مع مطلع يوم الخميس 9 شتنبر 1909، الموافق للثالث والعشرين من شهر شعبان من عام 1327، تم إعدام الجيلالي بن عبد السلام اليوسفي الزرهوني، المشهور في مغرب مطلع القرن العشرين بكنية «بوحمارة» وبلقب «الروكَي». اضطر يومها السلطان المولى عبد الحفيظ إلى إصدار أوامره المطاعة بإعدام «الفَتَّان» في مشور بلاطه العامر بفاس. طيلة سبع سنوات، وبينما جموع المغاربة تتابع أصداء ما يقوم به الروكَي عبر الروايات الشفوية، أو عبر ما يردده «البرَّاحون» أو ما يتسلل إلى علمها من مضمون الإرساليات المخزنية حول «فتنة بوحمارة»، اكتشف الرأي العام الأوروبي وجود الرجل وعلم ببعض أخباره عن طريق الصحافة والمجلات الأوروبية، وتابع أخباره بشغف لم يكن يعادله سوى حجم أطماع حكومات القارة العتيقة الرامية إلى احتلال المغرب. وتتضمن السلسلة هذه مجموعة من هذه المقالات الغربية التي صاغها صحفيون و كتاب عاصروا الروكَي بوحمارة. في سنة 1905، نشر أوغست مولييراس، المستكشف الكولونيالي الفرنسي، المقيم في الجزائر والمهتم بالقضايا والتطورات الجارية على الساحة المغربية، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وإثنوغرافيا، نشر إحدى دراساته العديدة حول المغرب، وهي بالضبط دراسة حول قبيلة من قبائل شرق البلاد. يحمل الكتاب هذا عنوان: «زكَارة، قبيلة زناتية غير مسلمة بالمغرب»، وهو يضم عدة صفحات مخصصة لبوحمارة، ووثائق عديدة حوله وحول حَرْكته، ومنها مقالات «دورية لجنة إفريقيا الفرنسية» ومجلة «القضايا الديبلوماسية والكولونيالية» التي سبق التعرض لها. في أحد فصول هذا الكتاب، يروي أوغست مولييراس بداية العلاقة بين أفراد القبيلة المذكورة وبين بوحمارة، وهو فصل يتضمن تفاصيل عن «قدرات الجيلالي الزرهوني» السحرية، قدرات وظَّفها لحشد الأنصار وإقناعهم بمساندته في مطالبته بالعرش. «مُحمَّاد ولد علي، وهو زكراوي من أولاد موسى، ينحدر من دوار أولاد رباح (...)، حضر بدايات حركة المطالب بالعرش المغربي. ذَهب مُحمَّاد هذا لقضاء بعض الأيام في أهل إسُّونن وبني مَحسن وأهل الزاوية، وهي قرى (...) مجاورة لبعضها البعض، واقعة قرب تازا ومنتمية لقبيلة غياثة الكبيرة. كان صاحبنا قد حلَّ هناك في أواسط فصل الربيع من عام 1902، حين علم بوفود طالْب يمتطي ظهر حمارة إسبانية ضخمة إلى المنطقة، وهي الميزة التي جعلت الوافد يُلقَّب ب «بوحمارة». لا أحد كان، حينذاك، يعرف هوية صاحب الأتان الحقيقية، بل إن لا أحد كان يعير أدنى اهتمام للموضوع أو يسعى لرفع الحجاب عنه. وبالمقابل، كانت الأفعال السحرية الخارقة المؤداة من طرفه بحذاقة ومهارة استثنائيتين تشد انتباه الجميع. هكذا، وبدون أدنى مجهود، وكأن الأمر يتعلق بلعبة سهلة، كان المشعوذ البارع يُحول أوراق الأشجار إلى قطع نقدية ذهبية، كما كان يملك ديكَالِيتْرًا لا ينضب من الشعير، ديكاليتر يمتح منه خمسون، ستون، ثمانون أو مائة فارس حاجة خيولهم، دون أن يَنقصَ وزنه». وحسب أوغست مولييراس، المستند إلى شهادة محماد ولد علي، فإن بوحمارة استطاع استقطاب المترددين من أهل زكارة والقبائل الأخرى لفائدة مطلبه بالعرش عبر «معجزات» إضافية: «كان بقدرته تغيير سحنته ولونه كلما شاء ذلك وكما شاء. هكذا، كان وجهه الشاحب والمنزوف يصبح فجأة قرمزيا، بل إنه كان، بعد ذلك، يستعير كل السحنات المعروفة». ويضيف مولييراس، بأن بوحمارة كان يخطب في زواره الكثيرين مؤكدا: «- لا تحضروا لي مؤونة، ولا أموالا. إن بركتي تكفي كل حاجياتي». «وكانت أقواله صحيحة! وكيف لا، وسريات القبائل تجد لديه ما يكفي من الشعير لإطعام خيولها التي يفوق عددها المئات، دون أن ينضب مخزون كيس شعيره؟ «وكيف لا، وقد كان يمنح لكل عابر سبيل ونذل ومتسول قطعا نقدية من فئة مائة قرش، قطع نقدية كان يغرفها من زعبولة لا تنضب هي الأخرى؟» وأكثر من كل هذا، وحسب نفس المؤلف، فالجيلالي الزرهوني كان «يكشف اللصوص بمجرد التمعن في وجوههم»، بل إنه كان «يتمتع بتبريد الرصاص، التبريد الذي يجعل طلقات الرصاص لا تصيبه بأدنى أذى». وكان من بين أوائل الملتحقين ببوحمارة والمناصرين له والمستعدين «للموت دفاعا عنه»، حسب مولييراس دائما، أربعة وعشرون فارسا من قبيلة غياثة. وقد انضاف لهم صاحبنا محمَّاد ولد علي الذي برر اختياره هذا قائلا: «- في انتظار أيام أفضل، سأقبض يوميا الأربعة دورو التي يؤديها هذا الرجل لحرسه الجدد»! ها بو حمارة إذن يتوفر على حرسٍ يضم خمسة وعشرين فارسا. وبينما هو يستعرض حرسه هؤلاء، حدث ما يلي، حسب مولييراس: «حل عند غياثة فيلق من الكَوم يضم ما بين سبعمائة وثمانمائة رجل منحدر من قبيلة آيت يوسي، يقودهم قائد القبيلة. كانت الأوامر قد صدرت لهم من طرف مولاي عبد العزيز قصد قطع رأس الفتَّان وإحضاره إلى السلطان. «بمجرد رؤيته الفيلق ذي النية السيئة ضده، أمر (بوحمارة) حرسه الخمسة والعشرين بعدم التدخل. جرد سيفه من غمده وأشهره، ثم شق طريقه وسط صفوف أعدائه إلى أن صار وجها لوجه مع القائد المذكور. انتهت المبارزة القوية بين الرجلين بانتصار بَيِّن للفتَّان، ولهذا، توصل سلطان فاس بالرأس المقطوعة لقائد آيت يوسي داخل كيس بعد يومين من هذه الأحداث، بدل رأس المطالب بالعرش. أما فرسان القائد الثمانمائة، فقد أطلقوا النار على بعضهم البعض، بعد أن توغل بوحمارة بشجاعة داخل صفوفهم. وبعد برهة وجيزة، أطلق الكَوم سيقانهم للريح فارين ومخلفين مائتي قتيل من بينهم. «أكثر من ثلاثة ألف فرد من قبيلة غياثة تابعوا المعركة هذه من أعلى قمم التلال المشرفة على ساحة الوغى، دون أن يساهموا فيها. وحين لمحوا بوحمارة مغادرا قلب المعركة وهو يحمل رأس القائد بيده من دون أن يصاب بأدنى جرح، حينذاك صاحوا جميعا: «- الله ينصر السلطان مولاي مْحمد!»