم يعلم بالشريط إلا من خلال اتصال به من طرف إدارة المستشفى التي أخبرته بالموضوع يوم كشفت عنه جريدة "الاتحاد الاشتراكي"، حيث اعتبر الفضيحة بقوله "ليس مسا فقط بأخلاقيات المهنة ، بل مسا مباشرا بسمعتي كطبيب وأستاذ باحث وعضو بمنظمة أطباء بلا حدود، وكذلك مسا باسمي الذي حرصت دوما على وضعه فوق كل اعتبار من باب احترام مبدأ النزاهة والقَسَم الطبي". سيما أنه يفتخر بانحداره من إقليمخنيفرة، ولم يسبق له أن عمل بمستوصف أو بمستشفى إقليمي إلى حين جاءت به الأقدار للعمل بالمركز الإستشفائي بخنيفرة، وكم كان طموحه أن يكون عمله راقيا، إلا أنه لم يكن يتوقع اهتزاز صورته بقوة في قضية من قبيل شريط يهم عملية توليد. أما فيما يتعلق بالممرض المتهم فلم ينكر عملية تصوير الشريط، إلا أنه نفى أية علاقة له بتسريبه إلى العموم، وبينما أكد الطبيب أن الشريط صور بهاتف الممرض، قال هذا الأخير إن الشريط تم تصويره بهاتف الطبيب، وأن هذا الطبيب أكد ذلك أمام المجلس التأديبي والشرطة القضائية "قبل حدوث تغيير بالمحضر"، غير أنه يجهل ظروف وصول الشريط إلى الشارع المحلي، مشككا في أن يكون الفاعل شخصا شوهد أكثر من مرة وهو يرافق الطبيب ويقيم معه في غرفة بالمستشفى، وذكرت مصادر من المستشفى أن جميع الأطراف المعنية قد تم إخضاعها للمجلس التأديبي بعد رسائل استفسار في الموضوع. المندوب الإقليمي لوزارة الصحة بخنيفرة صرح في خبر بثته القناة الثانية حول الموضوع بقوله "إننا فتحنا تحقيقا في شأن الواقعة واستفسرنا كل من له علاقة بالأمر، قبل إحالة الملف على المجلس التأديبي، وبعده على الوزارة الوصية، لاتخاذ الإجراءات اللازمة"، وفي اتصال ل"الاتحاد الاشتراكي" بالمندوب الإقليمي منعته السرية المهنية من الخوض في التفاصيل طالما أن الموضوع "بيد القضاء" حسب قوله، وبينما أكد على قيامه بالاستماع للطبيب والطاقم المرافق له أثناء العملية لم يفته تحميل المسؤولية لإدارة المستشفى، انطلاقا من أن كل موظف يبقى مسؤولا عن أفعاله، وفي الوقت ذاته شهد للطبيب بالنزاهة والكفاءة ونكران الذات، وعلم أن هذا الطبيب غادر المستشفى للالتحاق بعمله بإحدى المؤسسات الطبية خارج الإقليم. وكانت حالة الطفل الرضيع، الذي وضعته والدته بالمستشفى الإقليميبخنيفرة، قد تحولت إلى رواية لم تخل من عنصري التشويق والإثارة، وكم اتسع الاهتمام بهذا الطفل الغريب فور انتشار صوره بين الهواتف النقالة التي تناقلته بسرعة غير مسبوقة، حيث لايزال الشارع المحلي بالمدينة يتداول مضمون "شريط الطفل"، بدءا من العملية القيصرية التي أجريت لوالدته، وإلى حين فصله عن الحبل السري وخروجه بشكله المختلف عن جسم الإنسان الطبيعي، ووجهه الغريب ورأسه الضخم وشفتيه الزائدتين وعينيه الجاحظتين الداميتين وجسده المشقق وأطرافه ذات العروق البارزة، ولحظة استنشاقه أنفاسه الأولى لم يتوقف عن الصراخ بصوت رهيب، وقيل أن العاملين بقسم التوليد أصيبوا حينها بالذهول والارتباك، كما أن إحدى الحاضرات من الطاقم الطبي بكت عاليا وأغمي عليها، وإلى حدود الساعة لاتزال بعض أوساط المتتبعين تتساءل إزاء ظروف عملية تصوير الشريط وملابسات وصوله إلى الشارع حيث أضحى في متناول الجميع. وكان طبيعيا أن تصبح حالة هذا الطفل حديث الخاص والعام على مستوى المدينة ومناطق الإقليم، وقد شكك البعض أول مرة في أن يكون "طفل الهاتف" هو نفسه الطفل المعلوم الذي ولد بالمستشفى الإقليمي و"خلقت" منه الإشاعة كائنا خرافيا، تارة بذيل وتارة أخرى على شكل حيوان أو "سبيدرمان" إلى آخر ما يصنعه التهويل الممطط في مجتمع تمتزج فيه المتناقضات والأساطير بالثقافات الشعبية!! وكانت حكاية الرضيع قد قفزت بقوة إلى صدارة الأحداث، وسجل عن عشرات المواطنين والشباب تسارعهم لتحميل شريط هذا الطفل على هواتفهم النقالة عبر تقنية "البلوتوت"، أو ال"إم إم إس" كلما تم تحويل بعض اللقطات من الشريط إلى صور، والمخجل أكثر هو أن يرى الجميع كيف تحمس البعض لإطلاق الشريط على الشبكة العنكبوتية، وفي خضم هذه البلبلة لم يعد غريبا أن تسود حالة من الذعر وسط الأمهات الحوامل، وربما تسابقت بعضهن إلى زيارة الأطباء لإخضاع أنفسهن وأجنتهن للفحوصات، سيما منهن اللواتي شاهدن شريط الطفل المشوه خلقيا على الهواتف النقالة واعتقدن أنهن برؤيتهن له سينجبن مثله، ويخشى المراقبون أن يركب الخوف كل النساء اللواتي يتقدمن للمستشفى الإقليمي لأجل وضع حملهن وما إذا كانت "الكاميرا" تقتنص حالتهن. وبينما تضاربت الروايات والتعاليق بخصوص حالة الطفل وظروف ولادته، تناسلت عدة أقوال من قبيل أن الأم كانت تتعاطى للأعشاب أو لبعض الأدوية خلال فترة حملها، واحتمال أنها لم تكن تخضع للمراقبة الطبية أثناء فترة الحمل، ذلك إذا لم يكن الأمر جاء نتيجة خلل جيني أو فيروس جنسي، إلا أن آخرين اكتفوا بأنها إرادة الخالق تعالى ولا يوجد تفسير علمي لها، والمثير في الحالة أن الطفل المعني بالحكاية فارق الحياة في ظروف غامضة، بعد أيام قليلة جدا من ولادته. والدة الرضيع لم تتوقف عن تأسفها حيال ما جرى، وكان بديهيا أن تتحدث بنفسية مجروحة عن أكبر إهانة تلقتها بمؤسسة تنتمي لوزارة تسيرها امرأة تشدد كل يوم على الاهتمام بالأم والرضيع!! وبينما دعت أم الرضيع كل المدافعات عن حقوق المرأة للوقوف إلى جانبها، أعربت عن ألمها الشديد إزاء من عمدوا إلى تضخيم موضوع الحكاية واستبدلوا الاستنكار بالتفرج على شريط قاس وأمومة لم تكتمل، وفي إشارة قصيرة لخبرها بالقناة الثانية اكتفت الأم بالقول "إنها لم تكن تتوقع أن تفاجأ بنفسها متداولة بين الناس" وتساءلت بمرارة "أين نحن من سر المهنة؟"، فيما اكتفى الأب بتسليم أمره لله على خلفية الشريط المسيء للعائلة. هذه الأم (ن) عشقت حياتها الزوجية التي بلغت ربيعها الأول بالتمام والكمال، وفرحت بحملها إلى درجة أنها ظلت تعرض نفسها كل شهر تقريبا للفحوصات والتحليلات الطبية، عكس ما راج من قبل، والواضح أن "طبيب المستشفى" كان على علم بشكل الجنين المشوه غير أنه لم يشعر أبويه بالحقيقة في انتظار وضع الجنين من باب الفضول والاكتشاف العلمي"، وتتذكر الأم بألم كبير عندما نصحوها بسخرية قبيل أيام معدودة من وضع الحمل بأن "تغسل بالصابون البَلْدي إذا لم تكن منخرطة في التعاضدية العامة"، وكيف كانت كل اللوازم والأدوية على حساب زوجها يوم المخاض، وإذا كان سر المهنة يفرض الاحترام والالتزام بالقَسَم فإن إحداهن لم تخجل وهي تنادي على كل من هب ودب للتفرج على رضيعها المشوه، ولما تمت دعوة الأب إلى استشارة إحدى المؤسسات بخصوص ما إذا كان من الممكن السماح للمستشفى بالاحتفاظ بالرضيع (قبل موته) إلا أن هذه المؤسسة واجهته بعدم الاختصاص، وبأن الأمر لا يعنيها بقدر ما يعني قطاع الصحة، ولما فارق الرضيع الحياة قالت الأم بأنها لم تكن تتصور أن يوضع في "كَرْطونَة" بمستودع الأموات الذي يشكو من رائحة الجثث المتعفنة، ومن حق أحد أشقاء والد الرضيع التعبير عن غضبه حيال جريمة الشريط بقوله: "لو حدث ما حدث بدولة أوروبية لاهتزت الدولة واستقال المعنيون بالقطاع"، ذلك لضخامة الأمر. وإذا كان الرضيع الذي تناقلته الهواتف النقالة في الشارع العام هو نفسه الطفل المعني بالأمر، فلم يكن من تعليق غير دعوة الجهات المسؤولة إلى فتح تحقيق مفصل وشامل في ملابسات وخلفيات مَن عمدوا إلى تصوير ولادة هذا الرضيع وإظهاره في لقطات مركزة لحوالي أربع دقائق، قبل تعميم "الشريط المصور" في سلوك همجي حيث تحول إلى مادة للفرجة والمتاجرة، على حساب سر المهنة والاحترام الواجب لآدمية الإنسان، ومن خلال هذا الشريط وما تضمنه أيضا من صور لأم الطفل، وهي تخضع لعملية قيصرية لحظة الوضع، فتلك واقعة مهينة لكرامة هذه المرأة، وفيها ما يكفي من عناصر «الخطأ غير المقبول»، ومن إخلال بكل القوانين والأعراف والديانات السماوية.