«شكون انت؟» هكذا خاطب ادريس البصري الصحافي خالد الجامعي سنة 1993. بعد 20 سنة توجه إليه «المساء» نفس السؤال، مع اختلاف الغرض والسياق. يعترف الجامعي لأول مرة بأنه «جامعي مزور» وأن أصول جده من اليمن، وأن والده بوشتى الجامعي اعتقل في القنيطرة حيث كان والد عباس الفاسي قاضيا مواليا للاستعمار ويكتب قصائد المدح في هتلر وبنعرفة. يحكي عن صراعات الوطنيين بعد استقلال المغرب، وكيف تكلف سعيد بونعيلات، المقرب من الفقيه البصري والمهدي بنبركة، بقتل والده، وكيف جاء بونعيلات، يخبر والدته ليلا بأنه سيقتل زوجها في الصباح. كما يؤكد أن عائلة والدته مقتنعة بأن بنبركة متورط في دم خاله احمد الشرايبي، أحد مؤسسي منظمة الهلال الأسود، المقاومة للاستعمار. فوق كرسي اعتراف «المساء» يحكي خالد الجامعي عن طفولته بدرب السلطان بالدارالبيضاء، وانخراطه في النضال التلاميذي، واهتماماته المسرحية والفنية التي قادته إلى وزارة الثقافة ثم إلى الصحافة، واعتقاله. ويقف طويلا عند كواليس تأسيس حزب الاستقلال للاتحاد العام لطلبة المغرب، لإضعاف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وكواليس صراع عبد الرزاق أفيلال وشباط حول نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب. كما يتطرق إلى علاقته بكل من ادريس البصري وأندري أزولاي وفؤاد عالي الهمة. ويقارن بين سلفيي الحركة الوطنية «المتنورين» والسلفيين في وقتنا الراهن. - ما الذي قمت به بعد أن أخبرك القيادي الاستقلالي حينها، محمد ماو برادة، بأن النقابة الطلابية المحسوبة على حزب الاستقلال، الاتحاد العام لطلبة المغرب، تأسست بأوامر عليا، وأنه بعد لحظات سيتم إعلان عباس الفاسي رئيسا لها، وما عليك إلا أن تدخل إلى القاعة وتقول: عاش الاتحاد العام لطلبة المغرب ؟ عدت مغتاظا إلى قاعة الاجتماع (كان هناك لقاء للإعلان عن تأسيس الاتحاد العام لطلبة المغرب بالرباط) و«فرقعت» علنا كل ما أخبرني به ماو برادة، وقلت: تريدون أن أردد عاش الاتحاد العام، ها أنا أرددها، لكنني لن أسمح لكم بتأسيس فرع لهذا الاتحاد في الدارالبيضاء، وأرفقت كلامي بنبرة لا تخلو من تهديد، لا داعي لذكره. هكذا تم تأسيس الاتحاد العام لطلبة المغرب لا لشيء اللهم لخدمة أجندة المخزن وتشتيت الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ومن الناحية السياسية كان ذلك خطأ فادحا، لأن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كان يضم العديد من التيارات، ومن ثم كان يمنحك فرصة الاحتكاك بآخرين يختلفون عنك، وفرصة الخوض في تحالفات. - هل كان قرار تأسيس الاتحاد العام لطلبة المغرب باتفاق مع القصر؟ وهل تظن أنهم اتفقوا معي أنا (يضحك)، كان الاتفاق بغاية واضحة، وهي شق الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، لأنه صار مزعجا للمخزن. - تأسيس الاتحاد العام لطلبة المغرب حاربه طلبة «أوطم» (الاتحاد الوطني لطلبة المغرب) بشراسة. ما الذي تذكره عن هذا الأمر؟ ليس فحسب طلبة «أوطم» الذين كانوا محسوبين على الأحزاب والتيارات اليسارية، حتى أنا، وبالرغم من كوني كنت استقلاليا، فقد أعلنت في مؤتمر تأسيس الاتحاد العام بأني سأقف في وجه كل من تسول له نفسه أن يفكر في تأسيس فرع للاتحاد العام للطلبة بالدارالبيضاء، وقد أخذ كلامي على محمل الجد، لذلك لم تكن هناك مواجهات في الدارالبيضاء لأن عباس الفاسي ومن معه لم يتجرؤوا على القدوم إلى هذا الموقع لتأسيس فرع لهم، لأنهم كانوا على يقين بأن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كان حينها مسيطرا على كل المواقع الطلابية والتلاميذية في الدارالبيضاء. - ما يقال عن تأسيس الاتحاد العام لطلبة المغرب سنة 1962، قيل عن تأسيس المركزية النقابية الاتحاد العام للشغالين بالمغرب (UGTM)، التي أسسها حزب الاستقلال سنة 1960: ضرب أو إضعاف نقابة الاتحاد المغربي للشغل؟ بالتأكيد، والرجل الذي فكر وخطط لأمر تأسيس (UGTM)، هو محمد الدويري. - في أي سياق جاء ذلك؟ في سياق مواجهاته مع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي كان قد خرج من رحم حزب الاستقلال قبل سنة من ذلك. ومحمد الدويري لم يكن يخفي مواقفه السلبية من الاتحاديين. وهنا ينبغي التذكير بأن أول شخص تم تعيينه أمينا عاما ل(UGTM) كان هو هاشم أمين الذي كان أستاذي في مدرسة عبد الكريم الحلو بالدارالبيضاء. وقد استمر على رأس (UGTM) من 20 مارس 1962 إلى غاية سنة 1964، وهو التاريخ الذي أطاح فيه الدويري بهاشم أمين وعين بدله عبد الرزاق أفيلال. - لماذا انقلب الدويري وأفيلال على هاشم أمين؟ لأن هاشم أمين كان يستعد لعقد ندوة صحافية يعلن فيها أن (UGTM) لا علاقة لها بحزب الاستقلال. - هل فعل ذلك بعد أن تشكلت لديه قناعة بأهمية أن تأخذ النقابة مسافة من الحزب، أم كان قرار فصل النقابة عن حزب الاستقلال مملى عليه من جهة في الدولة؟ هاشم أمين كان قبل ذلك قد التقى الحسن الثاني فقال له: «واش انت غادي تبقى ديما حمار الطاحونة ديال حزب الاستقلال؟». كما يقال بأنه كان على اتصال دائم بالجنرال أوفقير، لكن تقديري أنا هو أن هاشم أمين كان رجلا طيبا وساذجا. وقد توجس منه الدويري فانقلب عليه. - هل كان حزب الاستقلال في هذه المرحلة يريد أن ينأى بإطاراته الموازية، من نقابة وغيرها، عن تدخل المخزن؟ حزب الاستقلال طالما كان متصلا بالمخزن ولعب أدوارا لصالحه. - منذ متى؟ منذ أمد بعيد. وأذكر أن علال الفاسي قال لي كلاما لا يزال عالقا في أذني: إذا كان شخص ما سيقع من مكان ما ويبقى ملتصقا، فالأحسن أن يكون حذاؤه مصنوعا من «الكاوتشو»، حتى لا تتحطم قدماه وتنكسر أصابعه. لقد كانت نظرية علال الفاسي تقوم على التحلي بالمرونة في التعاطي مع أصحاب القرار، وطالما كان يقول: لا يجب أن نترك الملك بمفرده مطلقا، أي أنه مهما يكن اختلاف الاستقلاليين مع الملك فلا يجب أن يتركوا مكانهم ليشغله الآخرون، لقد كان في موقف علال الفاسي هذا نوع من النبل، لكن الانتهازيين والوصوليين داخل حزب الاستقلال استغلوا هذا الموقف بطرق أخرى. كما أن علال الفاسي عندما كان الأمر يتطلب المواقف الواضحة والقوية لم يكن يتردد في ذلك، ففي 1971، وبعد محاولة انقلاب الصخيرات، أرسل الحسن الثاني يطلب من حزب الاستقلال المشاركة في الحكومة، لكن اللجنة التنفيذية للحزب قررت عدم المشاركة، وقد صاغ علال الفاس المذكرة التي تم إرسالها للملك، وأقل ما يمكن أن يقال عن هذه المذكرة هي أنها كانت درسا قويا في السياسة، إذ تضمنت أسباب رفض حزب الاستقلال الدخول في هذه الحكومة، حيث وضع علال الفاسي في مذكرته هاته شرطين حاسمين، إذا ما تم تنفيذهما فسيقبل الحزب طلب الملك الدخول إلى الحكومة، أول الشرطين هو وضع حد نهائي للمخزن، وثانيهما إنهاء سياسة الحكم الفردي. وقد أكد علال الفاسي أن هذين الشرطين غير قابلين للنقاش أو المفاوضة، ومن دونهما لا مجال للحديث عن دخول الحزب إلى هذه الحكومة.