- إلى اليوم ما تزال فكرة تأسيس الاتحاد العامّ للشغالين بالمغرب كانت تجسيدا لرغبة نظام الحكم في تقسيم الحركة النقابية عبر تشجيع تكوين نقابات مُضادّة للاتحاد المغربي للشغل.. إلى أي حد يمكن أن نعتبر هذه الفكرة صحيحة؟ معروفٌ أن تأسيس النقابات في المغرب مرّ من مرحلة الانخراط في النقابات الفرنسية، وبفضل النضال الوطنيّ استبَقتْ فرنسا الأمور واعترفت بتأسيس نقابة وطنية شهورا قبيل الاستقلال، هي الاتحاد المغربي للشغل، وزعماؤه كلهم من المناضلين الأفذاذ في الحركة الوطنية، سواء الطيب بن بوعزة أو المحجوب بن الصّديق أو غيرهما ممّن كانوا منخرطين في حزب الاستقلال.. وعندما استقلّ المغرب بدأت تكوين ما يسمى اليوم بالأقطاب داخل الحزب، وبالتالي أصبحت المقاومة قطبا والنقابة قطبا وصار العمل السياسي داخل الحزب يتكون من عدّة تيارات انقسم الحزب في حركة يناير 1959، فانضمّت النقابات التابعة للاتحاد العامّ للشغل إلى حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ولهذا لم «يستسغ» كثير من المناضلين الذين بقوا أوفياء لخط علال الفاسي أن تقوم قيادة الاتحاد العامّ للشغل، في شخص المحجوب بن الصديق، أن تقوم بهذا العمل الانقلابيّ، فخرجوا وأسسوا ما سمي حينها «النقابات الحرة» سنة 1959، وكانت هذه أول ثورة شعبية حقيقية من أوساط العمّال من أجل تحقيق الحرية النقابية على أرض الواقع وجعلها حرية مُصانة، وهي النقابات التي أسِّست من طرف زعماء الاتحاد المغربي للشغل، مثل محمد النتيفي وبلعيد بولعياد والمكي الإبراهيمي وهاشم أمين، وشكلت في ما بعد (في 20 مارس 1960) الاتحاد العامّ للشغالين بالمغرب.. وهكذا، تم خلق هذا الاتحاد عمليا وفي جوهره الانقسام السياسي.. وبطبيعة الحال كانت هناك مقاومة كبيرة من الاتحاد المغربي للشغل ومن الدولة كذلك، وكان له ضحايا ومعتقلون، وأولئك الذين كانوا يقاومون الاتحاد العامّ للشغالين بالمغرب هم الذين أسّسوا، في ما بعد، كل النقابات، من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلى بعدها الفدرالية الديمقراطية للشغل.. - سقط مؤسسو الاتحاد العام للشغالين بالمغرب في الخطأ نفسِه الذي سقط فيه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية حين جُعل الاتحاد مواليا لحزب الاستقلال، وهو ما احتجّ عليه أمين هاشم، فكان مصيره «الانقلاب» عليه وإبعاده.. كل ما يُكتب عن هاشم أمين ويقال عنه هو ظلم لتاريخ الرّجل.. هاشم أمين رجل وطنيّ ورجلُ مَبادئ، هو الشّخص الذي أجمعت عليه زعامات كان لها وزنُها في العمل النقابي حينها، وليس من السّهل أن تقبل هذه الزعامات بشخص لا تثق فيه أو تحرّكه الأهواء.. نعم، كانت هناك محاولات لدفع أمين لكي ينساق نحو طريق آخر، لكنْ لا أعتقد أنّ هاشم أمين من هذه الطينة.. - ولماذا انقلبتم عليهم؟ لدى هاشم أمين رسالة مطولة مشهورة، يتحدّث فيها عن كل تاريخه، وستجد فيها غيرَ ما يُوصف به اليوم.. - هذا يفرض طرح السؤال عن العلاقة بين الاتحاد العامّ للشغالين بالمغرب والدولة، وكذا سؤال استقلالية القرار الداخليّ في هذا الاتحاد؟ هذا موضوع لا يمكن أن ينظر إليه الباحث من الزاوية النقابية.. وللأسف، عندما تَحرّرَ المغرب ونال استقلاله كانت للدولة رؤية أخرى في بناء الاستقلال، وحينها كان المغرب يعرف تعدّدية حقيقية، لكن نظام الحكم كان -للأسف- يرغب في أن يجعل منها تعدّدية خاضعة لمسار واحد يخدم توجّهاته، وهذا ما أدّى -منذ بداية الاستقلال إلى اليوم- إلى ما وصلت إليه الأحزاب السياسية الحقيقية من وضعية يعرفها الجميع.. وبطبيعة الحال، هذا الأمر ينطبق على النقابات، والتي كان لها دور كبير، وطبعا فقد قدّمت إغراءات مشهورة في التاريخ من أجل ضمان عدم خوض إضرابات في قطاعات معينة، مثل قطاعَي الكهرباء والسكك الحديدية.. - ألا يمكن اعتبار وصول عبد الرّزاق أفيلال، مثلا، إلى قيادة الاتحاد، مكان هاشم أمين، تجليا لتحكم الدولة في النقابة، ضدّا على رغبة القواعد؟ حين أصبح عبد الرزاق أفيلال أمينا عامّا للاتحاد العامّ للشغالين بالمغرب، كان ذلك في ظروف تميّزت بوجود الأقطاب النقابية التي ذكرت سلفا، ولا بد أنه حينما أصبحت لهاشم أمين رؤية أخرى مُغايِرة ولم يعد يُشاطر أعضاءَ المكتب المركزي النظرة نفسَها كان لزاما انتخابُ شخص بدله، وكان يمكن أن يكون أي شخصٍ غير أفيلال، ولكنْ وقع الإجماع على الاخير حينئذ، ويجب التذكير بأنه كان حينها عضوا في لجنة الأربعة عشر سنة 1959، وهي اللجنة التي تعتبر أول «ثورة» في نقابة التعليم من أجل تأسيس النقابات الحُرّة، ولذا يمكن اعتباره من المُمهّدين لتأسيس هذه النقابات، وجاء من رحم الحركة النقابية، ويمكن أن نعتبره من المُؤسّسين الأوائل، ولهذا لا يمكن أن نعتبر أفيلال تجليا لتحكم الدولة في النقابة، وللأسف، فإنّ التاريخ النقابيَّ لم يُكتب كما هو الشأن بالنسبة إلى التاريخ السياسي، وصار بإمكان أي شخص أن يقول ما يريد في هذا المجال، بعيدا عن الحقيقة!.. محمد الخليفة قيادي في حزب الاستقلال