رغم أن قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال بالانسحاب من الحكومة كان متوقعا إلى حد ما، خاصة في ظل التصريحات الأخيرة التي أطلقها العديد من القياديين في الحزب ضد الحكومة التي يشارك فيها حزب الميزان بست حقائب، وعلى رأسهم حميد شباط الذي تجاوزت انتقاداته للحكومة تصريحات زعماء أحزاب المعارضة، إلا أنه لا أحد كان يريد التسرع والبدء في وضع السيناريوهات المحتملة لما بعد هذا القرار، إلى أن أصبح الأمر واقعا، وأصبحت مجموعة من السيناريوهات مطروحة على رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران من أجل الخروج من الأزمة التي وضعها فيه انسحاب أكبر حلفائه في الائتلاف الحكومي، رغم أن هذا الانسحاب كان متوقعا إلى حد ما، غير أن التوقيت هو ما بدا مفاجئا لقائد السفينة الحكومية. ولعل أقرب سيناريو يطرحه المتتبعون للحقل السياسي هو ما جاء في البيان الختامي للمجلس الوطني لحزب الاستقلال، إذ دعا أعضاء المجلس الوطني الملك محمد السادس إلى التدخل في إطار الفصل 42 من الدستور، من أجل التحكيم بين الحزبين المتصارعين، وهو الطرح الذي بقي مؤجلا إلى حين عودة الملك من العطلة التي يقضيها خارج المغرب، على أن المراقبين يرجحون، في حال حصول هذا السيناريو، أن تكون هناك مفاوضات مباشرة بين كل من عبد الإله بنكيران وحميد شباط برعاية ملكية، من أجل التوصل إلى حل يرضي الطرفين، ويحافظ على الحكومة في تشكيلتها الحالية دون أي تعديل حزبي. الاحتمال الثاني المطروح أمام عبد الإله بنكيران، هو عدم التشبث بالتحالف مع حزب الاستقلال، والبحث عن ضم أحزاب من المعارضة حتى لا يفقد أغلبيته في البرلمان، وتصبح حكومته، بالتالي، حكومة أقلية، وهو السيناريو الذي قد يواجه فيه بنكيران بعض الصعوبات، حسب منار السليمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، على اعتبار أن «هناك خطوطا حمراء أمام التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة، الذي أعلن منذ البداية أنه لن يكون في نفس الحكومة مع حزب العدالة والتنمية، إضافة إلى خط أحمر للتحالف مع الاتحاد الاشتراكي بزعيمه الجديد، لتبقى الفرضية القائمة هي دخول الاتحاد الدستوري إلى الحكومة، وهي الرغبة التي عبر عنها الحزب غير ما مرة، إضافة إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، على اعتبار أنه شهد خلافا بين قيادييه قبل تشكيل الحكومة الحالية حول الدخول إليها من عدمه». لكن تحالفا بهذا الشكل قد يواجه بصعوبات جمة، وقد لا توافق عليه قواعد حزب العدالة والتنمية الذي طالما هاجم أمينه العام رئيس حزب الحمامة على خلفية استفادته من تعويضات غير قانونية أيام توليه حقيبة الاقتصاد والمالية، إضافة إلى معارضة جناح قوي داخل التجمع الوطني للأحرار للدخول في الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، هذا فضلا عن أن التحالف إذا ما تم سيكون هجينا أكثر من التحالف الذي شكل عقب انتخابات 25 نونبر، على اعتبار أن كلا من حزبي التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري يتبنيان توجها ليبراليا، في حين أن حزب العدالة والتنمية يبقى حزبا ذا مرجعية إسلامية، ينضاف إليه حزب التقدم والاشتراكية بمرجعيته اليسارية. لكن السيناريو الذي يظل الأقرب إلى التحقق، حسب السليمي، هو قيام عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بعد الانتهاء من المشاورات الحزبية اللازمة، باللجوء إلى تطبيق مقتضيات الفصل 104 من الدستور، «وهو الفصل الذي يعطيه إمكانية حل مجلس النواب، وذلك بعد استشارة كل من الملك ورئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الدستوري، وهي استشارة غير ملزمة، ستمكن رئيس الحكومة من القدوم أمام البرلمان ليشرح الأهداف التي كانت وراء هذا القرار، وهو الشيء الذي قد يوظفه بطريقة سياسية، على أن تتم بعد ذلك الدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها، والتي رغم أن حزب العدالة والتنمية يرفع تحدي الفوز بها، فإنه سيكون مضطرا لإعادة حساباته في هذا الجانب، على اعتبار أن التطورات الأخيرة جعلت الأمور مفتوحة على المجهول». لكن هذا الخيار وإن كان الأنسب لحزب العدالة والتنمية، على اعتبار أن الحزب سيقدم نفسه كضحية للمؤامرات التي لم تسمح له بإنجاز مشاريع الإصلاح التي وعد بها، ومن المحتمل جدا أن يعيد اكتساح الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها، لكن هذا السيناريو يبقى في الوقت ذاته مكلفا جدا بالنسبة إلى الدولة، على اعتبار الإمكانيات الضخمة التي يتطلبها تنظيم انتخابات تشريعية، خاصة في ظل الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد المغربي، وأيضا الكلفة السياسية التي قد يؤديها «المخزن»، من خلال إسقاط الحكومة التي جاء بها الربيع المغربي، دون أن تكمل سنتها الثانية، وهو ما قد يفتح الباب واسعا أمام عودة التوتر، خاصة إذا نفذ قياديو حزب العدالة والتنمية تهديداتهم وقاموا بالنزول إلى الشارع. ويبقى المرجح أن يفضي التدخل الملكي إلى تراجع حزب الاستقلال عن خطوته بالخروج من الحكومة، وإن كان هذا الأمر يبدو صعبا في نظر السليمي، على اعتبار أن «هذا القرار قد تكون تكلفته كبيرة، خاصة إذا لم تتحقق الشروط التي تنادي بها القيادة الحالية للحزب، كما سيصعب على قيادة حزب العدالة والتنمية أن تتنازل لمطالب شباط لأن ذلك سيظهرها بمظهر الحزب الضعيف، وعليه فإن كل الاحتمالات تبقى واردة ويصعب على أي كان توقع ما قد يحدث، علما أن كل السيناريوهات تبقى مرتبطة بقرار اللجنة التنفيذية بدء تطبيق ما اتخذه المجلس الوطني للحزب، مع ما سيتطلبه ذلك من تقديم طلبات لإعفاء وزراء الحزب في الحكومة، لتعويضهم بوزراء آخرين».