صدر للشاعر والمترجم المغربي سعيد عاهد كتاب جديد اختار له عنوان «محكيات الفتان» يعيد فيه نقل عدد من انطباعات صحافيين وكتاب غربيين عاشوا في تلك الفترة، وكتبوا عن ثورة بوحمارة الرجل الظاهرة الذي حاول الانقلاب على السلطان العلوي مولاي عبدالحفيظ. يكتب عاهد في مقدمة الكتاب «مع مطلع يوم الخميس 9 شتنبر 1909 الموافق للثالث والعشرين من شهر شعبان من عام 1327، تم إعدام الجيلالي بن عبد السلام اليوسفي الزرهوني، المشهور في مغرب مطلع القرن العشرين بكنية «بوحمارة»، وبلقب «الروكَي». اضطر يومها السلطان مولاي عبد الحفيظ إلى إصدار أوامره المطاعة بإعدام «الفَتَّان» رميا بالرصاص في مشور بلاطه العامر بفاس، وهي التعليمات التي نفذتها على التو مجموعة من العبيد. لم يكن حينها أمام السلطان خيار آخر غير الأمر باستعمال البنادق، خاصة بعد رفض الأسود التي تم إيداع بوحمارة في قفصها المعروض في ساحة البلاط الشريف، التهام هذا الأخير وإزهاق روحه، مكتفية بمذاق لحم وشحم أحد ذراعيه فقط! ولأن بوحمارة كان شخصية ملغزة، تعددت الروايات بالنسبة للطلقات النارية التي خلصت المخزن نهائيا من وجع الرأس الذي سببه له الفتّان طيلة سبع سنوات. هكذا تقول رواية مغايرة، فالذي كلف بطي صفحة «القائم» نهائيا كان شخصية سامية في دواليب الدولة الحفيظية. وحسب هذه الرواية الثانية، زُجَّ بالجيلالي بن عبد السلام الزرهوني، الذي كان معروفا كذلك بامتلاك قدرات سحرية، في قفص أسد بحديقة الوحوش بالبلاط، وهي الحديقة التي كانت تضم ما سبق وجلبه الوزير المهدي المنبهي إلى مولاي عبد العزيز من بريطانيا من أسود وفهود ونمور. لم يفترس الأسد ضيف قفصه، واكتفى بتوجيه ضربة يتيمة إلى أحد كتفيه بإحدى قوائمه. ومع إصرار الأسد على عدم افتراس الثائر، صاح مولاي عبد الحفيظ في جلسائه بأن الرجل ساحر بالفعل، ليأمر في اللحظة ذاتها القائد مبارك السوسي بتصفيته بمسدسه بمجرد إخراجه من قفص الوحش. وهو ما حدث بالفعل، إذ وجه القائد فوهة سلاحه، الذي كان من نوع موزير، إلى رأس الفتان وأنهى «أسطورته» بعد تطاير دماء جمجمته المهشمة. وتضيف ذات الرواية بأن قرار الإعدام كان قد اتخذ ليلة تنفيذه، خلال اجتماع سري ترأسه السلطان وحضره عدد من القواد المتمتعين بثقة مولاي عبد الحفيظ. وسواء صدقت الرواية الأولى أو الثانية، فالمؤكد أن «القائم» ظل حبيس قفص في فاس، وأنه عُرض على الملإ طيلة أيام حتى يتأكد الجميع بأنه ليس مولاي امْحَمد الذي سبق لبوحمارة المطالبة بالعرش باسمه، بل إن مولاي عبد الحفيظ حسب كل الروايات سيأمر بإحراق الجثة لتستحيل رمادا بعد صب الغاز عليها، حتى يكف شبح صاحبها عن قض مضجعه، وحتى لا يستمر في منازعته حول عرش الإيالة الشريفة، بعد أن خاصم سلفه في الحكم مولاي عبد العزيز هو الآخر. وسواء أعدم الجيلالي بن عبد السلام اليوسفي الزرهوني برصاص بنادق عبيد مولاي عبد الحفيظ أو برصاصة من مسدس القائد مبارك السوسي أياما معدودة قبيل حلول خريف عام 1909، فإنه انتفض - في البدء- ضد مولاي عبد العزيز، وأعلن الثورة ضد المخزن العزيزي في خريف سنة 1902، زاعما عند انطلاق الشرارات الأولى ل «فتنته» بأنه مولاي امْحمد صنو السلطان، والابن الأكبر للحسن الأول المتوفى في 1894؛ وأن الحاجب القوي باحماد هو من نحاه عن العرش لفائدة أخيه الأصغر، وله الأحقية شرعاً في خلافة والده، خاصة بعد تأكده «شخصيا» من «موالاة» مولاي عبد العزيز للكفار والنصارى، ومن إرادته استيراد عاداتهم وطبائعهم وسلوكاتهم وأنساق حكمهم إلى المغرب. وردت الإشارات الأولى إلى شق بوحمارة عصا طاعة السلطان مولاي عبد العزيز بقوة الحديد والنار في الصحافة الأوروبية ابتداء من نونبر 1902، لتستمر متابعة مغامراته إعلاميا إلى حين إعدامه، مثلما خصص له العديد من الكتاب الغربيين المعاصرين له، الذين ألفوا كتبا حول المغرب، صفحات أو فصولا كاملة ضمن مؤلفاتهم. ويجدر التنبيه إلى أن هذا الكتاب ليس بحثا تاريخيا أكاديميا، بل هو عبارة عن انتقاء وتجميع وترجمة لمقالات وكتابات أجنبية معاصرة ل»بوحمارة» تحكي عنه من وجهة نظر أصحابها، وتصف لحظات فتنته، مع إضافة إضاءات مغربية حول «الفتّان» وملحق خاص بالصور والرسوم التشخيصية للفاعلين وللأحداث».