يعتبر العمل السياسي أحد المقومات الأساسية للحياة الإنسانية، إذ من المعول عليه ومن خلال المؤسسات الحزبية القيام بعملية تأطير المواطنات والمواطنين على مستوى، تأطيرا يتماشى والتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة في انسجام مع الخصوصيات الثقافية من جهة وسيرورة العلاقات الدولية من جهة أخرى. منذ بزوع فجر الاستقلال، عملت الأحزاب السياسية على محاولة إعادة الاعتبار لمشاركتها في تدبير الشأن العام الوطني والترابي، الأمر الذي يمكن أن نستشفه من خلال الأدوار الطلائعية التي قامت بها الحكومات المتعاقبة في رسم وبناء معالم مغرب الديمقراطية، الا أنه ومع تطور الحياة الإنسانية بمختلف تجلياتها وبحكم النمط التعددي السائد ببلادنا، عرفت الساحة السياسية المغربية تناميا متزايدا لعدد الأحزاب السياسية، الأمر الذي ترتب عنه تعدد في البرامج والتصورات المتعلقة بتحقيق التنمية، الا أن كثرة أعدادها لا يمكن تفسيرها بالأمر السيء، بل على العكس من ذلك بالنظر الى خلقه لمفهوم التنافسية ذي البعد الاقتصادي الصرف داخل المشهد السياسي، الا أن ما يعاب على الممارسة السياسية المغربية هو التدافع غير الممنهج الذي أصبحنا نراه، سواء منها المتعلقة بترتيب بيتها الداخلي أو المرتبطة بتدبير العلاقات بين مختلف الأحزاب، وخير شاهد على هذه الممارسات التي لا تمت للممارسة السياسية الحقة بصلة ما تعيشه المعارضة والأغلبية من تطاحنات غير مقننة وصلت في أغلب الأحيان الى السب وتبادل الاتهامات التي لا تستند في غالب الأحيان إلى دلائل واقعية، الأمر الذي انعكس وبصورة سلبية على نسب المشاركة السياسية، وأدى الى تعاظم نسبة العزوف السياسي الذي لا زال يطال أعلى شريحة من ساكنة المغرب ألا وهي فئة الشباب، إذ اختلفت نسب المشاركة السياسية من خلال الممارسات الانتخابية، بين: التجربة الانتخابية لسنة 1993، بحيث كانت نسبة المشاركة لا تتعدى 62.75 %; التجربة الانتخابية لسنة 1997، بحيث كانت نسبة المشاركة لا تتعدى 58.30 %; التجربة الانتخابية لسنة 2002، بحيث كانت نسبة المشاركة لا تتعدى 52 %; التجربة الانتخابية لسنة2007، بحيث كانت نسبة المشاركة لا تتعدى 37 %; التجربة الانتخابية لسنة2011، بحيث كانت نسبة المشاركة لا تتعدى 45 %. هذا من جهة، ونفس الأمر نجد بأنه قد أثر على تحقيق المردودية المنشودة من وراء الممارسة السياسية، والتي من المفروض أن تنشغل بتطوير آليات اشتغالها بهدف الرقي بمسلسل التنمية المغربية إلى مصاف الدول، التي مضت قدما في بناء صرح الديمقراطية المواطنة من جهة أخرى. إن المنظومة الحزبية المغربية لا زالت متعثرة في تحقيق الهدف الرئيسي الذي أسست من أجله، الأمر الذي يمكن تفسيره بسيادة منطق الفردانية في اتخاذ القرارات التنظيمية الداخلية على أشخاص دون غيرهم في منطق تغلب عليه المحاباة والزبونية، الأمر الذي يتعارض مع تثبيت معالم الديمقراطية داخل تنظيماتها وبالتالي فكيف لها أن تقوم بتكريسها خارجيا، هذا علاوة على سيادة منطق الاستقطاب السلبي للأطر، إذ أن المنطق السائد داخل منظوماتنا الحزبية لا يستند إلى معايير الكفاءة في إسناد المسؤولية وإنما على منطق الرئيس والمرؤوس ومعيار التعيين المباشر لفائدة أشخاص يمكننا اعتبارهم بمثابة أبواق متنقلة تروج لأفكار همها الوحيد هو إبقاء شخص بعينه على رأس مسؤوليات حزبية، الأمر الذي يتعارض مع أسباب النزول والمتجلية بالأساس في العمل على تحقيق الديمقراطية، إذ كيف بأحزاب لا تطبق الديمقراطية داخليا أن تقوم بتطبيقها خارجيا. لقد وصلت الممارسة السياسية في مجموعة من الدول الى إعداد مواثيق أخلاقية داخلية تم تضمينها مجموعة من الشروط التي لا يمكن تجاوزها بهدف تنظيم علاقتها بمناضليها من جهة وتعاقدها مع الناخبين من جهة أخرى، الأمر الذي وصل غير ما مرة إلى محاسبة المنظمات الحزبية، سواء من طرف مناضليها أو من قبل الناخب، مما ترتبت عنه متابعات قضائية وصلت في بعض الأحيان الى التصدي إلى كل فرد يريد الانفراد بسلطة القرار السياسي. إن الممارسة السياسية لا يمكن أن تتم في معزل عن الأخلاق، مما يدعونا الى ضرورة التفكير في: ربط المسؤولية بالمحاسبة داخل المنظومة الحزبية المغربية. ضرورة توافق مختلف الأحزاب السياسية على إعداد مواثيق أخلاقية للممارسة السياسية، تهتم بتنظيم علاقة الحزب بمناضليه من جهة وبناخبيه من جهة أخرى. ضرورة إحداث مدارس للتكوين الحزبي، والتي يجب أن يكون من بين أولوية أولياتها العمل على تكوين أطر وكفاءات حزبية قادرة على الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في شكل تحترم معه المعايير الأخلاقية المرتبطة بشكل مباشر بالنزاهة والشفافية، إعمالا لتطبيق المنطق القائل بأن الشخص المناسب يجب أن يكون في المكان المناسب. ضرورة اعتماد برامج حزبية واقعية تعمل على إعادة الثقة للمواطن المغربي في المشهد السياسي، الأمر الذي لا يمكننا الوصول إلى تحقيقه إلا عبر تضمين هذه البرامج وعودا تنبني على الوسائل الممكنة في معزل عن المزايدات الانتخابية الموسمية. ضرورة العمل على تعزيز قنوات للتواصل الحزبي مع العالم القروي، لا لشيء إلا لأن التنمية الحقة لا يمكن أن تتم في معزل عنه. ضرورة تطبيق بعض المبادئ التدبيرية داخل الأحزاب السياسية، والتي نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر: ضرورة تحديد المسؤوليات الحزبية في أفق ضمان عدم تركيزها في يد شخص دون غيره، الأمر الذي وان تم تحقيقه سيمكننا من إعمال مبدأ التناوب السياسي على أرض الواقع الخ.... إن الممارسة السياسية لا يمكن أن تتم في معزل عن احترام المبادئ الأخلاقية، لا لشيء إلا لأنها تنطلق من وإلى الإنسان، وبالتالي فإذا ما أردنا ربط الواقع الحزبي بالواقع المعاش فلا بد لنا من الإيمان قولا وفعلا بأن السياسة أخلاق.