نظرا للتحولات والتأثيرات العميقة التي عرفها المغرب، والمرتبطة بسياقات داخلية وخارجية حتمت عليه خوض تجربة البنوك الإسلامية ''التشاركية''، جاء الإعلان عن انطلاق التراخيص لإنشاء هذه الأخيرة بداية شهر أكتوبر المقبل. تتمثل السياقات الداخلية في تصاعد الطلب الداخلي على هذا النوع من التمويلات الجديدة بالنسبة للمغاربة، حيث إن نسبة لا يستهان بها لا تتعامل مع الأبناك التقليدية لأسباب متعددة، أبرزها دينية، وبذلك فهي تظل خارج الدورة الاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بامتلاك السكن والمساهمة في تمويل المشاريع، إذ يخلو هذا النوع من التمويلات من الفائدة (الاعتقاد الديني المتمثل في الربا). وإذا كانت «دار الصفاء» أول شبكة مغربية في مجال الخدمات المالية البديلة، التابعة لمجموعة «التجاري وفا بنك» موزعة على 8 مدن كبرى، والتي حصلت على ترخيصها من طرف بنك المغرب سنة 2010، فإن تجربتها، حسب رأي الخبراء والمحللين، باءت بالفشل منذ انطلاقتها بسبب ثلاثة عوائق أساسية والتي كانت موضوع انتقاد كبير من طرف ممثلي الأمة بلجنة المالية بمجلس النواب أثناء تقييم العمل بهذه المنتوجات البديلة، وهي رفض انخراط جل البنوك التقليدية في دعم هذه التجربة، وضعف تكوين الأطر البنكية في هذا المجال، والتكلفة المرتفعة جدا لهذه الصيغ التمويلية. هذه العوامل أدت إلى إقبار هذه التجربة منذ انطلاقتها. ثمة أيضا عامل آخر لا يقل أهمية، ويتعلق الأمر برغبة المغرب في ولوج أسواق استثمارية عالمية تتعامل حصرا بالتمويل الإسلامي. أما السياقات الخارجية فترتبط بالبحث عن بدائل ومصادر جديدة للاستثمار، واستقطاب رؤوس أموال عربية من دول الخليج والمشرق العربي من المؤسسات التي تسعى إلى الاستثمار عن طريق البنوك الإسلامية. وقد قام خلال هذا الأسبوع وفد من خبراء بنك فيصل الإسلامي وبنك إثمار البحريني بزيارة إلى المغرب، والتي تخللتها لقاءات مع مسؤولين حكوميين، هذه الزيارة وسابقاتها مؤشر قوي عن قرب اعتماد تمويلات إسلامية جديدة يمكن أن تعطي ديناميكية للاقتصاد الوطني في ظل الوضعية الراهنة وتبعات الأزمة المالية العالمية عليه، هذا على المستوى الماكرو اقتصادي. أما على مستوى الأفراد، فصيغ التمويلات الخاصة بامتلاك السكن تكلفتها مبهمة، إذ إن الصيغ المعروضة حاليا تكلفتها مرتفعة، وهذا له علاقة بالضغط الذي يمارسه ما يعرف ب»لوبي الأبناك التقليدية» من أجل الحفاظ على هيمنته على السوق. وإذا كانت حاجة المغرب ملحة إلى هذه البنوك، لما لها من قيمة استثمارية على الاقتصاد الوطني، فالمواطن يجب أن يكون من ضمن أولويات القائمين على هذا المشروع. مما يدفعنا إلى طرح التساؤلات الآتية: ما مدى فصل الرقابة الشرعية لهذه البنوك عن المؤسسات الدينية الرسمية؟ هل تم وضع استراتيجية واضحة في مجال البحث والتكوين العلمي الخاص بالمؤسسات الجامعية، لتغطية العجز الحاصل في الموارد البشرية المؤهلة؟ ما حجم التكلفة والصيغ الخاصة بتمويل مشاريع السكن بالنسبة لشريحة مهمة من المجتمع؟