الساعة تشير إلى حوالي السادسة والنصف مساء، والمكان هو ساحة المغرب في أسفل شارع فاس التي تتفرع عنها طرق تؤدي إلى بني مكادة وأخرى إلى كاسبراطا وأخرى إلى السواني، وأخرى إلى منطقة بن ديبان، وأخرى إلى المحطة الطرقية، يعني أن «ساحة المغرب» هي ساحة مغرب بالفعل، ومنها تتفرق الأرزاق والسيارات نحو كل الأمكنة، لذلك فإن سائقي السيارات وأفراد الشرطة كادوا يصابون بالجنون مساء يوم الثلاثاء 6 يناير. السيارات في الساحة تجمعت مثلما يتجمع النحل داخل خلية، وكثير من السائقين أوقفوا محركات سياراتهم، بينما كان البعض يستغل تلك اللحظات، أو تلك اللحظات الطويلة، من أجل إجراء مكالمات هاتفية أو التأمل في حجم الفوضى التي تغرق فيها هذه المدينة. الناس يقولون إن الملك وصل، أو ربما سيصل، لذلك فإن شوارع رئيسية في المدينة تم إغلاقها، ولذلك انزلقت آلاف السيارات نحو مكان واحد تقريبا، وهناك استنتج الناس أن كل الكلام الذي قيل من قبل عن التنمية في طنجة واستعدادها لاحتضان المعرض الدولي 2012 لم يكن سوى أكاذيب كبيرة سهر على تنميقها مسؤولو المدينة الذين تحولوا من مسؤولين إلى مجرد حراس للأوهام والأكاذيب. في تلك الأمسية اختنقت كل الطرقات الرئيسية، وكثير من السائقين كانوا يبحثون عن أي منفذ يعودون منه من أجل أن يركنوا سياراتهم في أي مكان. أفراد الشرطة كانوا يتحركون ويصفرون وكأنهم أصيبوا بنوبة عصبية. ما يجري كان فوق طاقتهم، لذلك فإن شرطيا أبعد صفارته عن فمه وصاح في السائقين المحتجين: صافي.. ما بقا والو.. ما عندكم فين تمشيو.. في شارع هارون الرشيد كانت تزمجر أبواق سيارة إسعاف تحمل مريضا يبدو أنه على حافة الموت. السيارة لم تتوقف عن محاولة العبور، لكن وضعها كان ميؤوسا منه. كانت محاطة بمئات السيارات من كل الجهات، واستمرت تحاول العبور لأزيد من نصف ساعة، ويبدو أن معجزة فقط جعلتها في النهاية تخرج من تلك المتاهة. ليرحم الله ذلك المريض إذا مات، وليرحمنا جميعا. صمتت أبواق السيارات لأن أصحابها يئسوا تماما من التحرك في مدينة يتبجح مسؤولوها باستمرار بأنها تشهد أكبر حركة من التنمية، وهي في العمق مجرد مدينة تصاب بالاختناق تماما عندما تقفل بضعة شوارع خلال زيارة رسمية للملك. في الشوارع المجاورة لساحة المغرب، كانت مئات السيارات الأخرى التي توقفت بالكامل، وبدا وكأن أصحابها يطلبون اللطيف للإفلات من هذه «الحصْلة». هناك سائقون أصيبوا بما يشبه الهستيريا وحاولوا أن يبحثوا عن أي مخرج، فازدادت حالة الفوضى وشتم الناس أنفسهم وغيرهم. هناك سائقون نجحوا في العثور على مكان قريب ركنوا فيه سياراتهم وبدوا على قدر كبير من السعادة وهم يتمشون على أرجلهم تحت المطر. الحمد لله الذي جعل للإنسان رجلين يمشي بهما عندما تتحول التنمية إلى كابوس، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه لأن المشي معجزة حقيقية في في مدينة أصيبت بالفوضى والاختناق، ومسؤولوها تاهوا بالكامل وحولوا طنجة إلى كتلة عارمة من الفوضى، وأصبح سكانها مهددين في أي وقت بإصابة جماعية بأمراض مزمنة مثل السكري والقلب والشرايين. ليرحم الله هذه المدينة، ضحية التنمية.. التنمية الجاهلية.