يتولى باراك أوباما غدا مهامه بوصفه الرئيس ال44 للولايات المتحدةالأمريكية وسط أجواء مفعمة بالتفاؤل في أن يمحو بقلم أسود فترة الرئيس بوش الأكثر كارثية في التاريخ السياسي والاقتصادي الأمريكي. ويطرح تولي رجل من أصول زنجية إفريقية مقاليد الحكم في أكبر دولة في العالم أكثر من سؤال بفرنسا حول إمكانية تحقيق نفس الطفرة بالنسبة إلى الأقليات المسلمة، وخاصة المغاربية، في بلد مازالت فيه المساواة شعارا تزويقيا كلما تعلق الأمر بالأفارقة أو المغاربيين، حتى وإن كان هؤلاء قد حققوا اختراقات حقيقية في مجالات الإدارة والأعمال والبحث العلمي والطب والتعليم الجامعي. فرنسا في طليعة المتحمسين في استطلاع قامت به مؤسسة «إيفوب» وشمل 24 ألف شخص ينتمون إلى 24 بلدا من مختلف القارات، أكدت الغالبية أن فوز الديمقراطي باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بقدر ما سيحسن صورة الولاياتالمتحدة في العالم، فإنه يكرس تنامي المساواة بشقيها الإنساني والحقوقي. وجاءت فرنسا في طليعة الدول التي تثق بتغيير إيجابي في السياسة الأمريكية بعد دخول أوباما البيت الأبيض بنسبة 84 في المائة، ومن أكثر المتحمسين للرئيس أوباما، الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة ومعظمهم من سكان الضواحي والأحياء الفرنسية الهامشية (92 في المائة). أما الأقل تحمسا فينتمون إلى اليمين المتطرف (45 في المائة) مقابل 95 في المائة من أحزاب الوسط وأنصار البيئة. وفيما اعتبرت هيلاري كلينتون، التي انسحبت من السباق نحو البيت الأبيض، أن أوباما سيعيد إلى الولاياتالمتحدة «مكانتها التي تليق بها في العالم»، وأكدت ثقتها في أنه سيعمل على سحب القوات الأمريكية من العراق، هاجم جون ماكين بقوة أوباما ورأى فيه صورة للتغيير السيئ. فوز للشباب وعبر رجال الأعمال الفرنسيون من جهتهم عن ارتياحهم لفوز باراك أوباما واعتبروه، في بيان لجمعية أرباب العمل، «فوزا للشباب والتنوع وفاتحة عهد جديد للعلاقات الأطلسية التي شابها نوع من الفتور في عهد الرئيس بوش بسبب الخلافات بشأن الحرب في العراق ومعالجة أزمتي أفغانستان والشرق الأوسط». ولم يخف هؤلاء مع ذلك خشيتهم من أن ينفذ أوباما وعوده الانتخابية بشأن إعادة النظر في آليات التبادل الحر مع تعزيز التدابير الحمائية للمنتوجات الأمريكية. وإذا كان أرباب العمل في قطاعات مختلفة عبروا في معظمهم عن ارتياحهم، ولو بشيء من التحفظ، بفوز أوباما، فإن نظراءهم في قطاع النقل لم يخفوا تأييدهم الكامل للرئيس الأمريكي الجديد خاصة بعد اختيار الكاليفورنيين القطار السريع الفرنسي لتأمين الربط بين ولايتهم والولايات البعيدة الأخرى، وذلك في استفتاء نظم في نفس اليوم الذي انتخب فيه أوباما، الحريص هو أيضا على نظام استبدال الطاقة والتوجه نحو فرنسا ذات الخبرة العالية في هذا المجال. جميع البشر متساوون الملفت في تعاليق الصحف الفرنسية التي أطنبت في الإشادة بما سمته الفوز التاريخي لأوباما، هو أنها جعلت من التنوع والاندماج واحدتان من القيم المثلى التي تميز أنماط السلوك الأمريكي، وهي لم تخطئ في ذلك لأن هذه القيمة متجذرة حقا في بلد جعل من المساواة شعارا روحيا حقيقيا وليس مجرد كلام لتزويق العبارة عند الحديث عن الإفريقي أو المغاربي في دنيا الاغتراب الفرنسي. فالمغتربون كيفما كانت ألوانهم وانتماءاتهم العرقية يعتزون حينما يقرؤون في وثيقة استقلال الولاياتالمتحدة : «إن جميع البشر خلقوا متساوين، وأن خالقهم حباهم بحقوق غير قابلة للإسقاط أو التنازل، منها حق الحياة والحرية والسعادة». فجميع البشر خلقوا هكذا متساوين، وبهذه المساواة صعد أوباما إلى أعلى منصب في الولاياتالمتحدة، وهو منصب يمكنه من أن يرأس البيض كما يرأس السود وسائر الملونين. وبغير هذه المساواة لن يصعد أي إفريقي أو مغاربي إلى سدة الحكم، حيث الأحزاب الفرنسية تستقدم المغتربين إلى دوائر انتخابية غير مضمونة النتائج، فتضعهم على قوائم شقراء في معظمها لتلوينها قليلا بسمرة أصحابها لغرض الديكور والاستخدام الانتخابي. وبينما يتجاوز المرشحون السود في الانتخابات الجماعية والبرلمانية الأمريكية نسبة 22 في المائة، لا تمثل هذه النسبة في ما يخص أبناء الهجرة من أصول إفريقية ومغاربية، أزيد من ثلاثة في المائة علي قوائم الحزب الاشتراكي وحزب ساركوزي، التجمع من أجل حركة شعبية، في 154 مدينة من المدن الفرنسية التي يتعدي سكانها 300 ألف نسمة. أما في المدن التي لا يتجاوز عدد سكانها 20 ألف نسمة، فإن الوضعية أكثر كارثية، إذ لا تتعدى نسبة المرشحين من أصول إفريقية ومغاربية 0.03 في المائة، حسب اللجنة الوطنية للتنوع المكلفة بمراقبة التطبيق الفعلي لمبدأ التنوع في الانتخابات البلدية. حقوق المواطنة ويرفض أصحاب القرار السياسي وحتى الإعلاميون الإقرار بهذا التهميش الانتخابي أو التمثيلي، ولا يريدون التسليم بأن شريحة واسعة من المغتربين تمكنت من تسلق المصعد الاجتماعي الفرنسي بنجاح، وحققت اختراقات حقيقية في مجالات الإدارة والأعمال والبحث العلمي والطب والتعليم الجامعي. ولم تعد أسماء خالد ورشيدة ومصطفى تثير ردود الفعل العنصرية التي ألفناها في الثمانينات حين كانت الأسماء العربية لا تذكر إلا في أخبار الانحراف والإجرام والتخلف والفقر. في سياق هذه المعطيات المؤثرة على الصعيد المحلي، وجدت هذه الأسماء نفسها متحمسة لخوض الاستحقاقات البلدية والبرلمانية، وأمامها، من جهة، تراكمات الماضي الصعب الذي عاشه جيل الآباء، وواجه خلاله العنصرية والتمييز المجحف على المستويين التمثيلي والقانوني، وكذلك الإقصاء الثقافي والاجتماعي، واختلاف سلم القيم، وأنماط العيش والتفكير. ومن جهة ثانية، فإن صورة اضطرابات الضواحي التي تسكنها أغلبية مغاربية لا تزال ماثلة في الأذهان، لأن وعود الحكومة الفرنسية للعمل على معالجة الاختلالات الكبيرة في هذه المناطق كانت مجرد كلام في كلام. تحمس أبناء الجيل الثاني والثالث لاقتحام ميدان السباق البلدي والبرلماني، وإن كان يأتي في وقت انطوت فيه صفحة طبقة سياسية شاخت وبلغت سن التقاعد السياسي، فإنه يعتبر ردا طبيعيا على حالة التهميش التي طالت آباءهم، بعد أن أصرت أطراف سياسية مختلفة على حرمانهم من اكتساب حقوق المواطنة على نحو طبيعي، أسوة بالمهاجرين الذين قدموا من البلدان الأوربية مثل البرتغال وإسبانيا وإيطاليا. أسلوب الفوقية وفي قراءة لحصيلة المشاركة الإفريقية والمغاربية في مختلف الاستحقاقات التي شاركت فيها، يتجلى، من خلال النتائج الباهتة لهذه الجالية، مدى الربط بين الهوية والهجرة الذي تبناه ساركوزي وأكسبه أصوات اليمين المتطرف في الانتخابات الرئاسية، وهو الربط القائل بأن المهاجرين في بعدهم العربي والإسلامي يمثلون الخطر الفعلي على الهوية الفرنسية. والوقع أن الضعف التمثيلي المغاربي التي تفرزه الانتخابات على اختلاف درجاتها، تقع مسؤولية جزء منه أيضا على عاتق أعضاء الجالية الإفريقية والمغاربية أنفسهم، خاصة مع ما يتوفر لهم من فرص للدفاع عن حقوقهم ضد ثقافة الغيتو والتهميش والانفصال عن المجتمع المحيط. ويمكن لهذه الجالية اليوم استخلاص العبرة من فوز باراك أوباما، لتؤسس لنفسها نقطة ارتكاز قوية تنطلق من مرجعية سياسية مشتركة تسمح لها بالتلاقي حول أهداف انتخابية محددة وتطلعات سياسية واجتماعية موحدة. ولم لا التطلع إلى رئاسة فرنسا التي قد تكون من نصيب مغربي بحكم التواجد المؤثر والفاعل للمغاربة في النسيجين السياسي والاقتصادي الفرنسي، حتى وإن كان هذا الحلم بعيد المنال في ظل الانقسام الحالي في أوساط الجالية بين من يتبنى مرجعيات سياسية معينة، ومن يحاول حصر انتمائه بالحدود الجغرافية لبلده الأصل فقط. عنصرية الدولة وما تنساه الجالية المغاربية، هو أن ما يقارب عشرين مليون فرنسي، بمن فيهم الرئيس ساركوزي (ثلث السكان)، هم خليط من بلدان أخرى مثل إيطاليا والبرتغال وإسبانيا وبلدان أوربا الشمالية والشرقية، إلى جانب أن نسبة كبيرة من الفرنسيين الأصليين تزوجوا من مهاجرين أتوا من تلك البلدان أو من البلدان العربية والإفريقية والآسيوية. فالأجيال الأولى من المهاجرين وأولادهم وأحفادهم لا يجدون في التمييز والإقصاء ما يعكس واقعهم في الحياة. فالعنصرية المتواجدة بالفعل تمارسها مؤسسات أو أجهزة محسوبة على الدولة أكثر مما يمارسها الشعب العادي الذي يتجاور يوميا مع الآخرين في إطار احترام خصوصيات الأجناس المختلفة. فالعنصرية خلقتها الدولة الفرنسية بالإهمال لشؤون المهاجرين وما ينتج عنه من استيطان في هوامش المدن التي أهملتها الحكومات من كل التيارات السياسية. وبالعودة إلى أمريكا، فإنه لا مجال للتذكير بأن الرئيس أوباما انتزع شعبيته من عقود من النضال الذي خاضه الزنوج الأفارقة لاستعادة حقوقهم في المساواة والحرية والعيش الكريم. واليوم وقد قبله العالم واستبشر به، لا لأنه اطمئن إلى سياسته، فهي لم تتضح معالمها بعد، وإنما لكونه وضع في اعتباره، على الأقل في حملته الانتخابية، أنه بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، لم يعد العالم فراغا ومكانا لأمريكا وحدها، إذ ظهر منافسون جدد أقوياء يتوجب عليه التعامل معهم، بما يقتضيه ذلك من واقعية تتلخص في أنه لا يمكن لأمريكا أن تتقدم إلا بتقدم العالم وليس على أنقاضه.