التسريبات حول قرب مشاركة الأردن في إقامة مناطق عازلة عبر الحدود الشمالية ليست مفاجئة، إذ أن الأزمة الاقتصادية إضافة إلى موقع البلد الجغرافي جعلاه عرضة للابتزاز الأمريكي - لأن الأنظمة في المنطقة جميعها عليها إعادة تقديم أوراق اعتماد دورها الوظيفي المتجدد في نوعه وأشكاله. كان واضحا منذ زيارة باراك أوباما ومكوثه ليلة في عمان، بأن هناك ثمنا للدعم الأمريكي، السياسي والمالي، خاصة أن أمريكا تملك مفاتيح القروض الدولية وحتى المساعدات العربية، وها نحن ندنو من سداد المطلوب منا، إذ يبدو أن موعد الحسم والانتهاء من التفاصيل لا يتجاوز موعد القمة الأمريكية-الأردنية. التسريبات، تبدو مدروسة، باعتبار أنها بالونات اختبار لردود الفعل الشعبية، وبالوقت نفسه لتهيئة الرأي العام للخطوات المقبلة، خاصة ما رافقها من تحذيرات من أن يصل عدد اللاجئين السوريين إلى 3 ملايين وإلى احتمال قيام حرب كونية رابعة. ليس من المصادفة، أن تعلن الأممالمتحدة عن نفاد موازنتها للإشراف على اللاجئين السوريين، تمهيدا للخيارات الأمريكية المقبلة، لا يعني أن المنظمة الدولية تكذب ولكن أن الدول الغنية وفي مقدمتها أمريكا لا تريد أو قررت وقف تقديم الأموال، لإجبار الجميع، بالأخص دول الجوار السوري أن تمشي معها في مخططاتها. بعض ملامح السيناريو الأمريكي أصبحت واضحة، فهي تأمل أن يؤدي الضغط العسكري إلى إجبار بشار الأسد على التنحي وإفساح المجال لانتقال «توافقي» للسلطة ، من دون حل الجيش السوري، ولذا تم إعطاء المقعد السوري في الجامعة العربية، لجزء من المعارضة، ومن ثم إضفاء اللمسات الأخيرة على البدء بعمليات عسكرية محدودة للسيطرة على مواقع الأسلحة الكيميائية ومواقع أساسية للجيش السوري. وهنا يأتي دور المناطق العازلة في درعا، بحجة إيواء اللاجئين وحمايتهم، فأمريكا لا تستطيع حشد قوات كبيرة لغزو عسكري شبيه باحتلال العراق أو أفغانستان، لذا تحتاج إلى مساهمة أردنية مباشرة لتأمين تجمعات» الملاذ الآمن»، كما يتم تصويرها جزافاً، لأنها بالواقع ستكون قواعد عسكرية لإحكام الحصار على النظام السوري، لفتح الطريق، لأجنحة مختارة من المعارضة السورية بالدخول إلى دمشق. الخوف ليس على النظام السوري القمعي الدموي، لكن على سورية والأردن والمنطقة، فأكثر النظم ازدراء للحريات والشعوب، دخلت على خط الانتفاضة السورية، وصنعت وفَرخَت مليشيات متطرفة، بهدف تدمير سورية وليس تحريرها، إذ أنه من الممنوع أن تنتقل الشعوب العربية إلى نظم أكثر ديمقراطية، بل إلى السقوط مباشرة أو التدريجي في «أحضان» أمريكا بالكامل. اللوم يقع على الجميع وفي مقدمتهم النظام السوري، والنظام العربي، الذي لا يتحرك لحماية الشعوب، بل امتثالا لأوامر ورغبات واشنطن والغرب، ولم تغير الثورات الكثير من ذلك، لأنها أصبحت رهينة قيود الدعم السياسي والمالي الأمريكي- الخليجي. صحيح أن الغرب، يرى في انهيار النظام السوري فرصة تاريخية، في سقوط آخر نظام يرفع شعارات المقاومة والعروبة والممانعة، لكن ذلك لا يغفر للنظام سجل القمع والبطش، ولا يغير أنه أي النظام، لم يتردد في عقد تفاهمات مع واشنطن تتناقض مع شعاراته حين اقتضت مصالحه الضيقة ذلك. لكن واشنطن أيضا ترى في التنظيمات والقوى المسلحة على الأرض خطرا محتملا على إسرائيل، مع أنها سكتت ودعمت ضمناً أو مباشرة قيام مثل هذه المجموعات، لأنها تعطي مبررا مباشرا في جر الدول المحيطة ومنها الأردن إلى التدخل العسكري، مستغلة قلقها من تدفق اللاجئين ومن أن ينتقل نشاط هذه القوى المتطرفة إليها عبر الحدود. أي تم خلق مشكلة بسبق إصرار وترصد لتوريط الأردن، بسيناريو يحمل خطر التصعيد العسكري، والاحتلال الأمريكي، وانتقال المعركة عبر الحدود من خلال عمليات انتقامية، خاصة وأن المطلوب هو دعم وتدريب قوى «معتدلة» أي أن يردع الأردن ويواجه «الجماعات المتطرفة»، التي ساهمت واشنطن بصنعها! لا توجد أوهام أن يجيب المسؤولون على هذه المخاوف، لكن على صانعي القرار مواجهة الشعب الأردني ومصارحته بما يحدث، والتداعيات المحتملة، ولماذا تعتقد الجهات الرسمية أن علينا تحمل المزيد من الضغوط، ولأي هدف؟ فئات واسعة تحملت وسكتت، ولم تنزل إلى الشارع رغبة بالحفاظ على الاستقرار، لكن مثل هذا التدخل في سورية، لا يفيد الاستقرار بل يهدده. لميس اندوني