أربعون سنة وهو يشتغل صحافيا بالإذاعة والتلفزة المغربية، ولم يعط حوارا صحافيا واحدا. بدأ بقراءة الشعر والقصة والمسرح على أثير الإذاعة قبل أن يمر إلى تقديم نشرة الأخبار الرئيسية ومنها إلى تغطية الأنشطة الملكية وصولا إلى برنامج حوار. مصطفى العلوي حصل على التقاعد الإداري، لكن الجميع يعلم بأن قرار هذا الشخص الاعتزال ليس بيده، لأنه ببساطة ليس كباقي الصحافيين، إنه «مسقط الطائرات» وأحيانا «مولاي»، كما يحلو لبعضهم أن يلقبه، يتحدث لأول مرة في هذه الحلقات عما يقارب نصف قرن من العمل الصحافي داخل قناة دار البريهي. - تداولت أغلب الصحف الوطنية خبر تقاعدك الإداري، لكنك قلت في تصريحاتك ل«المساء» إنه ليس إلا تقاعدا إداريا وليس سياسيا أو إعلاميا؛ ماذا كنت تقصد؟ < بالفعل، هذا ليس تقاعدا سياسيا وإعلاميا، ولكنه تقاعد إداري. أنا ما زلت في قمة العطاء بحمد الله، وما زال في جعبتي الكثير لأقدمه. وبمجرد أن علمت بعض الجهات الإعلامية بالخبر تلقيت بعض العروض من جهات مختلفة. وللإشارة، فهذا كان يحدث دائما حتى وأنا أشتغل في قسم الأخبار، حيث إن العروض لم تتوقف منذ سنوات. لكن بعد مرور كل هذا الوقت، أحس بالفخر لأنه وإلى حدود هذه اللحظة كل ما قدمته ثبت أنه موضوعي ومهني، وأحس بالفخر أيضا لأن أولادي الذين تمرنوا على يدي هم من يصنعون اليوم وبمهنية عالية الإعلام العربي، من أمثال عبد الصمد ناصر ومحمد رجيب اللذين يشتغلان في الجزيرة، وفتيحة دنيال التي تعتبر اليوم من الوجوه البارزة في قطر... وآخرين داخل الإعلام الوطني من أمثال عثمان النجاري ولطيفة بن حليمة وحسن القواتلي، وأعتذر إن كنت نسيت بعض من لم أتذكرهم الآن. رحيلي هو مغادرة إدارية، والصحفي يبقى حيا بمهنيته وبعطائه وبتجربته، فما بالك إذا كان «مسقط الطائرات» هو من سيغادر (يضحك). - هناك من سيفرح لهذا الخبر لأنه يبدو أن العديدين صار يزعجهم سماع صوتك في التلفزيون ومشاهدتك على الشاشة؟ < أنا إنسان محب للجميع ولم يسبق لأي شخص أن قال لي في وجهي «إنني أكرهك»، أما إذا كنت تعني الانتقادات التي توجه إلي كصحفي تلفزيوني في بعض المنابر الإعلامية، فأنا أفتخر بها وأعتز بها. فلا تخصص لكل شخص متابعات صحفية ومقالات، كانت في بعض السنوات أسبوعية وفي بعض الأحيان يومية، وهذا تتعرض له كل شخصية عمومية فما بالك ب«مسقط الطائرات». فليزوروا سوق «درب غلف» الشعبي للأشرطة المقرصنة ليروا حلقات برنامج حوار تباع ب10 دراهم وليذهبوا إلى كلميم ويشتروا من الأسواق تسجيلات الدخول الرسمي لصاحب الجلالة للمدينة. أنا مرتاح لما أقوم به بإتقان وأعتبره من صميم مهنتي كصحافي ومعلق تلفزيوني. الأكيد أنه مع مرور كل هذه السنوات من العمل الصحفي، فإن الإنسان يحس ببعض التعب، لكن هذا التعب في النهاية يكون جسمانيا، ولكن العطاء الفكري يزيد نضجا وخير مثال على ذلك هو مجموعة من الصحافيين الكبار من أمثال العربي المساري وعبد الله الستوكي وخالد الجامعي وآخرون ممن هم الآن في قمة عطائهم، وكما قلت فالتقاعد هو قرار إداري وأمر عادي في جميع المهن، لكن الإنتاج يزداد عطاء ويكون في أوجه بحكم سنوات التجربة. - ألا تنزعج حين يصفونك ب«مسقط الطائرات»؟ < هم لا يقولون فقط «مسقط الطائرات» ولكن يقولون أيضا «مولاي»، وهذه الأشياء لا تزعجني لأنها لا تستطيع ضرب خط التحرير المهني، وأتحداهم أن يناقشوني فيما أكتبه. إذا كانوا يعتبرون أن تعليقاتي فيها «الزيادة» و«منفوخة»، فبالنسبة ألي أنا ما زلت أحسني عاجزا عن وصف كل تلك اللحظات الحميمية والقوية التي تجمع جلالة الملك بالمواطنين. فعندما أشاهد مثلا سيدة تقذف برضيعها بين يدي جلالة الملك فكيف تريدني أن أصف هذا الأمر؟ وعندما أشاهد جلالة الملك أثناء زياراته لبعض المناطق البعيدة يسير على الوحل، وبدون حرس بين عامة الشعب، ويقيم داخل خيمة، فماذا تريدني أن أقول؟ وكيف تريدني أن أصف تلك اللحظة التي أدخل فيها جلالة الملك بنفسه ابنه مولاي الحسن إلى حجرة الدرس، بينما ولي العهد، ببراءة الطفل، يتردد في دخول القسم . هذه اللحظات لا يمكن أن يصفها إلا من يحس بها ولديه المهنية الكافية لنقلها إلى الناس لأنها لحظات تاريخية. عندما يكتبون عن مصطفى العلوي أنه مهني في برنامج «حوار» ويصفونه ب«مسقط الطائرات» في تغطياته للأنشطة الملكية، فهم يفهمون ما يقوم به ولكن هم في نفس الوقت «ماباغينش يفهمو». أنا واضح مع نفسي تمام الوضوح، ما كنت أقوله وأقوم به في القناة العمومية، التي أعتز بشرف الانتماء إليها، ما زلت أقوم به وأقوله وأطوره، ولكن الخصوم، الذين هم قلة، ماباغينش يفهمو.