أعادت الجولة الجديدة لكريستوفر روس، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، الحديث عن السيناريوهات القمينة بحل نزاع امتد لنحو 38 عاما ولم تنفع معه أي مبادرة في تحقيق اختراق الحاجز الصلب بين أطرافه. وبدا لافتا، أن تحرك المبعوث الأممي هذه المرة في المنطقة خلق أجواء ترقب، وفتح باب التكهنات عن المستقبل السياسي لقضية الصحراء المغربية، في ظل تسريبات صحافية عن «وصفة» جديدة يتم التحضير لها لإنهاء الصراع تقوم على اقتراح علاقة كنفدرالية بين المغرب والصحراء. ولئن كانت جولة روس تأتي في وقت حساس، خاصة في ظل المتغيرات الدولية والجهوية المتعلقة أساسا بالحرب على الإرهاب في منطقة الساحل، فإن جملة من الأسئلة تطرح في مقدمتها:هل تقبل تلك الأطراف بحل «الكونفدرالية» الذي يروج له حاليا كمخرج من النفق بعد أن لقيت كل مقترحات التسوية التي تقدمت بها الأممالمتحدة على امتداد السنوات الماضية الفشل؟ منذ عام 1991 توالت الحلول المقدمة من قبل الأممالمتحدة لحل أزمة الصحراء المزمنة، لكن بدون فائدة، بسبب الخلافات التي كانت تظهر في كل مرة بين المغرب والبوليساريو من جانب، أو بين المغرب والجزائر من جانب ثان. وكانت البداية مع اقتراح الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة خافيير بيريز دوكويلار، لتنظيم استفتاء وسط الصحراويين للاختيار بين الانفصال أو الاندماج في المغرب، غير أن الترتيبات الإجرائية التي تهم تطبيق هذا الحل مثل إحصاء الهيئة الناخبة وعمليات تحديد هوية الصحراويين من غيرهم، أدت إلى نشوب خلافات قوية بين الطرفين، وهي نفس الخلافات التي كانت وراء قرار مجلس الأمن الدولي في تقريره الدوري عن الصحراء أن خيار الاستفتاء أصبح متجاوزا بسبب عمق الخلافات غير القابلة للتذويب. وفي يونيو 2000 سيقدم الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان اقتراحا ثانيا بناء على تصور جيمس بيكر، المبعوث الأممي، سمي الحل الثالث باعتباره يتجاوز الحل العسكري الذي كان قائما بين الطرفين إلى حدود 1991 وخيار الاستفتاء. وقد جاء هذا الحل الثالث كحل سياسي بعد فشل الآليات القانونية لتنظيم استفتاء تحت إشراف الأممالمتحدة. وتضمن الاقتراح المذكور منح الأقاليم الصحراوية حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية لمدة خمس سنوات يتم بعدها تنظيم استفتاء وسط المقيمين في تلك الأقاليم، لكن البوليساريو والجزائر رفضتا هذا الاقتراح واعتبرتاه تنازلا لصالح المغرب. وأمام هذا الرفض سيقدم بيكر في فبراير 2002 على تقديم اقتراح جديد سمي بالحل الرابع، تضمن تقسيم الأقاليم الصحراوية بين المغرب والبوليساريو، بحيث يمارس المغرب سيادته على إقليم الساقية الحمراء، بينما يبقى إقليم وادي الذهب تحت سيادة البوليساريو، وقد رفض المغرب هذا الاقتراح الذي أيدته البوليساريو، واتهمت الرباطالجزائر بالوقوف وراءه للحصول على منفذ بحري على المحيط الأطلسي. وفي محاولة جديدة لتحقيق اختراق في جدار الأزمة، قدم بيكر «الحل الخامس»، بيد أنه تضمن ترتيبات لم توفر له فرصة النجاح، إذ احتفظ ببعض القضايا التي وردت في الحل الرابع مثل الحكم الذاتي لمدة أربع سنوات بدل خمس سنوات، يتم بعدها تنظيم استفتاء. وفي ظل الفشل الذي لاحق وصفات المنتظم الدولي لإنهاء أزمة الصحراء، كان لافتا اقتراح المغرب مبادرة الحكم الذاتي بالصحراء، وهو الاقتراح الذي التزمت فيه الرباط بالعمل على إيجاد حل سياسي نهائي لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء، في إطار سيادة المملكة المغربية، ووحدتها الوطنية والترابية. وحسب المقترح، سيتولى سكان الصحراء، وبشكل ديمقراطي، تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية، كما ستتوفر لهم الموارد المالية الضرورية لتنمية الجهة في كافة المجالات والإسهام الفعال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمملكة. مع احتفاظ هذه الأخيرة باختصاصات في ميادين السيادة ولاسيما الدفاع والعلاقات الخارجية والاختصاصات الدستورية والدينية لملك البلاد. بين الفيدرالية والحكم الذاتي استبق الدبلوماسي الأممي جولته إلى الرباط بتسريبات صحافية تشير إلى أن روس يعود إلى المنطقة هذه المرة وفي جعبته مشروع تسوية جديد لملف النزاع يتجلى في مقترح إنشاء نظام كونفدرالي بين المغرب والبوليساريو كحل سياسي وسط لتجاوز فشل صيغة استفتاء تقرير المصير. وبالرغم من أن روس حرص خلال لقائه بالمسؤولين المغاربة على طلب تقديم اقتراحات واجتهادات لحل قضية الصحراء المغربية، إلا أن بعض المراقبين رأوا في زيارته إلى سويسرا وألمانيا خلال شهري يناير وفبراير الماضيين، مؤشرات على توجه للحديث عن تسوية تنضج في دهاليز المنتظم الدولي وبرعاية الدول الكبرى، تقوم على النموذجين الفيدرالي والكونفدرالي. وفيما لم يصدر أي موقف رسمي بشأن ما تم تداوله بخصوص مقترح «الكونفدرالية» أو «الفيدرالية»، يمكن تلمس بعض ملامح ذلك الموقف من تساؤل جريدة «العلم»، لسان حال حزب الاستقلال، ثاني قوة في الحكومة الحالية: «هل هذا يعني ضمنيا أن الرباط قد تقبل التفاوض على أرضية نظام فيدرالي أو كونفدرالي يؤسس لعلاقتها الادارية والسياسية مع الاقاليم الجنوبية المسترجعة؟». فيما قالت صحيفة «التجديد» القريبة من حزب العدالة والتنمية إن روس، يعيد نفس خلاصات فالسوم، ولكن بلغة أخرى، ورأت الصحيفة في مقترح روس محاولة استلهام الحل الخامس الذي قدمه بيكر، ونال تأييد المغرب لولا أن الجزائر ضغطت في اتجاه تأييد خيار التقسيم، وأن المبعوث الأممي «بدأ يعطي الأولوية للحل النهائي بدل القضايا الجزئية الخلافية بين الطرفين، وأنه يوقع مرة أخرى على فشل خيار الاستفتاء ويقر باستحالة وجود أي حل للنزاع خارج السيادة المغربية، وأنه «لا يفعل أكثر من التفكير في هامش المقترح المغربي الذي اقترح فكرة الحكم الذاتي، لأن الصيغتين معا، أي الحكم الفدرالي أو الكنفدرالي، يعترفان بالسيادة للمركز، ويعترفان بالحكم الذاتي لبعض الأطراف». وإن كان رهان كريستوفر روس على صيغة جديدة للحل قد تكون على شاكلة اتحاد بين المغرب والصحراء، فإن مصطفى ناعيمي، الباحث في الشؤون الصحراوية، لا يرى في تلك الصيغة حلا للنزاع. وبالنسبة لناعيمي، فإن أطروحة الفيدرالية أو الكونفدرالية تقتضي إعادة صياغة الدستور المغربي الجديد، وهذه الإعادة غير واردة حاليا، مشيرا في تصريحات إلى «المساء» إلى «أن تلك الأطروحة تتطلب إطارا سياسيا خاصا وتعاقديا، وهو ما لا يتوفر في جبهة البوليساريو، إذ لا يعترف بها دوليا وليست لديها صلاحيات قانونية للاتفاق والتعاقد مع المغرب فيما يخص إقرار نظام فيدرالي». وفي الوقت الذي يشير فيه الباحث في الشؤون الصحراوية إلى أن المبعوث الأممي بصدد البحث عن صيغة درسها بمعية مع القوى العظمى، وينتظر أن يكشف عنها في التقرير الذي سيقدمه إلى مجلس الأمن شهر أبريل القادم، يرى ناعيمي أن الحكم الذاتي هو نهاية مشكل الصحراء، لكن شريطة التسريع به والانتقال إلى مرحلة انتقالية في انتظار موافقة البوليساريو. وبرأي ناعيمي، فإن المبعوث الأممي سيقدم حلا «لا فيدرالية ولا حكم ذاتي»، على أن يتم التوافق بين دول المنطقة ممثلة في المغرب والجزائر وموريتانيا ومالي على مراقبة المجال بما يسمح بمرور الأشخاص والسلع بحرية بين المناطق، ويضمن سلامتهم ومجابهة مشتركة للإرهاب. ويذهب ناعيمي إلى أن المخرج من قضية الصحراء يكمن في حل الحكم الذاتي لكن على أساس أن يتم تطبيقه الآن في حال ما إذا كان هناك توافق بين المغرب والجزائر على مرونة المجال، على أن يتم السماح بعودة البوليساريو في مرحلة معينة تتلوها مرحلة إنهاء الصراع بعقد اتفاق بين الطرفين. وفي انتظار أن تنكشف حقيقة التسوية التي يحضر لها روس لحل قضية الصحراء، خلال الأسابيع القادمة، تواجه دول المنطقة امتحان خطر إرهاب دولي قد يدفع أطراف النزاع إلى تقديم تنازلات تفيد في حلحلة الوضع.