محمد أزحاف، المنسق الفيدرالي للجنة العربية داخل الحزب الاشتراكي العمالي الحاكم بإسبانيا، شاب يعتبر نفسه إسبانيا من أصول مغربية بحكم أنه ولد بمدريد وعاش بها جميع سنوات عمره، يتكلم الدارجة المغربية بصعوبة واللغة الإسبانية بدون لكنة، يعد نموذجا لأبناء المهاجرين المغاربة الذين استطاعوا النجاح في الاندماج داخل المجتمع الاسباني، وفرض أنفسهم داخل الحياة السياسية لشبه الجزيرة الإيبيرية رغم أن هذا الطريق يكون مفروشا دائما بكثير من الأشواك. - انطلاقا من تجربتك، هل يعد سهلا بالنسبة إلى أبناء المهاجرين ترقي منصب معين داخل الأحزاب السياسية الإسبانية ؟ < لدينا مشكلة هنا في إسبانيا، وهي أن الهجرة معطى جديد داخل المجتمع الذي تحاول مكوناته التأقلم مع مجيء أفواج من المهاجرين، وما زال الناس يحاولون التعود على أن يسكن بجانبهم او يشتغل معهم مهاجر، وليس الأمر مثلما حصل في فرنسا وبلجيكا وبريطانيا، لذلك فالناس مازالوا غير متعودين على أن ينصتوا لشخص اسمه محمد ويتكلم اللغة الإسبانية بدون لكنة، مثلما يحصل في حالتي. ولكي أجيب عن السؤال أقول إن الحصول على منصب معين في إسبانيا بالنسبة إلى أبناء المهاجرين، حتى من ذوي التكوين الأكاديمي العالي، يبدو صعبا، لأنهم يجب أن يكونوا قادرين على القيادة واقتراح شيء ما يجعلهم في الطليعة، فالظفر بهذا المنصب لا يعني شيئا آخر غير ربح ثقة المحيطين بك، وهذا الأمر معقد ويزداد تعقيدا عندما يكون اسم الشخص المعني محمد وأصوله غير إسبانية. - هل يمكن أن نقول إن إسبانيا بلد يوجد خارج السياقات العالمية بحكم أننا شاهدنا كيف فاز باراك أوباما برئاسة الولاياتالمتحدة، مثلما أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ليس شخصا آخر غير ابن أحد المهاجرين؟ < هذا واقع في هذه البلاد، فإسبانيا مازالت تجد صعوبة في التأقلم مع دخول عناصر ثقافية جديدة على المجتمع، لكنني مقتنع بأننا سنرى ذلك اليوم عندما يحين موعده. - هل يمكن أن نشاهد آنذاك رئيسا للحكومة من أصول مغربية؟ < أظن أنه لتحقيق هذا الأمر يجب أن ننتظر سنوات كثيرة، على الأقل خمسين عاما أو أكثر وربما أقل من ذلك العدد، فنحن لا يمكن أن نتكهن بأي شيء في هذا السياق، وسيكون في هذه الحالة رئيس الحكومة المنتخب شخصا إسبانيا ذا أصول مغربية، له ولاء تام لإسبانيا بطبيعة الحال، ومن المهم جدا أن نوضح ذلك. - كيف ترى مشاركة المهاجرين المغاربة في الحياة السياسية بإسبانيا؟ < فعلا، بدأ المهاجرون المغاربة يهتمون بالحياة السياسية في إسبانيا، لكنهم يحتاجون إلى تغيير الطريقة التي يشاركون بها في هذه الحياة السياسية، بمعنى أن المهاجر المغربي عندما يشارك في الحياة السياسية، عليه أن يركز خطابه حول قضية أخرى غير أوراق الإقامة، التي وإن كانت تبدو مهمة، فإنه لا يجب جعلها القضية الوحيدة التي تشغل بال المهاجر، فالمغربي عندما يكون موجودا في إسبانيا عليه أن يشرع في الاهتمام ببعض القضايا المهمة. - مثلا؟ < كيف يجعل الحياة في المدينة التي يعيش بداخلها أفضل، وأن يقترح نموذج المدينة التي يتوق إليها على المستوى الثقافي والديني والتطور الاجتماعي والرياضي، فهناك رياضيون جيدون من أصل مغربي، لكنهم لا يظهرون في وسائل الإعلام، وأعطي المثال بشاب مغربي ولد وازداد في مدينة سبتة قبل أن يهاجر إلى فلنسية ويحوز جائزة «غويا» التي تعد أرفع الجوائز في إسبانيا بفضل إنجازه لفيلم قصير، لكن وسائل الإعلام الإسبانية بالكاد تناقلت الخبر. - أنت الآن تعتبر نفسك إسبانيا، كيف ترى من هذه الزاوية الحياة السياسية في المغرب؟ < لدي ارتباط بالمغرب عن طريق قناتين، أولا قضيت سنوات طويلة مناضلا اشتراكيا داخل الحزب الاشتراكي العمالي بإسبانيا وكنت موجودا داخل الشبيبة الاشتراكية للحزب في فترة معينة، وكانت بعض الاتصالات تربطني بمناضلين في حزب الاتحاد الاشتراكي المغربي عبر الأممية الاشتراكية، وكنا نتبادل الآراء حول الوضعية في إسبانيا والمغرب، وهذا الأمر ساعدني كثيرا، لأنه جعلني أتعرف على الحياة السياسية في البلد الذي أنحدر منه، وبعد ذلك تعرفت على ما يجري في بلدي الأصلي عن طريق مبادرات شخصية نابعة من اهتمامي بمعرفة ما يدور في المغرب. وأرى انطلاقا مما راكمته أن الحياة السياسية في المغرب تحتاج إلى دفعة من أجل تحفيز المشاركة السياسية للناس، بمعنى أن الأحزاب السياسية في المغرب لا يجب أن ينحصر عملها في القيام بالحملة الانتخابية قبيل كل استحقاقات، ثم تُسقط من اهتماماتها إشراك المواطن في الحياة السياسية. والواقع أنني لا أعرف غير قليلين في المغرب ممن يناضلون انطلاقا من إيمانهم بمبادئ سياسية، على عكس إسبانيا التي أعرف فيها الكثيرين ممن تحركهم هذه الدوافع. - في الوقت الذي نجد فيه انتعاشا للحزب الاشتراكي في إسبانيا، نجد حزب الاتحاد الاشتراكي في المغرب يعيش أزمة، كيف ترى هذه المقارنة بينهما؟ < أظن أن الأزمة مرحلة مهمة في حياة كل حزب، فالأزمة في معناها اللاتيني تعني التطور، لأننا في تلك المرحلة نكون بصدد رؤية الواقع بشكل أفضل، ومعرفة الطريق التي يجب أن نسير فيها، فكل حزب يعيش أزمته التي تصنعه من جديد. - باعتبارك منسقا فيدراليا للشباب العربي داخل الحزب الاشتراكي الإسباني، هل لديك هامش للتحرك والاقتراح؟ < التجمع العربي داخل الحزب الاشتراكي هو مجرد يافطة نعمل تحتها، لكننا في الحقيقة نشارك في جميع المجالات التي تهم الحزب ولدينا حرية اقتراح عدة أشياء في مجالات التعليم والصحة والعدالة، والتمتع بهذه الحرية يمنحنا القدرة على أن نكون مبدعين أكثر في طرح الأفكار المتجددة وأن نتمتع بالمصداقية. وأعتقد أننا لو كنا ركزنا فقط على موضوع الهجرة في اشتغالنا داخل الحزب لم نكن لنتمتع بالمصداقية أو قوة التأثير التي لنا الآن. - كمغربي داخل الحزب الاشتراكي الإسباني، كيف عشت أحداث 11 مارس التي كان غالبية المتورطين فيها مغاربة؟ < عشتها بألم كبير، وأول فكرة مرت بذهني عندما علمت بما وقع كانت غاية في التشاؤم، قلت في قرارة نفسي إن كل العمل الذي قمنا به طيلة سنوات تهدم في رمشة عين، لكن في اليوم الموالي بدأت أرى الأمور بمنظار آخر واعتبرت أنها فرصة من أجل العمل على إشراك المغاربة في الحياة السياسية بإسبانيا وتعريف الناس بما يقوم به الإسبان ذوو الأصول المغربية حتى لا يخلطوا بين الإرهابيين والمهاجرين المغاربة، فنحن أيضا مواطنون في هذا البلد ونساهم في تنميته مثل باقي الإسبان. - بوصفك قضيت حياتك كلها في إسبانيا وتعرف دقائق المجتمع الإسباني، هل المغرب فعلا بلد يخيف الاسبان؟ < المغرب لا يمثل بالنسبة إلى الإسبان مصدر خوف بقدر ما يتمثل في مخيلتهم كبلد مجهول، ويبدو الأمر مثيرا للاستغراب بحكم أننا قريبون جدا إلى درجة يبدو فيها كل واحد للآخر أرضا مجهولة، والأنباء التي تصدر عن المغرب في إسبانيا تكون دائما مرتبطة بمجال الهجرة والأحداث التي تقع في سبتة ومليلية واتفاقيات الصيد البحري، وأخبار قليلة فقط عما يحدث في المغرب من منجزات وأحداث ثقافية وسياسية، فالمغرب يزخر بمهرجانات ثقافية مهمة ولديه مخرجون ينتجون أعمالا سينمائية في المستوى، كما أن هناك حركية سياسية تروم تطوير المجتمع وإيجاد التوافق بين الدين والحداثة، ولا شيء من هذه الأخبار المهمة يصدر في إسبانيا. - لماذا، في رأيك، لا ينشر أي شي من هذا؟ < ربما لأن المغرب لا يعرف كيف يسوق لمجهوداته، فكل بلد يحتاج إلى تقنية للترويج لصورته في الخارج، فإسبانيا، مثلا، تمتلك المعهد الثقافي الإسباني، سيرفانتيس، الذي لا يبيع السياسة بل الثقافة، ويروج للمنتوج الثقافي الإسباني عبر العالم، فالمغرب محتاج إلى أن يبيع ثقافته، وإذا لم يقم بذلك، فإن صورته ستنتجها فقط وسائل الإعلام الإسبانية والسياح الذين زاروا البلاد. - أنت لا تتكلم جيدا الدارجة المغربية وينظر إليك الناس هناك على أنك أجنبي، وتقول أنك تبقى أجنبيا في إسبانيا رغم إتقانك للغة الإسبانية، هل قدرك أن تكون أجنبيا في الضفتين؟ < أنا أجنبي في الضفتين، لكن هذا الإحساس أشعر به في المغرب أكثر منه في إسبانيا، لأنني أشعر هنا بحكم اللغة، بأن اندماجي سهل جدا في شبه الجزيرة الإيبيرية، لكن في المغرب يكتشفونني بسهولة بحكم أنني أتلعثم في الكلام.