«مع مطلع يوم الخميس 9 شتنبر 1909 الموافق للثالث والعشرين من شهر شعبان من عام 1327، تم اعدام الجيلالي بن عبد السلام اليوسفي الزرهوني ، المشهور في المغرب مطلع القرن العشرين بكنية «بوحمارة» ، وبلقب «الروكي». ومع يوم أول أمس الاربعاء 20 مارس 2013 الموافق 8 جمادى الأولى 1435، يصدر للشاعر والصحفي سعيد عاهد كتابه «الفتان : محكيات من سيرة الروكي بوحمارة لصحفيين وكتاب غربيين معاصرين له» ، الصادر ضمن سلسلة منشورات جريدة «الاتحاد الاشتراكي». الكتاب ليس بحثا تاريخيا أكاديميا، بل هو عبارة عن انتقاء وتجميع وترجمة ، قام بها سعيد عاهد ، لمقالات وكتابات أجنبية معاصرة ل «بوحمارة»، تحكي عنه من وجهة نظر أصحابها، وتصف لحظات فتنته. وتناول كتاب «الفتان» أصداء تتبع المغاربة لما قام به «الروكي» عبر الروايات الشفوية، أو عبر ما يردده «البراحون»، أو ما يتسلل إلى علمهم من مضمون الارساليات المخزنية حول «فتنة بوحمارة»، التي اكتشف الرأي العام الاوروبي وجود الرجل، وعلم ببعض أخباره هن طريق الجرائد الاسبانية والبريطانية والألمانية والفرنسية، ليتم الاهتمام بالتفاصيل المحيطة بسيرته ومساره ومطالبه بشغف عبر ما نشرته الصحافة والمجلات الاوروبية. وما خصص له الكتاب الغربيين المعاصرين له ، الذين ألفوا كتبا حول المغرب، من صفحات أو فصولا كاملة ضمن مؤلفاتهم. «الفتان : محكيات من سيرة الروكي بوحمارة لصحفيين وكتاب غربيين معاصرين له» ، تطرق في محتواه إلى ما عاشه وعرفه المغرب في عهد مولاي حفيظ من عصيان ديني، حرب أهلية ، أسطورة بوحمارة، معسكر الفتان، فرار مولاي عبد العزيز، وفاتة بوعمامة حليف بوحمارة ، كيف أصبح محماد ولد علي حارسا شخصيا لبوحمارة..، الى غيرها من المواضيع التي تمت كتابتها مابين سنوات 1902 و1921، بالاضافة إلى ملاحق تضمنت رسالة من بوحمارة للقياد والشيوخ والأولياء ، ونصوص عن «أحوال الوقت وأخبار الثائر الفتان» كتبه الحسن بن الطيب اليماني بوعشرين، «أقارب بوحمارة يعتبرونه حيا رغم اعدامه» لعبد الرحمان بن زيدان ، و«بوحمارة: البداية والنهاية» لعكاشة برحاب، بالاضافة إلى ملحق خاص بالصور والرسوم التشخيصية للفاعلين وللأحداث. ومن الوثائق النادرة التي يتضمنها الكتاب ترجمة لمقترح فرنسي قدم إلى مولاي عبد العزيز قصد التصالح مع بوحمارة. وقد جاء في هذا الفصل الذي تعود الوقائع المتضمنة فيه لشهر دجنبر 1907: «بعد اختتام المهمة التي كلفته بها بلاده، والمتمثلة في عقد لقاء مع مولاي عبد العزيز بالرباط تلبية لطلب من هذا الأخير، وجه بيشون (Pichon)، وزير فرنسا في طنجة، إلى وزير خارجية بلاده رينيو (Regnault)، يوم 8 دجنبر 1907، تقريرا مفصلا حول المفاوضات التي أجراها مع السلطان، والتي همت العديد من القضايا المشتركة. وفي هذا التقرير، المنشور من طرف وزارة الخارجية الفرنسية (36) ضمن سلسلة الوثائق الدبلوماسية المتعلقة بجذور حرب 1914، يكشف الموفد الفرنسي أنه اقترح على مولاي عبد العزيز التفاوض مع بوحمارة، وأن السلطان لم يبد معارضته المبدئية للأمر. ورد في فقرات التقرير الخاصة بهذا الموضوع ما يلي: «(...) قمت بعرض الأهمية التي يكتسيها سن سياسة تفاهم مع الروگي بالنسبة للمخزن، لكن شرط أن يعترف هذا الأخير بسيادة السلطان وأن يطلب الأمان، علما أنه من الجلي أن المخزن عاجز عن استرجاع المناطق الخاضعة الآن لنفوذ مولاي امْحمد بقوة السلاح، كما أن هذه الربوع تبدو منفلتة أكثر فأكثر من تأثير السلطان. «تستلزم مصلحة فرنسا عدم ترك أوضاع الفوضى وغياب النظام هذه تستفحل، إذ هي أوضاع تشكل مصدر شغب مقلق يهدد حدودنا الجزائرية؛ ومن جهة أخرى، ونظرا لقرب المنطقة من المدن المغربية الخاضعة لإسبانيا، فمما لا شك فيه أنه من الخطير ترك المجال مفتوحا أمام الروگي لكي يستقر هناك، ويتمكن، من ثم، من التفاوض مع السلطات الإسبانية بوصفه عاهلا على المنطقة، أو شن حرب ضد هذه السلطات. ومن المحتمل جدا، في الحالة الأولى كما في الثانية، أن يؤدي الأمر إلى توفير أسباب تبرر التدخل الإسباني في داخل المغرب. وبناء عليه، فإن إعادة إقرار سلطة المخزن تُعتبر إحدى ضرورات سياستنا. «لقد أبدى عبد العزيز استعداده لتقبل وجهة نظرنا هذه، كما اعتبر أنها نابعة من رغبتنا في إعادة إقرار السلطة الشريفة، ولذا فإنه سمح بالقيام باستطلاع آراء الروگي حول الموضوع بطريقة غير مباشرة؛ كما أعلن عن اعتماده علينا في إجراء هذه المفاوضات سريا، ودفع المنتفض إلى قبول الشروط الأساسية المذكورة. والسلطان لا يعترض على أن يُعيد المخزن تثبيت الروگي وقياده في مناصبهم الحالية، شرط أن تتم جباية الضرائب باسمه، وأن يُخصص قسط منها لفائدته. «وقد تحدثت مع الجنرال ليوطي(37) والحاكم العام للجزائر حول هذا المقترح، طالبا منهما تنسيق جهودهما مع ممثلنا في وجدة قصد بلوغ المبتغى؛ وهو الهدف الذي شاطراني الرأي في اعتباره مهم جدا في سياق سياسة بلادنا....» والجدير بالإشارة أن غلاف الكتاب وتوظيبه قد أنجزا بجمالية لافتة للانتباه من طرف عبد اللطيف الراوي.