سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الساسي: الخوف من إسقاط الحكومة سيدفع بنكيران إلى القبول بالتسويات على حساب الإصلاح 1/1 قال إن هناك اتجاها لدى أطراف في الدولة نحو تجميد بنود أساسية في الدستور واعتبار أن العاصفة التي جاء في إطارها قد مرت
أكد محمد الساسي، القيادي في الحزب الاشتراكي الموحد و الأستاذ الجامعي في العلوم السياسية، أن المشهد السياسي اليوم يعيش انتكاسة دستورية بعدما عاد إلى التعامل بدستور 2006 وأصبح ينظر إلى دستور 2011 كوعد مستقبلي وكوثيقة تصلح لحالة الطوارئ، إذا ما عاد الحراك الاجتماعي والسياسي إلى عنفوانه. وقال الساسي في هذا الحوار المطول، الذي ننشره في جزأين، إن هناك تخوفا كبيرا لدى عبد الإله بنكيران من إسقاط حكومته، وهو ما سيدفع به إلى القبول بالتسويات على حساب الإصلاح الذي كان شعارا لحملته الانتخابية. وفي الجزء الثاني من الحوار سيتحدث الساسي عن مؤتمر الاتحاد الاشتراكي الأخير وعن أزمة اليسار ودور المثقف المغربي في الحراك السياسي وكذا مآل حركة 20 فبراير. - بداية، أريد أن أسألك عما جاء في أحد تدخلاتك الأخيرة، حيث قلت إن النظام وجد قيادات العدالة والتنمية «حيوانات سياسية أليفة». لِمَ هذا الوصف؟ قلت هذا الكلام في الجامعة السياسية للحزب الاشتراكي الموحد، التي نظمت مؤخرا، وهو مسجل بالصوت والصورة، ولكن نقل الصحافة للوصف لم يكن دقيقا لأنني لم أصف قيادة العدالة والتنمية أو مناضليه بأنهم حيوانات سياسية أليفة. لقد قلت إنهم عندما يتوجهون إلى النظام يقولون له: «نحن حيوانات سياسية أليفة». هذا الوصف لم أصبغه عليهم، لكنهم في علاقتهم بالنظام يريدون أن يثبتوا له بأنهم حيوانات سياسية أليفة، وأنا هنا أسجل رسالة موجهة من حزب العدالة والتنمية إلى الدولة. أنا لا أقيّم سلوك مناضلي العدالة والتنمية، وسبق لي أن ذكرت ذلك في عدة مناسبات، إذ أكدت أن وجود بنكيران في رئاسة الحكومة هو نتيجة مسلسل كان فيه تبادل للرسائل بين النظام السياسي وبين حزب العدالة والتنمية. كما كان فيه، كذلك، تبادل للتنازلات. ومن ضمن هذه الرسائل، طبعا، تصويت حزب العدالة والتنمية بنعم على الدستور من جهة، وتجاوزه كل المخالفات التي صاحبت الاستفتاء من جهة ثانية، وإحجامه رسميا عن المشاركة في حركة 20 فبراير، من جهة ثالثة. هذه كلها تعتبر رسائل موجهة إلى النظام. بالمقابل كان على النظام السياسي أن يجيب عن تلك الرسائل، من خلال عدم القيام بأي مناورة انتخابية أو سياسية تحول بين حزب العدالة والتنمية وبين الوصول إلى موقع رئاسة الحكومة. ونتساءل: ما الغرض، إذن، من هاته الإشارات الثلاث التي قام بها رفاق بنكيران؟ الغرض هو أن يقولوا: «لن تجدوا معنا صعوبة كبيرة، ونحن بجانبكم في تدبير الشأن العام، وسنتعاون «ماغنحكوش على الدبرة»، ولن يكون التغيير فجائيا أو انقلابيا، وإذا لم يكن الملك يحبنا في 2006 فسيحبنا في 2011 أو2012. وفي نهاية المطاف سننال رضاكم وثقتكم». هذا يعني أن الأمر يخص العلاقة بين العدالة والتنمية والنظام السياسي ولا دخل لي في تقييم هذا السلوك، فأنا لا أقول إن حزب العدالة والتنمية أو مناضليهم حيوانات سياسية أليفة. - في مداخلة أخرى قلت إن بنكيران غير قادر على حماية نفسه، فكيف سيحمي المغاربة. أليس في هذا الأمر نوع من المبالغة؟ ليس في الأمر أي مبالغة، بل بالعكس يطرح إشكالا كبيرا، ويمكن أن أحيلك على حادث طنجة لأنه حادث ليس بالسهل. إذ أظن أن منع رئيس الحكومة من المشاركة في نشاط عمومي لحزبه ليس بالأمر الهين، ويبدو أن وزير الداخلية، لم يخبر المعني بالأمر بهذا المنع. وقد جاءت الانتخابات الجزئية لتزكي هذه الحقيقة، وهي أن بنكيران غير قادر على حماية نفسه. وإذا كان الإنسان غير قادر على حماية نفسه فيجب أن نتساءل: إلى أي حد يمكنه أن يحمي الآخرين؟ ونحن نتذكر أن في الانتخابات الجزئية اشتكى حزب العدالة والتنمية، وهو موجود في رئاسة الحكومة، مما شاب الانتخابات من «انزلاقات»، ومن سلوك وزارة الداخلية، وهذه أشياء غريبة من الصعب أن تُقبل في سياق سياسي عادي، وهي ممارسات تفيد باستمرار استقلالية وزارة الداخلية عن رئاسة الحكومة. وإذا لم تكن توجد تحت إمرة رئيس الحكومة، فتحت إمرة من توجد إذن؟ مبدئيا، في السياق العادي، يجب على رئيس الحكومة أن يستدعي وزير الداخلية ويستفسره عن الأمر. وإذا كان هناك إشكال معين في قضية طنجة أو في قضية الانتخابات الجزئية سيحله مع وزير الداخلية باعتباره مرؤوسا لرئيس الحكومة. هذا الحادث مخالف لدستور 2011، الذي أرسى علاقة جديدة بين الداخلية ومختلف الأطراف لأن المفروض أن رئيس الحكومة هو من اقترح وزير الداخلية، وهو من يتابع نشاط جميع الوزراء. طبعا نلاحظ، الآن، كما لو أن دستور 2011 لم يوجد، وأن الوضع الذي كانت فيه وزارة الداخلية فوق رئيس الحكومة لازال مستمرا. وهنا تطرح إشكالات ليست متعلقة فقط بحقوق الإنسان، بل بالإصلاح بصفة عامة. فمن جهة، هذا الوضع موجود، ومن جهة ثانية، نلاحظ أن بنكيران لا يعمل ما يكفي لتغيير هذا الوضع، فمثلا في قضية الفوج الأول من العمال، الذين تم تعيينهم خلال ولاية هذه الحكومة، اتهم رفاق بنكيران أو جزء منهم أولئك العمال بكونهم فاسدين، فيما قال بنكيران إنه لم يبد تحفظا إلا على اسم واحد فقط. فهاته الواقعة كانت مناسبة لإعادة هيكلة وزارة الداخلية، وهنا يطرح السؤال: هل نحن في حاجة إلى إعادة هيكلة وزارة الداخلية أم لا؟ هل الإصلاح والتغيير الحقيقي يتطلب إنجاز هذه المهمة أم لا؟ وماذا فعل بنكيران من أجل إنجاز هذه المهمة؟ لا يمكن نهائيا أن نتحدث عن إصلاح في المغرب دون إعادة هيكلة وزارة الداخلية، وإعادة هيكلة هذه الوزارة له عدة متطلبات، على رأسها إرجاع هذه الوزارة إلى حجمها الطبيعي كما هو الحال في أي دولة ديمقراطية، وإرجاعها تحت إمرة رئيس الحكومة، مع تغيير الأدوار والوظائف التي كانت تقوم بها، وغير ذلك من ممارسات الماضي. فمثلا وزارة الداخلية، من خلال الوظائف التي مارستها في الماضي والتي مازالت تمارسها، تمثل الوجه الأبرز في علاقة الدولة بالمواطن، فإذا كانت الحكومة الحالية جاءت بعدة مكتسبات للمواطن، فإن هذه المكتسبات لم تنعكس على علاقة الدولة بالمواطن، ففي هذه العلاقة نجد وزارة الداخلية في المقدمة. معنى هذا أن الحكومة إذا لم تصلح وتعيد مراجعة العلاقة بين المواطن وبين الدولة فلا شيء سيكون تحقق، رغم كل ما يمكن أن تقوم به من منجزات لصالح المواطن. لهذا، فإن قضية كسب ثقة المواطن أساسية، وكسب الثقة لا يمكن أن يكون بدون إصلاح علاقته بالإدارات العمومية، وفي طليعة هاته الإدارات الإدارة المركزية (وزارة الداخلية)، التي شكلت مع تعاقب السنين معيارا للحكم على الدولة وعلى تفعيل المواطنة والحريات. بدون إعادة هيكلة وزارة الداخلية لا يمكننا أن نصل إلى أي شيء من الشعارات التي تقول الحكومة الحالية إنها جاءت لتنفيذها وتنزيلها على أرض الواقع. - في نفس الموضوع دائما، ظل رئيس الحكومة يكرر منذ تولى منصبه «أنا مجرد رئيس حكومة». هل هذه القولة هي واقع الحال، أي أن الدستور الحالي لم يعط صلاحيات حقيقية لرئيس الحكومة؟ أم أن بنكيران تنازل عن صلاحيات كثيرة، كما يقول المتتبعون، ولا يريد أن يستخدمها؟ أولا، هذه الحكومة هي ثمرة لنوع من التوافق أو التسوية الضمنية، التي تنازل فيها القصر، من جهة، والعدالة والتنمية، من جهة أخرى، ليصلا إلى هذه الوصفة، وكلاهما يفترض أنها ضرورية للمغرب في هذه المرحلة، لأنها ستضمن نجاح الخط الثالث، وهو التغيير في إطار الاستقرار. لكن هذه الوصفة الآن في تدبيرها العملي خاضعة، من جهة، للمقتضيات المفترضة لهذه التسوية ولموقف الحزب. كما أنها خاضعة للمسة الخاصة لشخصية بنكيران. إذن، فحزب العدالة والتنمية، في هذه الوصفة، يريد الإصلاح بتوافق مع الملكية، والإصلاح سيتقدم بقدر ما يتقدم التوافق مع الملكية. في هذه العملية التوليفية سيظهر أن بنكيران يغلب التوافق على الإصلاح، وهذه مسألة اللمسة الخاصة. طبعا، هذه التجربة تختلف عن سابقاتها لأن هناك سياقا جديدا، فالحكومة الحالية هي حكومة ناطقة مثل حكومة اليوسفي، التي كانت إلى حد ما ناطقة، لكن حين جاء عباس الفاسي عدنا إلى الحكومة التي تختار الصمت ولا تدافع كثيرا عن أطروحاتها. ثم إن هذه الحكومة لها، بلا شك، مذاق خاص مرتبط ببنكيران وبشخصيته المرحة، التي يرى فيها المواطنون مظاهر التلقائية. إضافة إلى أن هذه الحكومة مرتبطة بحزب حي له تفوق أخلاقي على الأطراف الحزبية الأخرى، كما له أيضا تفوق تنظيمي بالنسبة إلى الأحزاب الرسمية، ودخل الحكومة بمنطق القوة الذي جاء في سياق مفاجئ نوعا ما، لأن حزب العدالة والتنمية كان يشعر بنوع من الضيم والتحامل قبل أن يصبح في موقع رئاسة الحكومة. هذه التجربة، في نظري، مرت من ثلاث مراحل: المرحلة الأولى هي مرحلة الاندفاع، وهي المرحلة التي نسي فيها بنكيران أنه إذا كان له 107 من النواب فإن 288 نائبا ليسوا من العدالة والتنمية. في مرحلة الاندفاع هذه تحدث بنكيران كما لو أن له الأغلبية المطلقة، نظرا لعاملين: الأول، أن بنكيران اعتبر وجود حزب العدالة والتنمية سيخلق تيارا وحالة نفسية جديدة ستربك خصومه. والعامل الثاني، أن بنكيران عول على فرض الأمر الواقع، إذ اعتبر أنه بإعلانه عن مجموعة من الإصلاحات سيخلق حاجة لدى المواطنين أو يلعب على عنصر المفاجأة. في هذه المرحلة وقع ارتباك كبير في الأرقام وسخاء غير محدود في الوعود، وطبعا لم يتم الالتزام بالكثير من تلك الوعود، فمثلا قيل إن هذه الحكومة سيكون فيها 15 وزيرا، وأن وزراء السيادة انتهى عهدهم. لكن هذا لا يعني أن بنكيران كان يعلم أنه لا يستطيع تنفيذ هذه الوعود، بل كان يعتقد أنه حينما يقدمها كالتزامات علنية ستدفع الأطراف الأخرى إلى التنازل ومسايرته. في هذه المرحلة أيضا كان هناك نوع من الاستعلاء، الذي ظهر خاصة في تقدير بنكيران بأن هذه الحكومة هي بداية التاريخ السياسي المغربي، وبالتالي تحدث رفاق بنكيران عن الانتقال، وإلى حدود الساعة ما تزال «التجديد» الجريدة الوحيدة التي تتحدث عن الانتقال السياسي. هذا الاندفاع كان فيه شق مخطط له، وجزء مبالغ فيه. أما المرحلة الثانية، فتميزت بالبحث عن التسويات، خصوصا إذا علمنا أن بنكيران لا يمكن أن يلتزم وينفذ شيئا، دون توافق، وهذا ظهر جليا خلال مناقشة أزمة دفاتر التحملات، أو مثلا في «معركته» ضد الفساد، التي استند عليها بقوة في حملته الانتخابية، وهو يبحث اليوم عن صيغة لنوع من محاربة هذا الفساد يقع حولها تفاهم، أو بصيغة ثانية، يقول لنا إنه لا يستطيع وحده أن يحارب الفساد دون هذا التوافق، وأنه يسعى إلى محاربة الفساد ما استطاع إليه سبيلا... - (مقاطعا) انطلاقا مما قلته حول أن «بنكيران يحارب الفساد ما استطاع إليه سبيلا»، هل هذا دليل على أنه لا يستطيع خلخلة البنيات القائمة؟ تماما، ففي الإشكاليات المتعلقة بالشقين الاقتصادي والاجتماعي ظهر أن بنكيران لا يستطيع الخروج عن منظومة الحلول التقليدية، أي الزيادة في الأسعار. وبالعودة إلى ما سبق أن أشرت إليه، فإن لجوء العدالة والتنمية، في مرحلة ثانية، إلى نوع من التهديد باستعمال الشارع، كان الغرض منه الوصول إلى تسويات لا تكون ضد مصالح الحزب بشكل كبير. وهنا يظهر أن بنكيران قبل بتأجيل الانتخابات الجماعية، وهذا يدخل في باب التسويات. لكننا نغفل، ربما، أن الإشكال الانتخابي يجب أن يكون في قلب عملية الانتقال، ولا يمكن أن يعلق بدعوى التخوف من نتائج الاستحقاقات الجماعية، بل إن رئيس الحكومة بدأ يعطي بعض الإشارات التي تفيد سعيه إلى عدم إحداث مفاجأة بعدم الترشح في كافة الدوائر الانتخابية. وهذا يعني أن قضية الانتخابات، كنموذج، تدبر بمنطق التسويات مع الأطراف الأخرى، بالشكل الذي يؤدي في النهاية إلى أن تقاليد الماضي تؤثر على المسار السياسي. ولا شك أن بنكيران قبل أيضا بنوع من التسوية في تعيين لائحة العمال، فضلا عن إحالة بعض القوانين التنظيمية على نظر الديوان الملكي، وهي الخطوة التي تدخل في إطار البحث عن تسويات لمسلسل الإصلاح هذا، الذي لن يجد طريقه بنفس الحماس، وبالكيفية التي قدم بها إلى الشعب في المرحلة الأولى، بل سيبقى رهينا بالتسويات التي ستتم حسب كل ملف، وفي كل مرحلة على حدة. طبعا، هناك من يعتبر أن بعض الأطراف يجب أن تتعاقد معها من أجل الإصلاح، ولا يمكن أن نفرض عليها الإصلاح بالقسر. هذا صحيح، لكن هذه التعاقدات يجب أن تكون سابقة وليست لاحقة لكي نعرف بالضبط، ونحن في قلب التجربة، ما هي التنازلات التي سنقدمها، وإن كان من المجدي أن نشارك في هذه التجربة على ضوء هذه المعطيات.