مع مطلع يوم الخميس 9 شتنبر 1909، الموافق للثالث والعشرين من شهر شعبان من عام 1327، تم إعدام الجيلالي بن عبد السلام اليوسفي الزرهوني، المشهور في مغرب مطلع القرن العشرين بكنية «بوحمارة» وبلقب «الروكَي». اضطر يومها السلطان المولى عبد الحفيظ إلى إصدار أوامره المطاعة بإعدام «الفَتَّان» في مشور بلاطه العامر بفاس. طيلة سبع سنوات، وبينما جموع المغاربة تتابع أصداء ما يقوم به الروكَي عبر الروايات الشفوية، أو عبر ما يردده «البرَّاحون» أو ما يتسلل إلى علمها من مضمون الإرساليات المخزنية حول «فتنة بوحمارة»، اكتشف الرأي العام الأوروبي وجود الرجل وعلم ببعض أخباره عن طريق الصحافة والمجلات الأوروبية، وتابع أخباره بشغف لم يكن يعادله سوى حجم أطماع حكومات القارة العتيقة الرامية إلى احتلال المغرب. وتتضمن السلسلة هذه مجموعة من هذه المقالات الغربية التي صاغها صحفيون و كتاب عاصروا الروكَي بوحمارة. بعد تعرضها، في مستهل مقالها الصادر في نهاية يناير 1903، لغضب القبائل من الإصلاحات المتسرعة للسلطان المولى عبد العزيز ، واصلت «دورية لجنة إفريقيا الفرنسية» عرضها للأوضاع في مغرب القلاقل ذاك: «بفعل أفكاره الشخصية، وربما بفعل التربية التي تلقاها من والدته (رقية التي كانت تتكلم وتكتب الفرنسية والعربية والتركية)، كان المولى عبد العزيز معجبا بأفكار أوروبا وتطوراتها، وكان يسعى إلى استنباتها في المغرب، دون الانتباه إلى كونها قد تجسد تهديدا للإطار العتيق الذي كان يريد استيرادها إلى رحمه. كان السلطان يقدم على ذلك بسبب النصائح الطائشة من طرف مستشارين بريطانيين يبدو أنهم قاموا لديه بدور الأصدقاء والمستشارين الحميمين، وقاموا في ذات الآن بمهمة موظفين مدافعين عن السياسة البريطانية. لقد ترددت أسماؤهم بوتيرة متنامية خلال الأحداث الأخيرة، كما أن مسؤولياتهم أكدتها الوقائع إلى درجة إقرارهم، هم أنفسهم، بها. ولذا، فلا بأس من ذكر اسمي المستشارين الأكثر تأثيرا من بينهم، ويتعلق الأمر أولا ب «القائد» ماك لين، الضابط السابق في صفوف الجيش البريطاني، الذي حل بالمغرب لممارسة التجارة فوجد الفرصة سانحة للقيام بدور سياسي بالبلد، وأصبح قائدا لحرس السلطان. أما المستشار الثاني، فهو والتر هاريس، مراسل «التايمز»، وهو رجل ذكي ودؤوب يتمتع بمعرفة دقيقة بتفاصيل الأوضاع بالمغرب، أصبح مؤرخ السلطان عبد العزيز، وينشر مقالات طويلة يصوغها بأسلوب جيد تمدح السلطان صديق الانجليز والمناصر، بفضلهم، للسلوكات العصرية. وكان المغاربة يكتشفون، كل يوم، سليل الشرفاء شغوفا بالتصوير الفوتوغرافي والدراجات الهوائية والسيارات والأزياء الأوروبية، ويباغتون به وهو يفتح أبواب القصر لممثلي بريطانيا. وتمثل كل هذه المعطيات مصدرا لانتقادات غير ذات أهمية كبيرة، لكنها جوهرية لدى المسلمين. وستتحول دهشتهم إلى استنكار فعلي حين ستصل الأمور إلى درجة غض الطرف عن تقاليد مقدسة، من قبيل إعدام مغربي لجأ إلى ضريح مولاي إدريس، مولى فاس، بعد أن أُشبع ضربا، بسبب هجومه على رجل مسيحي (...). «في رحم كل هذا الغضب وهذا الالتباس، بدا بوحمارة، زعيم الانتفاضة الذي كان يقدم نفسه مبشرا بقدوم المهدي المنتظر، ممثلا ومجسدا للتقاليد والإيمان الإسلاميين. ولقد تزايد عدد المتحلقين حوله والمناصرين له، لتتعزز صفوفهم بحشود المناوئين للنظام الجديد الذي أقره المولى عبد العزيز، بل إن هذا الأخير كاد يفقد عرشه في فاس، بعد هزيمة جيوشه أمام المنتفضين، وبعد الفرار المتسرع للمستشارين البريطانيين الذين قادوه إلى هذه الوضعية». أما المقال الثاني المنشور ضمن نفس عدد «دورية لجنة إفريقيا الفرنسية» تحت عنوان «انتفاضة بوحمارة»، فيقول: «أصبحت الأوضاع في المغرب تنذر بالخطر خلال شهر دجنبر الماضي، وانتشرت الانتفاضة، التي أشرنا إليها في العدد السابق، مثل النار في الهشيم، لتهدد طوال أيام سلطة السلطان. هكذا، وبينما كانت مْحلة المولى عبد العزيز منشغلة بإضرام النار في بعض الدواوير، وفي نهب مخازن حبوب قبائل زمور وكَروان، توصل المخزن بأخبار سيئة من منطقة تازا. «كان مولاي الكبير، أخ السلطان، قد ألحق هزيمة بالمنتفضين يوم 3 نونبر الماضي، وفرض على بوحمارة الهروب واللجوء إلى غياثة. لكنه، وبشكل مفاجئ، وضع حدا للمحادثات التي كانت جارية لتسليم الفتَّان، وانطلق في استخلاص الضرائب النقدية والعينية من قبيلة الحياينة، التي ناصرت أخيرا جيش المخزن، رغم ترددها في البداية، وحاربت إلى جانبه. كانت قيمة الضرائب جد مرتفعة، وفي نفس الآن كان جند السلطان يتميزون بعدم الانضباط في صفوفهم، ولهذا، وحين هاجم هؤلاء الجند قبيلة غياثة (29 نونبر)، انضم إلى هذه الأخيرة رجال الحياينة وحاربوا إلى جانبها الجيش النظامي. عمت الفوضى، حينذاك، صفوف جنود المخزن، ليسقط العديد منهم قتلى ويستولي المنتفضون على أسلحتهم وذخيرتهم. وبمجرد أن علم المولى عبد العزيز بما حدث، رحل عن مكناس بسرعة، دون أن تنهي مْحلته مهمتها التأديبية ضد قبائل زمور، ليحل بفاس يوم 9 دجنبر.»